تداعيات أزمة لبنان الاقتصادية تتفاقم

قطاعات تنازع وتهدد مصير آلاف الموظفين... وارتفاع أسعار يحاصرهم

جانب من المظاهرة أمام وزارة الاقتصاد في بيروت أمس (إ.ب.أ)
جانب من المظاهرة أمام وزارة الاقتصاد في بيروت أمس (إ.ب.أ)
TT

تداعيات أزمة لبنان الاقتصادية تتفاقم

جانب من المظاهرة أمام وزارة الاقتصاد في بيروت أمس (إ.ب.أ)
جانب من المظاهرة أمام وزارة الاقتصاد في بيروت أمس (إ.ب.أ)

تتكشّف تداعيات جديدة للأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي يعاني منها اللبنانيون على وقع ارتفاع سعر صرف الدولار ووباء «كورونا». ففيما عادت أزمة الخبز إلى الواجهة مجدداً مع إصرار أصحاب الأفران على زيادة السعر، ارتفعت صرخات المدارس الخاصة مع إعلان وزير التربية طارق المجذوب، أول من أمس، انتهاء العام الدراسي، مما سينعكس سلباً على ميزانية المؤسسات التربوية ورواتب المعلمين بسبب توجه الأهالي لعدم دفع أقساط أولادهم والنزوح المتوقع نحو المدارس الرسمية.
وأعلن أصحاب محطات المحروقات أن مصيرها بات مهدداً نتيجة الأزمة، فيما نعى نقيب أصحاب مكاتب السياحة والسفر جان عبود، القطاع الذي بات يعمل بنسبة 10 في المائة فقط من قدرته.
هذه الأزمات كلها من شأنها أن تنعكس بشكل مباشر على عشرات آلاف العاملين في المؤسسات؛ إذ بات مصير المعلمين كما الموظفين في المؤسسات الأخرى مهدداً، وهو الأمر نفسه الذي سينسحب على موظفي المصارف في ظل التوجه لتقليص عددها وفق ما سبق أن أعلنه وزير المالية غازي وزني.
وعاد موزعو الخبز إلى الشارع، أمس، ونفذوا اعتصاماً أمام وزارة الاقتصاد احتجاجاً على تسليمهم ربطة الخبز بـ1500 ليرة من الأفران، بعدما كانوا يتسلمونها بـ1200، لتصل إلى المستهلك بالسعر الجديد.
وجاء قرار أصحاب الأفران بعدما رفض وزير الاقتصاد راوول نعمة رفع سعر ربطة الخبز في المحال التجارية، منطلقاً في ذلك من أنهم يحصلون على الطحين المدعوم، وبالتالي لا يفترض أن يكونوا قد تأثروا من الأزمة. وتحدث حميد يزبك باسم الموزعين، معلناً أن «الأفران أبلغت الموزعين بأن سعر ربطة الخبز للموزعين أصبح 1500 ليرة، ما يحول دون تمكننا من التوزيع». وأضاف: «نطالب بحقنا بالعمل كموزعين نتقاضى عمولتنا من التوزيع»، مناشداً وزير الاقتصاد «إيجاد حل منصف»، خصوصاً أن عدد الموزعين 2400 في كل المناطق.
وبعد ساعات على إعلان وزير التربية انتهاء العام الدراسي بسبب وباء «كورونا»، هدّد نقيب المدارس الخاصة رودولف عبود، أمس، بتحرك احتجاجي إذا لم تقدم الدولة حلاً شاملاً. وعدّ أن «قرار وزير التربية كان مفاجئاً، والمفاجأة الكبرى كانت القرار بترفيع التلامذة بشكل أوتوماتيكي».
وأضاف: «كان على وزارة التربية أن تجد حلاً شاملاً، انتهت القصة بالنسبة إلى التلامذة والأهل، لكن لم تحل بالنسبة إلى المدارس والأساتذة، خصوصاً في ظل الحديث عن نزوح كبير من المدارس الخاصة إلى الرسمية أو ما بين المدارس الخاصة، وإن لم تلحظ الدولة حلاً شاملاً فسنقوم بتحرك احتجاجي».
من جهتها، أعلنت نقابة محطات المحروقات في لبنان أن مصير أصحابها ومستقبلهم بات مهدداً، والتقت وزير الاقتصاد للبحث في مشكلتين أساسيتين، هما استيفاء الشركات المستوردة للمشتقات النفطية الرسوم الجمركية والضرائب بالدولار، وتهريب المازوت إلى سوريا.
وبعد الاجتماع، أعلنت النقابة أنه كان للوزير «موقف متفهم جداً لضرورة إيجاد الحل المناسب لموضوع احتساب نسبة 15 في المائة بالدولار على الرسوم والضرائب، ووعد بدراسة الحلول مع السلطات الرسمية المعنية}.
وعلى خط آخر غير منفصل عن تداعيات الأزمة الاقتصادية، قال نقيب أصحاب مكاتب السياحة والسفر جان عبود إن «قطاع السفر متوقف ويحتاج إلى سنة ونصف السنة أو سنتين لاستعادة حركته الطبيعيّة، في الوقت الذي تعمل فيه المكاتب بـ10 في المائة من قدرتها، مما أدّى إلى صرف كثير من الموظفين أو إبقاء البعض بنصف راتب أو ربعه».
وعزا عبود في تصريحات نقلتها «وكالة الأنباء المركزية»، هذا الوضع المتردّي إلى انتشار وباء «كورونا»، لافتاً إلى أن «سوق السفر والسياحة في لبنان كان يقدر بـ750 مليون دولار في العام الماضي، وتراجع هذا العام إلى أقل من 60 مليون دولار، مما يعني أن اللبناني لن يتمكّن من السفر للسياحة بسبب تداعيات (كورونا) وارتفاع سعر صرف الدولار وشحّه». وقدّر تكلفة سفر اللبنانيين إلى الخارج خلال الصيف الماضي بنحو ملياري دولار. وقال: «لا أعتقد أن في مقدورهم اليوم معاودة السفر في ظل الشروط المذكورة».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.