المعرض الدولي للصيد والفروسية في أبوظبي يجمع بين التراث والتكنولوجيا

الصقارة جانب مهم من المعرض الدولي للصيد والفروسية في أبوظبي
الصقارة جانب مهم من المعرض الدولي للصيد والفروسية في أبوظبي
TT

المعرض الدولي للصيد والفروسية في أبوظبي يجمع بين التراث والتكنولوجيا

الصقارة جانب مهم من المعرض الدولي للصيد والفروسية في أبوظبي
الصقارة جانب مهم من المعرض الدولي للصيد والفروسية في أبوظبي

تحت رعاية الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل الحاكم بالمنطقة الغربية بإمارة أبوظبي رئيس نادي صقاري الإمارات، انطلقت صباح الأربعاء، فعاليات الدورة الـ11 من المعرض الدولي للصيد والفروسية (أبوظبي 2013) بدعم من لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في إمارة أبوظبي، وبتنظيم من نادي صقاري الإمارات وشركة «إنفورما» للمعارض، وذلك خلال الفترة من 4 وحتى 7 سبتمبر (أيلول) في مركز أبوظبي الوطني للمعارض.
ويدعم الحدث كل من هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، ومهرجان الشيخ منصور بن زايد آل نهيان العالمي للخيول العربية الأصيلة، ومجلس أبوظبي الرياضي، وشريك قطاع أسلحة الصيد «توازن»، وقناة «سكاي نيوز - عربية» كناقل إعلامي رسمي للحدث.
وتحظى الدورة الجديدة من المعرض بمشاركة 40 دولة ممثلة بما يزيد على 600 عارض وشركة تحتضنهم العاصمة الإماراتية أبوظبي، على مساحة تتجاوز الـ39 ألف متر مربع، هي المساحة الأكبر في تاريخ المعرض الذي يجمع ما بين أصالة التراث القديم وأحدث ما تقدمه تكنولوجيا اليوم. ويواصل مسيرته الناجحة في الترويج لتراث وتقاليد دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأكد رئيس اللجنة العليا المنظمة للمعرض، محمد خلف المزروعي، مستشار الثقافة والتراث في ديوان ولي عهد أبوظبي، أن الإقبال الكبير على المعرض خلال سنواته الماضية سواء على صعيد المشاركة، أو على صعيد الزيارة اليومية من قبل الجمهور يوضح وبشكل جلي تعطش الناس وحاجتهم إلى كل ما يربطهم بماضيهم، ويعبر عن أصالتهم وعاداتهم الموروثة.
ومن المعروف أنه إبان العهود الإسلامية الأولى، أخذت ممارسة الصقارة بالازدهار في الشرق الأوسط. وابتداء من القرن السابع الميلادي تطورت إلى شكل من أشكال الصيد لغايات الترفيه وأصبحت رمزا للنسب الرفيع.
وتحولت الصقارة تدريجيا إلى عنصر أساسي يتم توظيفه لإحداث وإدامة هيبة للأفراد ونفوذ للأقاليم. وقد أمر الكثير من الخلفاء الأمويين والعباسيين، باعتبارهم رعاة حقيقيين للفنون، بوضع مصنفات حول المعرفة المعاصرة بالصقارة إلى جانب الأعمال المنشورة أصلا حول هذه الموضوع. وندين نحن في عصرنا الراهن لهؤلاء الخلفاء بوجود الرسائل البحثية الشهيرة حول الصقارة.
لكن الصقارة باستخدام طير جارح مدرب (مثل الصقر) هي ممارسة أقدم كثيرا من تلك العهود، والتي يمكن أن تكون قد نشأت منذ آلاف السنين في الشرق الأوسط، حيث تم العثور على قطع أثرية تستحضر فن الصقارة.
وتعود أقدم التشكيلات الأثرية المعروفة حول ما يبدو أنه صقار يمسك بفريسة نافقة، إلى تل الخويرة في شمال شرقي سوريا. ويؤرخ هذا التشكيل الأثري، المنقوش على مبخرة، لأواخر الألفية الثالثة قبل الميلاد، ما يجعل عمر هذه الممارسة 4000 عام على الأقل. وفي تركيا، فإن عددا كبيرا من القطع الأثرية القديمة في الأناضول، مثل الأختام التي تم العثور عليها في كول تبه والشواهد في قرة تبه وكاراش التي تعود إلى ما بين أوائل الألفية الثانية قبل الميلاد حتى فترة متقدمة من الألفية الأولى، يظهر في الغالب شخصيات مهمة، وأحيانا تقف على منصة، حاملة طيورا جارحة على معاصمها وهي تمسك بفرائس نافقة.
وبفضل أقدم رسالة عربية باقية حتى الآن (780 ميلادية، 163 هجرية)، علمنا أن الساسانيين الفرس مارسوا الصقارة (في ذلك الزمان، كان ينظر إليهم باعتبارهم «مخترعي» هذا الفن). كما مارس الإغريق والبيزنطيون الصقارة حسبما تظهر لوحات الفسيفساء المكتشفة في الأردن والتي تؤرخ للقرن الخامس أو السادس الميلادي.
وقد اكتسب المعرض خلال دوراته الماضية شهرة عالمية، حتى بات وجهة لكل منتجي معدات الصيد والفروسية ومتعلقاتهما، وأصبح منافسا لأهم معارض العالم في هذا المجال، وذلك عبر فعالياته الكثيرة وأنشطته المتميزة. وبات يشكل ملتقى لدعاة المحافظة على البيئة ولهواة الصيد وللشعراء والفنانين، مما يمنحه السمة الإقليمية والعالمية المتميزة في تعميق الوعي بالصيد المستديم، وصون هذا الإرث التاريخي بكل خصائصه وفضائله وقيمه.
ويعمل المعرض على تشجيع العودة إلى التراث الجميل، والعمل في الوقت ذاته على خلق أساليب متطورة من أجل حماية البيئة والصيد المستديم، ويعزز من استخدام الأدوات التقليدية في الصيد والمقناص، التي استعملها العرب في تاريخنا القديم فصارت جزءا من شخصية العربي في الجزيرة العربية، جنبا إلى جنب مع كل التقنيات التكنولوجية المتوفرة التي من شأنها إعطاء نتائج أدق وأكثر فعالية.
ويتضمن البرنامج المصاحب للمعرض الكثير من الفعاليات المتنوعة الثقافية والتراثية، حيث تشمل فعاليات قاعة العروض التي تقام للعام الثاني على التوالي عرض خيل للفارس الإماراتي علي العامري، وعروضا للخيول والجمال ينظمها نادي تراث الإمارات، ومسابقة جمال كلب الصيد (السلوقي العربي) بتنظيم من نادي صقاري الإمارات، وتحليقا للطيور بتنظيم من متنزه العين للحياة البرية، ومزادا للهجن بإشراف مركز الأبحاث البيطري، وعروضا حية للكلاب البوليسية تقدمها شرطة أبوظبي.
ولا شك في أن التوازن الدقيق بين التراث والحداثة كان جانبا اعتبره الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في قلب فن الصقارة العربية. وكان الشيخ زايد أيضا، وهو صقار بارع، يتمتع برؤية ثاقبة ويفكر بمستقبل الصقارة في المنطقة. وفي ديسمبر 1976، انعقد المؤتمر الدولي الأول حول حماية ورعاية الصقارة في أبوظبي (مؤتمر البيزرة) بفضل توجيهات الشيخ زايد وحماسه لهذا الفن، وشكل المؤتمر علامة فارقة في تاريخ الصقارة المعاصرة. وربما كانت هذه هي المرة الأولى التي يجتمع فيها معا صقارون ومهتمون بالحفاظ على البيئة وباحثون في مكان واحد. وأعاد نجله، الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان في افتتاح المؤتمر، التأكيد على أن «من الضروري الحفاظ على الصقارة باعتبارها عنصرا مهما من تراث المنطقة».
وجرى إنشاء أرشيف الصقارة في الشرق الأوسط للقيام بالجزء التوثيقي من هذه المهمة. ويهدف هذا الأرشيف إلى جمع ورقمنة وإنتاج نسخ لجميع المخطوطات المتعلقة بالصقارة في الكتابات العربية التي وضعت منذ القرن الثامن. وتراعي الأرشفة الشاملة حماية ونقل وإنعاش تراث هش ولا بديل عنه ولا يزال عرضة لخطر داهم في مناطق من العالم.
وتقول مذكرة هذا البرنامج العالمي التابع لليونيسكو: «يعكس التراث الموثق تنوع اللغات والشعوب والثقافات. إنه مرآة العالم وذاكرتها، لكن هذه الذاكرة هشة. وفي كل يوم، تختفي إلى الأبد أجزاء لا بديل عنها من هذه الذاكرة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».