انطلاق {المؤتمر الدولي للإعلام والإشاعة} بمشاركة 80 شخصية

أمير منطقة عسير: فئات كثيرة ليس لديها فهم لما يحدث.. والمؤتمر له دور في تثقيف المجتمع

جانب من جلسات المؤتمر الدولي للإعلام والإشاعة
جانب من جلسات المؤتمر الدولي للإعلام والإشاعة
TT

انطلاق {المؤتمر الدولي للإعلام والإشاعة} بمشاركة 80 شخصية

جانب من جلسات المؤتمر الدولي للإعلام والإشاعة
جانب من جلسات المؤتمر الدولي للإعلام والإشاعة

أكد الأمير فيصل بن خالد بن عبد العزيز أمير منطقة عسير أن إقامة {المؤتمر الدولي للإعلام والإشاعة} له أبعاد هامة ودور كبير في تشكيل وعي المجتمع وتثقيفه، إذ إن هناك فئات كثيرة من المجتمع لديها عدم فهم كامل لما يحدث، وهنا تأتي أهمية مثل هذه المؤتمرات التي تستضيفها عسير ويشارك فيها نخبة من الأكاديميين والإعلاميين في توضيح الصورة وتصحيح المفاهيم.
وأضاف الأمير فيصل بن خالد، خلال افتتاحه «المؤتمر الدولي للإعلام والإشاعة.. المخاطر المجتمعية وسبل المواجهة»، أن للإعلام دورا وأهمية كبرى في توعية المجتمع وتحصينه من الإشاعات، وهو دور مهم وبارز في حياة الناس، متمنيا للمشاركين أن يكون للمؤتمر فائدة كبرى في تصحيح مفهوم الإعلام والإشاعة في الإعلام، وأن يكون له أثر إيجابي على المجتمع.
ويهدف المؤتمر إلى بحث ومناقشة واقع الإشاعة وإدراك مخاطرها في شتى مجالات الحياة وسبل احتوائها ومواجهتها والحد منها، كما يتناول تداعيات هذه الظاهرة على الفرد والمؤسسة والمجتمع، وخصوصا في ظل التغيرات العميقة التي يشهدها العالم في مختلف المناحي.
وتعد الإشاعة أحد أبرز المخاطر التي تواجهها الدول مع انتشار التقنية، والتي تهدد مصداقية العمل الاتصالي والإعلامي في المجتمعات المعاصرة، الذي نتج عنه مركزية الاتصال المجتمعي، خصوصا مع انتشار المستوى الفردي للتواصل في أوساط هذه المجتمعات، ويشكل هذا في منظومة الاتصال تحولا جذريا، فقد أتاح فرصة واسعة لاختلاق الإشاعات وزعزعة مؤسسات المجتمع التي لم تكن متاحة في سنوات سابقة.
وتلقى المؤتمر، الذي يعول عليه في وضع ضوابط حديثة للحد من انتشار الإشاعة، أكثر من 700 مشاركة وبحث علمي من الداخل والخارج.
وقال الدكتور عبد الرحمن بن حمد الداود، مدير جامعة الملك خالد، الجهة المنظمة للمؤتمر، إن الإشاعة وتطورها تشكل ظاهرة متنامية في الحقل الاقتصادي العالمي، إذ استطاعت أن تفرض نفسها على الرأي العام في الكثير من المجتمعات المعاصرة، وتفرز تداعيات خطيرة أثرت بشكل بالغ على تماسك كيانها واستقرار توازنها، خصوصا مع التحولات التي أفرزتها منظومة الإعلام والاتصال من جراء التطورات التكنولوجية الهائلة التي سمحت باستفحال هذه الظاهرة، وانتشارها بشكل بارز وسريع، مما جعلها محور البحث في مختلف الدوائر الفكرية في العالم».
من جهته أوضح الدكتور محمد الحسون وكيل جامعة الملك خالد للشؤون التعليمية، ورئيس اللجنة التنظيمية بالمؤتمر، أن المؤتمر بدأ فكرة في محاولة القائمين عليه للوصول إلى أبرز الطرق وأنجحها في محاربة الإشاعة، لذا تمت دعوة أبرز العاملين في قطاع الإعلام بكل مصنفاته لمواجهة الإشاعة بالعلم والتصدي لها.
وكرم الأمير فيصل بن خالد بن عبد العزيز أمير منطقة عسير الجهات المشاركة في المؤتمر الأول للإعلام والإشاعة، التي شملت عددا من وسائل الإعلام المرئي والمسموع، كما كرم الأمير فيصل بن خالد جريدة «الشرق الأوسط» كراعٍ إعلامي.
ويشارك في المؤتمر بحسب الدكتور علي بن شويل القرني رئيس قسم الإعلام والاتصال بالجامعة، رئيس اللجنة العلمية، نحو 80 باحثا وخبيرا من داخل المملكة وخارجها، بواقع 12 جلسة عليمة على مدار 3 أيام، موضحا أن فكرة إقامة المؤتمر طرحت قبل عام من مدير الجامعة، وذلك بهدف التصدي لمثل هذه الظاهرة.
واستطرد القرني أن الجامعة تلقت الكثير من المشاركات التي تجاوزت 700 طلب من داخل المملكة وخارجها، «إلا أننا سعينا لاقتصار المشاركات على العدد الحالي، خصوصا أن المشاركات تنوعت على مختلف محاور المؤتمر، وتمثلت في التقسيم الموضوعي من التأصيل، والتعريف، والمواجهة، وسبل العلاج، إلى التقسيم الوسائلي للإشاعة من صحافة، وتلفزيون، وإنترنت، ووسائل إعلام اجتماعية، إضافة إلى التقسيم الجغرافي من أوراق محلية، وعربية، ودولية».
وأكد القرني أنه لأول مرة سيتم خلال هذا المؤتمر الترحيب بطلاب وطالبات الدراسات العليا في مشاركاتهم، وقال: «خصصنا من البداية نسبة من الأوراق العلمية لهذه الشريحة المهمة في الهياكل العلمية للجامعات، ونحن ننظر إليهم بصفتهم باحثين في المستقبل القريب وأعضاء هيئة تدريس مرشحين في جامعاتنا السعودية والعربية وغيرها، وهذا يتوافق مع سياسة جامعة الملك خالد في تحفيز طلاب وطالبات الدراسات العليا وتشجيعهم وإعطائهم الفرصة وتسهيل الإمكانيات في مشاركاتهم العلمية».
وركزت الجلسات في اليوم الأول من انطلاق المؤتمر على جملة من المواضيع، إذ طرح الدكتور عثمان محمد من الجامعة الإسلامية بماليزيا فكرة وآلية التعامل مع الإشاعة، خصوصا في العصر الحديث، وأهمية التعامل معها من اللحظة الأولى قبل اتساع رقعتها في المجتمع، مطالبا بأن تتبنى جامعة الملك خالد فكرة الدراسات العليا لطلابها والأبحاث في هذا المجال، والتي تركز مضامينها على سرعة إيقاف الإشاعة.
وفي النظرة الشرعية ذهبت الدكتورة منيرة أبو حمادة، من جامعة الملك خالد، إلى عقوبة مروجي الإشاعات في الفقه الإسلامي، وعرجت على عدد من الوقائع والأحداث، وفندت آلية التعامل معها ومعاقبتها وفقا لما هو منصوص عليه في الفقه، وهذا المسار في النظرة الشرعية وافقها عليه الدكتور مختار محمود من جامعة الملك فيصل، بورقة عمل «تنمية الفكر العلمي لد الفرد في ضوء الهدي القرآني وأثره في مواجهة الإشاعة».
وفي الجلسة الثانية ذهب المشاركون في أوراقهم بعيدا، إذ يرى لطفي الزيادي من جامعة الملك فيصل أن التسويق باعتماد الإشاعة أو «التسويق الفيروسي» له إيجابياته وسلبياته، ومن إيجابياته ما يحدث في المجتمع، وإيجابياته ما ينقل في الحروب، في حين تطرقت تهاني الباحسين من جامعة الإمام محمد إلى تأثير الفراغ الاتصالي على نمو الإشاعة في شبكات التواصل الاجتماعي، ودراسة تحليلية للعلاقة بين الأخبار ومستوى انتشار الشائعات، وترى أن هناك ربطا بين الجانبين يجب ضبط هذه العملية من مصادرها.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)