كيف تصممون قصصكم المصوّرة الرقمية الخاصة؟

تطبيقات للقصاصين الناشئين ممن لا يتقنون الرسم

كيف تصممون قصصكم المصوّرة الرقمية الخاصة؟
TT

كيف تصممون قصصكم المصوّرة الرقمية الخاصة؟

كيف تصممون قصصكم المصوّرة الرقمية الخاصة؟

هل تملكون قصة مشوقة تريدون تقديمها للجمهور، ولكنكم لا تريدون إهدار جهودكم في وضعها في كتاب تقليدي؟ جرّبوا صناعتها على شكل قصّة مصوّرة رقمية وتجاهلوا أي شخص يعد الروايات البصرية أقلّ شأناً من سائر الأنواع الفنيّة أو مجرّد مادّة أساسية لأفلام هوليوود الحركيّة.
تتمتّع رواية القصص عبر الفنّ البصري بتاريخ طويل ونبيل، حيث تمّ استخدامها في رسوم الكهوف القديمة والنقوش الرومانية والطباعة على المفروشات والمجسّمات الخشبية.
نعم، يمكنكم صناعة قصّتكم المصورة الخاصة، حتى ولو كنتم لا تتقنون الرسم، حتى إن بعض المدرسين وجدوا في هذه الطريقة وسيلة لجذب الأطفال نحو الكتابة الإبداعية. وبفضل التطبيقات المتنوعة المتوفّرة اليوم، أصبح بإمكانكم صناعة قصتكم المصوّرة الرقمية الخاصّة بواسطة الهاتف الذكي والجهاز اللوحي والكومبيوتر، أو حتى على ورقة بيضاء قديمة. فيما يلي، ستجدون دليلاً سيساعدكم على صناعة قصّتكم.
- دراسة الحرفة
قبل الغوص في العمل، حدّدوا نوع القصة المصوّرة التي تريدون تأليفها: هل تريدون قصّة مؤلّفة من مشهد واحد مثل لوحة الكرتون في صحيفة مثل «ذا نيويوركر»؟ أو عملاً يشبه فصي حبة الفول السوداني بشريط مؤلّف من لوحتين أو أكثر؟ أو كتاباً مصوّراً بشخصية بطولية كـ«بلاك بانثر» (النمر الأسود)؟ أو ربّما تريدونها أشبه بـ«مغامرات المانغا»، أو مذكرات مصوّرة طويلة تشبه «فان هوم» (منزل المرح) من تأليف أليسون بيتشدل. وإذا كنتم لا تعرفون من أين تبدأون، ستجدون كماً هائلاً من النصائح المجّانية على الإنترنت، أبرزها دليل مختصر وضعه الكاتب نيل غايمان Neil Gaiman. وفي حال كانت المكتبة القريبة منكم مقفلة، أو لا تملكون فرصة الشراء عبر الإنترنت، يمكنكم الاستعانة بالنسخ الرقمية للكتب التعليمية كـ«ميكينغ كوميكس» (Making Comics) (صناعة القصص المصوّرة) لليندا باري، و«ميك كوميكس لايك ذا بروز» (MakeComics Like the Pros) (اصنع قصصاً مصوّرة كالمحترفين) لفريد فان لينتي، التي يمكنكم شراؤها، وتحميلها دون مغادرة المنزل. يمكنكم أيضاً قراءة بعض القصص المصوّرة التي قد تشكّل مصدر إلهام لكم. تجدونها في المتاجر الرقمية أو متاجر القصص المصوّرة التي تتلقّى طلبات إلكترونية، وستساعدكم دون شكّ في ابتكار أفكاركم الخاصّة.
- تطبيقات الرسم
بعد تحديد نوع القصة المصوّرة التي تريدون تأليفها، اختاروا البرنامج الرقمي المناسب لمشروعكم. وإذا كنتم من خارج عالم الفن، وتبحثون عن شيء يسهل تعلّمه، استخدموا تطبيقات كـ«كانفا» (Canva)، و«بيكستون» (Pixton)، و«ستوري بورد ذات» (Story board That) التي تتيح لكم وضع الشخصيات والخلفيات وفقاعات المحادثة على كانفا (لوحة رسم) رقمية. تعتمد هذه التطبيقات الثلاثة على الاتصال بالإنترنت، وتعمل على أي كومبيوتر أو جهاز محمول. (يمكنكم أيضاً الاستعانة بموقع «ميك بيليفز كوميكس» (Make Beliefs Comix) المجّاني الذي يشجّع الطلّاب على صناعة مذكّراتهم المصوّرة الخاصّة).
لعلّكم ستبدأون رحلة التأليف بمراكمة العناصر على الشاشة، ولكن يمكنكم أيضاً إضفاء لمساتكم الشخصية على الشخصيات والحركات، ومن ثمّ إضافة حواركم الخاص. للعمل، تحتاجون إلى إنشاء حساب مستخدم لتخزين وحفظ ابتكاراتكم. وإذا كنتم تحتاجون إلى ما هو أكثر من مجرّد إصدارات محدودة وتجارب مجّانية، تقدّم لكم التطبيقات الثلاثة المذكورة أعلاه مجموعة كاملة من أدوات صناعة المحتوى المصوّر بمن 10 إلى 13 دولاراً في الشهر. أمّا للأهل والمعلّمين الذين يبحثون عمّا يبقي صغارهم منشغلين، يمكنهم استخدام موقع «كومون سينس» (Common Sense) غير الربحي الذي يقدّم دليلاً حول الأدوات المطلوبة لصناعة القصص المصوّرة، التي تراجع في الوقت نفسه، ممارسات الخصوصية الخاصة بالتطبيقات.
- القصص المصوّرة
إذا كنتم لا تستطيعون الرسم، ولكن يمكنكم التقاط الصور، اصنعوا قصّتكم من الصور الموجودة على هاتفكم الذكي. إنّها طريقة رائعة لتحويل حيوان العائلة الأليف مثلاً إلى بطلٍ خارق، أو لإحياء عطلة قديمة من جديد. في هذه الفئة، تجدون الكثير من التطبيقات، أبرزها «كوميك بوك» (Comic Book) لنظام iOS، و«كوميك ستريب برو» (Comic Strip Pro) لأندرويد (كلاهما بثلاث دولارات). يعمل التطبيقان بالطريقة نفسها: تبدأون باختيار الإطار، أو تصميم الصفحة المناسبة لقصّتكم، وبعدها، يحين وقت استيراد الصور من الهاتف وتحويلها إلى رسوم على اللوحات.
بعد ترتيب الصور، طبّقوا المرشحات التي تجعلها تبدو كلوحات في قصّة مصوّرة. تضمّ هذه التطبيقات عناصر كفقاعات محادثة قابلة للتخصيص يمكنكم سحبها إلى الصور وملصقات رقمية بصيغة رسومية لإضفاء لمسات من القصص المصوّرة الكلاسيكية على الصفحة. عندما تنتهون، يكفي أن تصدّروا الملف أو ترسلوه عبر البريد الإلكتروني لمشاركته.
- ارسم قصتك المصوّرة
عندما يتعلّق الأمر بتأليف قصتكم المصوّرة الخاصّة، تمنحكم الموهبة الفنيّة فرصة للاستفادة من مجموعة كبيرة ومتنوعة من التعابير والتطبيقات المصممة خصيصاً لتحويل القصص المصوّرة المرسومة على الورق إلى مادّة رقمية. يمكنكم استخدام برنامج «ميديبانغ بينت» (MediBang Paint) المجّاني للرسم الرقمي وصناعة القصص المصوّرة، الذي يعمل على الكومبيوتر والأجهزة المحمولة عبر تطبيق واحد مخصّص للفنّانين. أمّا بالنسبة للفنّانين الذين يستخدمون الآيباد، فلا شكّ أنّهم سيحبّون العمل على تطبيق «كوميك درو» (Comic Draw) الذي يقدّم لهم استوديو رقمياً كاملاً يضمّ أدوات للرسم ونماذج للصفحات ومنقّحاً للسيناريو، بالإضافة إلى شروحات ونصائح.
يمكنكم أيضاً استخدام تطبيقات أخرى للرسم والتصوير كـ«بروكرييت» (Procreate) الذي يقدّم أدوات لصناعة القصص المصوّرة. أمّا بالنسبة للآباء والأمهات الذين يخشون من إمضاء أولادهم لساعات طويلة أمام الشاشات، فيمكنهم الاستعانة بمقاربة تقليدية أكثر، عبر البحث عن موقع كـ«برينتابل بيبر» (Printable Pape) الذي يقدم لزوّاره نماذج خاصة بالقصص المصوّرة لتحميلها وطباعتها حتى يتمكّن الصغار من صناعة قصصهم الخاصة بالورقة والقلم.
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

كيف تستخدم صور الهاتف للبحث على الإنترنت؟

تكنولوجيا كيف تستخدم صور الهاتف للبحث على الإنترنت؟

كيف تستخدم صور الهاتف للبحث على الإنترنت؟

الصورة تساوي ألف كلمة، لكنك لا تحتاج إلى كتابة أي منها من أجل البحث على الإنترنت هذه الأيام، إذ تستطيع البرامج الموجودة على هاتفك، بمساعدة الذكاء الاصطناعي....

جيه دي بيرسدورفر (نيويورك)
تكنولوجيا تتيح منصة «Bolt.new» تطوير وتشغيل التطبيقات مباشرة عبر المتصفح معتمدةً على الذكاء الاصطناعي وتقنية الحاويات الويب دون الحاجة لإعدادات محلية (bolt.new)

تعرف على خدمة تطوير التطبيقات من المتصفح مباشرة مع «Bolt.new»

حققت خدمة «Bolt.new» نقلة نوعية في مجال تطوير التطبيقات؛ إذ تتيح للمطورين كتابة وتشغيل وتحرير التطبيقات مباشرة عبر المتصفح.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
يوميات الشرق تحوّلت الهواتف الذكية بما فيها من تطبيقات إلى إدمان العصر (رويترز)

كيف تقطع يدك الافتراضية... 7 خطوات للحدّ من الإدمان على الهاتف

باتت الهواتف الذكية امتداداً لليَد البشريّة، وكأنها يدٌ جديدة التصقت بها. العيون لا تفارقها ليل نهار، فهل من سبيل للتخفيف من هذا الإدمان المستجدّ؟

كريستين حبيب (بيروت)
أوروبا شعار تطبيق «تلغرام» (رويترز)

وفق تعديلات جديدة... «تلغرام» قد يرسل معلومات تخص بعض مستخدميه للسلطات القضائية

عدّل تطبيق «تلغرام» قواعد الإشراف الخاصة به من أجل التعاون بشكل أكبر مع السلطات القضائية، وفق ما قال، الاثنين، مؤسس المنصة ورئيسها بافل دوروف.

«الشرق الأوسط» (باريس)
تكنولوجيا علماء النفس يوصون بتسجيل قوائم على تطبيق الملاحظات لتسجيل اللحظات المبهجة والأهداف والتفاصيل الصغيرة (رويترز)

تطبيق الملاحظات على هاتفك... كيف يجعلك أكثر سعادة؟

يوصي علماء النفس باستخدام تطبيق الملاحظات على الهاتف للاحتفاظ بقوام لما يسميه الشاعر روس جاي «المتع» - «تلك الأشياء الصغيرة التي تلاحظها في العالم وتبهجك».

«الشرق الأوسط» (لندن)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)