ارتفاع الجريمة يقرّب لبنان من «الانفجار الاجتماعي»

نسب عالية للقتل والسرقة والبطالة في ظل «كورونا» والانهيار الاقتصادي

صورة نشرتها قوى الأمن الداخلي في موقعها الأسبوع الماضي
صورة نشرتها قوى الأمن الداخلي في موقعها الأسبوع الماضي
TT

ارتفاع الجريمة يقرّب لبنان من «الانفجار الاجتماعي»

صورة نشرتها قوى الأمن الداخلي في موقعها الأسبوع الماضي
صورة نشرتها قوى الأمن الداخلي في موقعها الأسبوع الماضي

بدأت الأرقام الرسمية تعكس الواقع الصعب الذي يرزح تحته اللبنانيون، والذي يرجح كثيرون أن يستمر لسنوات نتيجة الانهيار المالي والاقتصادي المتواصل. فحتى ولو انطلق تطبيق الخطة الإصلاحية التي أقرتها الحكومة، فإن، وحسب خبراء ماليين واقتصاديين، الخروج من النفق الحالي سيكون صعباً وطويلاً، ما يهدد بارتفاع إضافي في معدلات البطالة والجريمة.
فحسب أرقام لقوى الأمن الداخلي، حصلت عليها «الشرق الأوسط»، ارتفعت جرائم القتل في الأشهر الـ5 الأولى من عام 2020 بنسبة 82.2% مقارنةً بالفترة عينها من عام 2019، فيما ارتفعت حوادث سرقة السيارات بنسبة 58.6% وعمليات السلب بنسبة 150%، في حين تراجعت نسب عمليات النشل 56.8%، والانتحار 28.2%.
وترى مصادر أمنية أنه «رغم الارتفاع الذي تم تسجيله في بعض النسب، فإن ذلك ليس مؤشراً على تفلت أمني باعتبار أن بعض الأرقام تراجعت، ما يعني أن الأمور لا تزال تحت السيطرة»، مشددةً على أن «التوقيفات المستمرة والسريعة والملاحقات تشكل عمليات ردع لكل من تسول له نفسه ارتكاب جريمة ما». وتضيف المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «الارتفاع المسجّل في بعض الأرقام، ليس غير مسبوق باعتبار أننا سجلنا أرقاماً مماثلة في العامين 2013 و2014».
وتؤكد المصادر أنه «تم توقيف معظم مرتكبي الجرائم، وقد تبين أن معظم هؤلاء قاموا بهذه العمليات لأسباب نفسية نتيجة (كورونا) والوضع الاقتصادي السيئ»، لافتةً إلى أن «هذه الظروف زادت من حالة الاحتقان لدى الكثيرين، فاتجه بعضهم إلى ردّات الفعل العنفية». وتشدد المصادر على أن «معالجة هذا الوضع تتم أولاً بمعالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية»، مشيرةً إلى جهوزية قوى الأمن للتعاطي مع أي وضع مستجد، «فنحن دائماً على جهوزية عالية ونعمل بحرفية كبيرة». وتضيف: «شهدنا خلال الأشهر الماضية ازدياد نسب سرقة الصيدليات، وبعد إلقاء القبض على المرتكبين ونتيجة الجهوزية الدائمة تراجعت هذه العمليات حتى قاربت الانعدام».
ويتخوف كثيرون من ارتفاع إضافي في معدلات الجرائم في لبنان خلال الأشهر المقبلة نتيجة تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية التي بلغت مستويات غير مسبوقة خصوصاً أنها تترافق مع تدابير مشددة تتخذها المصارف التي تضع قيوداً كثيرة على السحوبات المالية. وينبه هؤلاء إلى انفجار اجتماعي، خصوصاً بعد تضخم نسبة البطالة في لبنان بعد إقفال الكثير من المؤسسات أبوابها وطرح مئات آلاف اللبنانيين من وظائفهم.
وتشير أرقام الشركة «الدولية للمعلومات» إلى أن عدد العاطلين عن العمل قبل 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 كان نحو 350 ألفاً أو 25% من حجم القوى العاملة، لافتةً إلى أن هذا العدد ارتفع إلى 430 ألفاً، أي بنسبة 32% بعد 17 أكتوبر. ورجحت دراسة «الدولية للمعلومات» ارتفاع العدد في الأشهر القادمة إلى مليون عاطل عن العمل أي بنسبة 65%، ما لم تحصل خطوات عملية سريعة لتداركه.
ومن بين المؤشرات التي اعتمدت عليها الدراسة، احتمال أن يصرف نحو 10 إلى 15 ألف أستاذ وموظف في المدراس الخاصة نتيجة عدم قدرة الأهالي أو امتناعهم عن تسديد الأقساط المتوجبة عليهم، وبالتالي تقليص عدد الصفوف وصولاً إلى إغلاق عدد من المدارس. وهذه النسبة تشكل 25% من إجمالي عدد العاملين في المدارس الخاص، كما إقفال عدد من المطاعم والفنادق والمؤسسات السياحية نتيجة عدم القدرة على تحمل ارتفاع الأعباء وتراجع المداخيل، وهذا الأمر قد يصيب نحو 50 ألف عامل، البعض منهم يعمل ولكنه يتقاضى راتباً مخفضاً بنسبة 20% و75%.
وفي الوقت الذي قد يربط فيه البعض ارتفاع معدلات الجرائم بالحجر الذي فرضه فيروس «كورونا»، ما أدى لآثار نفسية سلبية، رأت الدكتورة منى فياض، أستاذة علم النفس في الجامعة اللبنانية، أن «هذا الربط فيه شيء من المبالغة»، لافتةً إلى أن «هذا الوباء قد يكون ساعد في بروز مشكلات نفسية عند أشخاص لديهم هشاشة في علاقتهم بالآخرين، وانعكس عنفاً منزلياً وغيره كما أدى إلى ظهور أمراض نفسية كانت موجودة لكن الحجر والتقييد وتغيير نمط الحياة جعلها مكشوفة، إلا أنه برأينا السبب الرئيسي للعنف والجرائم هو الانهيارات الاقتصادية المتواصلة والتي كنا نتوقعها منذ نحو 5 سنوات لأسباب كثيرة».
وعددت فياض في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بعض هذه الأسباب متحدثةً عن الاكتظاظ، وانهيار البنية التحتية، وتعطل آليات الحكم أو تعطيلها ما انعكس إفلاساً للدولة. وأضافت فياض: «لدينا مئات آلاف الأشخاص الذين فقدوا أعمالهم بسبب الأزمة التي فاقمها (كورونا)، والذي أتى كهدية سماوية للسلطة لتلقي اللوم والمسؤولية عنها، إلا أن كل دول العالم التي ضربها الوباء لم تفلس بل ساعدت شعبها واتخذت خطوات وتدابير لإعادة النفس لاقتصاداتها».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.