توقف قلب الأسطورة صباح في غفلة من عشاقها وممرضتها الخاصة

مراسم الدفن تجرى الأحد بحضور ولديها.. وابنة أختها تنشر وصيتها الأخيرة

مع احمد رمزي في القاهرة (ا.ف.ب)
مع احمد رمزي في القاهرة (ا.ف.ب)
TT

توقف قلب الأسطورة صباح في غفلة من عشاقها وممرضتها الخاصة

مع احمد رمزي في القاهرة (ا.ف.ب)
مع احمد رمزي في القاهرة (ا.ف.ب)

صباح التي أبت إلا أن ترحل في الصباح تيمنا باسمها، غادرتنا فجر أمس الأربعاء عن عمر يناهز 87 عاما، بعد أن توقّف قلبها، وهي نائمة في سريرها كعادتها كل مساء لتنتقل إلى العالم الآخر بهدوء. وروت كلودا عقل ابنة شقيقة الفنانة صباح التي كانت تلازم خالتها لـ«الشرق الأوسط» يوم أمس وهي لا تتوقف عن البكاء أحداث الليلة الأخيرة التي أمضت جزءا منها معها وقالت: «لا أدري لماذا استدعيت طبيبها قبل رحيلها بيوم واحد، فطلبت منه أن يفحصها مليّا وأن يقف على حالتها الصحية، وعندما انتهى من عمله، طمأنني بأنها في أحسن حال وقال لي بالحرف (صحتها جيدة جدا، تماما كبنت 14)». وعن أسباب استدعائها الطبيب المعالج لها ردّت كلودا موضحة: «لا أدري بالفعل لماذا اتصلت به، ولكنني لاحظت بأن عينيها زائغتان، وبأنها تشعر بالحرارة، إذ كانت تقول لي: (هويلي شوي كأني معبأة ومشوّبة) (أي تطلب نفحة هواء لأنها تشعر بالحرارة تجتاح جسمها)، كما كانت تشعر بالضيق ولا تعرف السبب. ولكنني عندما ودّعتها مساء كانت مرتاحة وتركتها بعد أن غفت نحو التاسعة والنصف».
وتتابع كلودا بصوت متهدّج: «عند الثالثة صباحا اتصلت بي الممرضة التي تعتني بها وأخبرتني بأن صباح فارقت الحياة، وأنها اكتشفت ذلك إثر تفقدها لها في تلك الساعة، رغم أنها كانت طبيعية وتتنفس براحة بعد منتصف الليل عندما تفقدتها للمرة الأولى». وختمت كلودا عقل بالقول: «المصاب كبير ولكن ما يعزيني هو محبة الناس الكبيرة لها وهي حتى لو رحلت باقية في قلوبنا».
أوصت الفنانة صباح ابنة أختها كلودا عقل قبيل رحيلها، وهي التي بقيت إلى جانبها طيلة سنين مرضها، أن تنقل إلى اللبنانيين وصيتها: «قوليلن يحطو دبكة ويرقصوا بدي ياه يوم فرح مش يوم حزن، بدي ياهن دايما فرحانين بوجودي وبرحيلي متل ما كنت دايما فرّحن. وقالتلي قلكن إنها بتحبكن كتير وانو ضلوا تذكروها وحبوها دايما».
شكك اللبنانيون بصحة خبر وفاة صباح عندما سمعوا به، رحلت الشحرورة... لم ترحل... هكذا اعتاد اللبنانيون أن يعلقوا على الإشاعات التي كانت تطال صباح في السنوات الأخيرة. وكانت آخرها قبل 48 ساعة من إعلان نبأ موتها. فكتبت كلودا عقل ابنة شقيقتها (الممثلة الراحلة لمياء فغالي) تكذّب الخبر. قلب صباح الضعيف وكثرة زياراتها إلى مستشفى قلب يسوع في الحازمية إثر إصابتها بأكثر من أزمة صحية ساهما في إشاعة البلبلة حول وضعها الصحّي. إلا أن السادس والعشرين من الشهر الحالي حمل الخبر اليقين... الخبر الحزين الذي غيّب صاحبة البسمة الدائمة إلى الأبد. فهذه المرة الخبر ليس مجرّد إشاعة، بل حقيقة مؤلمة أصابت جمهور الشحرورة الواسع. توالت التعليقات على موت الفنانة التي قالت يوما «أعتقد أنني سأكون ختيارة مهضومة»، فغرّد محبوها من سياسيين وفنانين وإعلاميين على موقع «تويتر» ينعونها، وعلى صفحات «فيسبوك» والـ«انستاغرام» يرثونها بحزن عميق.
غرّد الوزير السابق وليد جنبلاط في الثالثة صباحا على حسابه الخاص على موقع «تويتر» يقول: «مع رحيل صباح يرحل ماض جميل للبنان لن يعود». فيما كان للنائب هادي حبيش تغريدة قال فيها «من قال: إن العظماء يموتون حين يموتون؟ اليوم بدأت حياة صباح في مسار تاريخنا الفني والاجتماعي والثقافي».
الفنانون أيضا عبّروا عن حزنهم لرحيل صاحبة لقب «شحرورة الوادي»، فعلّقت نوال الزغبي بالقول «ما حدا متلها كان يحب الحياة، كرمال هيك الحياة اليوم زعلانة على رحيلها، رح نتذكرك صباح كل يوم يا خالدة». أما راغب علامة فغرّد عبر «تويتر» بالقول: «بعد نصري وعاصي ومنصور وزكي ووديع، حان الآن موعدك مع الرحيل.. كبارنا يرحلون أرزاتنا يتناقصون. وداعا يا شحرورتنا وداعا يا حبيبتنا رحمك الله». وكتبت إليسا أيضا عبر حسابها الخاص على موقع «تويتر» الإلكتروني تقول «كانت الحياة بكل ما من معان لجمالها هكذا سنتذكرها دائما». أما الفنانة نانسي عجرم فكان لها أكثر من تغريدة على الموقع نفسه وقالت في إحداها «اليوم خسر لبنان أسطورة، رحلت صباح ولكنها باقية في قلوبنا».
وسائل الإعلام المسموعة والمرئية أعلنت وفاة الفنانة رسميا، وكانت قناة (إم تي في) السباقة في تخصيص معظم فقرات برنامجها الصباحي اليومي «Alive»، للتحدث عن تاريخ الفنانة الراحلة وإنجازاتها. كما استضافت بعض الضيوف من شعراء وفنانين تحدثوا عنها. وكانت أيضا السباقة في نقل أجواء الحزن السائدة بين أهلها وأحبائها الذين توافدوا إلى فندق «برازيليا» في الحازمية الذي شكّل عنوان إقامتها الدائمة منذ أن تركت منزلها في المنطقة نفسها. كما نعتها أيضا نقابة الفنانين المحترفين في لبنان بشخص رئيسها الفنان إحسان صادق.
شكّلت صباح في حياتها أسطورة حقيقية، فتركت أثرها على من التقاها أو من كانت له فرصة إجراء حديث معها. فالفنانة كارول سماحة ذكرت أكثر من مرة أن صباح أحدثت تغييرا جذريا في حياتها، بعد أن أدت شخصيتها في مسلسل «الشحرورة» في موسم رمضان من عام 2011. وكتبت سماحة عن رحيل صباح تقول: «عشت أحاسيسها أفراحها وأحزانها واليوم رحلت تاركة أثرها في مكان عميق في حياتي وداعا صبوحتي وشحرورة لبنان». أما المخرج سيمون أسمر فكان يعدّها وجه الخير الذي يفتتح به برامجه الفنية، فكانت تشكّل دائما بالنسبة له أول الضيوف الذين يستقدمهم في (استوديو الفن) أو (كاس النجوم) وغيرهما من البرامج. كما كانت المثل الأعلى بالنسبة لفنانات كثيرات، تأثرت بأناقتها نوال الزغبي، وبطريقة أدائها رويدا عطية، وبأغانيها بكل بساطة الفنانة رلى سعد التي أعادت أداء عدد كبير من أغانيها كـ(زي العسل) و(جيب المجوز يا عبود) و(دلوعة) و(يانا يانا) التي شاركتها فيها الغناء الفنانة الراحلة.
وعندما نتذكر حديثا أجريناه معها في منزلها في الحازمية، لا يمكنك أن تنسى إطلالتها كـ«ديفا» حقيقية وهي ترتدي بدلة بيضاء مبتسمة ومتأهّلة بك. تكتشف عن قرب صباح الإنسانة والفنانة العاشقة لوطنها. يومها وعند سؤالنا لها إذا كانت تبكي رغم أنها تبدو سعيدة دائما وابتسامتها لا تفارقها أجابت: «طبعا أنا أبكي كغيري من البشر، ولكن أحدا لم ير دموعي أبدا، إذ أنني أقفل على نفسي غرفتي عندما أرغب في ذلك، فأنا صباح الأسطورة وسأبقى كذلك في نظر الجميع حتى من أقرب المقرّبين مني».
بقيت الفنانة صباح في كامل قواها العقلية حتى آخر لحظة من حياتها كما أشار المقرّبون منها، وهذا الأمر أكده معظم الذين كانوا يزورونها من إعلاميين وفنانين ثابروا على الوقوف على حالتها الصحية بين وقت وآخر. ولدت صباح واسمها الحقيقي جانيت الفغالي في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1927. كانت تهوى الغناء منذ صغرها فلفتت بموهبتها المنتجة المصرية اللبنانية الأصل آسيا داغر، التي أوعزت لوكيلها في لبنان قيصر يونس لعقد اتفاق معها لتمثيل 3 أفلام دفعة واحدة. فكانت انطلاقتها الحقيقية في عالم الغناء والتمثيل.
قدّمت صباح 83 فيلما سينمائيا بين مصري ولبناني، و27 مسرحية لبنانية. أما مشوارها الغنائي فضم أكثر من 3000 أغنية، وكانت ثاني فنانة عربية بعد أم كلثوم وقفت على مسرح الأولمبياد في باريس، في منتصف السبعينات. كما وقفت على مسارح عالمية أخرى كـ«إرناغري» في نيويورك و«دار الأوبرا» في سيدني أستراليا، وقاعة «ألبرت هول» في لندن و«قصر الفنون» في بلجيكا وغيرها من المسارح في لاس فيغاس. اشتهرت صباح بغزارة أعمالها الفنية، وكثرة زيجاتها التي يذكر أنها وصلت إلى 9 زيجات، ولها ولدان الطبيب صباح شماس، وبنتها هويدا منسي التي شاركتها في أكثر من عمل فني.
تجري مراسم دفن الفنانة «الأسطورة» الأحد المقبل الواقع في 30 الجاري، في الثانية بعد الظهر في كنيسة مار جرجس وسط بيروت. وسيكون مأتما شعبيا كما أرادته الراحلة إذ دعت ابنة شقيقتها جميع محبيها للمشاركة في الصلاة على جثمانها، هي التي لم تكن تفرّق بين الناس مهما كان مستواهم الاجتماعي. ومن المتوقّع أن يصل ولدا الفنانة الراحلة (صباح وهويدا) اليوم إلى لبنان آتيين من أميركا مركز إقامتهما الدائمة للمشاركة في مراسم دفنها. وكان قد تردد أن ابنتها هويدا صدمت بالخبر وأن حالتها النفسية المتردية إثر سماعها بالخبر قد تؤخّر مجيئها إلى لبنان.
«يا أحباب الصبوحة، الصبوحة اليوم راجعة على ضيعتها عالأرض اللي حبتها، هي تودعكم وتقول لكم ما تبكوا وما تزعلوا علي ولا ترتدوا الأسود هيدي وصيتي الكن» هكذا أوصت «الصبوحة» محبيها والتي آثرت قبل أن تفارق الحياة تردادها على مسامع المقربين منها.
وصفت كلودا عقل رحيل خالتها الفنانة صباح بأنه خسارة شخصية كبيرة لها. وقالت لـ(«الشرق الأوسط»): «مهما قلت عن فقداني لها لا يمكن أن أعبّر فيه عما يخالجني في أعماقي. تركت فراغا كبيرا في حياتي، وهي كانت تعلم بذلك تماما وقالت لي أكثر من مرة (أنت أكثر من سيحزن علي لأنك كنت معي دائما طيلة فترة مرضي)». وتضيف كلودا: «لقد كانت بالنسبة لي الأم والخالة والصديقة والأخت، وعلّمتني الكثير في حياتي حتى أنها أجرت تغييرا جذريا فيها. علّمتني أن أكون دبلوماسية وأن ألجم نفسي عندما يثير أحدهم أعصابي، وكانت غالبا ما تردد على مسمعي عبارتها الشهيرة لي (كل منا يولد وقصّته معه، فلا تتعبي نفسك ولا تحزني واتكلي على ربّ العالمين فهو أدرى بما ينتظرنا)».



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».