روسيا قلقة من «تداعيات أسوأ من المعارك»https://aawsat.com/home/article/2309876/%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D9%82%D9%84%D9%82%D8%A9-%D9%85%D9%86-%C2%AB%D8%AA%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D8%B3%D9%88%D8%A3-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D9%83%C2%BB
لا يشكِّل دخول «قانون قيصر» الأميركي حيز التنفيذ، ضربة للجهود الدبلوماسية الروسية وحسب؛ بل تتجاوز آثاره المنتظرة -وفقاً لمحللين روس- البعد السياسي، ليضرب بقوة خططاً طموحة لقطاعات اقتصادية ومالية في روسيا، جهزت نفسها طويلاً لمرحلة «ما بعد الحرب» في سوريا، وأطلقت استعدادات مكثفة لتأخذ حصة كبرى من مشروعات إعادة تأهيل البنى التحتية في البلاد. وموسكو التي نشطت بقوة في الفترة الأخيرة، لحشد تأييد دولي لموقفها في مواجهة «سياسة العقوبات» عموماً، والقانون الأميركي المثير للجدل على نحو خاص، تستعد لخوض معركة دبلوماسية قوية، في مواجهة التداعيات المنتظرة مع بدء تنفيذ القانون الذي وصفته مؤسسات إعلامية حكومية روسية بأن تداعياته على سوريا وحلفائها ستكون «أسوأ من سنوات الحرب». لكن مع النهج السياسي الذي يواجه نكسة جدية، بعدما راهن طويلاً على إقناع المجتمع الدولي بضرورة الانفتاح على مبادرة روسيا لإطلاق مشروع ضخم لإعادة الإعمار، وسعى لتعويم النظام السوري إقليمياً ودولياً، تتجه الأنظار أكثر إلى فرص الشركات الروسية الكبرى التي يمكن أن «يجهضها» القانون الأميركي. يكفي تذكر أن جزءاً أساسياً من الحملات الإعلامية التي وجهت انتقادات للنظام في الأسابيع الماضية، كان قد ركَّز على مخاطر القانون، وعلى أن الترهل والفوضى في إدارة الاقتصاد، ومعدلات الفساد المرتفعة، تضعف فرص دمشق في الاستعداد لمواجهته. يتمثل الخطر الأكبر -وفقاً لخبراء روس- ليس فقط في القانون نفسه الذي يفرض قيوداً وعقوبات ضد الشركات والمؤسسات السورية فضلاً عن الأفراد؛ بل في تضمينه طلباً للرئيس الأميركي بفرض عقوبات ثانوية على السلطات والشركات والأفراد من البلدان الأجنبية المتعاونة مع سوريا. والحديث هنا يدور عن قطاعات محددة توليها روسيا أهمية فائقة، بينها التجارة والتعاون الاقتصادي في قطاعات صناعة النفط، وصناعات الطيران، والإنشاءات، فضلاً عن النظام المصرفي، وكلها قطاعات وضعت الشركات الروسية أحلاماً كبرى على السوق السورية فيها. للمقارنة، وإدراك مدى جدية التأثير المنتظر، يكفي تذكر أن عملاق النفط الروسي «روسنفط» اضطر إلى الانسحاب من مشروعات كبرى في فنزويلا حتى لا يقع تحت طائلة العقوبات الأميركية. أيضاً يبدو مثال القطاع المصرفي الروسي الذي عجز عن العمل في شبه جزيرة القرم رغم مرور سنوات على ضمها إلى روسيا صارخاً، ومصرف «سبير بنك» العملاق الذي يوفر خدمات الدفع المباشر للفواتير والضرائب والمستحقات الأخرى للغالبية الكبرى من الروس، فشل حتى في فتح مكتب فرعي له في شبه الجزيرة، بسبب العقوبات الغربية المفروضة على المؤسسات التي تتعامل مع هذه المنطقة.
طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».
ثغرات تسهل الخرق
ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).
ظروف صدور القرار
فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».
صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.
وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».
هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟
يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».
سيناريو 2006
وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».
وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».
وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».