دراما رمضان 2020 وصلت باهتة إلى الشاشات اللبنانية

«أولاد آدم» و«بالقلب» شكّلا نبضها الحيوي

«بالقلب» على شاشة «إل بي سي آي» حقق نجاحاً واسعاً
«بالقلب» على شاشة «إل بي سي آي» حقق نجاحاً واسعاً
TT

دراما رمضان 2020 وصلت باهتة إلى الشاشات اللبنانية

«بالقلب» على شاشة «إل بي سي آي» حقق نجاحاً واسعاً
«بالقلب» على شاشة «إل بي سي آي» حقق نجاحاً واسعاً

باهتة وصلت الدراما الرمضانية هذه السنة إلى شاشات المحطات اللبنانية. فحواضر البيت التي لجأت إليها محطات التلفزيون، لتجاوز محنة وباء «كورونا» من ناحية، وتدهور أوضاعها المالية من ناحية ثانية، أسهما في إضعاف الموسم. وغابت بالتالي المنافسة المعتادة بين الشاشات المحلية. وبذلك وصلت الساحة الرمضانية أعمال بالصدفة، بعد أن كانت ثورة أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2019 قد قطعت عروضها كـ«بالقلب» و«بردانة أنا». وغابت تماماً تلك التي كان من المقرر إدراجها في الموسم كـ«الهيبة» و«دانتيل» و«2020» وغيرها.
ولأنّ مصائب قوم عند قوم فوائد، فقد حصدت المسلسلات التي استكمل عرضها أعلى نسب مشاهدة، إذ سبق وتعلّق المشاهد بأحداثها. فاحتل «بردانة أنا» المرتبة الأولى ليلحقه «أولاد آدم» و«بالقلب». أمّا المسلسلات التركية التي اعتمدتها محطة «الجديد» من باب التوفير واللعب على عين المشاهد، الذي كان يتابعها قبل شهر رمضان فقد تفوقت على المشهدية العامة. وحصدت أعلى نسبة مشاهدة لامست الـ19 نقطة مقابل 10 و11 نقطة للمسلسلات الأخرى.
وفي غياب المنافسة الحامية التي تشهدها عادة محطات التلفزيون المحلية في شهر رمضان، انحصر عدد العروض الناجحة بأصابع اليد الواحدة. وباستثناء «أولاد آدم» و«بردانة أنا» اللذين عرضتهما قناة «إم تي في» اللبنانية، و«بالقلب» الذي استمر عرض حلقاته الأخيرة على شاشة «إل بي سي آي» حتى بعد انتهاء الشهر الفضيل، فإن باقي حسابات الحقل لم تنطبق على حسابات البيدر. وشكّلت قرارات شركات إنتاجية بعرض أعمال لم يكتمل تصويرها (بين 15 و19 حلقة) بسبب الجائحة غلطة الشاطر، فلم يستسغ المشاهد لا بداياتها المبهمة ولا نهاياتها الغامضة.
هذا الأمر أدّى بالتالي إلى تراجع بعض أسماء نجوم معروفين في الدراما العربية والمحلية، وخفت وهجهم في رمضان 2020 أمثال باسل خياط وعابد فهد. فيما نجوم آخرون أمثال مكسيم خليل وبديع أبو شقرا وسارة أبي كنعان تألقوا. فسطع نجمهم وتلألأت أعمالهم بفضل تركيبة درامية ناجحة وأداء يشهد لهم فيه لحرفيته وطبيعيته في إقناع المشاهد.
وشكّل مسلسل «أولاد آدم» لأبطاله مكسيم خليل وماغي بو غصن وقيس الشيخ نجيب ودانييلا رحمة، إضافة على الدراما اللبنانية والعربية معاً. فنصه المكتوب بحذاقة قلم السوري رامي كوسى، وكاميرته المتألقة بعين المخرج الليث حجو ضخا جرعة غير مألوفة يتوق إليها المشاهد.
وأبهرنا مكسيم خليل في تجسيد شخصية الإعلامي غسان المصاب بمرض نفسي (سايكوبات)، وبأداء تفوّق فيه على نفسه. كذلك كان لا بدّ من رفع القبعة لبديع أبو شقرا الذي تابعه اللبنانيون في عملين شيقين «بردانة أنا» و«بالقلب». فجسد فيهما دورين متناقضين تماماً، فأمتعنا بشخصية باسم القاتل وغير المتزن نفسياً، كما لامس مشاعرنا في الثاني بشخصية جواد الشاب الرومانسي المثقل بالحبّ.
ونجح «أولاد آدم» على شاشة «إم تي في» في حجز مكانة خاصة به في البرمجة الرمضانية المحلية، وتحوّل أبطاله إلى حديث الناس في لبنان. والبعض رشّح مكسيم خليل لنيل جائزة الأوسكار. فيما أثنى كثيرون على أداء ماغي بو غصن الناضج والطبيعي معاً. كان اللافت أيضاً أداء الثنائي دانييلا رحمة وقيس الشيخ نجيب، والتناغم الكبير بينهما من ناحية، وبين ندى بو فرحات وكارول عبود من ناحية ثانية. فأسهمتا برفع شأن العمل من خلال خبرتهما المسرحية. أمّا الممثل طلال الجردي، فقدّم في هذا المسلسل أحد أهم أدواره في مشواره الفني بشهادة عدد كبير من زملائه. كل هذه العناصر مجتمعة قدّمت «أولاد آدم» (إنتاج «إيغل فيلمز») على غيره من المسلسلات، ليتربع من دون منازع على عرشها الدرامي.
«بردانة أنا»، ودائماً على شاشة «إم تي في» اللبنانية نجاحه كان قد سبقه، لأنّه يحكي قصصاً مستوحاة من الواقع، وعادة ما يتعلق بها المشاهد وتتناول العنف الأسري. وتابعنا خلاله أداء نجوم يعرفون من أين يبدأون وكيف ينتهون. فبديع أبو شقرا وكارين رزق الله، كما وسام حنا وجناح فاخوري ونهلا داود، يملكون باعاً طويلاً في الأعمال التمثيلية. وفي «بردانة أنا» كانت واضحة خبرتهم في هذا الإطار.
أما «بالقلب» (عرضته شاشة «إل بي سي آي») لكاتبه طارق سويد، فقد أحبه اللبنانيون لأنّه نقلهم إلى أجواء الضيعة اللبنانية وطبيعة أهلها. فغرفت كل من كارمن لبس في دور فريال وسمارة نهرا في دور الجارة روز من حنيننا إلى شخصيات لبنانية أصيلة. وكأن الكاتب كان يعرف مدى اشتياق المشاهد لهذا النوع من الشّخصيات. ونجح «بالقلب» أيضاً في إبراز مواهب نجوم جدد أمثال سارة أبي كنعان ووسام فارس بعد أن سنحت الفرصة لهما بلعب بطولات أساسية. فكسرا بذلك نمطية البطل الكليشه المستهلك اسمه في غالبية إنتاجات الدراما المحلية.
ومن الأعمال التي انقسم اللبنانيون بين مؤيد ومقاطع لها «النحات»، ويتألف من 15 حلقة، و«الساحر» من 20 حلقة. ويمكن القول إنّ الأول لقي اهتماماً أقل من الثاني، مع أن بطله باسل خياط قدّم فيه أداء يمكن تدريسه لطلاب المعاهد الفنية. أمّا شريكته في المسلسل أمل بوشوشة فقد جسّدت أحد أدوارها اللافتة في مسيرتها الفنية. كما تضمن العمل وجوهاً موهوبة جديدة مثل ليا بو شعيا، وأخرى تمثيلية بارزة أمثال فادي إبراهيم وكارول عبود وندى بو فرحات ودارينا الجندي. إلا أنّ الكرة لم تكن تمرر بالشكل المطلوب بين أركان العمل على قاعدة «هات وخذ». فشعر المشاهد وكأنّ كل ممثل يلعب دوره على حدة. كما أنّ الإضاءة الخفيفة والصورة القاتمة اللتين اعتمدهما المخرج مجدي السميري لمواكبة أحداث العمل الغامضة، لم تفلح بجذب المشاهد، ولا بخدمة أداء الممثلين. فيما رأت شريحة أخرى من المشاهدين أنّ «النحات» يمثل خطوة جريئة في الدراما العربية تقربنا بمستواها من تلك الغربية التي تعتمد هذا النوع من عمليات الإخراج.
«الساحر» لعابد فهد وستيفاني صليبا يعالج قصة من نوع اللايت التي شدّت بمادتها الغنية والمعاصرة، شريحة من اللبنانيين. لكنّها في الوقت نفسه دارت في فراغات كثيرة، ممّا أسهم بانزلاقها في متاهات كانت بغنى عنها، فنغّصت على المشاهد لذة المتابعة.
وفي الوقت نفسه، برز نضج أداء الممثلة ستيفاني صليبا والإبقاء على نجومية عابد فهد، ولكن هذه المرة من دون عامل الإبهار المعروف به.
وكان لمسلسلي «العودة» من بطولة دانييلا رحمة ونيكولا معوض، و«سر» لبسام كوسى وداليدا أبي خليل وباسم مغنية وفادي إبراهيم وغيرهم، حصتهما على الشاشة الرمضانية (إل بي سي آي). فصحيح أنهما لم يحصدا نسب مشاهدة مرتفعة لأنّهما يندرجان على لائحة أعمال درامية عرض ثانٍ (سبق وعرضا على شاشة «إم بي سي»)، إلّا أنّ حبكتهما البوليسية استطاعت أن تجذب المشاهد بموضوعها غير المستهلك الذي تتخلله مفاجآت غير متوقعة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».