آثار أفريقيا المنهوبة تعرض للبيع في قلب أزمة اقتصادية عالمية

آلاف القطع الفنية الأفريقية داخل المتاحف الفرنسية   -  تمثال «أرهوبو» (نيجيريا) المعروض في مزاد دار «كريستيز»
آلاف القطع الفنية الأفريقية داخل المتاحف الفرنسية - تمثال «أرهوبو» (نيجيريا) المعروض في مزاد دار «كريستيز»
TT

آثار أفريقيا المنهوبة تعرض للبيع في قلب أزمة اقتصادية عالمية

آلاف القطع الفنية الأفريقية داخل المتاحف الفرنسية   -  تمثال «أرهوبو» (نيجيريا) المعروض في مزاد دار «كريستيز»
آلاف القطع الفنية الأفريقية داخل المتاحف الفرنسية - تمثال «أرهوبو» (نيجيريا) المعروض في مزاد دار «كريستيز»

تصطف الآلاف من القطع الأثرية التي نهبت من داخل مدن أفريقية منذ ما يزيد على قرن، داخل متاحف ومؤسسات أوروبية وبريطانية. وبعد عقود من حملات جرى تنظيمها من أجل إعادة القطع الأفريقية الأثرية ـ مثل مجموعة القطع البرونزية الخاصة ببنين ـ إلى أوطانها، بدأت أخيراً بشائر إمكانية إنجاز هذا الأمر تلوح في الأفق.
إلا أنه في خضم أزمة اقتصادية عالمية سببها تفشي وباء فيروس «كورونا» الذي ألحق الدمار باقتصاديات عادة، ظهرت سوقاً جديدة للقطع الأثرية والفنية الأفريقية.
من جهتها، أعلنت دار «كريستيز» البريطانية للمزادات، عن تنظيمها مزاد بعنوان «فنون أفريقيا وأوقيانوسيا وأميركا الشمالية» في باريس يضم قطع أثرية أفريقية مثل رأس «أركان» تراكوتا (غانا) ومجموعة القطع البرونزية الخاصة ببنين وتمثال «أرهوبو» (نيجيريا). وتنتمي القطع الأثرية إلى مختلف أرجاء القارة الأفريقية، بما في ذلك نيجيريا وغانا والغابون وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وتقدر قيمتها بما يتراوح بين 30 ألف و900 ألف يورو.
وتحيط بمزاد «كريستيز» موجة كبيرة من الجدل. وأشارت الدار إلى أن أصل الرأس البرونزي المعروض بين القطع إلى 1890 - 1949 كجزء من مجموعة فريدريك وولف نايز التي جرى عرضها في فيينا ونيويورك.
من جهتها، لم تستجب دار «كريستيز» لطلب تقدمنا به للحصول منها على تعليق.
جدير بالذكر أن المزاد يضم قطعاً أثرية من الغابون ونيجيريا وغينيا الاستوائية تقدر بما يتراوح بين أكثر عن 25 ألف دولار وصولاً إلى نصف مليون دولار. وتشبه الصفائح البرونزية القادمة من بنين التي تعرضها الدار في المزاد صفائح برونزية أخرى معروضة في متحفي سانت بطرسبرغ وبرلين، وهي قطع فنية تتميز بتاريخ موثق وتعد جزءًا من قطع أثرية منهوبة من البلاط الملكي أثناء غزو تعرضت له مدينة بنين عام 1897.
من جهتها، أعلنت دار «سوذبيز» للمزادات في 27 مايو (أيار) عن مزاد طموح لبيع «رأس كليمان فانغ»، تمثال تقدر قيمته بما يتراوح بين 2.5 مليون دولار و4 ملايين دولار وينتمي لمجموعة سيدني وبيرنيس كليمان.
وبصورة إجمالية، من المقرر طرح 32 قطعة أثرية أفريقية من المجموعة عبر سلسلة من المزادات تنظمها «سوذبيز».
جدير بالذكر في هذا الصدد أن تنظيم مزادات لقطع أثرية أفريقية قيمة، بعضها قد يكون مرشحاً لإعادته لوطنه الأم، كان ليثير الجدل في الظروف الطبيعية، لكنه يثير اليوم جدلاً أكبر في خضم الوباء العالمي المتفشي وتداعيات الاقتصادية.
في مارس (آذار)، أعلنت «سوذبيز» أنها تعاين تنامياً في الاهتمام بالمزادات المتعلقة بقطع أثرية أفريقية مع توافر قاعدة عملاء أكثر تنوعاً عبر الإنترنت.
وربما يفترض المرء أن مثل هذه المزادات في طريقها للانحسار في أعقاب التقرير البارز الذي وضعها الكاتب والخبير الاقتصادي السنغالي فيلوين سار والمؤرخة الفرنسية بينيديكت سافوي والذي دعيا من خلاله إلى إعادة آلاف القطع الفنية الأفريقية داخل المتاحف الفرنسية والتي جرى الاستيلاء عليها أثناء الحقبة الاستعمارية، إلى بلدانها الأصلية.
كان التقرير قد جرى وضعه بتوجيهات من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ودعا إلى إدخال تغييرات على القانون الفرنسي تسمح بإعادة الأعمال الثقافية إلى أفريقيا. وخلال لقاء مع عدد من الطلاب في بوركينا فاسو عام 2017. قال ماكرون: «يجب أن يعرض التراث الأفريقي في باريس ـ وكذلك في داكار ولاغوس وكوتونو. وستكون هذه واحدة من أولوياتي. بدءًا من اليوم، وعلى امتداد الأعوام الخمس القادمة، أرغب في العمل من أجل السماح بالعودة المؤقتة أو الدائمة لقطع التراث الثقافي الأفريقي إلى أفريقيا».
الملاحظ أن الكثير من القطع الأثرية والفنية الأفريقية توجد خارج القارة، بينها تماثيل وعروش ومئات الآلاف من القطع التاريخية موجودة في بلجيكا والمملكة المتحدة والنمسا وألمانيا. ويقدر التقرير الفرنسي سالف الذكر أن المتحف البريطاني وحده لديه مجموعة تضم قرابة 69.000 قطعة من أفريقيا.
في هذا السياق، قال كولا توبوسون، عالم لغويات نيجيري وزميل باحث لدى المكتبة البريطانية: «معظم القطع الأثرية تشكل بالفعل جزءً من المشهد الفني العالمي والاقتصاد العالمي وينبغي أن تستمر كذلك. وكان للكثير من هذه القطع تأثيراً على أسلوب مناقشة القضايا الفنية عبر أوروبا في تلك الأيام. كما أنها تمثل فرصاً للاحتفاء بالتطور العالمي، وليس الأفريقي فحسب».
جدير بالذكر أنه عام 1897، دمرت قوات بريطانية جزءً كبيراً من بنين، مدينة تقع جنوب نيجيريا وأحرقت القصر القائم بها ونهبت 4.000 قطعة أثرية منها الرؤوس النحاسية والصفائح البرونزية الشهيرة. اليوم، يضم المتحف البريطاني في لندن حوالي 700 قطعة أثرية تاريخية نيجيرية، ويجري عرض 100 منها تقريباً في معرض مقام تحت الأرض.
ومع تنامي الدعوات العالمية لإعادة القطع الأثرية الأفريقية إلى أوطانها، بما في ذلك تلك التي تخص بنين، لاحت في الأفق بادرة أمل، خاصة مع إعلان المتحف البريطاني عن خطط «لإقراض» بعض القطع الأثرية لديه إلى متحف جديد في مدينة بنين مقرر افتتاحه عام 2021.
كان جزء من التقرير الفرنسي قد أشار إلى أنه فيما عدا الحالات التي من الممكن فيها إثبات الحصول على القطع الأثرية على نحو مشروع، من الواجب إعادة القطع إلى أفريقيا على نحو دائم، وليس على سبيل الإعارة طويلة الأجل. ومع هذا، فإن واحدة من أكبر الانتقادات الموجهة إلى مطالب إعادة القطع الأثرية إلى بلدانها الأفريقية، خاصة نيجيريا، تركزت حول عدم وجود متاحف وثقافة مناسبة لصيانة القطع الأثرية.
وفي الوقت الذي تعمل بعض المعارض الفنية القليلة داخل نيجيريا كحماة للقطع الفنية الأفريقية داخل البلاد، فإن المتاحف الأقدم تتسم بوجه عام بحالة يرثى لها وتعاني نقص التمويل. ومع ذلك، بدأت متاحف جديدة في الظهور حالياً عبر أرجاء أفريقيا، بما في ذلك في داكار حيث المتحف السنغالي للحضارات السوداء ومتحف يميسي شيلون للفنون في لاغوس، لكنها تبقى غير كافية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن بعض القطع الفنية والأثرية الأفريقية التي تشملها دعوات إعادتها إلى أوطانها الأصلية تحمل دلالات دينية وتشكل جزءً من شريحة من الثقافة الأفريقية آخذة في الاحتضار. في هذا الصدد، قال توبوسون: «تحمل الكثير من القطع المنهوبة أهمية تتعلق بالطقوس في الأماكن التي سلبت منها. وعندما يصر أصحاب القطع الأثرية على ضرورة عودتها إلى أماكنها، فإن لهم الحق في ذلك، لكن يتعين أولاً إثبات الملكية».
ورغم ذلك، يبدو أن هذه القطع الأثرية تحولت بالفعل إلى جزء من منظومة عالمية تتحرك دون مشاركة أفريقيا. ويعتقد الأمير يميسي شيلون، النيجيري الذي يعمل في جمع القطع الأثرية، أن القيمة التي تحظى بها الكثير من القطع الأثرية الأفريقية اليوم ترتبط بموقعها الحالي.
وأضاف: «هناك صناعة عاملة وبنية تحتية في هذا الشأن تدعم الأعمال الفنية. وبمجرد عودة هذه القطع إلى حوزتنا، ستفقد قيمتها تماماً مثلما الحال مع تلك القطع الموجودة هنا بالفعل. وينبغي أن يرتكز الحديث الدائر هنا حول إثبات الملكية، ثم الحصول على رسوم سنوية من وراء هذه القطع حتى وإن ظلت في أماكنها الحالية».
وأعرب الأمير شيلون عن اعتقاده بأن المنظومة الفنية النيجيرية ليست بالشكل الذي ينبغي أن تكون عليه، خاصة في ظل التشويه الذي كثيراً ما تتعرض له التوجهات المحلية إزاء القطع الأثرية. تجدر الإشارة هنا إلى أن المتحف الذي يحمل اسمه جرى الترويج له باعتباره وجهة محتملة لأي قطع أفريقية تجري إعادتها إلى القارة السمراء.
- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

بمليوني دولار... بيع قطعة نقود رومانية نادرة تحمل صورة بروتوس

يوميات الشرق تم بيع القطعة النادرة بـ2.09 مليون دولار ضمن مزاد في جنيف (أ.ف.ب)

بمليوني دولار... بيع قطعة نقود رومانية نادرة تحمل صورة بروتوس

بيعت قطعة نقود ذهبية رومانية نادرة جداً تحمل صورة بروتوس، أحد المشاركين في قتل يوليوس قيصر، لقاء 2.09 مليون دولار ضمن مزاد أقيم الاثنين في جنيف

«الشرق الأوسط» (جنيف)
يوميات الشرق بقايا كائنات بحرية يتجاوز عمرها 56 مليون عام وتعود لعصر الإيوسيني المبكر في طبقات لصخور جيرية (الشرق الأوسط)

اكتشاف تاريخي لبقايا كائنات بحرية في السعودية عمرها 56 مليون سنة

أعلنت هيئة المساحة الجيولوجية في السعودية اليوم (الأحد)، عن اكتشاف لبقايا كائنات بحرية يتجاوز عمرها 56 مليون عام وتعود للعصر الإيوسيني المبكر.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق معرض يحكي قصة العطور في مصر القديمة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

معرض أثري يتتبع «مسيرة العطور» في مصر القديمة

يستعيد المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة) سيرة العطر في الحضارة المصرية القديمة عبر معرض مؤقت يلقي الضوء على صناعة العطور في مصر القديمة.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق الفيلا تدلّ على «أسلوب حياة فاخر» (تيفونت أركيولوجي)

اكتشاف آثار فيلا رومانية فاخرة على الأرض البريطانية

اكتشف علماء آثار و60 متطوّعاً فيلا رومانية تدلّ على «أسلوب حياة فاخر»، وذلك في مقاطعة يلتشاير البريطانية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)

الحناء تراث عربي مشترك بقوائم «اليونيسكو» 

في إنجاز عربي جديد يطمح إلى صون التراث وحفظ الهوية، أعلنت منظمة «اليونيسكو»، الأربعاء، عن تسجيل عنصر «الحناء» تراثاً ثقافياً لا مادياً.


المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)
الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)
TT

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)
الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)

أظهرت دراسة أجراها باحثون من كلية «ديل ميد» في «جامعة تكساس» الأميركية، بالتعاون مع دائرة «لون ستار» المجتمعية للرعاية الصحّية في الولايات المتحدة، أنّ المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف مع مرضى السكري من ذوي الدخل المنخفض، من أفراد مدرّبين على القيام بذلك، أدَّت إلى تحسينات كبيرة في قدرة هؤلاء الأشخاص على التحكُّم في نسبة السكر بالدم.

ويقول الباحثون إنّ لتقديم الدعم الحقيقي المُرتكز على التعاطف مع المريض تأثيراً في الصحة يعادل تناول الدواء، مفسّرين ذلك بأنّ المدخل العاطفي هو البوابة إلى تغييرات نمط الحياة التي تعمل على تحسين إدارة المرض؛ وهي المنطقة التي غالباً ما تفشل فيها الرعاية الصحّية التقليدية.

وتشير الدراسة التي نُشرت، الثلاثاء، في دورية «جاما نتورك أوبن»، إلى أنّ هذا النهج يمكن أن يوفّر نموذجاً بسيطاً وفعّالاً لجهة التكلفة لإدارة الحالات المزمنة، خصوصاً المرضى الذين لديهم وصول محدود إلى الخدمات الصحّية والعقلية والدعم التقليدية.

قال المؤلِّف الرئيس للدراسة، الأستاذ المُشارك في قسم صحّة السكان في «ديل ميد»، الدكتور مانيندر كاهلون: «يبدأ هذا النهج الاعتراف بالتحدّيات الحقيقية واليومية للعيش مع مرض السكري».

خلال التجربة السريرية التي استمرت 6 أشهر، قُسِّم 260 مريضاً مصاباً بالسكري بشكل عشوائي إلى مجموعتين: واحدة تتلقّى الرعاية القياسية فقط، والأخرى الرعاية القياسية والمكالمات المنتظمة التي تركز على الاستماع والتعاطف. أجرى أعضاء مدرَّبون هذه المكالمات لتقديم «الدعم الرحيم»؛ مما أتاح للمشاركين مشاركة تجاربهم وتحدّياتهم في العيش مع مرض السكري.

وأفادت النتائج بحدوث تحسُّن في السيطرة على نسبة السكر بالدم، إذ شهد المرضى الذين تلقّوا مكالمات قائمة على التعاطف انخفاضاً متوسّطاً في الهيموغلوبين السكري بنسبة 0.7 في المائة، مقارنةً بعدم حدوث تغيير كبير في المجموعة الضابطة.

كما أظهرت الدراسة حدوث تأثير أكبر للمرضى الذين يعانون أعراض اكتئاب خفيفة أو أكثر شدّة، مع تحسُّن في متوسّط ​​الهيموغلوبين السكري بنسبة 1.1 في المائة. وصنَّف جميع المشاركين تقريباً المكالمات على أنها مفيدة جداً.

من جهته، قال الرئيس التنفيذي لدائرة «لوني ستار» للرعاية الصحّية، جون كالفن: «في وقت يشكّل فيه نقص القوى العاملة تحدّياً لتقديم الرعاية الصحّية، تؤكد هذه الدراسة التأثير السريري العميق الذي يمكن أن يُحدثه الموظفون غير السريريين».

وأوضح: «من خلال توظيف أفراد مجتمعيين عاديين ولكن مدرَّبين، نثبت أنّ التعاطف والاتصال والمشاركة المُتعمدة يمكن أن تؤدّي إلى تحسينات صحّية قابلة للقياس»، مشدّداً على أنه «في عالم الطبّ سريع الخطى بشكل متزايد، الذي يعتمد على التكنولوجيا بشكل أساسي، يُذكرنا هذا العمل بأنّ الاتصال البشري يظلّ في قلب الرعاية الفعالة. لا يعزّز التعاطف مشاركة المريض فحسب، وإنما يُمكّن الأفراد من اتخاذ خطوات ذات مغزى نحو نتائج صحّية أفضل».

بالنظر إلى المستقبل، يأمل باحثو الدراسة في استكشاف التأثيرات طويلة المدى للدعم القائم على التعاطف على كلٍّ من السيطرة على مرض السكري والصحّة العقلية على نطاق أوسع. كما يخطّطون لتوسيع نطاق هذا النموذج، بهدف جعل الدعم الشامل والمتعاطف متاحاً بشكل أوسع لمَن هم في حاجة إليه.