أميركا تتهيأ لموجة جديدة من التظاهرات «الحاشدة» ضد العنصرية

متظاهرون في تكساس (أ.ب)
متظاهرون في تكساس (أ.ب)
TT

أميركا تتهيأ لموجة جديدة من التظاهرات «الحاشدة» ضد العنصرية

متظاهرون في تكساس (أ.ب)
متظاهرون في تكساس (أ.ب)

تتهيّأ العاصمة الأميركية واشنطن السبت لتظاهرة كبرى ضد العنف الممارس من قبل الشرطة، مع نهاية الأسبوع الثاني من الحركة الاحتجاجية على قضية جورج فلويد الذي قضى خلال توقيفه وغيرها من قضايا اللامساواة والعنصرية.
ومع تنظيم احتجاجات تضامنية حول العالم من سيدني إلى لندن، أغلقت الشرطة في واشنطن الطرق المؤدية إلى البيت الأبيض استعدادا لتظاهرة مقررة ظهرا (16:00 ت غ) يتوقّع أن يشارك فيها عشرات آلاف الأشخاص.
وفي وقت باكر من النهار بدأ المحتجون بالتدفق نحو محيط البيت الأبيض للمشاركة في التظاهرة.
ومن المقرر أن تنظم تظاهرات في مختلف المناطق الأميركية بما فيها نيويورك وميامي ومينيابوليس.
وستنظم السبت أيضا مراسم تكريم لفلويد في ريفورد بكارولاينا الشمالية، الولاية التي ولد فيها، في أعقاب مراسم أولى أجريت في مينيابوليس الخميس.
وقضى فلويد البالغ 46 عاما خلال عملية توقيفه في 25 مايو (أيار) في مدينة مينيابوليس في وسط غرب البلاد، بعدما ضغط الشرطي ديريك شوفين بركبته على عنقه لنحو تسع دقائق، وذلك في أحدث واقعة يتّهم بها عناصر أمن بيض بالتسبب بموت أسود أعزل.
وأطلق موته العنان لموجة من الاضطرابات المدنية على الصعيد الوطني لم تشهد لها الولايات المتحدة مثيلاً منذ اغتيال مارتن لوثر كينغ الابن عام 1968.
ويأتي موت فلويد والاحتجاجات اللاحقة في خضم جائحة كوفيد - 19 التي أظهرت أرقامها نسب وفيات أعلى لدى السود كما أظهرت أن هؤلاء أكثر عرضة للصرف من العمل مقارنة بالبيض.
وأعادت رئيسة البلدية موريل باوزر تسمية هذه المنطقة خارج البيت الأبيض باسم ساحة «حياة السود مهمة» (بلاك لايفز ماتر بلازا) وأزاحت الستار عن لوحة جدارية عملاقة بعد أن غردت برسالة دعت فيها ترمب إلى «سحب كل قوات الشرطة والقوات العسكرية التي نشرت بشكل استثنائي من مدينتنا».
وخارج الولايات المتحدة، نظّمت تظاهرات تضامنية مع الحركة الاحتجاجية الأميركية.
ومن سيدني إلى لندن تنظم في نهاية الأسبوع تظاهرات تضامنية ضد العنصرية ووحشية الشرطة.
وفي لندن تجمّعت حشود أمام مقر البرلمان البريطاني، في حين من المقرر تنظيم تظاهرة الأحد أمام السفارة الأميركية على الضفة المقابلة من نهر التايمز.
في مدينة سيدني الأسترالية نظّم متظاهرون من السكان الأصليين تحرّكا احتجاجيا تحت شعار «حياة السود مهمة».
والجمعة رحّب الرئيس الأميركي بنشر بيانات إيجابية حول التوظيف، قائلا إنه «يوم عظيم» لفلويد.
وسارع بايدن لانتقاد تصريحات ترمب واصفا إياها بأنها «حقيرة»، في توقيت نزل فيه الآلاف إلى الشوارع لليوم العاشر على التوالي للاحتجاج ضد العنصرية.
في مدينة بوفالو في ولاية نيويورك، أوقف شرطيان عن العمل بدون أجر بعد أن ظهرا في مقطع فيديو يدفعان محتجاً عمره 75 عاماً سقط وأصيب بجرح في رأسه.
وفي إنديانابوليس فتحت الشرطة تحقيقا بعد نشر شريط فيديو يظهر أربعة شرطيين على الأقل يضربون امرأة بالهراوات ويرشونها بكرات الفلفل مساء الأحد.
وأفادت عدة تقارير إعلامية أن شرطيي مدينة نيويورك انهالوا الخميس بالضرب على عشرات المتظاهرين المسالمين الذين خالفوا حظر التجول في برونكس بعد محاصرتهم، بحيث لم يتركوا لهم مكاناً يهربون إليه.
وأعلن مفوض الشرطة في نيويورك ديرموت شي الجمعة وقف شرطيين عن العمل في أعقاب «العديد من الحوادث المثيرة للاستياء»، أحدهما لدفعه امرأة وقعت أرضا والثاني لإزالة القناع الواقي لرجل ورشه برذاذ الفلفل. والحادثان موثقان في تسجيل مصور.
ووضعت الاضطرابات دونالد ترمب في مواجهة أحد أكبر تحديات عهده الرئاسي. فقد دان موت فلويد لكنه اتخذ موقفاً صارماً تجاه المتظاهرين واتُهم بتأجيج التوتر.
ورفعت منظمات الدفاع عن الحقوق المدنية الأميركية دعوى قضائية ضد ترمب بعد أن أطلقت قوات الأمن كرات الفلفل وقنابل الدخان لتفريق المتظاهرين المسالمين في واشنطن قبل أن يتوجه الرئيس إلى كنيسة لالتقاط صورة والإنجيل بيده في وقت سابق من هذا الأسبوع.
شهدت بعد التظاهرات في أيامها الأول أعمال شغب ونهب لكنها باتت سلمية إلى حد كبير.
وتم رفع حظر التجول في واشنطن ولوس أنجليس ومدن أخرى، لكنها في نيويورك ستتواصل لليالي الثلاث المقبلة.


مقالات ذات صلة

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

آسيا مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مرة أخرى وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام».

«الشرق الأوسط» (باراشينار (باكستان))
رياضة عالمية رودريغو بنتانكور (إ.ب.أ)

إيقاف بنتانكور 7 مباريات بعد تعليق عنصري ضد سون

أعلن الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، اليوم الاثنين، إيقاف رودريغو بنتانكور، لاعب وسط توتنهام هوتسبير، 7 مباريات، بعد ملاحظة عنصرية من اللاعب القادم من أوروغواي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية احتجاجات في إسرائيل ضد تفشي الجريمة المنظمة في المجتمع العربي مارس 2021 (غيتي)

«قوانين الفجر الظلامية»... كيف يُشرعن الكنيست التمييز ضد العرب في إسرائيل؟

يواصل ائتلاف اليمين في الكنيست سن تشريعات ضد المواطنين العرب في إسرائيل بهدف ترهيبهم واضطهادهم... فما أبرز تطورات تلك الحملة المتواصلة لشرعنة التمييز ضدهم؟

نظير مجلي (تل أبيب)
رياضة عالمية فينيسيوس غاضب جداً بسبب خسارة الجائزة (أ.ف.ب)

بعد زلزال الجائزة الذهبية... مَن الذين يخافون من وجود ريال مدريد؟

بعد أقل من 24 ساعة على الضربة القاسية التي تلقاها ريال مدريد بخسارة الكلاسيكو 4 - 0 أمام برشلونة في البرنابيو، الأحد، حدث تحول آخر مزلزل في ريال مدريد.

The Athletic (باريس)
رياضة عالمية لامين يامال يحتفل بتسجيل الهدف الثالث لبرشلونة (أ.ف.ب)

كلاسيكو العالم: الريال يحقق في تعرض يامال لإساءات عنصرية

ذكرت تقارير إعلامية إسبانية أن لامين يامال، نجم فريق برشلونة الإسباني لكرة القدم، تعرض لإساءات عنصرية في مباراة الكلاسيكو التي فاز بها فريقه على ريال مدريد.

«الشرق الأوسط» (برلين)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟