«روح الشباب»... إطلالة فنية افتراضية ثلاثية الأبعاد

معرض مصري يتيح تجربة التجول بين لوحاته

«روح الشباب»... إطلالة فنية افتراضية ثلاثية الأبعاد
TT

«روح الشباب»... إطلالة فنية افتراضية ثلاثية الأبعاد

«روح الشباب»... إطلالة فنية افتراضية ثلاثية الأبعاد

بهدف اكتشاف ما لدى شباب الفن التشكيلي في مصر من مواهب، وزيادة مساحة الدّعم لهذه الفئة لإظهار بصماتها الواعدة وأفكارها المتجددة؛ يأتي تنظيم المعرض الجماعي الافتراضي «روح الشباب»، حالياً بمشاركة 27 فناناً وفنانة، من المواهب الجديدة وأهل الخبرة، بما يمثل وجبة فنية دسمة، تتكون من مجالات الفن التشكيلي المختلفة.
ما يميز المعرض، الذي ينظمه غاليري «غاردن أوف آرت»، أنّه من أوائل المعارض التي تُقدم للجمهور عبر تقنية ثلاثية الأبعاد (3D)، حيث يتيح للمشاهد خوض تجربة زيارة المعرض والتجول في أروقته، وبين لوحاته البالغ عددها 38 لوحة.
تقول الفنانة هنا حلمي، صاحبة ومديرة غاليري «غاردن أوف أرت»، لـ«الشرق الأوسط»: «لأن روح الشباب هي الروح المفعمة بالحيوية والانطلاق، كان اختيار هذا الاسم للمعرض هو الأنسب، لخلق حالة فنية تزدهر فيها هذه الروح، وتسلط الضوء على هذه المواهب التي لا يراها كثيرون، بما يجعل المعرض يمثّل مساعدة لهم لخلق بدايات صحيحة، كما أدخلنا بعضاً من أصحاب الخبرات، لكي تلتقي الأجيال المختلفة فنياً، كما اخترنا ضيف شرف المعرض الفنان الرائد سيف وانلي».
«روح الشباب» يشعر بها المتجول بين جنبات هذا المعرض الافتراضي بشكل فعلي، حيث تلاقت الرؤية الفنية لصاحبة الغاليري مع الرؤية التنفيذية للعرض المُنفذة بواسطة الفنان التشكيلي إبراهيم حنيطر ومجموعته الفنية، بالاعتماد على التكنولوجيا لخلق حالة من جمال العرض، بهدف نقل الفن التشكيلي إلى المشاهد في المنزل وكأنه في معرض حقيقي، وبالتالي يصب ذلك في النهوض بالفن التشكيلي، خصوصاً في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد وتوقف الأنشطة الفنية والثقافية.
وتعتبر هنا حلمي المعرض من التجارب المصرية، بل والعربية الرائدة التي تعتمد على التقنية ثلاثية الأبعاد، وبرؤية بها قدر من الرومانسية في العرض، سواء من خلال الديكورات المحيطة باللوحات أو الموسيقى المصاحبة في الخلفية، وهو ما أوجد العديد من ردود الفعل الإيجابية تجاه العرض بهذه الرؤية والتقنية، سواء من جانب الفنانين المشاركين، أو الجمهور، الذي راقت له الفكرة.
من بين المشاركات الشابة في المعرض، عمل للفنانة جهاد عبد المنعم الخولي، التي تشارك بلوحة بورتريه بعنوان (Nia) تعكس من خلالها جمال الملامح الأفريقية. تقول: «حاولت أن أعبّر عن حبي للجمال الأفريقي بهذا العمل، ولأقول إنّه لا خلاف بيننا رغم اختلاف البشرة، وقد استخدمت اللون الأزرق والبنفسجي كظل، فاللون الأزرق يوحي بالهدوء وهو لون من الألوان المؤثرة عند الأفارقة، كما أنّه يدلّ أيضاً على الثّقة والقوة والسلام».
ووصفت جهاد مشاركتها الفنية الأولى ضمن معرض افتراضي ثلاثي الأبعاد بـ«المهمة جداً»، في ظل تفشي فيروس كورونا، إلى جانب التلاقي بين الخبرات التشكيلية، مما أفادها فنياً.
أما الفنانة سندس سلامة، فتشارك بلوحتين رسم وتصوير فوتوغرافي، الأولى عن مئذنة مسجد «السلطان حسن» بالقاهرة، رُسمت بألوان خشبية وأقلام ظل، لافتة إلى أنّها أول تجربة رسم معماري لها، أمّا التصوير الفوتوغرافي فعبرت عبر عدستها عن أضواء السيارات المتداخلة، وهي تسير أعلى أحد الكباري ليلاً.
وتلفت إلى أنّ فكرة العرض المبتكرة، أكثر ما جذبها للمشاركة فيه، كما أنّ وجود فنانين بخبرات متنوعة أفادها للغاية، حيث اكتسبت منهم الجرأة الفنية.
فيما يشارك الفنان محمد محيي الدين محمود في المعرض عبر عملين يواصل بهما أعماله في الاتجاه التجريدي، الأول بعنوان «وجوه»، وهي لقطة مصورة لجزء من جبل في البر الغربي (الدير البحري) بالأقصر، يظهر فيها لمن يدقق، عدداً من الوجوه مختلفة الأحجام، أمّا عن العمل الثاني فيقول: «يحمل اسم (افتراس)، وهو عبارة عن غطاء فوهة جسم معدني، رأيت فيه شكل طائر ينقض على شيء ما ويفتح فمه لافتراسه».
يشار إلى أنّ لوحات المعرض تتنقل بين البورتريه والتصوير المعماري والتصوير الفوتوغرافي، ناقلة مفردات متنوعة، منها ما هو قادم من واقع البيئة المصرية، وتراثها ومعمارها، أو لقطات من الحياة المعاشة حيث رومانسيتها وصخبها، كما يشمل المعرض الاتجاهات الفنية المختلفة، حيث نرى التجريدية والواقعية والتعبيرية الرمزية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».