لا يبدو أن المساندة الاستثنائية التي قدمتها الحكومة الفرنسية لشركة «رينو» لصناعة السيارات، وقوامها توفير ضمانات قروض تصل إلى خمسة مليارات يورو، ستكون كافية لإخراجها من أزمتها الحادة. وتملك الحكومة نسبة 15.1 في المائة من أسهم الشركة، وهي بالتالي المساهم الأول فيها. وسبق لـ«رينو» بتحالفها الصناعي مع نظيرتها اليابانية «نيسان» التي تملك 15 في المائة منها، أن احتلت المرتبة الأولى في العالم من حيث حجم الإنتاج. إلا أن ما تعاني منه منذ القبض على رئيس مجلس إدارتها السابق كارلوس غصن خريف عام 2018، وما تبعه من نشر «الغسيل الوسخ» والهزة التي ضربت «التحالف» وتغيير غالبية الطاقم الإداري ثم تبعات وباء كورونا المستجد وتوقف المصانع عن العمل وتراجع المبيعات بشكل حاد في فرنسا وعبر العالم، كل ذلك تفاعل ليضع الشركة الرائدة في وضع بالغ الحرج. من هنا، مسارعة الحكومة للإعلان عن دعمها. وللتدليل على وضع «رينو»، تكفي الإشارة إلى أنها خسرت، منذ اندلاع أزمة «كوفيد - 19» ما يقارب 79 في المائة من مبيعاتها. ولا ينعكس وقف النشاطات على الشركة وحدها، بل على كامل النسيج الصناعي الضالع في قطاع مركزي وحيوي بالنسبة لفرنسا علماً بأن «رينو» هي عبر العالم، حاملة رايته منذ أن تأسست في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1898.
إضافة إلى الأرقام والمبيعات، يتعين على الحكومة أن تنظر إلى النتائج الاجتماعية التي تهدد هذا القطاع الذي يشغل 400 ألف شخص. يضاف إليهم نصف مليون شخص آخر يعملون في الخدمات والأنشطة الرديفة، ما يعني أن هناك ما يقرب من مليون شخص يتأثرون مباشرة بوضع القطاع وما سيستتبع ذلك من تسريحات بالآلاف. وثمة تقديرات تفيد أن أعداد المسرحين ستصل في الأشهر القليلة المقبلة إلى 600 ألف شخص، عندما ستتوقف الدولة عن رواتب الموظفين والعاملين في القطاع الخاص تحت مسمى «البطالة الجزئية» التي ستكلفها حتى نهاية يونيو (حزيران) نحو 66 مليار يورو؛ لأنها تتناول ما يزيد على 12 مليون شخص.
تخطط إدارة «رينو» للكشف عن خطة تقشفية تريد بموجبها التوصل إلى توفير ملياري يورو في العام، وذلك عن طريق إغلاق أربعة مواقع رئيسية في فرنسا وحدها وموجة تسريحات وخفض أنشطة. في غضون ذلك، ينبغي على الشركة أن تعمل على التعجيل في الانتقال من إنتاج السيارات التي تعمل بالطاقة الحرارية «البنزين والفيول» إلى السيارات «النظيفة» التي تعمل بالطاقة الكهربائية. وتفيد مصادر مطلعة على المفاوضات بين الشركة والحكومة بأن الأخيرة تفرض عليها عدداً من الشروط للاستفادة من ضمانات القروض، وأحدها التخلي عن المحركات التقليدية القديمة. والحال أن مئات الآلاف من السيارات التي أنتجتها «رينو» تتراكم بانتظار أن تجد من يشتريها، وهذا المخزون له بالغ الأثر عليها لأنه يتعين عليها أن تتخلص منه قبل أن تنزل إلى الأسواق السيارات الجديدة، ومنها العاملة بالطاقة النظيفة. يضاف إلى ذلك أن الشركة، وفق طموحاتها السابقة وبالنظر لتحالفها مع «نيسان» سبق لها أن بنت آلة صناعية ضخمة للغاية وهذه لا تشغل اليوم إلا بطاقة جزئية. وعلى سبيل المثال، فإن مصنع «دوي» الواقع شمال فرنسا لا ينتج سوى 80 ألف سيارة في العام، بينما هو قادر على إنتاج 400 ألف سيارة، وهي أيضاً حال مصنع «ساندوفيل»، شمال غربي باريس الذي ينتج 120 ألف سيارة مقابل قدرة إنتاجية من 300 ألف سيارة.
وفي كلمته إلى أعضاء مجلس الشيوخ أول من أمس، أعلن إدوار فيليب، رئيس الحكومة أنه «لن يساوم» فيما يخص محافظة «رينو» على مصانعها ومراكز أبحاثها في فرنسا. وقال فيليب «سنكون رافضين للمساومة ومتمسكين إلى أقصى حد، بأن تبقى فرنسا المركز العالمي لـ(رينو)، لجهة الأبحاث والتجديد والتطوير والمهارات كما أننا سنكون متنبهين تماماً لنوعية الحوار (بين الإدارة والموظفين)، وللمواكبة الاجتماعية للخطوات (التي تقررها الإدارة)».
ويثير موقع مصنع «فلين» التابع لـ«رينو» الواقع في مقاطعة «إيفلين» غرب باريس سيلاً من التساؤلات، بالنظر لرمزيته وأهميته التاريخية في مسار الشركة. وينتج المصنع المذكور سيارات كهربائية صغيرة الحجم تحت المسمى التجاري «زويه». وسارعت «رينو» إلى تأكيد أنه لن يقفل، بل سيتم تحويله إلى نشاطات أخرى، وذلك في إطار خطة إعادة النظر الشاملة التي تعتزم الشركة تطبيقها. إلا أن النقابات وعلى رأسها الفيدرالية العامة للعمال تشكك بنوايا الشركة، ولن يحسم الوضع إلا مع الإعلان رسمياً عن خطتها الجمعة المقبل.
وهكذا ينضم قطاع السيارات إلى قطاعات اقتصادية أخرى على وشك الغرق، ومنها صناعة الطائرات والنقل الجوي والسياحة وغيرها، ما يبين حجم التحديات التي تواجهها الحكومة الفرنسية التي عمدت إلى فتح عدد من القطاعات الاقتصادية، لكن بحذر شديد.
«كوفيد ـ 19» يهدد قطاع صناعة السيارات في فرنسا
الحكومة تقدم دعماً استثنائياً لـ«رينو» وتضمن قروضها حتى 5 مليارات يورو
«كوفيد ـ 19» يهدد قطاع صناعة السيارات في فرنسا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة