في اليوم العالمي للفلافل… فلسطينيون يتحدثون عن العشق والتاريخ

تختلف تسمية الوجبة الشعبية من مكان لآخر

في اليوم العالمي للفلافل… فلسطينيون يتحدثون عن العشق والتاريخ
TT

في اليوم العالمي للفلافل… فلسطينيون يتحدثون عن العشق والتاريخ

في اليوم العالمي للفلافل… فلسطينيون يتحدثون عن العشق والتاريخ

«لا يمر يوم، دون تناولها من قِبل جميع أفراد أسرتي. إنها ضمن التفاصيل الملازمة لحياتنا التي تربينا عليها منذ الصغر»، بهذه الكلمات عبر إبراهيم نايف (36 عاماً)، الذي يسكن شمال قطاع غزة، عن المكانة التي يخصصها لأكلة الفلافل الشعبية في وجدانه.
وفي حديثٍ لـ«الشرق الأوسط» يقول: «العلاقة بين الفلسطيني ووجبات طعامه التراثية، قائمة على الحب والاهتمام الشديد، لأنه يعتقد أن ارتباطه بها هو ارتباط وتمسك بالأرض والتاريخ، والفلافل من بين أبرز الأكلات التراثية التي وصلتنا من الأجيال القديمة، التي عاشت في البلاد قبل الاحتلال عام 1948».
وتحتفل دول العالم، في الثامن عشر من يونيو (حزيران) من كل عام بذكرى «اليوم العالمي لوجبة الفلافل»، التي تعد فلسطين من بين البلاد المشهورة عربياً وعالمياً، بصناعتها، حيث تُعد من الحمص والفول والبازلاء الجافة، إضافة لبعض الخضراوات كالبقدونس والكزبرة ونبتة «عين الجرادة».
وتحتوي الفلافل على قيم غذائية عالية، كما يرى كثير من المختصين، وذلك كونها مليئة بالبروتين، كما وتختلف تسمية «الفلافل» بين البلاد العربية، ففي مصر والسودان يطلق عليه الناس اسم «الطعمية»، وتُحضر بشكلٍ مختلف قليلاً عن الطريقة الفلسطينية، وفي السعودية واليمن يسميها المواطنين بـ«الباجية».
تصف الشابة إيمان المجدلاوي الوجبة الصباحية التي تتناولها يومياً، والمكونة من الفلافل والفول والحمص وبعض أنواع الأجبان، بالعشق الكبير، الذي تربت على حبه، فهو من الثوابت القليلة التي لم تتغير في حياتها. وتسرد: إن «وجبة الغذاء قد تتبدل من يوم لآخر، والمنزل قد يتغير والملابس والأشخاص، لكن الفلافل يحضر دائماً، بكل الأوقات، وأجزم أنه يدخل لجميع البيوت الفلسطينية بشكلٍ يومي، كون سعره زهيداً، ويناسب مختلف الطبقات المجتمعية، هذا عدا عن طعمها المميز، الذي لا يمكن الاستغناء عنه».
أما ناهض المصري، الذي يمتلك بسطة لبيع الفلافل في بلدة بيت لاهيا، شمال غزة، فيشير لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن قصته مع تلك الأكلة بدأت، قبل أكثر من 15 عاماً، إذ تحولت في ذلك الوقت، لمصدر رزقٍ يُحصل منه ما يحتاجه من مال للعيش. وينوه إلى أن شعبية الأكلة تساعد على انتشارها الواسع، وتزيد من إقبال المواطنين عليها، كما أن «الخلطة» المميزة، التي يضيفها بشكلٍ شخصي عليها، ترفع من جمال طعمها، ورائحتها التي تجذب المشترين، وفيما يتعلق بالسعر الذي تُباع به، يوضح أنه «رمزي جداً»، فدولار واحد، يكفي لسدِ جوع ستة أشخاص على الأقل.
وفي السياق ذاته، تروي ريما الرجبي، التي تقطن مدينة الخليل، الواقعة جنوب الضفة الغربية المحتلة، أن المناطق الفلسطينية المختلفة، تتمسك بالفلافل، كجزء من تمسكها بالتراث والهوية الوطنية.
وتذكر أن الفلافل كغيره من الموروث الفلسطيني، يتعرض لمحاولات السرقة من قِبل إسرائيل، فكثيرة هي المناسبات التي عمدت بها الأخيرة على تصنيف الوجبة، من بين الأصناف الرئيسية في المطبخ الإسرائيلي، لافتة إلى أن ذلك يحتاج منها تمسكاً أكبر، لأن العلاقة بين العربي بشكلٍ عام والفلافل، أكبر من فكرة، أكلة لذيذة أو شعبية، كما تبين.
وعمل بعض الفلسطينيين الذين سافروا لدولٍ غير عربية، مثل تركيا والمناطق الأوروبية، بحثاً عن الرزق والعمل، على افتتاح مطاعم صغيرة لبيع الفلافل، وذلك لعلمهم كم يتوق المغتربون لهذه «الأكلة».
وكان الفلسطيني طلعت خطيب أوغلو الذي تعود أصوله لمدينة رفح الواقعة جنوب قطاع غزة، من بينهم، فهو يمتلك حالياً سلسة مطاعم تحمل اسم «فلافل غزة»، وتنتشر في مناطق مختلف في تركيا، وتحظى بانتشارٍ واسع بين الناس هناك، كما أنها استطاعت الوصول للمواطنين الأتراك أنفسهم، وصاروا مع الوقت من الزبائن الدائمين فيها.
ويُحيي محرك البحث العالمي «غوغل Google» سنوياً مناسبة «اليوم العالمي للفلافل»، من خلال صفحاته الرسمية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، وذلك كون دولها، ما زالت تعيش حتى هذا الوقت، جدلاً حول أحقية كل منها في أصول تلك الأكلة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».