«زريعة قلبي» أحدث أعمال نادين لبكي

قالت لـ ـ«الشرق الأوسط» : العودة للأرض تمدّنا بالاكتفاء الذاتي

نادين لبكي وجورج خباز في لقطة من كليب «زريعة قلبي»
نادين لبكي وجورج خباز في لقطة من كليب «زريعة قلبي»
TT

«زريعة قلبي» أحدث أعمال نادين لبكي

نادين لبكي وجورج خباز في لقطة من كليب «زريعة قلبي»
نادين لبكي وجورج خباز في لقطة من كليب «زريعة قلبي»

في خضم زمن «كورونا»، من ناحية، والوضع الاقتصادي المتردي في لبنان، من ناحية ثانية، يصلنا ملوحاً بالأمل عمل فني جديد للمخرجة نادين لبكي، ضمن حملة «زريعة قلبي». ويجتمع تحت راية هذه الحملة، التي تهدف إلى تشجيع اللبنانيين على الزراعة، عدد من المبادرات والجمعيات العاملة في إطار الزراعة المستدامة. واعتمدت لبكي موسيقى أغنية أحد أفلامها (كراميل) المغناة يومها بصوت الفنانة تانيا صالح ترويجاً للحملة. فعدّلت في كلماتها، بالتعاون مع زوجها خالد مزنر (واضع موسيقى الأغنية) والمسرحي جورج خباز. ويشارك في غنائها نحو 30 شخصاً يطلون علينا في العمل. ونفذت لبكي العمل معتمدة البعد الاجتماعي بمساعدة صديقها المخرج إيلي فهد، مستخدمة وسائل التواصل الاجتماعي من «فيس تايم» و«فيديو كول» للقيام بعملية المونتاج، وتجميع اللقطات، والإشراف على تنفيذ العمل ككل.
وعلى مدى نحو دقيقتين من الوقت، يتابع مشاهد الكليب مقتطفات مصورة لشخصيات إعلامية وفنية (رنيم بو خزام وجورج خباز ودارين شاهين وطلال الجردي ودوللي غانم وغيرهم)، وأخرى للبنانيين عاديين يهتمون بزراعة أراضيهم.
مطلع أغنية يقول «انكشها وافلحها وازرعها واسقيها واقطفها وقصقصها واطبخها»، ثم تأخذنا نادين لبكي إلى عالم الأمل والفرح الذي يزرع في داخلنا حبّ الأرض، والعودة إلى الجذور. ومع نصائح زراعية سريعة يقدمها نحو 30 مشاركاً في العمل تحمسنا لبكي للانكباب على الزراعة، حتى لو اقتصر الأمر تماماً، كما تقول كلمات الأغنية، «عالسطح أو الجنينة وحتى على الفرندا (الشرفة)».
«الفكرة تراودني منذ بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان، وتدهور سعر الليرة. فكنت أبحث عمّا يمكن أن يحفزنا ويساعدنا على تأمين الاكتفاء الذاتي كمواطنين لبنانيين»، تقول نادين لبكي في حديث لـ«الشرق الأوسط». وتتابع: «وكانت العودة إلى الأرض والجذور أفضل الأفكار التي يمكنها تأمين عنصر الإنتاج للمواطن. فهو بذلك يؤمن مأكله بطريقة سليمة وضمن إطار المعيشة المستدامة التي تشكل مستقبل العالم برمته. فيهتم بزراعة أرضه ويحصد ما زرعه فيها. وبذلك يستطيع إرضاء متطلباته من دون الحاجة إلى طلب مساعدة أو حسنة من أحد، خصوصاً في ظل غياب دولة قوية تهتم بحاجات وحقوق مواطنيها، وهو الأمر الذي نعاني منه في لبنان». وترى لبكي أنّ اللبناني يمكنه أن يزرع أي قطعة أرض يمتلكها أو يسكن بقربها، حتى أنه باستطاعته أن يستحدثها في محيط منزله على الشرفة، أو على أسطح العمارات التي يسكنها، وكذلك في بؤر ترابية متروكة.
«في لبنان الكثير من المساحات المهملة والمشوهة بالنفايات والردم وقطع سيارات قديمة. هذه المساحات نستطيع أن نحولها إلى أراض زراعية، تعكس بركتها علينا ونستفيد منها»، تقول نادين لبكي، في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط». وانطلاقاً من فكرتها هذه، راحت لبكي تبحث عن العمل الفني الذي باستطاعته أن يعززها ويوصلها بسهولة للآخرين.
«تراوحت أفكاري بين عمل توثيقي، أو أغنية، واقتنعت بهذه الأخيرة، لا سيما وأنّ خالد مزنر زوجي شجعني على استعمال أغنية (حشيشة قلبي)، من فيلم (كراميل) بعد تحويل كلماتها إلى ما يناسب الفكرة. من هنا انطلق العمل على (زريعة قلبي)، وولد كلام الأغنية عبر اتصالات مكثفة أجريتها عبر الهاتف مع جورج خباز وصديقي المخرج إيلي فهد، وبعد أن استأذنت تانيا صالح بتحوير الكلام وغنائه بأصوات المزارعين من فنانين وإعلاميين وأشخاص عاديين. واتفقنا سوياً على أن نجمع فيها هذه الشخصيات التي تهتم بالزراعة، إضافة إلى جمعيات تهتم بالزراعة المستدامة، ولها تاريخها الطويل معها».
استغرق العمل على «زريعة قلبي» نحو شهر كامل، وصُوّرت جميع مشاهده بواسطة كاميرات المحمول، حيث التُقطت لفنانين وإعلاميين ولبنانيين يقومون بالأعمال الزراعية. «لقد فرض علينا زمن (كورونا) التفكير والتّشاور، وتنفيذ العمل، عبر الاتصالات الهاتفية. فكانت تجربة جميلة وجديدة سعدت بها، على الرّغم من أنّها كانت صعبة إلى حد ما. فهي ترتكز على تجميع عدد كبير من اللقطات واختصارها لتؤلف نحو دقيقتين من الوقت».
وعمّا إذا كانت هي من مشجعي الزراعة، وتمارسها كهواية، ترد نادين لبكي في معرض حديثها: «نعم زوجي وأنا نهتم بزراعة أرض صغيرة نملكها في منطقة البترون، فنأكل منها الخضار الطازج الذي نحرص على زرعه بمواسمه. ومنذ أيام قليلة تناولنا طبق (تبولة) من صناعة أرضنا، وقطفنا الخيار والبندورة والنعناع الطازج من خيرات أرضنا. ففلاحة الأرض، وزرعها، ومن ثمّ قطاف ثمار أشجارها ونباتاتها تترك لدينا شعوراً جميلاً لا يمكن وصفه، كما أنّنا نفتخر كوننا مزارعين». ومن الجمعيات المشاركة في هذه المبادرة «أرضي أرضك»، المتعاونة مع الجامعة الأميركية، و«بيت البركة»، و«بذورنا جذورنا»، و«سكة»، و«ازرع»، إضافة إلى «أغرونوت» وغيرها. ويقول أمين دادا أحد مؤسسي جمعية «جدد لبنان»، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد رغبنا في المشاركة بهذه الحملة لحثّ اللبنانيين على زراعة أراضيهم، فنتكفل بتأمين النصائح اللازمة لهم، وكذلك عناصر نستخدمها في الزراعة. كما نقدم شتولاً ونباتات وتربة ونؤمن المساحات الخضراء لأحياء وساحات، وحتى لشرفات منازل. ونركّز اليوم على إطلاق منصة إلكترونية، خصوصاً بالتشجيع على الزراعة. ويمكن لأي شخص أن يبادر ويشارك فيها من خلال تقديم مساعدات يستفيد منها كل من يرغب بممارسة الزراعة». وينصح دادا في موسم الصيف الحالي بزراعة الفاصولياء والخيار والذرة والسبانخ والفلفل الحلو وغيرها من الشتول، التي تعطي ثمارها بكثافة وبسرعة في هذا الموسم.
ويعلق المخرج إيلي فهد، الذي تعاونت معه لبكي لتنفيذ كليب «زريعة قلبي»، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «بغض النظر عن حكامنا وسياسيينا، فإنّنا محظوظون كوننا نعيش في بلد كلبنان يختلف عن غيره بطقسه وطبيعة أرضه وشعبه المضياف. ويأتي هذا العمل الفني ترجمة لما أقوله بعد أن وضعنا فيه نادين وأنا كل حبّنا للبنان، لا سيّما وأنّي أغرمت بالفكرة عندما عرضتها نادين علي. وأعدّ هذه التجربة رائعة، خصوصاً أنّ نادين اختارتني لتنفيذها إلى جانبها. ويمكن القول إنّ العمل حمل تحديات ومصاعب كثيرة، لا سيما في موضوع عملية المونتاج التي تطلبت منّا جمع صور كثيرة كنا نضطر في كل مرة نضيف الجديد منها على الكليب أن نقوم بعملية المونتاج من جديد. كما ركزنا على بث الأمل والإيجابية فيه بعد أن تعب اللبناني من ضغوطات حياتية واقتصادية وبيئية كثيرة». ويختم إيلي فهد: «المحرك الأول لي الذي حفزني على القيام بهذا العمل، كما تشاهدونه اليوم، هو نادين لبكي التي تتمتع بطاقة لا تشبه غيرها تنعكس إيجاباً على الآخرين».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».