حكاية جاري الفرنسي مع «كورونا»... قبل الرحيل

حكاية جاري الفرنسي مع «كورونا»... قبل الرحيل
TT

حكاية جاري الفرنسي مع «كورونا»... قبل الرحيل

حكاية جاري الفرنسي مع «كورونا»... قبل الرحيل

اسمه الأول جان بيار. هو جاري منذ 15 عاما. محام معروف في الوسط القضائي والإداري لممارسته مهنة المحاماة لعشرين عاما ولعمله في وزارة العدل مستشارا وزاريا في حكومتين متعاقبتين. وجان بيار متحدر من عائلة فرنسية عريقة أعطت أطباء وعسكريين ومثقفين وموظفين كبارا. ورث المهنة عن والده لكنه برع فيها وأثبت أن له باعا في الترافع.
عرفت جان بيار رجلا وسيم الوجه وبالغ الأناقة، يطفح حيوية ونشاطا. كنا عندما نلتقي في الشارع على مدخل بيتي أو بيته أو نتحادث كل من حديقته، كان يدهشني بعمق ثقافته واتساعها وبحشريته الفكرية الدائمة وتعمقه في المسائل التي يجري عليها الحديث.
بداية العام الماضي، خرج من العمل إلى التقاعد وأصبح يلزم بيته. وكنت عندما أسأله عن سبب «اعتزاله» كان يجيب أنه بصدد الانتهاء من كتاب في علم القانون يود أن ينجزه قبل نهاية العام الجاري. إلا أنني كنت ألمح لديه شيئا كالحزن الدفين الذي يسعى بصعوبة لإخفائه. ولما سألت جاري الآخر وهو صديقه الحميم، أسر لي أن زوجته مريضة وهي موجودة في دار للرعاية الخاصة أن جان بيار يدأب على زيارتها يوميا وكلما يعود إلى بيته وحيدا، باعتبار أن ابنتهما متزوجة وتعيش في الولايات المتحدة، كان يستشعر الوحدة ويغرق في السوداوية بحيث تخلى عن رؤية أصدقائه وأقاربه. وبالفعل، بدأت علامات الإرهاق بادية على وجهه. ثم في الأول من مارس (آذار) الماضي، اختفى جان بيار عن الأنظار، ذهبت لجاره للاستفهام وكان جوابه صادما: إنه في المستشفى، في قسم الرعاية الفائقة بسبب إصابته بفيروس كوفيد 19 الذي التقطه في دار الرعاية حيث زوجته. وأسر لي جاره أنه يذهب لزيارة صديقه يوميا ناقلا لي تفاصيل حياته الجديدة في المستشفى. وجع في الرأس، صعوبة في التنفس، شعور عام بالتعب، فقدان لحاستي الشم والذوق، شعور بتجمد الأعضاء وصعوبة في النطق.
في آخر زيارة له، وكان يكلمه بالهاتف الداخلي للمستشفى، قال له جان بيار: أشعر أن النهاية يا صديقي قد اقتربت كثيرا. فقدت الإحساس بالزمان والمكان. وبدأت تغيب عن ذهني أشياء أليفة وشعوري أنها قد تكون المرة الأخيرة التي تسمع فيها صوتي. وأردف جان بيار: أريد أن أوصيك بزوجتي. هي الأخرى لن تعيش طويلا. طلبت من ابنتي أن تعود لأراها قبل رحيلي النهائي ولكنها لن تأتي فلا طائرات من نيويورك ولذا قل لها إنني أحبها وإن آخر أمنياتي كانت أن أراها. أوصيك بمخطوطتي التي كنت أريد إنهاءها ولكن الموت باغتني. افعل بها ما تريد.
هذه كانت آخر كلمات سمعها صديق جان بيار منه مباشرة. بعدها نقل إلى قسم الرعاية الفائقة. ولدى آخر زيارة له للمستشفى، كشفت له إحدى الممرضات أن رئتيه ممتلئتان ماء وأن أنابيب أدخلت إلى صدره لمساعدته على التنفس اصطناعيا وأنه بصدد فقدان الوعي وعاجز عن الحركة. والأسوأ من ذلك كله، في عز تفشي الوباء، أن المستشفيات عمدت إلى الفصل بين المرضى الذين لا أمل بشفائهم وهؤلاء تركوا يموتون وبين الآخرين وأن مأساة جان بيار أنه صنف من النوع الأول. وهكذا انتهى الرجل الذي عرفته وأسفت على رحيله.
قال لي جاري: قبل أقل من عام، كنا نخطط لجولة في أوروبا الشمالية تعيدنا إلى الأماكن التي زرناها وأحببناها ونحن في مقتبل العمر. الآن، انتهى كل شيء واختفى جان بيار ومعه آخر أحلامه وأحلامنا المشتركة.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

منظمة دولية: الحوثيون يعرّضون المساعدات الإنسانية للخطر

يمني يحمل حصة المساعدات التي حصل عليها في طريقه إلى منزله (إعلام محلي)
يمني يحمل حصة المساعدات التي حصل عليها في طريقه إلى منزله (إعلام محلي)
TT

منظمة دولية: الحوثيون يعرّضون المساعدات الإنسانية للخطر

يمني يحمل حصة المساعدات التي حصل عليها في طريقه إلى منزله (إعلام محلي)
يمني يحمل حصة المساعدات التي حصل عليها في طريقه إلى منزله (إعلام محلي)

اتهمت منظمة حقوقية دولية بارزة الجماعة الحوثية بقمع المجتمع المدني، وتعريض المساعدات الإنسانية للخطر، وقالت إنهم مستمرون في احتجاز وإخفاء موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمحلية. كما انتقدت الهجمات الإسرائيلية على موانئ الحديدة، واستهداف الحوثيين إسرائيل.

ووفق التقرير العالمي لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» عن عام 2025، فإن الأطراف المتحاربة في اليمن، وخاصة الحوثيين، قمعت المجتمع المدني بشكل أكبر، وعرقلت تقديم المساعدات الإنسانية وعرَّضتها للخطر في عام 2024. كما احتجز الحوثيون وأخفوا تعسفياً العشرات من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني.

وقالت نيكو جعفرنيا، الباحثة في شؤون اليمن والبحرين بالمنظمة: «إن الحوثيين أظهروا نفاقاً حقيقياً، حيث قالوا إنهم يقفون مع الفلسطينيين الذين يواجهون القمع الإسرائيلي، بينما هم أنفسهم يضطهدون المجتمع المدني اليمني».

وطالبت الباحثة الحكومات والأمم المتحدة بالضغط على الجماعة للإفراج عن جميع الأفراد المعتقلين تعسفياً، وإدانة جميع الجهات الفاعلة التي تهدد المجال المدني والمساعدات الإنسانية باليمن، بما في ذلك إسرائيل.

الهجمات الإسرائيلية تهدد وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمن لجهة استهدافها الموانئ (إكس)

ومع تأكيد المنظمة أن الهجمات الإسرائيلية على ميناء الحديدة؛ وهو نقطة دخول رئيسية للمساعدات الإنسانية، تُهدد توفير المساعدات، وقد ترقى إلى جرائم حرب، قالت إن الهجمات العشوائية التي شنها الحوثيون، والتي أصابت سفناً مدنية في البحر الأحمر وأسفرت عن مقتل مدنيين، وأصابت أهدافاً مدنية في إسرائيل، قد ترقى أيضاً إلى جرائم حرب.

اعتقالات وقيود

وفق التقرير، فإنه، ومنذ 31 مايو (أيار) 2024، اعتقل الحوثيون وأخفوا قسراً عشرات الأشخاص، بما في ذلك ما لا يقل عن 17 موظفاً في وكالات الأمم المتحدة وعدد من موظفي المنظمات غير الحكومية والسفارات الأجنبية والشركات الخاصة العاملة بالأراضي التي يسيطرون عليها.

كما أدت عرقلة الحوثيين للعمليات الإنسانية وقطع المعلومات داخل أراضيهم، إلى تفاقم تفشي الكوليرا الذي انتشر في جميع أنحاء اليمن وتسبَّب في وفاة 258 شخصاً من بين 95000 حالة مشتبه بها.

مناصرون للجماعة الحوثية خلال حشد في صنعاء دعا له زعيمهم (رويترز)

واتهمت المنظمة جميع الأطراف اليمنية المتحاربة بفرض مزيد من القيود على حرية حركة النساء، وفي كثير من الحالات طلب منهن عند السفر ضرورة مرافقة أحد الأقارب من الذكور (المحرم). وذكرت أنه وفي 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، استولى الحوثيون على السفينة التجارية «جالكسي ليدر»، واحتجزوا طاقمها المكون من 25 فرداً تعسفياً.

وأكد تقرير المنظمة أن الحوثيين هاجموا عدة سفن تجارية، وأطلقوا صواريخ عشوائية على إسرائيل، وهو ما يرقى إلى جرائم حرب محتملة. وقالت إنه يتعين عليهم وعلى جميع الأطراف المتحاربة الإفراج فوراً عن جميع المعتقلين تعسفياً، والتوقف عن الاحتجاز التعسفي للأشخاص.

انتقاد الضربات الإسرائيلية

وفي تقرير آخر، انتقدت المنظمة الدولية قصف الجيش الإسرائيلي ميناءيْ رأس عيسى والحديدة، بالإضافة إلى محطة توليد كهرباء حزيز في صنعاء، وكلها تقع في مناطق سيطرة الحوثيين. وهي موانئ ضرورية لنقل الغذاء وغيره من احتياجات السكان الذين يعتمدون على الاستيراد، فنحو 70 في المائة من الواردات التجارية، و80 في المائة من المساعدات الإنسانية، يمر بهذين الميناءين.

ونقلت المنظمة عن أوكي لوتسما، الممثل المقيم لـ«برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»، القول إنها موانئ «بالغة الأهمية للأنشطة التجارية والإنسانية». في حين تصف روزماري ديكارلو، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، هذه الموانئ بأنها «خط الحياة لملايين البشر»، وأنها يجب أن تبقى «مفتوحة وتعمل». كما أن محطة توليد كهرباء حزيز هي المحطة المركزية في صنعاء، وتؤمِّن الكهرباء لسكان المدينة.

الهجمات الإسرائيلية استهدفت أعياناً مدنية في اليمن (إكس)

وأكدت المنظمة أن الهجمات المتعمَّدة على أعيان لا غنى عنها للبقاء على قيد الحياة هي جرائم حرب، خاصة أنها ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل بنى تحتية مهمة في اليمن.

فمنذ يوليو (تموز) 2024، هاجم الجيش الإسرائيلي بشكل متكرر موانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف ومحطات توليد الكهرباء في البلاد. وقُتل ستة مدنيين على الأقل، وأُصيب 80 آخرون جراء الهجوم في 20 يوليو على ميناء الحديدة وحده. ورأت المنظمة أن هذا الهجوم يرقى، على الأرجح، إلى مستوى جريمة حرب.

وقالت «هيومن رايتس ووتش» إنه إذا كانت هجمات الحوثيين بالطائرات المُسيّرة والصواريخ على إسرائيل تستهدف مدنيين أو أعياناً مدنية بشكل متعمَّد أو عشوائي، فقد ترقى هي أيضاً إلى مستوى جرائم حرب. وقالت إنه على السلطات الإسرائيلية والحوثية أن تُنهي فوراً جميع هجماتها غير القانونية، بما فيها تلك التي تستهدف المدنيين والبنى التحتية المدنية.