بضغط من عبير موسى، زعيمة الحزب الدستوري الحرّ، نجحت المعارضة داخل البرلمان التونسي صباح اليوم في تنظيم جلسة برلمانية صاخبة لمحاسبة رئيس البرلمان وزعيم حزب النهضة، راشد الغنوشي، حول الاتهام الذي وجّهته إليه بالانحياز إلى المحور التركي - القطري عربياً، ودعم تدخله في ليبيا. لكنها فشلت في تنظيم جلسة مساءلة أخرى لسحب الثقة من رئيس البرلمان، لأن ذلك يفرض أولاً توقيع 71 نائباً على مشروع لائحة سحب ثقة، تعرض على الجلسة العامة، ويصوت لفائدتها 109 من النواب على الأقل.
وعملياً يصعب توقيع مثل هذه اللائحة، التي دعا إليها حزب عبير موسى، لأسباب كثيرة، أبرزها انقسام المشهد السياسي والحزبي في البلاد، ومعارضة أغلبية الأحزاب المشاركة في الحكومة لها، وتحفظ الأغلبية البرلمانية على ذلك، بما في ذلك نواب حزب قلب تونس، وائتلاف الكرامة، والكتلة الوطنية.
واستبعد عرض لائحة سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي، رغم الانتقادات الحادة التي وُجهت إليه، لأن تمريرها وإسقاطه من رئاسة البرلمان سيؤدي إلى انهيار التحالف الحكومي، الذي صوّت لإلياس الفخفاخ في فبراير (شباط) الماضي. كما يرجح أن يؤدي خروج نواب النهضة من الائتلاف الحكومي والحزام السياسي المناصر للفخفاخ إلى حلّ البرلمان، وتنظيم انتخابات جديدة بقرار رئاسي، في حالة عجز البرلمان مجدداً عن التوافق على حكومة جديدة.
وخصّص البرلمان اليوم جلسات ماراثونية، يتوقع أن تتواصل حتى ساعة متأخرة من مساء اليوم، لتقييم تحركات الغنوشي على الصعيد الدولي، ومن بينها محادثاته مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ومع رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، ومع مسؤولين ليبيين في برلمان طبرق، من بينهم علي عقلية صالح، وفي مجلس الدولة، من بينهم خالد المشري.
لكن هذه الجلسات تطورت إلى تبادل للاتهامات بالتبعية للخارج، والولاء لبعض الأطراف العربية والدولية، ولروسيا، وللحلف الأطلسي، وخاصة قيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، التي أجرى رئيسها مؤخراً محادثة هاتفية مع وزير الدفاع التونسي عماد الحزقي، وأعلن من خلالها عن «تطوير الشراكة العسكرية الأميركية - التونسية»، وعن مشروع إرسال لواء عسكري أميركي إلى تونس، رداً على ما اعتبره تدخل روسيا في ليبيا عبر مجموعة من الطائرات الحربية من نوع «ميغ»، ونحو 1500 من مقاتلي المنظمة الروسية العسكرية «فاغنر».
ووظّفت عبير موسى وأنصارها جلسات البرلمان، لتوجيه انتقادات عنيفة لمن تصفهم بـ«إخوان تونس»، واتهمتهم بالتحالف مع «إخوان ليبيا وحلفائهم في تركيا وقطر».
في المقابل، اتهمت أحزاب الائتلاف، المشاركة في الحكومة، عبير موسى وأنصارها بـ«الفساد المالي والسياسي»، و«الحنين إلى عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي»، على حدّ تعبير النائب رشاد الخياري، والوزير السابق والبرلماني سمير ديلو.
كما اتهم نواب الأغلبية البرلمانية والحكومية المعارضين، وزعيمتهم موسى، بالانخراط في لعبة المحاور الإقليمية والدولية، لأنها رفضت في مراسلة كتابية، وجّهتها إلى رئاسة البرلمان قبل أيام، حذف اسمي دولتي تركيا وقطر من مشروعها، واستبدالهما بصيغة تنتقد التدخل الأجنبي في ليبيا بشكل عام.
وقد وجد نواب المعارضة أنفسهم في ورطة، بعد أن استدل عدد من خصومهم بتقارير الأمانة العامة للأمم المتحدة، التي تحدثت عن تدخل 9 دول في حرب ليبيا منذ 2011. من بينها دول من الحلف الأطلسي ودول عربية. كما توقفوا عند المكالمات التي أجراها مؤخراً وزير الخارجية الأميركي، والأمين العام للحلف الأطلسي، بفايز السراج رئيس الحكومة المعترف بها دولياً.
وطالب نواب من حزب «الشعب»، و«تحيا تونس»، و«الإصلاح» و«النهضة» بالتنديد بالتدخل الأجنبي في ليبيا، دون تسمية أي دولة بعينها، بينما رفضت المعارضة هذه الصيغة، واعتبرت أنها سوف تؤدي إلى «تعويم الموضوع»، حسب تصريح الوزير السابق والنائب عن حزب «تحيا تونس» مبروك كرشيد لـ«الشرق الأوسط».
ويبدو أن الزوبعة التي أثارتها المعارضة البرلمانية قد تؤثر في المشهد السياسي التونسي الحالي، الذي تعمقت انقساماته الداخلية، وباتت توشك أن تتعمق أكثر في الأيام المقبلة، مع تعالي أصوات داخل الطبقة السياسية وداخل حزب النهضة نفسه؛ حيث طالب بعضها بعدم الخلط مستقبلاً بين التحركات التي يقوم بها الغنوشي بصفته الحزبية، وتلك التي يبادر بها بصفته رئيساً للبرلمان.
حرب ليبيا تعمق انقسام المشهد السياسي في تونس
دعوات لإسقاط الغنوشي واتهام «النهضة» بالانحياز لتركيا و«أفريكوم»
حرب ليبيا تعمق انقسام المشهد السياسي في تونس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة