موسكو تعود بعد {كورونا} بـ«كتاب الساحة الحمراء»

تدابير حجر صحي متشددة أثناء المعرض
تدابير حجر صحي متشددة أثناء المعرض
TT

موسكو تعود بعد {كورونا} بـ«كتاب الساحة الحمراء»

تدابير حجر صحي متشددة أثناء المعرض
تدابير حجر صحي متشددة أثناء المعرض

تودع موسكو اليوم معرض كتاب «الساحة الحمراء»، أول وأضخم فعالية ثقافية عامة يجري تنظيمها منذ مارس (آذار) الماضي، حين اضطرت السلطات الروسية لفرض تدابير حجر صحي متشددة، اشتملت على إلغاء جميع الفعاليات والنشاطات الثقافية، بعد أن تسارعت وتيرة تفشِّي فيروس كورونا في مختلف أرجاء البلاد. وخلال نحو شهرين ونيف من «عزلة كورونا» توقفت المسارح ودور السينما وصالات العرض عن العمل، أُغلقت المتاحف، وأُلغيت عشرات المعارض الفنية والثقافية. إلّا أنّ الحظ كان حليف الشاعر الروسي العظيم، ألكسندر بوشكين، أهم رموز اللغة الروسية. ومع اقتراب «عيد ميلاده» الذي يصادف في 6 يونيو (حزيران) بدأت السلطات تلغي تدريجيا تدابير الحجر الصحي، وتمكن عشاق الأدب وعشاق بوشكين من إقامة جانب من الفعاليات الثقافية احتفالا في هذه المناسبة.
ويُعد معرض «الساحة الحمراء» للكتاب من أبرز الفعاليات الثقافية التي يجري تنظيمها منذ ست سنوات، في إطار الاحتفالات بمناسبة عيد ميلاد بوشكين. ورغم عدم إلغاء جميع «تدابير مواجهة كورونا»، قررت السلطات إقامة ذلك المعرض هذا العام في موعده المحدد سابقا دون تأجيل، لكن مع أخذ «الظرف الوبائي» بالحسبان. إذ سمح المنظمون بدخول 6 آلاف زائر فقط كل يوم، بعمر أكبر من سبع سنوات وأصغر من 65 عاماً، بعد الحصول على «تصريح زيارة»، عبر صفحة المعرض على الإنترنت. ووُزّع هذا العدد على مجموعات، تجوب كل مجموعة المعرض خلال فترة محددة من الزمن، لتفسح المجال بعد ذلك أمام المجموعة التالية للدخول. ويرتدي كل زائر كمامة وقفازات، ويكون الدخول عبر بوابات خاصة للكشف عن درجة الحرارة.
وفي أرض المعرض، يرتدي العاملون في الأقسام كمامات وقفازات، وأمام كل قسم تم رسم خطوط «مسافة أمان» على الزوار الالتزام بها. وفي القاعات المخصصة لـ«القراءات الأدبية»، انتشرت عشرات المقاعد تفصل بينها مسافة آمنة، وغيرها من تدابير. ومنذ الساعات الأولى لافتتاحه يوم 6 يونيو، شهد المعرض حضوراً واسعاً رغم كل تلك التدابير. لكن ومقارنة بحركة الزوار على أرض المعرض خلال الدورات السابقة، غابت عنه هذا العام مشاهد التجمعات الكبيرة حول هذا القسم أو ذاك.
وفضلا عن أن المعرض جاء بمثابة «عيد» لعشاق الثقافة الأدب، فقد شكل فرصة ثمينة لدور النشر والمكتبات الروسية، التي تكبدت خسائر فادحة نتيجة الإغلاق وتوقف مبيعاتها طيلة فترة «إغلاق كورونا». وشارك في دورة المعرض هذا العام 200 دار نشر روسية، عرضت إصدارات قديمة وأخرى جديدة، موزعة على سبع فئات، مثل «التاريخ الوطني»، و«المكتبات»، و«إصدارات حديثة»، فضلا عن «أدب الأطفال»، و«الروايات»، وغيرهما. ولا تتوفر معطيات رسمية حول حركة البيع خلالَ المعرض، لكن يمكن القول أن دور النشر حققت نتائج إيجابية خلالَه، إذ كان غالبية الزوار يخرجون من أرض المعرض يحمل كل واحد منهم بيديه أكثر من كتاب.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».