ستيني لبناني تغلب على الفيروس: كأنني عدت من موت محتّم

ستيني لبناني تغلب على الفيروس: كأنني عدت من موت محتّم
TT

ستيني لبناني تغلب على الفيروس: كأنني عدت من موت محتّم

ستيني لبناني تغلب على الفيروس: كأنني عدت من موت محتّم

«لم أكن أعرف حينها إن كنت ميتاً أم على قيد الحياة، لكنني أعرف اليوم جيداً أنني عدّت إلى الحياة من جديد أكثر تمسكاً بها وبأحبتي، جسدي لم يستعد كامل عافيته حتى اللحظة، فأنا مريض سابق بـ(كورونا)، أنا العائد من الموت المحتّم»، هكذا يلخّص إلياس قازريان (60 عاماً) تجربته مع الوباء الذي اجتاح العالم واختاره ليكون بين المصابين.
كان إلياس، وهو يعمل في مجال تصليح المكيفات، من أوّل الأشخاص الذين أصيبوا بالفيروس المستجد في لبنان، كان ذلك في مارس (آذار) الماضي إثر مخالطته ومن دون علمه طبعاً أشخاصاً التقطوا فيروس كورونا أثناء تواجدهم خارج لبنان.
شعر إلياس في أحد أيام مارس الماضي والذي لا يذكر تاريخه بالتحديد، بتعب وضيق تنفس ترافقا مع ارتفاع كبير بدرجة حرارة جسمه، لم يكن فيروس كورونا منتشراً في لبنان كما اليوم؛ لذلك ظنّ بداية أن ما أصابه نزلة برد عادية، لكنّ التعب أخذ يزداد وكذلك ضيق التنفس وارتفاع الحرارة، فشعر أنّ الأمر ليس مرضاً عادياً، حجر نفسه في غرفته، لكن ليس حجراً كاملاً كما يقول؛ إذ إن تدابير الوقاية من هذا الفيروس لم تكن قد وصلت إلى كل بيت.
بعد مضي ثلاثة أيام على ظهور العوارض قرّر إلياس الذهاب إلى المستشفى، حيث أجري له فحص الـ«بي سي آر» وكانت النتيجة إيجابية.
«اتصلوا بي من المستشفى مساء، وطلبوا مني أن أحضر بسيارة الإسعاف فوراً لأنّ نتيجتي إيجابية» يقول إلياس في حديث مع «الشرق الأوسط»، مضيفاً «انتابني الخوف والارتباك، فكّرت طبعاً بالموت وبالألم، المعلومات عن الفيروس لم تكن كما اليوم، خفت على من خالطتهم على ولدي وعلى العاملين معي، لا أريد أنّ أكون السبب في مرضهم، أعرف أنّني لست مذنباً، لكنّ الشعور بأن تسبب المرض للآخرين موجع جداً، ربما أكثر من المرض نفسه، هذا الشعور مخيف أكثر من الموت».
وعندما وصل إلياس إلى المستشفى قال الأطباء له، إن نسبة الأوكسجين منخفضة جداً في جسمه، وبعدها دخل إلى غرفة العناية المشددة ولم يعد يعي ما يدور حوله.
ستة عشر يوماً قضاها إلياس في غرفة العناية المركزة، يتنفس بواسطة الأجهزة، لا يذكر من هذه المرحلة إلا شعوراً مزعجاً كأنه مقيد بحبال. يتحدث إلياس عن أمور كان يراها حينها، لا يعرف إن كانت أحلاماً أو تخيلات، يقول إنه كان يظنّ في بعض الأحيان أنه في مستشفى للمجانين، وفي أحيان أخرى لم يكن يعرف إذا كان على قيد الحياة أو ميتاً.
بعد 16 يوماً فتّح إلياس عينيه ليرى أناساً يرتدون لباساً أزرق وغطاءً للوجه، وسمع أحد الأطباء يخبره بأنه عاد إلى الحياة بعدما كانت حالته صعبة جداً، إذ إنه كاد يفارق الحياة في اليوم التاسع حين توقفت الآلات فجأة عن العمل منذرة بموته كما أخبره الطبيب منذ أيام.
وبعد العناية المركزة، نُقل إلياس إلى غرفة انعاش، حيث بقي أكثر من أسبوعين يتابع علاجه، خلال هذه المرحلة لم يعانِ من أوجاع يذكرها سوى ضيق التنفس، لكنّه كان يشتاق إلى ولديه اللذين كان يتحدث إليهما عبر الهاتف «يقوونه ويقويهم» على حد تعبيره، وكان يخاف من الموت؛ لأنه لا يريد لوالده أن يفقد ابناً آخر وهو الذي فارق الكثير من الأحبة.
كان إلياس خلال هذه الفترة يشعر أيضاً براحة وفرح كبيرين ينتابانه كلّما تذكر أنه عاد إلى الحياة وأنه لم يتسبب لأي شخص بالأذى عن طريق نقل العدوى. كانت عودة إلياس الكاملة إلى الحياة قبل أيام قليلة، إذ استأنف عمله بعد فترة من الحجر ومتابعة العلاج المنزلي، ولكنّه لم يستعد عافيته كاملة كما يقول، إذ إنه بات ملزما بأخذ دواء للسكري والضغط مع العلم بأنه لم يكن يعاني من أي مرض مزمن قبل إصابته بـ«كورونا».
لا يملك إلياس وكذلك الأطباء كما يقول أي إجابة واضحة عن إصابته المستجدة بالسكري والضغط، وما إذا كان الأمر سيستمر معه أم أنه من تبعات الفيروس المؤقتة، ولا سيما أنه كان قد أجرى فحوصات قبل إصابته بـ«كورونا» بثلاثة أشهر ولم يظهر لديه أي مرض.
ويتحدث عن أوجاع ظهرت بعد إصابته بـ«كورونا» واستمرت بعد شفائه أبرزها وجع العظام وتنميل اليدين، كما يخبرنا عن جسده الذي لم يعد كما كان بعد فقدانه 20 كيلوغراماً من وزنه، ويقول «جسدي في حاجة إلى وقت ليعود كما كان سابقاً، لست كما قبل إصابتي، ولكنني على قيد الحياة، وبحال جيدة».
في يوم عمله الأول عرف إلياس أن بعض الناس ستستمر بمعاملته كمريض «كوفيد - 19» فتتجنبه وتخاف منه؛ إذ لا يملك الجميع الوعي لمعرفة أنّه شُفي وأنه لم يعد يحمل الفيروس لينقله.
وفي هذا الإطار يقول إلياس «عندما يتصل بي أحد الزبائن أخبره بأنني أصبت بـ(كورونا) وشفيت، لكن للأسف البعض يعتذر مني بحجّة الوقاية، لا أعتب على أحد ولا أجادل، أنا لا أخجل من تجربتي، المرض ليس عيباً، ولا أريد لأحد أن يلموني ويحملني ذنباُ ليس ذنبي، لذلك لا أذهب إلى أحد قبل أن أخبره بأنني مريض سابق بـ(كورونا)».
يقبل إلياس على الحياة بحماسة كبيرة، فهو يعرف اليوم قيمة الحياة أكثر من أي وقت مضى، يشعر بأن لديه مناعة أكبر، لكنّه في الوقت نفسه يلتزم التدابير الوقائية بشكل كبير، يفرح حين يتذكر أنه عاد إلى الحياة مجدداً، لكنه لا ينفي أنّ الأمر لم يكن سهلاً، لذلك يصر على إيصال رسالتين أولهما أنّ «(كورونا) ليست مزحة» والأخرى أنّ «المرض ليس عيباً والمريض ليس مذنباً».


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم