إعلانات تحث على التبرع لمستشفى حروق تثير جدلاً في مصر

متابعون اعتبروها «قاسية وتثير الذعر»

صورة من الإعلان
صورة من الإعلان
TT

إعلانات تحث على التبرع لمستشفى حروق تثير جدلاً في مصر

صورة من الإعلان
صورة من الإعلان

رغم أن إعلانات المستشفيات المصرية خلال شهر رمضان، تهدف إلى إثارة تعاطف الجمهور في محاولة لاجتذاب عدد أكبر من المتبرعين، فإن سلسلة الإعلانات الخاصة بمستشفى «أهل مصر» المتخصصة في علاج الحروق بالمجان، أثارت جدلاً وانقساماً بين جمهور «السوشيال ميديا» في مصر، كما تم اتهامها بـ«إثارة الذعر في نفوس المشاهدين واستمالتهم عبر التخويف».
وتعتمد حملة إعلانات المستشفى على تقنية الرسوم المتحركة، التي تطرح قصصاً واقعية، بشأن تعرض مواطنين لحروق بالغة الخطورة أو الموت، وأثارت هذه الحملة «حفيظة العديد من المشاهدين باعتبارها تسيء للجمهور المتلقي من فرط قسوتها»، ما دعا الدكتورة هبة السويدي، مؤسس ورئيس مجلس أمناء مؤسسة أهل مصر، للخروج عبر صفحتها على «فيسبوك» رداً على منتقدي إعلانات المستشفى بقولها «سامحونا عن قسوة المنظر اللي موجودة في الإعلان لكن قسوة المنظر والألم في الحقيقة أصعب بكتير». ولفتت السويدي إلى أن «الهدف من رسائل الحملة هي أن يحتاط الناس إلى أن تلك الحوادث والقصص حقيقية، حتى لا تتكرر لأفراد عائلاتنا، ولدعم قضية الحروق وضحايا الحروق، معنوياً ونفسياً وليس مادياً فقط».
غير أن الصيغة التي تنتهجها الحملة، تعتبرها الدكتورة عبير عزي، الأستاذ المساعد بكلية اللغة والإعلام بالأكاديمية البحرية أنها غير مقبولة، لأنها تتنافى مع أخلاقيات الإعلان ونظريات الإقناع في الاتصال الإعلاني وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تناول الباحثون أثر استخدام استمالات التخويف في الرسائل الإعلانية وإثارة مشاعر الهلع بها، وأثبتت الدراسات أن إثارة مشاعر الخوف لدى المتلقي يجب أن تكون محسوبة وألا تزيد إلى الحد الذي يؤدي إلى نتائج عكسية بهروب المتلقي من التعرض لتلك الرسائل لأنها تسبب له ألماً نفسياً وإحساساً بفقدان الأمل والاستمرار في السلوكيات السلبية لأن الرسالة لا تقدم له أملا، وهو ما يحدث في إعلانات التوعية بمخاطر التدخين عندما تقدم الرسالة تهديدات صادمة بالوفاة يشعر المتلقي بفقدان الأمل ويستمر في التدخين لإحساسه أن حياته منتهية في جميع الأحوال لذا لا بد من الحذر عند استخدام استمالات التخويف بحيث تكون خفيفة أو متوسطة حتى تحدث التأثير المطلوب».
وتضيف عزي «في رأيي أن إعلان مستشفى الحروق إعلان فج مؤلم ومنفر ولا يثير مشاعر تعاطف على العكس قد تتولد الرغبة لتحويل القناة ومشاهدة أي شيء آخر لأنه يولد إحساسا مؤلما ويعكس قيم العنف في المجتمع وهو ما يقدم صورا سلبية عن علاقة الرجل بالمرأة حيث اعتمدت فكرة الإعلان على زوج يقذف بإناء به زيت مغلي في وجه الزوجة وهي أشكال لا ينبغي تقديمها كنمط للعلاقات الأسرية، ولا سيما أنه قد يفهم أن هذا هو شكل علاقة الرجل بالمرأة في المجتمع وهو أمر مرفوض تماما».
ورغم تزاحم التعليقات الرافضة لأسلوب تلك الحملة الإعلانية، فإنه وبعد توضيح هبة السويدي لفلسفة الحملة، خرجت بعض الأصوات التي تؤيدها، منها ما كتبه الشاعر المصري جمال بخيت عبر صفحته على «فيسبوك» بقوله: «مشاعرنا لا تتحمل رؤية حملة بالصور الكرتونية فما بالكم بالواقع المؤلم الذي يعيشه ضحايا الحروق على مدى أعمارهم، والناس يهربون من مجرد النظر إليهم، وليس التعامل معهم فقط فلنستمر كمجتمع وكأفراد في دعم هذه المهمة الإنسانية النبيلة وهي أول مستشفى لعلاج الحروق في مصر والعالم العربي».
فيما تمسك كثيرون بانتقادهم لحدة الحملة، كما تقول سارة العربي، واحدة ممن قمن بالاعتراض على جزئية الأب الذي يتشاجر مع زوجته، فقام بإلقاء طاسة الزيت المغلي فكانت ابنتهم الضحية، فالعنف الأسرى لدرجة التشويه رسالة سلبية جدا، وكان من الممكن تعديل القصة قليلاً.
وتفيد الأرقام بأن عدد حوادث الحروق في مصر بلغ 80 ألف حادث وفقاً للتقرير الصادر سنة 2015 عن منظمة الصحة العالمية، وأنها تعد السبب الثالث للوفاة في مصر، وتعتمد مؤسسة أهل مصر في خطابها الإعلاني على أهمية الساعات الأولى في إنقاذ ضحية الحروق في محاولة لإنقاذ حياته.
وتأتي إعلانات مؤسسة أهل مصر ضمن الإعلانات الأكثر إثارة للجدل ضمن هذا الموسم الرمضاني، إلى جانب إعلانات تم الاعتراض على مخالفتها للقيم الاجتماعية، أبرزها إعلان لواحدة من شركات الملابس الذي أدت موجة الاعتراضات الكبيرة على الأغنية المصاحبة له إلى اعتذار الشركة، ووقف الإعلان، واستبدال آخر به.



مخزون الصور العائلية يُلهم فناناً سودانياً في معرضه القاهري الجديد

صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
TT

مخزون الصور العائلية يُلهم فناناً سودانياً في معرضه القاهري الجديد

صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)

«زهوري اليانعة في داخل خميلة»... كلمات للشاعر الجاغريو، وهي نفسها الكلمات التي اختارها الفنان التشكيلي السوداني صلاح المر، لوصف السنوات التي قضاها في مصر، والأعمال الإبداعية التي قدّمها خلالها، وضمنها في البيان الخاص بأحدث معارضه بالقاهرة «احتفالية القرد والحمار».

تنقل المر خلال 15 عاماً قضاها في مصر ما بين حواري الحسين، ومقاهي وسط البلد، وحارات السبتية، ودروب الأحياء العتيقة، متأثراً بناسها وفنانيها، ومبدعي الحِرف اليدوية، وراقصي المولوية، وبائعي التحف، ونجوم السينما والمسرح؛ لتأتي لوحاته التي تضمنها المعرض سرداً بصرياً يعبّر عن ولعه بالبلد الذي احتضنه منذ توجهه إليه.

لوحة لرجل مصري مستلهمة من صورة فوتوغرافية قديمة (الشرق الأوسط)

يقول المر لـ«الشرق الأوسط»: «أعمال هذا المعرض هي تعبير صادق عن امتناني وشكري البالغين لمصر، ويوضح: «جاءت فكرة المعرض عندما وقعت عقد تعاون مع إحدى الغاليريهات المعروفة في الولايات المتحدة، وبموجب هذا العقد لن أتمكن من إقامة أي معارض في أي دول أخرى، ومنها مصر التي عشت فيها أجمل السنوات، أردت قبل بدء الموعد الرسمي لتفعيل هذا الاتفاق أن أقول لها شكراً وأعبّر عن تقديري لأصحاب صالات العرض الذين فتحوا أبوابهم لأعمالي، والنقاد الذين كتبوا عني، والمبدعين الذين تأثرت بهم وما زلت، وحتى للأشخاص العاديين الذين التقيت بهم مصادفة».

اللوحات تقدم مشاهد مصرية (الشرق الأوسط)

استلهم الفنان 25 لوحة بخامة ألوان الأكريلك والأعمال الورقية من مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية والـ«بوستال كارد» المصرية القديمة، التي تعكس بدورها روعة الحياة المصرية اليومية، ودفء المشاعر والترابط المجتمعي فيها وفق المر: «لدي نحو 5 آلاف صورة مصرية، جمعتها من (الاستوديوهات) وتجار الروبابكيا، ومتاجر الأنتيكات، ومنا استلهمت لوحاتي».

ويضيف: «مصر غنية جداً باستوديوهات التصوير منذ عشرات السنين، ولديها قدراً ضخماً من الصور النادرة المُلهمة، التي تحكي الكثير عن تاريخها الاجتماعي».

الفنان صلاح المر (الشرق الأوسط)

يستطيع زائر المعرض أن يتعرف على الصور الأصلية التي ألهمت الفنان في أعماله؛ حيث حرص المر على أن يضع بجوار اللوحات داخل القاعة الصور المرتبطة بها، ولكن لن يعثر المتلقي على التفاصيل نفسها، يقول: «لا أقدم نسخة منها ولا أحاكيها، إنما أرسم الحالة التي تضعني فيها الصورة، مجسداً انفعالي بها، وتأثري بها، عبر أسلوبي الخاص».

لوحة مأخوذة عن صورة لطفل مصري مع لعبة الحصان (الشرق الأوسط)

تأتي هذه الأعمال كجزء من مشروع فني كبير بدأه الفنان منذ سنوات طويلة، وهو المزج ما بين التجريد التصويري والموضوعات ذات الطابع العائلي، مع الاحتفاء بالجماليات الهندسية، والرموز التراثية، والاستلهام من الصور، ويعكس ذلك ولعه بهذا الفن، تأثراً بوالده الذي عشق الفوتوغرافيا في شبابه.

يقول: «بدأ تعلقي بالفوتوغرافيا حين عثرت ذات يوم على كنز من الصور في مجموعة صناديق كانت تحتفظ به الأسرة في مخزن داخل المنزل بالسودان، وكانت هذه الصور بعدسة والدي الذي انضم إلى جماعة التصوير بكلية الهندسة جامعة الخرطوم أثناء دراسته بها».

لوحة مستلهمة من صورة قديمة لعروسين (الشرق الأوسط)

هذا «الكنز» الذي عثر عليه المر شكّل جزءاً مهماً من ذاكرته البصرية ومؤثراً وملهماً حقيقياً في أعماله، والمدهش أنه قرر أن يبوح للمتلقي لأول مرة بذكرياته العزيزة في طفولته بالسودان، وأن يبرز دور والده في مشواره الفني عبر هذا المعرض؛ حيث يحتضن جدران الغاليري مجسماً ضخماً لـ«استوديو كمال»؛ وهو اسم محل التصوير الذي افتتحه والده في الستينات من القرن الماضي.

لوحة تعكس تفاصيل مصرية قديمة (الشرق الأوسط)

يقول: «أقنع والدي جدي، بإنشاء استوديو تصوير بمحل الحلاقة الخاص به في (سوق السجانة) بالخرطوم، وتم تجهيز الاستوديو مع غرفة مظلمة من الخشب للتحميض، وذلك في الجزء الخلفي من الدكان».

وجوه مصرية (الشرق الأوسط)

وداخل المجسم تدفع المقتنيات الخاصة المتلقي للتفاعل مع ذكريات المر، والمؤثر الفني الذي شكل أعماله؛ ما يجعله أكثر تواصلاً، وتأثراً بلوحات المعرض؛ فالمتلقي هنا يستكشف تفاصيل تجربة الوالد في التصوير، بل يمكنه التقاط صور لنفسه داخل محله القديم!

وأثناء ذلك أيضاً يتعرف على جانب من تاريخ الفوتوغرافيا، حيث المعدات، وهي عبارة عن الكاميرا YASHIKA التي تستخدم أفلام مقاس 621 وEnlarger والستارة التي تعمل كخلفية وأدوات أخرى للتحميض والطباعة، وتجفيف الفيلم والصور بواسطة مروحة طاولة، وقص الصور بمقص يدوي: «استمر العمل لمدة سنة تقريباً، وأغلق الاستوديو قبل أن أولد، لكن امتد تأثير هذه التجربة داخلي حتى اللحظة الراهنة».

مجسم لاستوديو والد الفنان في الغاليري (الشرق الأوسط)

«احتفالية القرد والحمار» هو اسم «بوستال كارد» عثر عليه الفنان لدى تاجر روبابكيا، ويجسد مشهداً كان موجوداً في الشارع المصري قديماً؛ حيث يقدم أحد الفنانين البسطاء عرضاً احتفالياً بطلاه هما القرد والحمار، ومنه استلهم الفنان إحدى لوحات معرضه، ويقول: «تأثرت للغاية بهذا الملصق؛ وجعلت اسمه عنواناً لمعرضي؛ لأنه يجمع ما بين ملامح الجمال الخفي في مصر ما بين الفن الفطري، والسعادة لأكثر الأسباب بساطة، وصخب المدن التي لا تنام».