وجوه جديدة جيّدة ومسلسلات منسية أبرز معالم دراما رمضان

«الفتوة» و«البرنس» و«الاختيار» و«بـ100 وش» تتصدّر اهتمامات النقاد

«الفتوة» مسلسل مصري ......... «بـ100 وش» مسلسل مصري كوميدي
«الفتوة» مسلسل مصري ......... «بـ100 وش» مسلسل مصري كوميدي
TT

وجوه جديدة جيّدة ومسلسلات منسية أبرز معالم دراما رمضان

«الفتوة» مسلسل مصري ......... «بـ100 وش» مسلسل مصري كوميدي
«الفتوة» مسلسل مصري ......... «بـ100 وش» مسلسل مصري كوميدي

حظي موسم دراما رمضان هذا العام بأعلى نسب مشاهدة، تزامناً مع الحجر المنزلي للملايين في العالم العربي، الذي فرضه تفشي فيروس «كورونا المستجد»، إلا أن الظاهرة البارزة كانت تأثير حشد «السوشيال ميديا» على نجاح بعض المسلسلات جماهيرياً، في حين اختفت عشرات المسلسلات من تداول أسمائها أو التعليق عليها فيما أسماه نقاد «المسلسلات المنسية».
وفقاً للناقد الفني محمد عاطف، فإنّ هذا الموسم شهد أكبر نسبة «مسلسلات لم يشاهدها أحد»، مسلسل «جمع سالم»، و«سلطانة المعز» وغيرها. مضيفاً: «هناك الكثير من المسلسلات لا تستحق الحديث عنها مثل (لعبة النسيان) و(فرصة ثانية) من ضعف المستوى الذي يفتح علامات استفهام كثيرة حول ما ينتقى لإنتاجه. أمّا مسلسل (ليالينا 80) فبدأ وانتهى دون أن نعرف ما يرويه المسلسل، وللأسف محاولة استغلال الثمانينات، إذ لم نفهم لماذا تم اختيار الحقبة وهو مسلسل لم يلتزم بالإيهام بتلك الفترة وحدث للمشاهد (كسر للإيهام) وقد أغفل الكثير من الأحداث».
وعن الأعمال الأكثر تميّزاً يقول عاطف لـ«الشرق الأوسط»: «(الفتوة) هو العمل الأكثر اكتمالاً رغم المشاكل في التعامل مع الحقبة التاريخية من حيث الحوار واللغة، وتصوير المسلسل كان بارعاً واستطاع إسلام عبد السميع أن يمتع المشاهدين وإخراج المسلسل أيضاً لحسين المنباوي جاء متميزاً، وقدم رياض الخولي دوراً هاماً سيظل بصمة في تاريخه كذلك أحمد خليل، ويحسب للفنان ياسر جلال وجود مساحات جيدة لطاقم التمثيل لم ينفرد بنجوميه العمل، بل كان مهتماً بظهور العمل بشكل متكامل، بل وأتصور أنه لو كان يعرض خارج السباق الرمضاني وأخذ وقته كاملاً في الإعداد كان سيصبح عملاً لا ينسى». ويتابع: «مسلسل (بـ100 وش) من المسلسلات الجيدة، لكن لم يكن في صالحه أن يمتد لـ30 حلقة، واختيار فريق العمل كان موفقاً جداً»، مضيفاً: «أرى أنّ ظاهر الفورمات لا بد أن تنتهي، لدينا الكثير من الأفكار وكتّاب السيناريو ويمكن أن نقدم أعمالاً متميزة».
ويشير عاطف إلى أنّ «البرنس» عمل جيد، لكن هناك ثغرات السيناريو ظهرت في نهايته. ومحمد رمضان أدّى دوره بشكل ممتاز. ويعتبر المسلسل الأفضل بالنسبة له. ويؤخذ عليه الأحداث غير المنطقية التي أفسدت نهايته وتخمة الموسيقى وإقحام الأغاني لزيادة المآسي.
وعلى صعيد الدراما العربية، فيشيد الناقد محمد عاطف بـ«أولاد آدم» من حيث الحبكة والإخراج، لافتاً إلى أنّ «الدراما الخليجية تراجعت هذا العام رغم تفوّقها خلال العامين الماضيين، وقد تمنيت أن أرى أجزاء أخرى من «دفعة القاهرة»، و«العاصوف». ويتابع عاطف في سياق حديثه، أنّ «ضعف النصوص كان عنصراً بارزاً، وأيضاً ضعف المكساج، لكن عناصر المؤثرات والخدع كانت متميزة». بالنسبة للفنانين فإنّ مستوى الأداء سيء جداً وبعض الفنانات لا يصلحن لبطولة مطلقة، لكن الوجوه الجديدة في مسلسلي (البرنس) و(الاختيار) ظاهرة مبشرة». ويلفت عاطف إلى أنّ «موسم دراما رمضان يفتقد النجمة وفاء عامر التي توارت رغم أنّها تملك قدرات تمثيلية جيدة، وافتقدنا المخرج العبقري تامر محسن، وما زلت في انتظار عرض مسلسله الذي تأجل هذا العام».
من جانبه، يوضح الكاتب والسيناريست الكبير عاطف بشاي، مؤلف مسلسل «اللقاء الثاني» و«السندريلا»، أنّ ضعف النّصوص هو الملمح الأبرز منذ عدة سنوات في المشهد الدرامي المصري، ويطغى هذا العام إلى جانب ضعف أداء الممثلين بشكل عام، ويعتبر أنّ أهم عمل في موسم الدراما لم يكن مصرياً، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أثار اهتمامي المسلسل السوري (حارس القدس)، من إخراج باسل الخطيب يروي السيرة الذاتية للمطران كابوتشي في مواجهة الصهاينة، وهو مسلسل شديد الإبداع والجمال يتفوق على كل المسلسلات هذا العام، ويؤكد أن سوريا ما زالت تقدم مستوى مميزاً فكرياً وفنياً». ويضيف أنّ «العمل ظلم لأنّه لم يُعرض على قنوات عربية بل قناة سورية فقط، ورغم ذلك ترك انطباعات ممتازة في الوسط الفني من النقاد الجادين وصناع الدراما بما قدمه من مستوى تصوير عبقري وأداء بديع من الممثلين». ويلفت إلى أنّ الكثير من الأعمال التي قُدمت تحت اسم كوميدية «أهانت فن الكوميديا» على حد وصفه، مضيفا: «وجدت اعتداء صارخا على فن الكوميديا وللأسف الكثير من النقاد يشاركون في هذه الكارثة».
ويضيف بشاي أنّ «ضعف المسلسلات عامة يرتبط بظاهرة الورش التي تحوّلت إلى صبية وأسطى يشرف عليهم، فهم من دون موهبة ومتنافري الأفكار والاتجاهات وهذا ينعكس على النص والعمل الدرامي، وكما وصفها السيناريست وحيد حامد (جلباب المجذوب) فهي عبارة عن بقع بألوان متنافرة». ويحيل ضعف السيناريو محاولات التعديل المستمرة التي تتم وفقاً لأهواء النّجوم والمخرجين، مما يضعف الحبكة والنص». ويشيد بشاي بمسلسل «البرنس»، معتبراً أنّه بداية صحوة لمحمد رمضان بعد أن بدأ يستوعب سخط الجمهور عليه من الانحياز لأعمال العنف والبلطجة، وبدأ يقدم عملاً تراجيدياً به حبكة درامية وعناصر إخراجية جيدة، معتبراً أنّ محمد سامي ومحمد رمضان قدّما عملاً مميزاً».
أما الناقد الأردني ناجح حسن، فيرى أنّ الحجر المنزلي صبّ في صالح الماراثون الرمضاني وجعله يتابع الدراما بشكل مكثف على غير المعتاد، إذ كان يصبّ اهتمامه على الأفلام السينمائية. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: إنّ «الدراما المصرية تصدرت المشهد هذا العام، وأثبتت تفوقها رغم الظروف الصّعبة في المنطقة وبتوليفة متنوعة من الأعمال ما بين التاريخي والكوميدي والخيال العلمي والميلودراما، وهناك تميز على مستوى الإنتاج والإخراج وأبرزهم المخرجة كاملة أبو ذكري في مسلسل (بـ100 وش)، الذي امتاز بتعابير تخدم الصورة ومزيج من الإيقاع السريع والمعالجة السينمائية والتحكم في إدارة الممثلين». وأشاد حسن بمسلسل «الاختيار» باعتباره يمثل بطولات الجندية العسكرية المصرية، ويعكس قضية الإرهاب وخطورتها بشكل قدم فيه الواقع بصورة درامية لافتة ورؤية مبتكرة تعتمد على الإبهار واحترام عقل المشاهد من المزج بين مشاهد البطولة، ومشاهد الضّعف الإنساني، مشيداً بمستوى الإخراج.
وعن الدراما الأردنية، يكشف أنّها اقتصرت هذا الموسم على عدد محدود من الأعمال تعدّ على اليد الواحدة، برز منها المسلسل الكوميدي «وطن على وتر» للفنان عماد فراجين الذي يناقش سلوكيات في المجتمعين الأردني والفلسطيني، قدمه المخرج محمد خضر واستطاع أن يخلق حالة جدل ما بين إشادة وانتقاد، لكنّه بصفة عامة تصدّر الموسم هذا العام. ويأتي بعده مسلسل «الخوابي» للمنتج الأردني عصام حجاوي وبطولة إياد نصار، ويناقش الواقع الفلسطيني في مرحلة تاريخية مبكرة وبه جماليات كثيرة على مستوى الأداء والصورة والمعالجة للقضايا الوطنية والعروبية. وينتقد ناجح حسن حصر صنّاع الدّراما الأردنية على تناول البيئة البدوية ويطالبهم بمزيد من التنوع، ويشير إلى أنّ الدراما الأردنية تعاني من عقبات التمويل وهجرة الفنانين.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)