فيروس «كورونا»... هل يغيّر حرارة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين؟

الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والصيني شي جينبينغ في بكين عام 2017 (أرشيف – رويترز)
الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والصيني شي جينبينغ في بكين عام 2017 (أرشيف – رويترز)
TT

فيروس «كورونا»... هل يغيّر حرارة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين؟

الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والصيني شي جينبينغ في بكين عام 2017 (أرشيف – رويترز)
الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والصيني شي جينبينغ في بكين عام 2017 (أرشيف – رويترز)

في موازاة الكارثة الصحية التي سببها فيروس كورونا المستجدّ، تلوح في الأفق نُذُر مواجهة متفاوتة الحرارة بين الولايات المتحدة والصين، قد تستمر وقائعها طويلاً وآثارها أطول.
راهناً، يمكن القول إن الحرب الباردة بين الطرفين بدأت فعلاً، تغذيها عوامل عدة أهمها إثنان: الحرب التجارية المستمرة منذ سنوات، والانتخابات الرئاسية الأميركية التي تقام في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. ويجمع بين العاملين أمر مشترك: جو من العدائية حيال الصين عند الأميركيين ناجم عن تحميلها مسؤولية انتشار «كوفيد - 19»، والمطالبة بتدفيعها الثمن الاقتصادي للجائحة.
باتت الصين جزءاً من النقاش السياسي الداخلي في الولايات المتحدة، وسلاحاً في السباق الانتخابي بين الرئيس الجمهوري دونالد ترمب وخصمه الديمقراطي جو بايدن. وعلى سبيل المثال، هتف مؤيّدون لترمب في لقاءات أقيمت في ولايات ميتشيغن وويسكونسن وبنسلفانيا «بكين بايدن»، تلميحاً إلى كلام إيجابي قاله نائب الرئيس السابق عن الصين – أو العدوّ «المستجدّ» - قبل سنوات. وفي المعسكر الديمقراطي، يُعيب مؤيدو بايدن على ترمب مغازلاته الكثيرة للصين وإشاداته الرنّانة بـ«صديقه» الرئيس شي جينبينغ، معتبرين إياها نوعاً من التملّق للحصول على رضا خصم تجاري عنيد. وبالتالي يعتبر الجانبان أن أي ارتباط بالصين في السياق الانتخابي هو نوع من السمّ السياسي الزعاف...
ويجدر التوقف عند استطلاع للرأي أجرته في أبريل (نيسان) مؤسسة «بيو ريسيرتش» الأميركية ونشرت نتائجه صحيفة «ذا غارديان» البريطانية. فقد تبيّن أن لدى ثلثي الأميركيين نظرة سلبية تجاه الصين. ومن المرجح أن يكون انعدام الثقة هذا قد تعمق منذ ذلك الحين، مع تكرار إدارة ترمب تحميل بكين مسؤولية انتشار الوباء.
وتتضح فداحة التباعد بين صاحبَي الاقتصادين الأول والثاني في العالم عندما ندرك أن العلاقات بينهما هي الأكثر تشابكاً على المستوى العالمي. وهذا أمر يدركه ترمب ويحوّله إلى عنصر يدعم موقفه السلبي من العملاق الأصفر. وقد هدد أخيراً بقطع العلاقات كلياً مع الصين وقال لشبكة «فوكس نيوز» الإخبارية إن بلاده ستوفر على نفسها إذا أقدمت على ذلك 500 مليار دولار.

*المعسكر الصيني
في الجانب الصيني، نقل مقال تحليلي كبير نشرته «فورين بوليسي» عن تقرير سري صيني أن كبار قادة البلاد يخشون وجود خطر متزايد لانزلاق العلاقات الأميركية - الصينية إلى مستوى الصراع، مع أن المصلحة المنطقية للطرفين تكمن في التعاون لمواجهة الأزمات العالمية، مثل التغيّر المناخي وبالطبع وباء كورونا.
ويعدد المقال نفسه خمسة أسباب لهذه الصراع المحتمل:
1-التنافس العسكري
كان التنافس العسكري بين الولايات المتحدة والصين حاداً قبل جائحة كورونا. وليس سراً أن الصين استفادت من قوتها الاقتصادية لتعزز جيشها وترسانة أسلحتها، وتفرض نفوذها في محيطها، خصوصاً على «جبهة» تايوان التي تعتبرها بكين جزءاً من البلاد، وفي بحر الصين الجنوبي الذي تشاطئه دول عدة. وأعلنت بكين حديثاً إقامة مناطق إدارية جديدة في هذا البحر، وارسلت قطعاً بحرية لملاحقة سفن ماليزية وفلبينية، وأجرت مناورات تهدف إلى ترهيب اليابان وفيتنام وتايوان.
ويذهب بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية إلى حد الاعتقاد أن الصين تريد إبعاد النفوذ الأميركي عن المنطقة وصولاً إلى طرد القوات الأميركية من القواعد التي تتمركز فيها منذ سنوات. لذا يدرس الكونغرس تخصيص 20 مليار دولار إضافية لتعزيز القدرات العسكرية الأميركية هناك رغم الأزمة الاقتصادية الراهنة.
2-فك الارتباط الاقتصادي
قبل الوباء، كان هناك تخوّف في أوساط أميركية من تعمّق الترابط بين اقتصادَي الولايات المتحدة والصين، ومن أداء الشركات الصينية المرتبطة بالدولة. ودعا عدد من صنّاع القرار والمؤثرين إلى فك الارتباط بين الاقتصادين، وتقييد الاستثمار الصيني في قطاعات أميركية حساسة، وفي الوقت نفسه إبقاء الاقتصاد الأميركي تنافسياً.
ولا شك في أن أزمة كورونا جعلت هذه المسائل ملحّة أكثر، لأنها كشفت نواقص في القطاع الصحي الأميركي، وأثبتت اعتماد الولايات المتحدة ودول أخرى على الصين للحصول على منتجات صيدلانية وأقنعة طبية وغيرها من لوازم الرعاية الصحية. وفي هذا الإطار، يعدّ مشترعون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي مشروع قانون للحد من اعتماد الولايات المتحدة على الصين في إنتاج الأدوية وسواها من المواد الصيدلانية.
3-التكنولوجيا
قبل كورونا، كانت واشنطن وبكين تتنافسان في عدد من مجالات التكنولوجيا الجديدة، بما في ذلك المراقبة الرقمية للناس والذكاء الاصطناعي، وتقنية الاتصالات من الجيل الخامس التي كانت شركة هواوي العملاقة للاتصالات تستعد للسيطرة على سوقها، وهو أمر حاربته واشنطن بكل ما أوتيت من قوة خشية أن تنقل الشركة معلومات حساسة إلى السلطات الصينية. إلا أن الجهود الأميركية لم تقنع دولاً عدة بالتخلي عن هواوي.
غنيٌّ عن القول أن التنافس في حقل التكنولوجيا المتطورة سيستمر بعد الوباء، خصوصاً أن الحكومة الصينية لم تخفِ نيّتها المضي قدماً في جهودها للسيطرة على هذا القطاع، ومنه الجيل الخامس من الاتصالات، وتحديداً عبر مشروعها الضخم «الحزام والطريق». والواقع يقول إن الولايات المتحدة لا تبدو في وضع يخوّلها الفوز في هذه المعركة.
4-مستقبل النظام العالمي
انخرط البلدان قبل سنوات قليلة في تنافس على مستقبل النظام العالمي من حيث المعايير والقواعد والمؤسسات التي تحكم السياسة الدولية. ومع استمرار الصين في الصعود، قلق صنّاع القرار الأميركي من كون بكين تسعى إلى تقويض أسس النظام الليبرالي، مستدلّين على ذلك بمؤشرات عدة، أبرزها سجل الصين في حقوق الإنسان، وانتهاكها القوانين والقواعد البحرية في بحر الصين الجنوبي، ومشروع «الحزام والطريق» الذي ترى فيه واشنطن حصان طروادة صينياً لبسط النفوذ في الدول الشريكة فيه.
في المقابل، يرى الصينيون في الولايات المتحدة قائداً منافقاً للنظام العالمي، لا يلتزم بالقواعد والأعراف إلا عندما تناسب مصالحه، ويرفض توفير مساحة أكبر للصين فيه.
وليس من المطمئن أبداً في هذا السياق تعامل البلدين أحدهما مع الآخر في مواجهة الجائحة، فبينما كانت الولايات المتحدة ولا تزال ترمي الصين بالتهمة تلو الأخرى – وآخرها اتهامها بالسيطرة على منظمة الصحة العالمية -، رأينا الثانية تقفز فور احتوائها الوباء إلى الواجهة وتقدّم المساعدات الطبية إلى أكثر من دولة، معتبرة تعاملها مع «كوفيد - 19» نموذجاً للفاعلية والنجاح والريادة.
5-النموذجان
بينما تقدّم الولايات المتحدة نفسها نموذجاً للنظام الليبرالي المبني على سلّم من القيم العالمية، تروّج الصين منذ بداية نهضتها الاقتصادية لمزايا نظامها الصارم «العصريّ»، مشيرة إلى النمو الاقتصادي السريع الذي حققته والتماسك الاجتماعي الذي تتمتع به. وليس أدلّ على هذا التوجه من قول شي جينبينغ عام 2017 إن الصين «تقدم خياراً جديداً للدول والأمم الأخرى التي تريد تسريع تنميتها مع الحفاظ على استقلالها».

*إلى أين؟
إلى أين سيقود هذا التنافس والتراشق بين الجانبين؟
هناك فرضيتان في هذا السياق: الأولى مضيّ البلدين في لعبة تبادل اللوم في كل شيء، خصوصاً في تفشّي كورونا، بحيث يستمر التصعيد وصولاً إلى القطيعة الكاملة مع ما قد تستتبعه من تصاعد في التوتر إلى حدّ حصول صدام عسكري لا يرتدي بالضرورة طابعاً عالمياً شاملاً، بل ينحصر في نطاق إقليمي – أو أكثر – في مناطق مرشحة لأن تكون مسارح لصراعات الجانبين، ومنها التي ذكرناها آنفاً وسواها.
أما الفرضية الثانية فمبنية على كون العملاقين مترابطين ومتشابكين اقتصادياً إلى حد يجعل استغناء أحدهما عن الآخر مستحيلاً، خصوصاً في زمن الركود هذا الذي يبحث فيه العالم عن خشبة خلاص. ومن المفارقات هنا، أن وباء كورونا قد يجمعهما في النهاية إذا اقتنعا بالعواقب الاقتصادية والجيوسياسية لقطيعة كاملة.
يقول مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ كورت كامبل: «ليس من الواضح كيف سينتهي هذا. أعتقد أن مكانة كل من الأميركيين والصينيين على المسرح العالمي تضررت. ويبدو كأن الطرفين يتعاركان بينما روما تحترق».
غالباً ما يُظهر القادة معدنهم الحقيقي في أحلك لحظات التاريخ. فهل يملك دونالد ترمب وشي جينبينغ ما يكفي من إرادة وشجاعة لفتح صفحة من التعاون الحقيقي لتضميد جروح العالم؟


مقالات ذات صلة

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)
أوروبا أحد العاملين في المجال الطبي يحمل جرعة من لقاح «كورونا» في نيويورك (أ.ب)

انتشر في 29 دولة... ماذا نعرف عن متحوّر «كورونا» الجديد «XEC»؟

اكتشف خبراء الصحة في المملكة المتحدة سلالة جديدة من فيروس «كورونا» المستجد، تُعرف باسم «إكس إي سي»، وذلك استعداداً لفصل الشتاء، حيث تميل الحالات إلى الزيادة.

يسرا سلامة (القاهرة)

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».