الإرهاب يستغل عاصفة «كورونا» ويضرب بقوة في قلب الساحل الأفريقي

أكثر من 50 قتيلاً بهجمات إرهابية متفرقة في بوركينا فاسو

TT

الإرهاب يستغل عاصفة «كورونا» ويضرب بقوة في قلب الساحل الأفريقي

قتل أكثر من 50 شخصاً في هجمات إرهابية متكررة شهدتها دولة بوركينا فاسو، الواقعة في غرب أفريقيا. وقد استهدفت هذه الهجمات سوقاً محلية وقافلة تجار ومناطق في شمال وشرقي البلد الذي يعد ضمن بلدان الساحل الأفريقي؛ حيث ينشط تنظيما «داعش» و«القاعدة».
وعلى الرغم من أن هذه الهجمات لم تتبنَّها أي جهة محددة، فإن الحكومة في بوركينا فاسو والسلطات الأمنية وجهت أصابع الاتهام إلى «مجموعات إرهابية مسلحة»؛ خصوصاً أن هذه الهجمات تحمل بصمات التنظيمات المرتبطة بـ«داعش» و«القاعدة».
وبحسب الرواية المحلية التي زكتها السلطات، فإن عدداً من المسلحين المجهولين دخلوا (السبت) مدينة باما، الواقعة في أقصى شرقي بوركينا فاسو، وكانوا على متن دراجات نارية ويحملون أسلحة أوتوماتيكية. وقال أحد السكان: «دخلوا السوق على متن دراجات نارية، وأخذوا يطلقون النار، وخصوصاً على الناس الذين حاولوا الفرار».
وأضاف الشاهد الذي نجا من الهجوم الإرهابي إن «مجموعة أخرى من المهاجمين قامت بتفتيش من بقوا في المكان، بينما طاردت مجموعة أخرى الفارين»، بينما قال شاهد آخر: «يصعب تحديد عدد القتلى. كانت هناك جثث في السوق وأخرى في الحقول، جرى جمع أكثر من ثلاثين جثة».
واستهدف الهجوم الإرهابي سوقاً أسبوعية للماشية، تفتح كل يوم سبت، بينما كان جميع الضحايا من التجار والزبائن القادمين من مدينة باما وبعض القرى القريبة منها، وكانت السوق خالية من أي وجود أمني، رغم أن تعزيزات عسكرية وصلت للمكان بعد الهجوم بساعات. وقال حاكم المنطقة التي وقع فيها الهجوم، إنه «عمل بربري بشع، ينم عن دناءة منفذيه الذين هم في الحقيقة أعداء الشعب والسلام والحرية». وأضاف في تصريح للصحافيين: «لقد بدأت عملية تمشيط واسعة في المنطقة لتعقب منفذي الهجوم الدنيء».
وجرت العادة في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، وخصوصاً في شمال نيجيريا؛ حيث تنشط جماعة «بوكو حرام»، أن يتم استهداف أسواق الماشية عندما تكون الجماعات الإرهابية بحاجة إلى التزود بالأموال واللحوم. وقد ازدادت الهجمات التي تستهدف هذه الأسواق في مالي وبوركينا فاسو ونيجيريا خلال السنوات الأخيرة.
ويأتي الهجوم الدموي الذي استهدف سوق باما للمواشي، بالتزامن مع هجوم مماثل شنه مسلحون مجهولون ضد قافلة إنسانية، في أقصى شمال شرقي بوركينا فاسو، وقد أسفر هذا الهجوم عن مقتل 10 أشخاص، من ضمنهم رجال أمن، بينما سقط أكثر من 20 جريحاً. وبحسب حصيلة أولية فإن الهجوم أسفر عن مقتل 5 مدنيين و5 عسكريين كانوا يرافقون القافلة التي تحمل مواد غذائية ومعدات طبية وأدوية لصالح السكان المحليين في منطقة تضررت كثيراً من الهجمات الإرهابية المتكررة، ومن الأوضاع الصعبة التي خلفها الانتشار الواسع لفيروس «كورونا» المستجد.
الناطق باسم الحكومة في بوركينا فاسو ندد بالهجوم على القافلة الإنسانية، ووصف ما حدث بأنه «عمل إرهابي مدان يهدف إلى إلحاق الضرر بالسكان المحليين»، بينما ارتفعت في بوركينا فاسو أصوات بضرورة إيجاد حل سريع للأزمة الأمنية في البلد، وعدم الانشغال عنها بأزمة «كورونا». وسبق أن استهدف مسلحون مجهولون أيضاً، يوم الجمعة الماضي، قافلة تجار في أقصى شمالي البلاد، ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً جميعهم من المدنيين. وبذلك يصل عدد ضحايا الهجمات الإرهابية في بوركينا فاسو خلال يومين إلى أكثر من 50 قتيلاً، من ضمنهم 5 رجال أمن.
وتواجه بوركينا فاسو منذ سنوات تصاعد وتيرة الهجمات الإرهابية؛ خصوصاً في المناطق الشمالية والشرقية منها، بينما تشير إحصائيات مستقلة إلى أن هذه الهجمات أسفرت منذ خمسة أعوام عن أكثر من 900 قتيل، وتسببت في نزوح 860 ألف شخص.
ولم تتمكن قوات الأمن في بوركينا فاسو من التصدي للعنف الجهادي، رغم مساعدة قوات أجنبية تتقدمها فرنسا الموجودة في منطقة الساحل، عبر 5100 جندي في إطار عملية «برخان» ضد الإرهابيين، وقوات إقليمية شكلتها مجموعة دول الساحل الخمس (مالي، وموريتانيا، والنيجر، وتشاد وبوركينا فاسو) يصل قوامها إلى 5 آلاف جندي، ولكنها تعاني من نواقص كبيرة في التمويل والتجهيز والتدريب.


مقالات ذات صلة

أميركا تقلص عدد معتقلي غوانتانامو إلى 15 بعد إرسال 11 يمنياً إلى عُمان

الولايات المتحدة​ جندي أميركي خارج أسوار معسكر غوانتانامو (متداولة)

أميركا تقلص عدد معتقلي غوانتانامو إلى 15 بعد إرسال 11 يمنياً إلى عُمان

خفضت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عدد السجناء في مركز احتجاز خليج غوانتانامو في كوبا بنحو النصف، بعد أن أرسلت 11 معتقلاً إلى عُمان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الولايات المتحدة​ تظهر نظارات «ميتا» الذكية المحدثة في المقر الرئيسي للشركة في مينلو بارك بكاليفورنيا في الولايات المتحدة 27 سبتمبر 2023 (رويترز)

ما نظارات «ميتا» التي استخدمها مهاجم نيو أورليانز للاستكشاف قبل عمله الإرهابي؟

نظارات «ميتا» هي أجهزة بها كاميرا مدمجة ومكبرات صوت وذكاء اصطناعي، يمكن التحكم فيها بصوتك وبأزرار، والتحكّم بها كذلك ببعض الإيماءات.

«الشرق الأوسط» (نيو أورليانز (الولايات المتحدة))
شؤون إقليمية جانب من لقاء رئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو ووفد إيمرالي (موقع الحزب)

تركيا: مطالبة بإنهاء عزلة أوجلان لحل المشكلة الكردية

أعلن حزب مؤيد للأكراد أن عملية الحوار مع زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان لحل المشكلة الكردية في تركيا لن تؤدي إلى نتيجة دون إنهاء عزلته.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي فيدان والصفدي خلال المؤتمر الصحافي في أنقرة (الخارجية التركية)

تنسيق تركي - أردني حول دعم المرحلة الانتقالية في سوريا... وعودة اللاجئين

أبدت تركيا توافقاً مع الأردن على العمل لضمان وحدة وسيادة سوريا ودعم إدارتها الجديدة في استعادة الاستقرار وبناء مستقبل يشارك فيه جميع السوريين من دون تفرقة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا تييرنو أمادو تال اختطفه تنظيم «القاعدة» وتوفي في ظروف غامضة (صحافة محلية)

وفاة زعيم محلي في مالي اختطفه تنظيم «القاعدة»

أعلن تنظيم «القاعدة» أن زعيم مجموعة محلية يتمتع بنفوذ واسع في مالي وغرب أفريقيا توفي حين كان رهينة بحوزة مجموعة تابعة للتنظيم في حادثة أثارت ردود فعل غاضبة

الشيخ محمد (نواكشوط )

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟