وكأنّ انقسامات الشارع الأميركي لم تكن كافية لإلقاء الضوء على المشاكل المتجذرة في البلاد، فجاءت مواقف أعضاء الكونغرس المتباينة، لتزيد الطين بلّة. فالمشرعون الذين تدافعوا للإدلاء بآرائهم منذ إعلان الرئيس الأميركي عن نشر قوى الجيش لمكافحة أعمال الشغب يواجهون معضلة كبيرة، وهي التوافق على حلّ تشريعي للأزمة في الشارع. وقد أدى التباين في مواقفهم إلى وضع عراقيل كثيرة أمام الحوار اللازم بين الحزبين لسنّ تشريعات تهدف إلى تهدئة الوضع الميداني، وفرض حلول طويلة الأمد لمشكلة التشدد العرقي في الولايات المتحدة.
واختلفت انقسامات المشرعين هذه المرة لتشمل انقساماً في الرد الجمهوري على قرارات الرئيس الأميركي، ففي تصريحات نادرة من قبل بعض الجمهوريين، أعرب هؤلاء عن معارضتهم لاستعمال القوة ضد المتظاهرين.
وتمثّلت مواقفهم في الدعوة إلى معالجة جذور المشكلة والتطرق إلى إصلاحات في سياسات الشرطة، بدلاً من مهاجمة المتظاهرين. أبرز هذه المواقف ورد على لسان السيناتورة سوزان كولينز التي قالت: «في أوقات كهذه يجب على الرئيس أن يسعى إلى تهدئة الوضع، لكنه يبدو اليوم بمظهر الشخص الذي لا يأبه لحقوق الناس بالتظاهر سلمياً». وقالت زميلتها السيناتورة ليزا مركوفسكي: «نشر الجيش ليس حلاً للخوف والقلق وغياب الثقة والقمع الذي نعيشه اليوم. هذا ليس الجواب».
لكن تصريحات منتقدة من هذا النوع لن تتكرر على لسان الأغلبية من الجمهوريين، خاصة مع قرب الانتخابات التشريعية في نوفمبر (تشرين الثاني)، وحاجة أعضاء الكونغرس لدعم البيت الأبيض للاحتفاظ بمقاعدهم. وقد بدا دعم هؤلاء واضحاً للرئيس الأميركي من خلال تصريحات كتصريح السيناتور تيد كروز الذي قال: «أنا سعيد أن الرئيس زار الكنيسة، المتظاهرون هم الذين انتهكوا السلطة وليس الرئيس الأميركي».
هذا، وتتفاعل قضية نشر الجيش في العاصمة الأميركية واشنطن دي سي بشكل متسارع. فقد طلب عدد من رؤساء اللجان المختصة في الكونغرس توضيحات من البنتاغون بهذا الخصوص. وكتب رئيس لجنة القوات المسلّحة في مجلس النواب آدم سميث رسالة إلى وزير الدفاع مارك إسبر ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي قال فيها: «كما تعلمان فإنّ القانون يضع قيوداً حازمة فيما يتعلق دور جيش الولايات المتحدة في دعم قوى الأمن المحلية. وأخشى أن الإدارة لا تفهم هذه القيود خاصة بعد رؤية ما جرى في ساحة لافاييت، وتحركات قوى الجيش واستعمال المروحيات العسكرية لتفرقة المتظاهرين». وينوي الديمقراطيون تصعيد ملف رد الإدارة على الاحتجاجات من خلال عقد جلسات استماع ماراثونية في الأسابيع المقبلة، وطرح مشاريع قوانين مختلفة لمحاولة تقييد رد الإدارة على المحتجين. لكن استراتيجيتهم الأساسية تعتمد على حث الناخبين على التوجه إلى صناديق الاقتراع والتصويت ضد ترمب لصالح مرشّحهم جو بايدن. وتعزز حملة بايدن الانتخابية من هذه الاستراتيجية عبر إطلاق إعلان انتخابي على وسائل التواصل الاجتماعي سلّط الضوء على الفارق الشاسع بين رد بايدن وترمب على الاحتجاجات الأخيرة. ويعرض الإعلان تحت عنوان: «بناء المستقبل» مشاهد من خطاب بايدن الذي انتقد فيه ترمب وصور المظاهرات في البلاد، كما يحتوي على مشاهد من مظاهرات شارلوتسفيل للعنصريين البيض في عام 2017. ويقول بايدن في الإعلان إن «بلادنا تتوق إلى قائد. قائد يوحدنا وقائد يجمعنا. أنا لن أستغل الخوف والانقسام، ولن أشعل نار الحقد. بل سأسعى لشفاء جروح التشدد الذي لطالما سمم بلادنا، ولن أستغلها لمكاسب سياسية». ومن الواضح أن قضية التمييز العنصري ستشكل أساس هجمات بايدن على ترمب، فقد سبق أن قال إنه قرر خوض السباق الرئاسي بعد أن استمع إلى تصريحات ترمب بشأن مظاهرات شارلوتسفيل، والتي وصف فيها العنصريين البيض بالأشخاص الجيدين.
ورغم وجود دعم كبير لبايدن من قبل الأميركيين من أصول أفريقية، فإن حملته تعوّل على استقطاب أصوات المترددين بعد هذه الأزمة. وتظهر استطلاعات الرأي تقدماً بسيطاً لبايدن على ترمب في ولايات حساسة وضرورية لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي كفلوريدا وأريزونا وميشيغين. لكن الجمهوريين يصرون على التشكيك بأرقام الاستطلاعات، خاصة بعد أن أثبتت الانتخابات الرئاسية السابقة وجود عيوب كثيرة في نظام الاستطلاع الذي توقع فوز منافسة ترمب السابقة هيلاري كلينتون بفارق شاسع.
ويأمل الجمهوريون بأن تعطيهم الانتخابات التمهيدية التي جرت يوم الثلاثاء دفعاً باتجاه معركتهم الانتخابية في نوفمبر، خاصة بعد خسارة النائب الجمهوري المتشدد ستيف كينغ لصالح الجمهوري راندي فينسترا في ولاية أيوا. وتنفس الحزب الجمهوري في الكونغرس والبيت الأبيض الصعداء لدى إعلان النتائج. فكينغ عرف خلال الثمانية عشر عاماً التي مثّل فيها ولاية أيوا في مجلس النواب، بخطابه العنصري الاستفزازي الذي أدّى إلى تجريده من مناصبه في اللجان المختصة من قبل الجمهوريين. وقد سعى هؤلاء إلى دعم منافسه مالياً بشكل كبير خلال السباق الانتخابي. وعاش الحزب لحظات من القلق الدفين قبل صدور النتائج، ففوز كينغ خلال الأجواء الحالية المتشنجة في الولايات المتحدة، كان سيعرضهم لعاصفة من الانتقادات، في وقت يواجه فيه الحزب اتهامات بالتشدد ضد الأقليات والانحياز لصالح الأميركيين البيض. ويتحدث النائب الجمهوري غريغ والدن عن مواقف كينغ ويقول: «لقد وضع نفسه في موقف سيئ. إن خسارته الآن خاصة بعد مقتل جورج فلويد أرسلت رسالة قوية وجنبت حزبنا إحراجاً كبيراً في ولاية أيوا».
وشارك ترمب الجمهوريين فرحتهم بخسارة كينغ، وهنّأ ترمب الفائز بالمقعد فغرّد قائلاً: «تهانينا لراندي فينسترا على فوزك الكبير في انتخابات أيوا. سوف تكون نائباً عظيماً». وكان الناخبون تحدّوا المظاهرات وفيروس كورونا وتوجّهوا إلى صناديق الاقتراع للتصويت في الانتخابات التمهيدية التي شهدتها 8 ولايات أميركية والعاصمة واشنطن دي سي.
احتجاجات أميركا تؤجج الانقسام الحزبي
احتجاجات أميركا تؤجج الانقسام الحزبي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة