مخرجة «سعاد»: اختيار «كان» لفيلمي نجاح... رغم إلغاء الدورة

آيتن أمين أكدت أنّ أبطال عملها يمثّلون للمرة الأولى

المخرجة المصرية آيتن أمين
المخرجة المصرية آيتن أمين
TT

مخرجة «سعاد»: اختيار «كان» لفيلمي نجاح... رغم إلغاء الدورة

المخرجة المصرية آيتن أمين
المخرجة المصرية آيتن أمين

كشفت المخرجة المصرية آيتن أمين أنّ فيلمها الروائي «سعاد» الذي تم اختياره ضمن قائمة الاختيارات الرسمية لدورة مهرجان كان الـ73 الملغاة بسبب جائحة «كورونا» قد بدأت الإعداد له منذ 5 سنوات، وأن تصويره توقف عدة مرات بسبب ظروف إنتاجية، معربة في حوارها مع «الشرق الأوسط» عن سعادتها باختيار مهرجان كان للفيلم، مشيرة إلى أنّ «هذا الاختيار يعد في حد ذاته نجاحاً للفيلم»، نافية شعورها بالإحباط لإلغاء دورة هذا العام للمهرجان، حيث تقول: «أنا سعيدة بالفيلم أياً كانت الظروف، فهي لم تقع عليّ بشكل شخصي، إنّما على العالم كله. بالطبع، كنت أتمنى أن يقام العرض الأول للفيلم في (كان)، لكن اختيار المهرجان له أعده حدثاً جميلاً ومهماً، وإضافة كبيرة للفيلم ستساهم في توزيعه بشكل أوسع. كما أنه إضافة مهمة لمشواري السينمائي».
وتعد أمين أول مخرجة مصرية يتم اختيار فيلمها ضمن الأفلام الرسمية لمهرجان كان، وهو ثاني أفلامها الروائية الطويلة، بعد فيلمها الأول «فيلا 69» الذي حصد جوائز كثيرة.
فيلم «سعاد» يمثل تجربة مختلفة، شكلاً ومضموناً، فقد صُوّر في عدد من المحافظات بدلتا مصر، ويتعرض لقصة الفتاة المراهقة «سعاد» التي تعيش مع أسرتها بإحدى المحافظات، وتواجه مشكلة تدفعها إلى الانتحار.
وعن قصة الفيلم، تقول أمين: «هو فيلم إنساني اجتماعي، يركز على حياة الفتيات في سن المراهقة، وكيف غيرت مواقع التواصل من شكل العلاقات بين الناس، من خلال فتاتين في سن المراهقة، وعلاقتهما بمواقع التواصل الاجتماعي، إذ تقيم إحداهما حياة سرية على السوشيال ميديا»، لافتة إلى أنّها كانت تتطلع لتصوير فيلم خارج العاصمة، وأن تجعل من «سكان هذه المناطق أبطالاً للفيلم... لست مقتنعة بأن تكون كل أفلامنا عن سكان القاهرة، بينما أغلب سكان مصر من خارج المدينة».
وإمعاناً في المصداقية، اختارت المخرجة أبطالها (بسنت أحمد، وبسملة عبد الحليم، وحسين غانم)، وكذلك ممثلي الأدوار المساعدة، ممن لم يسبق لهم التمثيل، وأخضعتهم لفترة تدريب طويلة قبل التصوير. وعن ذلك تقول: «اخترت أيضاً أن يكون أبطال الفيلم من خارج القاهرة، ومن غير المحترفين، وقضينا 5 أشهر في تدريبهم، وحينما بدأنا التصوير سعدت جداً بهم، فقد كان التعامل معهم سهلاً، وأتقنوا الأداء بشكل مذهل، لذا فالتجربة كلها كانت مختلفة، وبطبيعتي تستهويني التجربة في أشياء جديدة ومختلفة».
وكتبت آيتن أمين قصة الفيلم، كما شاركت السينارست محود عزت في كتابة السيناريو والحوار، إذ تقول: «ظللنا 5 سنوات نكتب الفيلم، وصادفتنا فترات توقف طويلة بسبب التمويل، وقد بدأنا التصوير في أبريل (نيسان) من العام الماضي، وانتهينا في شهر يناير (كانون الثاني) بداية العام الحالي، وكان أول تمويل حصلنا عليه من منصة مهرجان الجونة، أمّا المنتج الأساسي له فهو رجل الأعمال سامح عواض الذي دخل مجال الإنتاج بعد إعجابه بالفيلم الذي يعد إنتاجاً مصرياً - تونسياً مشتركاً، تحمست له المنتجة التونسية درة بوشوشة، وطُوّر السيناريو في ورشة الكتابة التابعة لها، كما انضم لإنتاجه المنتج المصري محمد حفظي، وحصلنا أيضاً على دعم من (آفاق) و(فرانكفوني)».
وتتطلع أمين لعرض الفيلم جماهيرياً بعد انتهاء جائحة «كورونا»، قائلة: «أترقب عرضه في الأقاليم والمدن الصغيرة بمحافظات الدلتا، وفي الأماكن التي صورت بها الفيلم، فهذا الجمهور يجب أن يرى نفسه على الشاشة، وأن نحكي عنهم».
وعملت أمين مساعد مخرج مع محمد خان وأحمد رشوان وعمرو سلامة، وترى في المخرج هنري بركات شاعرية السينما، وفي أفلام محمد خان واقعية محببة لها، حسب وصفها. كما أخرجت عدة أفلام قصيرة بعد دراستها للسينما في معمل «آرت لاب» في الجامعة الأميركية بالقاهرة، وكان فيلم «راجلها» هو مشروع تخرجها. وأخرجت أيضاً الفيلم القصير «ربيع 89»، وشاركت في إخراج أحد أجزاء فيلم «الطيب والشرس والسياسي»، وهو فيلم وثائقي طويل عن ثورة يناير 2011. وقدمت في 2014 فيلمها الروائي الأول «فيلا 69» الذي حصل على عدة جوائز. وعن هذا الفيلم، تقول: «أحببت هذا الفيلم بصفته تجربة مهمة في مشواري، لكن فيلم (سعاد) يعد الأقرب لقلبي لأنّني وجدت به ما أتطلع لتقديمه في السينما».
وشاركت أمين مع المخرجتين نادين خان ووهبة يسري في إخراج وكتابة مسلسل «سابع جار» الذي حقق نجاحاً كبيراً عند عرضه، وأشارت إلى أنها سعدت بالتجربة وتتمنى تكرارها، فهي تحب الدراما التلفزيونية أيضاً.
وبشأن اهتمامها بسينما المرأة، تقول: «لا أفكر في التسميات، لكنّني مقتنعة بأهمية تقديم النساء في السينما بشكل أعمق وأقرب للحقيقة، فالسينما لا تعكس قوة المرأة، والأفلام التي قدمتها بشكل حقيقي قليلة».
يذكر أن مهرجان «كان» السينمائي قد كشف قبل أيام عن قائمة أفلام الدورة الـ73 التي أُلغيت بسبب تفشي «وباء كورونا»، وأكّد أنّ هناك 54 فيلماً ستحمل الشعار الرسمي للمهرجان، من بينها الفيلم المصري «سعاد» للمخرجة آيتن أمين، والفيلم اللبناني «مفاتيح مكسورة» للمخرج جيمي كيروز، قبل عرضهما في أي مهرجان آخر، مما يعزز موقفها التوزيعي في سائر أنحاء العالم.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)