«كورونا» وانخفاض أسعار النفط يهددان بمضاعفة الفقر في العراق

سوء الإدارة والفساد بددا الثروات... والعنف والإرهاب حرما البلاد من فرص الاستثمار

مكب للنفايات في البصرة أصبح وجهة لفقرائها رغم الوباء (رويترز)
مكب للنفايات في البصرة أصبح وجهة لفقرائها رغم الوباء (رويترز)
TT

«كورونا» وانخفاض أسعار النفط يهددان بمضاعفة الفقر في العراق

مكب للنفايات في البصرة أصبح وجهة لفقرائها رغم الوباء (رويترز)
مكب للنفايات في البصرة أصبح وجهة لفقرائها رغم الوباء (رويترز)

لم تكن التوقعات «المتشائمة» المتعلقة بتضاعف معدلات الفقر في العراق إلى 40 في المائة، التي أدلت بها الممثلة الأممية في العراق جينين هينيس بلاسخارت الأسبوع الماضي، في إحاطتها الأخيرة أمام مجلس الأمن، مثار استغراب أو استنكار قطاعات الاقتصاديين والمحللين الماليين المحليين، أو حتى المواطنين العاديين. فالبلاد التي يلازمها «الحظ العاثر» منذ عقود طويلة ترزح أساساً تحت طائلة نسب فقر مرتفعة منذ سنوات، تصل إلى 20 في المائة، ترتفع في بعض المحافظات (المثنى، وذي قار، وميسان) إلى نحو 50 في المائة من عموم السكان، كما تشير إحصاءات رسمية صادرة عن وزارة التخطيط.
وتوقعت الممثلة الأممية بلاسخارت في إحاطتها الأخيرة «انكماش الاقتصاد العراقي بنسبة 9.7 في المائة في 2020، مع ارتفاع معدلات الفقر إلى نحو 40 في المائة في 2020، ومتوقع كذلك حدوث انخفاض في الفرص الاقتصادية».
ومن الواضح أن توقعات المسؤولة الأممية استندت إلى معطيات تجد لها أساساً راسخاً على أرض الواقع، وهي محل اتفاق معظم الخبراء والاقتصاديين في العراق والعالم، ومن بين تلك المعطيات سنوات الفساد وسوء الإدارة الطويلة، وضعف الاستثمار وفرص العمل، وصولاً إلى المشكلات الاقتصادية المعقدة الناجمة عن جائحة «كورونا»، وتراجع أسعار النفط الكارثي الذي سيشكل أكبر أزمة اقتصادية تواجه العراق، بالنظر لاعتماد البلاد على عوائد النفط بنسبة 95 في المائة بالموازنة الاتحادية التي تغطي نفقات الحكومة.
وفي هذا السياق، تقول الخبيرة الاقتصادية الدكتورة سلام سميسم إن «جملة من عوامل تراجع الاقتصاد والفقر بدأت منذ سنوات، وما زالت مستمرة، وأضيفت إليها عوامل جديدة أسهمت -وتسهم- في تراجع البلاد اقتصادياً، وقد انعكس ذلك على مستوى المعيشة السكانية، وارتفاع معدلات الفقر».
وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «سوء الإدارة والفساد بدد ثروات البلاد، وأعمال العنف والإرهاب والعصابات المسلحة حرمت البلاد من فرص الاستثمار، لذلك نحن في تراجع مستمر، وتوقعات الممثلة الأممية ليست بعيدة عن الواقع».
وترى سميسم أن «الفقر موجود سابقاً، لكن ظروفاً أخرى زادت من حدته؛ عمليات التهجير والنزوح بسبب الإرهاب و(داعش) مثلاً وضعت عوائل كثيرة تحت طائلة الفقر بسبب نزوحها، بعد أن كانت مستقرة ولديها أعمال تدر دخلاً، والظواهر الطبيعية وفترات الجفاف أيضاً أسهمت في زيادة معدلات الفقر، بعد أن حولت شريحة واسعة من الفلاحين إلى عاطلين عن العمل». أما اليوم، والكلام لسميسم، فقد «وجد العراقيون أنفسهم في قلب العاصفة الصحية لجائحة كورونا، وما يترتب على ذلك من تعطل معظم مفاصل الحياة والنشاطات الاقتصادية، ما يؤدي إلى معدلات غير مسبوقة من الفقر، والمشكلة أن الدولة عاجزة عن إيجاد الحلول لمكافحة الفقر، رغم أن ذلك في صميم مسؤولياتها. ومع تراجع أسعار النفط الخطير، فإن البلاد مقبلة على مزيد من المشكلات الاقتصادية المعقدة».
وعن جدوى وقيمة المعونات التي أعلنتها الحكومة العراقية في وقت سابق بالنسبة للتخفيف عن العوائل الفقيرة، تقول الدكتورة سميسم إن «مبلغ 30 ألف دينار لكل مواطن فقير لن يحل المشكلة؛ المبلغ زهيد والطريقة غير كافة ووافية، ولا تصل فعلاً إلى الفئات المحتاجة، وغالباً ما تشوبها عمليات فساد، الأفضل بتقديري قيام الحكومة بتوزيعها من خلال بطاقة الغذاء التموينية».
وعلى الرغم من تأكيد وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، منتصف أبريل (نيسان) الماضي، على أن عدد الذين تقدموا لنيل المنحة (30 ألف دينار لكل فرد من العائلة) المقدمة من الحكومة للعوائل الفقيرة بلغ أكثر من 12 مليون مواطن، فقد قرر مجلس الوزراء، برئاسة مصطفى الكاظمي، الأسبوع الماضي «توسيع قاعدة المشمولين بقانون الحماية الاجتماعية».
ونقل موقع وزارة العمل عن الوزير عادل الركابي قوله إن «المرحلة المقبلة ستشهد إجراء دراسة شاملة سريعة لتوسيع قاعدة المشمولين بقانون الحماية الاجتماعية، من خلال تحسين آلية الشمول بواسطة الاستهداف الديموغرافي، باعتماد بيانات الفقر والبحث الاجتماعي».
وأضاف أن «الدراسة ستشمل مناقشة متطلبات توسيع قاعدة المشمولين بشكل يحقق شمول المستحقين الفعليين، وفق معطيات تشخيص خط الفقر، واعتماد آلية رصينة لكشف المتجاوزين، واسترجاع الأموال منهم لمنحها لمستحقين جدد».
وليس من الواضح أن الحكومة قادرة على إضافة أعداد جديدة لقوائم المستفيدين من معوناتها الاجتماعية، في ظل الانخفاض الحاد في عوائد النفط، وما تعانيه البلاد من ترهل في جهازها الوظيفي، بوجود جيوش من الموظفين والمتقاعدين تناهز أعدادهم نحو 7 ملايين موظف ومتقاعد.


مقالات ذات صلة

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.