نجوم لبنان يرثون الفنانة صباح صاحبة الأيادي البيضاء

مصمم فساتينها وليم خوري: أناقتها أولويتها وليس الرجال

إلياس الرحباني  -  فيلمون وهبي
إلياس الرحباني - فيلمون وهبي
TT

نجوم لبنان يرثون الفنانة صباح صاحبة الأيادي البيضاء

إلياس الرحباني  -  فيلمون وهبي
إلياس الرحباني - فيلمون وهبي

في اتصال مع مصمم الأزياء وليم خوري، الذي كان المسؤول عن أناقة صباح لأكثر من 40 عاما قال: «اليوم خسرنا أرزة من أرزات لبنان.. صباح التي لن تتكرر، وهي أكثر من أسطورة، إن في معاملتها للناس أو في أعمالها الفنية أو حتى في أناقتها».
وعن الصداقة التي كانت تربط بينهما قال: «لم تكن مجرد زبونة عادية، بل كانت أختا وصديقة، وأجمل ما فيها هي الراحة والإيجابية اللتين تمدك بهما بصورة غير مباشرة». وأضاف: «كانت صاحبة شخصية فذّة، دون أن تفرض نفسها على أحد، بل بدبلوماسية ماهرة، لقد صممت لها أكثر من 400 فستان، فكانت رائدة في أناقتها وهي التي ابتكرت أكثر من موضة في ملابسها الأخاذة. كانت زبونة مريحة وأعصابها هادئة، كما كانت لا تترك مناسبة دون أن تسأل فيها عن أحبابها وتطمئن عليهم». ويتذكر المصمم اللبناني آخر مرة زارها فيها منذ نحو الشهرين فقال: «لقد كانت في كامل وعيها وراحت تذكرني بأحداث جرت بيننا منذ أكثر من 40 عاما أنا نفسي نسيتها، فأمضينا أوقات جميلة ومسلية حتى وهي على فراش المرض».
وختم بالقول: «لقد عرضوا علي آلاف الدولارات لأبيع عددا من فساتينها، ولكنني رفضت وكنت أصر أن أعرضها في بلدان عربية مثل قطر ودبي وأبوظبي، كما عرضنا قسما منها في مهرجانات (بيت الدين) منذ نحو عامين في لبنان ولاقت نجاحا كبيرا، وقريبا سأحملها معي إلى معرض خاص سيتضمن أغراضا قديمة ينظم في دولة قطر. ويمكنني القول بأن فساتين صباح كنت تحتل الأولوية في حياتها قبل الرجل، فحبها لأناقتها كان يسبق أي حب آخر، عكس ما يعتقده الجميع عنها».
نقيب الفنانين المحترفين في لبنان الفنان إحسان صادق، وعلى أثر اتصالنا به حيث كان موجودا في كنيسة مار جريس وسط بيروت يقوم بالتحضيرات الخاصة التي سترافق الوداع الأخير للراحلة صباح بعد ظهر الأحد المقبل، وصف الفنانة الراحلة بأنها كانت إنسانة عظيمة، وأنه طيلة ترأسه النقابة، أي مدة 29 عاما، لم يحمل لصباح سوى الاحترام والود، إذ كانت فنانة فاضلة ومحترمة ترفض الدخول في أحاديث القيل والقال عن هذا الفنان أو ذاك وقال: «لم تحب المشكلات بطبعها فكانت مسالمة تلاقي الحلول» وقال: «طيلة عمرها كانت مهمة على الصعيدين الإنساني والفني، لا أحد يمكنه أن يمسك عليها ممسكا سلبيا بالنسبة لتعاملها مع زملائها، فكان لا يخرج منها إلا الكلام الجميل، فهي مجبولة بالفرح والبهجة اللتان تنشرهما أينما حلت». وأضاف: «صباح هي عضو مميز في النقابة ولديها ميزتان أساسيتان سيجلهما التاريخ لها، ألا وهما قيمتها الفنية التي رفعت من خلالها اسم وطنها لبنان، وثانيا قيمتها الإنسانية، إذ كانت تشكل للجميع ملجأ يدركونه عند الحاجة. فصباح لها أياد بيضاء على جميع الأصعدة ونحن نعرف بالأسماء الأشخاص الذين كانت تساعدهم ماديا دون أن تنبس بكلمة عن هذا الأمر. وختم النقيب إحسان صادق: «هذه هي صباح التي مثلت لبنان أفضل تمثيل ورفعت اسمه عالميا حتى شكلت أساسا من أعمدته الفقرية».

إلياس الرحباني: وكأنما غيابها كسوف للشمس
الموسيقار إلياس الرحباني وصف رحيل الفنانة صباح بانكساف الشمس عن لبنان وقال في حديثه عن رحيلها لـ«الشرق الأوسط»: «لطالما كنت وزوجتي نينا نقول لبعضنا وكأن الشمس تحتجب عن لبنان عندما تسافر الصبوحة لارتباطها في عمل ما خارج بيروت، فهي كانت إنسانة مشرقة ومشرّفة بأعمالها للوطن العربي وللبنان. عندما سمعت بالخبر حزنت حزنا كبيرا رغم أننا كنا نعلم مسبقا بأن وضعها الصحي غير مستقر، لقد كانت إنسانة نبيلة لا تحب المشكلات، وخيّرة تقوم يدها اليمنى بفعل الخير دون أن تدري يدها اليسرى. لقد كانت مبتسمة دائما فلم أصادفها يوما حزينة أو متوترة، كانت تزودني دائما بالأمل والتفاؤل. وكان لديها ميزة عن غيرها وهي أنها تقرأ العيون، وتعرف سلفا معاناة هذا الشخص أو ذاك دون أن يخبرها أحد بذلك، حتى إنها كانت معطاءة لدرجة أنها كانت تشعر من بعيد بأن هذا الشخص أو ذاك يمر بضائقة مادية فترسل له الإعانة دون أن تسأل أو تمنن».
وختم بالقول: «لقد كانت تضج بالحياة والفرح أينما حلّت، وقد لحنت لها أكثر من 60 أغنية بينها (شفتو بالقناطر) و(قالوا عني مجنونة) و(عالغندورة) و(هالي دبكة يابا أوف) وهذه الأخيرة شكلت أكثر نسبة مبيع في فترة السبعينات، فضربت شهرتها الشرق الأوسط بأكمله. هذه هي صباح ومهما قلنا عنها يبقى قليلا، ولكنها دون شك هي عملاقة لن تتكرر، وحاليا التقت بعاصي ومنصور وتوفيق الباشا وفيلمون وهبي، والحق أقول أصبح العالم الآخر برفقة جميع هؤلاء وصباح بينهم أجمل من الحياة التي نعيشها هنا».

ميريام فارس: أرجوكم صلوا لها
الفنانة ميريام فارس قالت عن الفنانة الراحلة: «أجمل ذكريات مع أجمل وأطيب نجمة في العالم، لقد كانت وستبقى مشعّة في سمائنا.. أرجوكم فأنا أطلب منكم الصلاة لها».
وعلقت الفنانة هيفاء وهبي بالقول: «الله يرحمك صبوحتنا على أمل أن تكوني في مكان أجمل من الأرض، وداعا يا شحرورة».
فيما رددت الفنانة يارا قائلة: «لقد علمتنا الفنانة صباح كيف نحب أعمارنا ونعشق الحياة في أغنيتها (ساعات)، أما ابتسامتها في الدائمة فلتؤكد لنا أن الحياة حلوة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».