إردوغان والسراج يؤيدان المبادرات الدولية ويرفضان مفاوضة حفتر

TT

إردوغان والسراج يؤيدان المبادرات الدولية ويرفضان مفاوضة حفتر

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فائز السراج، أمس، تأييدهما للمبادرات الدولية لإحلال السلام في ليبيا، تحت مظلة الأمم المتحدة، وشددا في الوقت ذاته على رفض الجلوس على طاولة واحدة مع قائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر.
وقال إردوغان في مؤتمر صحافي مشترك مع السراج، عقب مباحثاتهما في أنقرة أمس، إن بلاده ستواصل دعمها لحكومة الوفاق التي وصفها بالشرعية، ضد حفتر الذي «تسبب... في تدمير البنية التحية لليبيا، وتمزيق نسيجها الاجتماعي». مضيفا:
«نريد أن نرى ليبيا موحدة حول قرارات حكيمة تصدر من الحكومة الشرعية، وتجمع شمل المجتمع الليبي المنقسم، وقد أكدنا خلال مباحثاتنا التمسك بوحدة ليبيا، وأن تكون هناك مرحلة سياسية جدية تحت رعاية الأمم المتحدة».
وطالب إردوغان الدول التي تدعم حفتر بمراجعة مواقفها، قائلا إنه «لا يمكن أن ندعم شخصا قام بتمزيق النسيج الاجتماعي، ولا يمكن الجلوس معه على طاولة مفاوضات واحدة». وعبر عن تقديره لما قامت به حكومة السراج، وما حققته من نجاحات عسكرية وإعادة صادرات النفط، بقوله: «لقد بحثنا أيضا إعادة التجارة بين البلدين إلى سابق عهدها، ونتابع موضوع تهريب الأسلحة، وإمداد بعض العصابات في ليبيا بها، وكذلك موضوع النفط الذي يتم بيعه من قبل الانقلابيين، ونطالب المجتمع الدولي بالتحرك لوقف هذا الأمر».
وبخصوص مسألة التنقيب في المناطق البحرية، قال إردوغان: «قررنا القيام بعملية التنقيب... بموجب مذكرة التفاهم الموقعة مع حكومة السراج في هذا المجال». في إشارة إلى مذكرة التفاهم الخاصة بتحديد مناطق النفوذ في البحر المتوسط، والتي وقعها مع السراج في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وتابع إردوغان موضحا أن تركيا «هي أكبر داعم لليبيا، وستواصل دعمها للحكومة الشرعية كما دعمتها في السابق، وكما دعمتها أيضا في ظل أزمة تفشي فيروس كورونا، وندعو الشعب الليبي لدعمها... وعلاوة على كل ذلك ندعم المبادرات الدولية لإحلال السلام، ونجدد دعمنا للحكومة الشرعية برئاسة السراج».
من جانبه، أعرب السراج عن شكره للدعم المقدم لحكومته من تركيا، قائلا: «أود أن أزف إليكم خبر تحرير مدينة طرابلس بالكامل في ملحمة سطرها أبطالنا ضد الانقلابيين». مضيفا أن المعركة «مستمرة وعازمون على السيطرة على كامل الأراضي الليبية».
وأضاف السراج: «أوجه من هنا كلمة أخيرة إلى الدول التي دعمت حفتر، وأقول لهم إننا سنلاحقكم قضائيا على ما اقترفتموه بحق الشعب الليبي، وها أنتم ذقتم مرارة الهزيمة على أسوار طرابلس، وسنحاسب كل من تلطخت يديه بالدماء في ليبيا».
وبخصوص مباحثاته مع إردوغان، قال السراج:
«أجرينا مباحثات مهمة ومثمرة، ناقشنا فيها التطورات العسكرية والسياسية في ليبيا والمنطقة... ونتطلع إلى عودة الشركات التركية للعمل في ليبيا... لا نقول مجرد عودة، بل نرغب في أن تكون عودتها في مستوى ما يربط الحكومتين من علاقات متميزة، وسنواصل العمل مع تركيا في كل المجالات، ونشكرها على الدعم الذي تقدمه لنا».
وأجرى إردوغان والسراج بالقصر الرئاسي في أنقرة أمس مباحثات مطولة، جرى خلالها تقييم آخر المستجدات على الساحة الليبية، ومستجدات الأوضاع الميدانية في ليبيا، إلى جانب التطورات الدبلوماسية والسياسية المتعلقة بوقف إطلاق النار.
وقبل يومين من زيارة السراج لليبيا، أكد مجلس الأمن القومي التركي، الذي اجتمع برئاسة إردوغان الثلاثاء الماضي، استمرار تركيا في دعم حكومة السراج، وتقديم الاستشارات العسكرية لها في إطار مذكرة التفاهم في مجال التعاون العسكري والأمني، الموقعة في نوفمبر الماضي. كما شدد على أن تركيا ستواصل أنشطتها للتنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، بموجب مذكرة التفاهم البحرية الموقعة في اليوم نفسه مع السراج، وأنها ستحمي مصالحها جوا وبرا وبحرا.
ويوم الاثنين الماضي أجرى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو اتصالا هاتفيا مع نائب رئيس حكومة الوفاق، أحمد معيتيق، تم خلاله بحث التطورات في ليبيا، عشية زيارة معيتيق أول من أمس إلى روسيا.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.