إسبانيا تتقدم نحو الانفتاح... ثم تتراجع

حدودها ستبقى مقفلة في وجوه الوافدين من الاتحاد الأوروبي حتى نهاية يونيو

إسبان يراعون تدابير الوقاية في سان سيباستيان أمس (إ.ب.أ)
إسبان يراعون تدابير الوقاية في سان سيباستيان أمس (إ.ب.أ)
TT

إسبانيا تتقدم نحو الانفتاح... ثم تتراجع

إسبان يراعون تدابير الوقاية في سان سيباستيان أمس (إ.ب.أ)
إسبان يراعون تدابير الوقاية في سان سيباستيان أمس (إ.ب.أ)

تتردّد إسبانيا وتتحرّك بحذر شديد نحو العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية، بعكس إيطاليا وفرنسا اللتين تتقدمان بسرعة وانفتاح أوسع نحو رفع تدابير العزل وإجراءات الحجر الصحّي على الوافدين من بلدان الاتحاد الأوروبي.
ورغم أن الحكومة الإسبانية كانت أوّل المطالبين بتخفيف القيود على السفر داخل الاتحاد الأوروبي لإنقاذ موسم السياحة الصيفي، فإنها تراجعت اليوم عن مطلبها أمام الخشية من عودة الوباء إلى ذروة جديدة تقضي على الإنجازات التي تحققت بتكلفة بشرية واقتصادية باهظة.
وأعلنت مدريد، أمس، أن الحدود الإسبانية ستبقى مقفلة في وجه الوافدين من الاتحاد الأوروبي حتى نهاية يونيو (حزيران) المقبل، فيما كانت إيطاليا قد أعلنت فتح حدودها بدءاً من مطلع الشهر المقبل، بما يتيح للسيّاح الوقت الكافي لبرمجة رحلاتهم وتنظيمها.
وتقول مصادر حكومية إسبانية إن رئيس الوزراء بيدرو سانتشيز هو الذي رجّح كفّة تأخير الرفع الشامل للقيود خلال المفاضلة الصعبة بين الأمن الصحي واستئناف الحركة في القطاع السياحي، الذي يعدّ الركيزة الأساسية للاقتصاد الإسباني، ويشكّل 11 في المائة من إجمالي الناتج القومي.
ويواجه سانتشيز معادلة سياسية داخلية بالغة التعقيد؛ إذ تعتمد الحكومة لبقائها على دعم القوى الانفصالية الكتالونية التي تحاصره بالمطالب تحت التهديد بإسقاطه، فيما تواصل المعارضة اليمينية حملتها الشرسة ضده من غير مهادنة منذ بداية الأزمة، وبدأت تخرج إلى الشوارع في مظاهرات تطالب برحيله.
وأمام هذا المشهد المعقّد، اضطر سانتشيز للتراجع عن خطته لتمديد حالة الطوارئ شهراً إضافياً، واكتفى أمس الأربعاء في مجلس النواب بتمديدها أسبوعين فقط حتى منتصف الشهر المقبل. وكان حزب اليسار الجمهوري الكتالوني الذي يعتمد عليه سانتشيز لتأمين الأغلبية الكافية في البرلمان قد صوّت ضد التمديد فاتحاً بذلك ثغرة خطيرة في القاعدة البرلمانية الهشّة التي تستند إليها الحكومة.
وتعدّ أوساط الحكومة أن أي تدهور في الوضع الصحّي نتيجة لعودة عدد الإصابات إلى الارتفاع والاضطرار لفرض تدابير العزل التام مجدداً، ستكون عواقبه أوخم من تأخير مواقيت العودة إلى الحياة الطبيعية.
وفي حسابات الحكومة الإسبانية، وزنت الخشية من تكرار السيناريو الذي شهدته دول أوروبية أخرى عادت الإصابات فيها إلى الارتفاع بعد أن أسرعت في تخفيف تدابير العزل، واليقين بأن الضرر الاقتصادي الفادح قد وقع وأن تأخير العودة الكاملة إلى الحياة الطبيعية لن يغّير كثيراً في المعادلة.
ويقدّر الخبراء أن خسائر قطاع الفنادق وحده ستزيد على 65 مليار يورو هذا العام إضافة إلى فقدان 900 ألف فرصة عمل.
وفيما تشهد إسبانيا مواجهة مفتوحة بين الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية وصلت إلى العصيان المدني والتمرّد في بعض الحالات مثل مدريد، قررت الحكومة الإيطالية من جهتها إحالة صلاحيات إدارة مرحلة الانفتاح إلى السلطات الإقليمية، رافعة عنها بذلك أعباء المواجهة المستمرة مع الأقاليم وانتقادات الأحزاب اليمينية التي لم تتوقف منذ بداية الأزمة.
وبدا واضحاً أن هذا القرار كان ثمرة حسابات سياسية لرئيس الوزراء جيوزيبي كونتي الذي ارتفعت شعبيته بشكل ملحوظ خلال الأزمة رغم فداحة الخسائر البشرية والاقتصادية التي أصابت إيطاليا، علماً بأن اللجنة العلمية التي تستند الحكومة إلى مشورتها لإدارة الأزمة نصحت بأن يبقى القرار بيد الإدارة المركزية تحسبّاً لموجة جديدة من الوباء وعدم إخضاع التدابير للضغوط الاقتصادية التي تملك الأقاليم قدرة أقل من الحكومة المركزية على مواجهتها.
وكانت الحكومة الإيطالية قد أعلنت عن فتح الحدود أمام الوافدين من بلدان الاتحاد الأوروبي، من غير إخضاعهم للحجر الصحي، بدءاً من 3 يونيو المقبل عندما يصبح بإمكان الإيطاليين التنقّل بحريّة بين الأقاليم.
يذكر أن إيطاليا كانت قد أعلنت حالة الطوارئ لفترة 6 أشهر في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، ثم فرضت العزل التام في 8 مارس (آذار)، وكانت الدولة الأولى التي أغلقت حدودها الدولية بعد ذلك بيومين. وكان من المقرر أن تعود إيطاليا إلى الحياة الطبيعية على 3 مراحل تمتد حتى نهاية الشهر المقبل، لكن الضغوط الشديدة التي كانت تحاصر حكومة كونتي على الجبهات الاقتصادية والسياسية والإدارية، دفعت بها إلى اختصار هذه المراحل وقررت استئناف الأنشطة التجارية والاجتماعية من مطلع هذا الأسبوع في معظم المناطق.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

TT

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.