اتفاق بين الرئيس وخصمه يضع حداً للأزمة السياسية في أفغانستان

غني يحتفظ بالرئاسة... وعبد الله يتولى نصف الحقائب والتفاوض مع «طالبان»... وجدل حول «ترفيع دوستم مارشالاً»

الرئيس غني وخصمه السياسي عبد الله عبد الله لدى توقيعهما الاتفاق في كابل أمس (أ.ب)
الرئيس غني وخصمه السياسي عبد الله عبد الله لدى توقيعهما الاتفاق في كابل أمس (أ.ب)
TT

اتفاق بين الرئيس وخصمه يضع حداً للأزمة السياسية في أفغانستان

الرئيس غني وخصمه السياسي عبد الله عبد الله لدى توقيعهما الاتفاق في كابل أمس (أ.ب)
الرئيس غني وخصمه السياسي عبد الله عبد الله لدى توقيعهما الاتفاق في كابل أمس (أ.ب)

وقّع الرئيس الأفغاني أشرف غني مع خصمه عبد الله عبد الله، أمس، اتفاقاً يعول عليه الأفغان والمجتمع الدولي لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد. وبموجب الاتفاق الذي جاء بعد أشهر من الخلاف، يحتفظ غني بالرئاسة، فيما يحصل عبد الله على نصف المناصب في الحكومة وحكام الولايات، ويتولى التفاوض مع حركة «طالبان» المتمردة. إلا أن الاتفاق أثار جدلاً بتكريمه الجنرال عبد الرشيد دوستم، النائب الأسبق لرئيس أفغانستان، بمنحه رتبة مارشال العسكرية، بينما يطالب كثير من الأفغان بمساءلته عن جرائم الحرب السابقة.
وقال صدّيق صدّيقي، المتحدث باسم غني، على «تويتر»، إن «عبد الله سيترأس اللجنة العليا للمصالحة الوطنية، وسينضم أعضاء من فريقه إلى الحكومة». وبدوره، أفاد فرايدون خاوزن، المتحدث باسم عبد الله، بأن الاتفاق يضمن حصول فريق عبد الله على 50 في المائة من المناصب في الحكومة وحكام الولايات.
وقال عبد الله إن الاتفاق يلزم الطرفين بتشكيل «إدارة جامعة أكثر، ويمكن محاسبتها، وذات كفاءة»، وكتب على «تويتر» بعد التوقيع أن الاتفاق «يأتي في فترة صعبة، بينما نواجه تهديدات خطيرة»، مضيفاً أن «مهمته هي ضمان مسار للسلام، وتحسين الحوكمة، وحماية الحقوق، واحترام القوانين والقيم».
وذكر خاوزن أن شخصيات سياسية ووطنية تحظى باحترام واسع ستشرف على تطبيق الاتفاق. وأظهرت صور نشرها قصر الرئاسة عبد الله وغني وهما جالسان جنباً إلى جنب في حفل التوقيع، بحضور شخصيات أفغانية بارزة، بينها الرئيس الأسبق حميد كرزاي.
وكان عبد الله يشغل منصب «رئيس السلطة التنفيذية»، بموجب اتفاق سابق لتقاسم السلطة، لكنه خسر المنصب عقب هزيمته في الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها غني، الخبير الاقتصادي السابق لدى البنك الدولي، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وسط تهم بالتزوير.
وأعلن عبد الله، طبيب العيون، نفسه رئيساً، وأقام حفل تنصيب في التاسع من مارس (آذار) الماضي، بينما أعيد تنصيب غني رئيساً في اليوم ذاته.
ويشير خبراء إلى أن اتفاق أمس قد يساهم في إخراج أفغانستان من أزمتها السياسية. وبموجب الاتفاق، سيقود عبد الله محادثات السلام المستقبلية مع حركة «طالبان» التي وقعت اتفاقاً تاريخياً مع واشنطن يمهّد لسحب القوات الأجنبية من أفغانستان.
وقال المحلل سيد ناصر موسوي إنه «من المتوقع الآن أن يحل هذان الزعيمان المشكلات التي تواجهها أفغانستان، على غرار فيروس كورونا المستجد، ومحادثات السلام مع (طالبان)». وأشار إلى أن «الضغط الهائل» الذي مارسته الولايات المتحدة عليهما دفعهما لإبرام الاتفاق «لكن الوضع صعب، حيث ستبقى الخلافات إلى حين توصلهما إلى اتفاق مع (طالبان)».
وفي مسعى لمنع نشوب نزاع، توسّط وزير الخارجية الأميركي آنذاك جون كيري بينهما للتوصل إلى اتفاق تم بموجبه تعيين عبد الله رئيساً للسلطة التنفيذية.
وبعد خلاف مشابه في مارس (آذار) الماضي، ندد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بفشلهما في التوصل إلى اتفاق، معلناً خفض المساعدات لأفغانستان بمبلغ قدره مليار دولار. وفي وقت يبلغ إجمالي الناتج الداخلي للبلاد 20 مليار دولار فقط، شكّل الخفض ضربة لاقتصادها المعتمد على المنح.
ومن جانبهم، شكك عدد من سكان العاصمة الأفغانية في الاتفاق. وقال الموظف في شركة خاصة في كابل راشد هاشمي إن «آلاف الأفغان قتلوا أو أصيبوا بجروح في آخر عهد لغني. إذا كانا حقاً يريدان العمل لمصلحة البلاد، عليهما جلب السلام الحقيقي، هذا هو الشيء الوحيد الذي يريده أغلب الأفغان».
ولفتت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير لها إلى «تكريم» الجنرال عبد الرشيد دوستم (66 عاماً) بموجب اتفاق أمس، ومنحه رتبة مارشال العسكرية التي لم تُمنح سوى مرتين اثنتين فقط في تاريخ أفغانستان، وسط جدل، إذ يطالب كثير من المواطنين الأفغان بأن يساءل الرجل عن جرائم الإرهاب وجرائم الحرب السابقة.
وكان عبد الله قد وعد الجنرال دوستم -نائب رئيس البلاد في حكومة غني السابقة أحد أبرز الداعمين الرئيسيين لعبد الله- بهذه الرتبة العسكرية الرفيعة، في مقابل الدعم السياسي في الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي وافق عليه غني مؤخراً.
وصرح مسؤول مقرب من غني بأن منح دوستم الرتبة العسكرية الفخرية كان بمثابة الجزء اليسير من الجهود اليائسة للحيلولة دون تحول الأزمة السياسية الأخيرة إلى حرب أهلية مشتعلة، فضلاً عن السماح للحكومة المقبلة بتركيز جهودها على التفاوض مع حركة «طالبان» المتمردة. ووصف المسؤول الذي نقلت تصريحاته «نيويورك تايمز» القرار بأنه مثل جرعة السم التي اضطر غني لتجرعها منعاً لإراقة حمامات الدم في البلاد.
وقال أحمد إيشي، النائب الأسبق لحاكم محافظة جوزجان الشمالية الأفغانية، في مقابلات تلفزيونية أجريت عام 2016، إن الجنرال دوستم قد أمر بتعذيبه شخصياً، وأمر حراسه بالاعتداء عليه جنسياً.
ونفى دوستم تلك الاتهامات تماماً، ووصفها بأنها جزء من مؤامرة خبيثة تُحاك ضده. وقال أحد كبار مساعديه السياسيين، عناية الله بابور فارحمند، إن الرتبة العسكرية الجديدة بمثابة عرفان بالجميل طال انتظاره، للدور العسكري الكبير الذي اضطلع به الجنرال دوستم في إسقاط حكومة «طالبان» عام 2001 في أعقاب الغزو الأميركي للبلاد.
والجنرال دوستم اتهم من قبل بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ترجع إلى الحرب الأهلية في أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي، ثم وجهت له الاتهامات مرة أخرى في عام 2016 باختطاف ومحاولة اغتصاب أحمد إيشي، المواطن الأوزبكي مثله النائب الأسبق لحاكم محافظة جوزجان الذي تحول إلى منافسته سياسياً في أوقات لاحقة.
وانهار أحمد إيشي باكياً أمام شاشات التلفاز الوطني في أثناء سرده لتلك الذكريات، وقال إن الجنرال دوستم تعرض له بالضرب أمام آلاف الأشخاص في ساحة رياضية، ثم نقله إلى منزل يملكه، حيث تعرض إيشي للتعذيب لعدة أيام مع محاولة الاغتصاب، ثم أمر الجنرال دوستم رجاله بالاعتداء على إيشي جنسياً بمختلف الأساليب، حسب تقرير «نيويورك تايمز». وجاءت التقارير الطبية بعد الإفراج عن إيشي تؤكد تعرضه لإصابات مختلفة تتفق مع محاولات الاعتداء الجنسي عليه.
ويأمل دوستم في ترسيخ إرثه الوطني كأحد أبطال الأقلية الأوزبكية من الشعب الأفغاني، بعد أن أصبح أول نائب أوزبكي لرئيس أفغانستان في تاريخ البلاد. وقد حاول الرئيس غني الذي اصطحب دوستم في الترشح لانتخابات عام 2014، رغم وصفه له ذات مرة بأنه «قاتل معروف»، تهميش الدور الذي يضطلع به الجنرال الأوزبكي في الحكومة بعد فترة وجيزة من توليه المنصب الجديد، فأثار ذلك غضب الجنرال دوستم، وجاءت ردود فعله بالغة الصلف والرعونة.
وقال بابور فارحمند، المساعد السياسي لدوستم، إن اتهامات إيشي لا يمكنها الحيلولة دون منح الجنرال دوستم الرتبة العسكرية الرفيعة، نظراً لأنها اتهامات غير مؤيدة بأي أحكام قضائية رسمية.
ويأتي الاتفاق بينما جعل الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنهاء أطول حرب في تاريخ بلاده بين أولوياته. ووقّعت واشنطن، في فبراير (شباط) الماضي، اتفاقاً مع «طالبان» ينص على انسحاب القوات الأميركية وغيرها من القوات الأجنبية المتحالفة معها من أفغانستان بحلول مطلع 2021. وتعهدت «طالبان»، في المقابل، بعدم مهاجمة القوات الأفغانية. لكن القتال تواصل بين «طالبان» والقوات الأفغانية في الولايات، بينما هدد الجانبان بتنفيذ هجمات متبادلة بعدما أسفر اعتداءان، الأسبوع الماضي، عن مقتل العشرات، بينهم أمّهات وأطفال رضّع، عندما اقتحم مسلحون مستشفى في كابل. ونفت «طالبان» أي علاقة لها بالهجوم على المستشفى الذي حمّلت الولايات المتحدة مسؤوليته لتنظيم «داعش».



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».