هناك شركة إنتاج هوليوودية جديدة اسمها «3Arts» كانت قد أطلقت في مطلع هذه السنة فيلم «The Call of the Wild»، بطولة هاريسون فورد، وأتبعته بالفيلم الحالي «The Lovebirds»، مع إيسا راي وكميل نانجياني. لكنّ أبرز إنتاج جديد لها ليس فيلماً سينمائياً، بل مسلسلاً تلفزيونياً عنوانه «Space Force» تعرضه هذا الشهر مؤسسة «نتفليكس» المعروفة.
قبل أن يذهب بنا الخيال بعيداً، فإنّ «سبايس فورس» ليس مغامرات فضائية على غرار «ستار وورز»، ولا هو برحلات جوية في الفضاء المجهول كما هي الحال مع أفلام «ستار ترك». على العكس، فحلقاته العشر الأولى (التي سيتبعها مزيد) تدور على سطح الأرض، وأغلب أحداثها تقع في مركز فضائي أُسّس بأمر من البيت الأبيض بعدما شعر بأنّ الصين وروسيا (على الأخص) باتتا على أهبة تحقيق السباق صوب الفضاء، وإنجاز حضورهما في الكواكب المحيطة.
فعلياً، وفي إحدى الحلقات المبكرة من هذا المسلسل، نشاهد مع بطل المسلسل الكوميدي الجيد، ستيف كارَل، هبوط مركبة فضائية صينية على سطح القمر قبل وصول مركبة فضائية أميركية، وبسط الأولى أذرعها على المنطقة حيث هبطت. وفي مجرى الأحداث، تدّعي الصين ملكيتها لتلك البقعة الشاسعة من أرض القمر، متجاهلة القوانين والاتفاقات الدولية التي تمنع دولة ما من استيطان الكواكب الأخرى وامتلاكها.
وعندما يحاول الجنرال مارك نيرد (كارَل) التذكير بأن بسط الهيمنة مخالف للقوانين، يتجاهل المسؤول الصيني النقاش معه حول هذه النقطة، ويقطع الاتصال به. لكن الجنرال نيرد ليس من النوع الذي يقبل الهزائم؛ نراه في الحلقات العشر الأولى يقاتل على أكثر من جبهة. فهناك هذه المسألة ذات الأهمية القصوى المتعلقة بتطوير إمكانات الولايات المتحدة الفضائية (حدث أن دونالد ترمب ذكر قبل أسابيع قليلة أن الولايات المتحدة تطوّر نوعاً جديداً من الأسلحة الفضائية التي لا يوجد لها مثيل)، ثم هناك مسألة أن زوجته تقضي عقوبة في السجن (عنصر غير متوفر في أي مسلسل يتضمن قائد جيش)، ومسألة النزاع الداخلي والمنافسة على احتلال مقعده من قِبَل جنرال آخر… ثم هناك جبهته العاطفية: بغياب زوجته (التي يحب)، لا بد له أن يبحث عن فرصة عاطفية جديدة بعدما تمنّع عن ذلك منذ وقت طويل. وعندما يجد الفرصة، يفاجأ بموقف ابنته إرين (دايانا سيلفرز) من الموضوع، ورفضها له.
يقوم المسلسل بأسره على كيف حارب الجنرال نيرد على كل الجبهات، ودفع برجاله إلى سلسلة تدريبات لتأكيد قدراته القيادية، وواجه مصاعب الإدارة من جهة، والعملية والعسكرية من جهة أخرى، كل ذلك بعناد وتصميم مكناه من تجاوز العقبات حتى النهاية التي توحي لنا بأنّ الحلقات اللاحقة من المسلسل قد تنتقل بنا إلى آفاق جديدة من الموضوعات المطروحة.
- في الصدارة
لكن ما يطرحه هذا المسلسل الجيّد ليس متمحوراً حول شخصية الجنرال نيرد ومواقفه فقط، إذ يطرح المسلسل مسائل مهمّة تدخل في أطر سياسية مختلفة. فهناك السعي لكسب الرهان الفضائي، وهناك مجلس القيادة العسكري المصغّر الذي يحتوي على عسكريين ومدنيين متناقضي الوجهات والآراء، وهناك جملة من القضايا القومية الأميركية، وبجانبها ذكر لمواقف وقضايا عالمية تدور في الفلك ذاته.
ما سبق، على وفرته وثرائه وجديته في المقام الأول، لا يعني أنّ المشاهد سيمضي الوقت في مواجهة مسلسل من المشكلات العبوسة. نعم، هي مشكلات وقضايا جادّة، لكنّها في الوقت ذاته تستفيد من حضور ستيف كارَل، الكوميدي الأول نجاحاً وموهبة، ومن كتابة ساخرة تجعل كل شيء يبدو كما لو كان نزهة في رحابٍ سوريالية.
أكثر من ذلك، لا يجب الاعتقاد أن «سبايس فورس» مجرد مسلسل تلفزيوني من النوع ذاته الذي تم تدجينه في مكاتب المحطات التلفزيونية سابقاً، بل هو أكبر حجماً منها جميعاً. في الواقع، يبدو كما لو أنه كان فيلماً سينمائي الإنتاج من عشر حلقات (كل حلقة 40 دقيقة)، لكي يُبث على الشاشات المنزلية.
ستيف كارَل يبقى في صدارة الممثلين. قائمة هؤلاء تتضمن جون مالكوفيتش في دور عالم الفضاء الذي يعمل تحت إشراف الجنرال نيرد، لكنّه من الجرأة بحيث يستطيع نقده، بل والتلويح بالاستقالة إذا لم يؤخذ كلامه على محمل الجد.
ومع أن المسلسل مليء بالوجوه والشخصيات التي تؤديها، فإنّ العلاقة القائمة على التناقض بين الاثنين تستولي على الاهتمام. هنا لدينا جنرال متزمّت عنيد منضبط إلى حد بعيد، وعالم أكثر ثقافة وعلماً. والحوار بين الاثنين يقف على الحافة الرفيعة بين إثارة الضحك وإثارة الإمعان في فحواه. كلاهما رائع في أدائه.
كان لا بد، والحال هذه، من السعي لإجراء محادثة، ولو عبر الإنترنت -كما هي حال كل اللقاءات والمقابلات الصحافية مع طواقم الفنانين هذه الأيام- مع ستيف كارَل الذي أضاف إلى فن الكوميديا ما لم يضفه سواه منذ عدة عقود: القدرة على مزج الحركة البدنية بالموقف والحوار، وتكوين هذا النوع من الأداء البعيد عن التهريج، بصرف النظر عن الشخصية التي يؤديها. وقد أدّى بطولة أكثر من 50 دوراً على الشاشة الكبيرة، ونحو 20 دوراً في برامج ومسلسلات تلفزيونية مختلفة، قبل هذا العمل الذي شارك في إنتاجه وإعداده مع المنتج غريغ دانيالز.
- شرط أساسي
حين يتحدث ستيف (عن بعد)، تلحظ إلمامه الكامل بالمشروع الذي أنجزه، خصوصاً لدى سؤاله عن هذا اللقاء بين الموضوع الجاد والمنهج الساخر الذي يصاحبه:
أعتقد أنّ هذا هو المنهج الوحيد الذي يمكن أن يضمن وصول الرسالة إلى المشاهدين على اختلافهم؛ أولئك الذين ينتظرون طرح مسائل سياسية واجتماعية مهمّة لن يخيب أملهم لأنّ المعالجة كوميدية، والذين يتوقعون من المسلسل حضوراً في الكوميديا سيجدون ما يبحثون عنه. الجمع بين الموضوع الجاد والتعبير الكوميدي عنه يميّز العمل الناجح، ويؤدي إلى لقاء مثالي يُتيح إنجاز كثير من الطّروحات من دون ثقل ذلك الطرح.
> في حلقة مبكرة من المسلسل، يسأل أحدهم الجنرال إذا ما فكّر يوماً بشق طريقه صوب مهنة مختلفة تماماً عن عمله الحالي. سؤالي: هل طرحت على نفسك هذا السؤال سابقاً؟ هل كان لديك خيار في العمل بعيداً عن التمثيل؟
- كنت دائماً أحب التمثيل، لكنك تذكرني بأنني كنت أستطيع فعلاً العمل في وظائف أخرى كثيرة. لفترة من الوقت، كان متاحاً لي دخول سلك الوظائف في مؤسسات تجارية. وفي البداية، غازلتني فكرة أن أصبح محامياً. الآن، يبدو لي هذا التفكير غريباً إلى حد بعيد؛ أنا مرتاح الآن لاختياري مجال التمثيل، فقد كان دائماً في صميم ما تمنيته لنفسي.
> هناك قضايا كثيرة مثارة في «سبايس فورس»، عاطفية وشخصية وسياسية وعلمية. هناك حديث عن تصرّف المسؤولين حيال السباق الجديد صوب الفضاء، وموقف الصين غير المتجاوب مع الولايات المتحدة. أي من هذه المسائل استدعى اهتمامك أكثر من سواه؟
- هذا سؤال جيد. أعتقد أن ما ذكرته هو جملة من المسائل التي إذا جمعتها تصبح موضوعاً شاملاً. نمر في ظروف عالمية صعبة تفرض تعاوناً مثمراً بين الدول وبين المجتمعات المختلفة. «سبايس فورس» يطرح عدة قضايا تلتقي على نحو غير مباشر تحت مظلة ما نحتاج إليه في عالمنا اليوم. أعتقد أنّ الصّورة الخلفية لما يستعرضه المسلسل هي نقد لما نحن عليه اليوم.
> مجرد طرح مسائل بالغة الجدية بمنهج كوميدي هو تعامل إيجابي مع الأزمات. صحيح؟
- طبعاً. الشرط الأساسي هو أن تكون الكتابة جيدة، والكوميديا هادفة، وليست مجرد حركات وكلمات.
> كيف تصف العناصر التي تكوّن شخصيتك هنا؟
- حسناً، هو عسكري متمرّس، يعيش لعمله، صارم في قراراته، سواء أكانت صحيحة أم خاطئة. حين يخطئ لا يعترف، كما تلاحظ. لكنّه يتغيّر قليلاً أكثر بعد ذلك. فوق ذلك، هو شخصية طموحة، يعرف أساليب العمل وراء الستارة، ويدافع عن مكتسباته وآرائه وأفعاله، كما نراه يفعل في تلك الجلسات المغلقة في مركز القيادة. هناك، يواجه تحديات كثيرة، لكنّ الحيلة لا تخونه، ولديه طريقة للخروج فائزاً من تلك المواجهات.
> هل الغاية، أو إحدى الغايات، نقل الواقع؟ أقصد هل هذا ما يحدث بالفعل في الاجتماعات المغلقة: مناوشات وانتقادات وسخرية بعضهم من بعض؟
- لم أحضر أي من هذه الاجتماعات، لكنّني وشريكي (غريغ دانيالز) استوحينا ما نعتقد أنّه يحدث، ربما ليس بالدرجة ذاتها، لكنّنا نعيش في عالم مختلف اليوم عمّا كنا نعيشه سابقاً. أتصوّر أنّ كثيراً مما قدّمناه يعكس الحقيقة بحدود.
> هناك ستة مخرجين عملوا على هذا المسلسل. كيف يتم التأكد من أنّ المسلسل يبقى نسيجاً واحداً، في الأسلوب على الأقل؟
- بالحديث والاستعداد المطوّل. كل مخرج عليه أن ينتمي إلى هذا المنهج الذي وضعناه نحن المنتجين، المنهج الذي لا يمكن الانفصال عن شروطه. وهذا ليس أمراً جديداً في الحقيقة لأنّ كل المسلسلات والبرامج التلفزيونية تسعى للحفاظ على نوعياتها واندماجها تحت شروط واحدة، رغم تعدد المخرجين.
> كيف تصف العمل مع جون مالكوفيتش؟ من الخارج، يبدو مثالياً لأنكما نموذج للتناقض بين شخصيتين عليهما العمل معاً.
- هذا صحيح. أعتقد أنّ كل الأعمال الفنية عليها أن تطرح شخصيتين، أو أكثر أحياناً، على درجة كبيرة من التناقض في الآراء والمواقف؛ هذا يشحن المَشاهد بتوترٍ عالٍ، ويمنحه عنصر نجاح إضافي. أعتقد أنّنا قمنا بتفعيل هذا التناقض على نحو صحيح ونموذجي. حتى في الحركة البدنية، كلٌ منّا مختلف لدرجة التناقض.
> هناك المشهد الذي تركض فيه داخل الرّواق، ويسألك وقد تأخر عنك: «هل تركض؟»، فتجيبه بأن يسرع. هذا يوجز الاختلاف الفيزيائي بينكما.
- بالطبع. كل أنواع الدراما ترتكز على تناقض الشخصيات، وليس على التقائها. هذا طبيعي.
ستيف كارَل لـ«الشرق الأوسط»: الجمع بين الجدّية والكوميديا ميزة العمل الناجح
«سبايس فورس»... فضاء من القضايا في مسلسل جديد
ستيف كارَل لـ«الشرق الأوسط»: الجمع بين الجدّية والكوميديا ميزة العمل الناجح
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة