تحذيرات أميركية من «خلايا نائمة» لإيران و«حزب الله» في الغرب

دراسة لباحثين عملا في الاستخبارات ترصد تفاقم التوتر منذ اغتيال سليماني

صورة من الأرشيف لمقر الجمعية اليهودية بعد تفجيره بشاحنة ملغومة في بوينس آيرس عام 1994 (رويترز)
صورة من الأرشيف لمقر الجمعية اليهودية بعد تفجيره بشاحنة ملغومة في بوينس آيرس عام 1994 (رويترز)
TT

تحذيرات أميركية من «خلايا نائمة» لإيران و«حزب الله» في الغرب

صورة من الأرشيف لمقر الجمعية اليهودية بعد تفجيره بشاحنة ملغومة في بوينس آيرس عام 1994 (رويترز)
صورة من الأرشيف لمقر الجمعية اليهودية بعد تفجيره بشاحنة ملغومة في بوينس آيرس عام 1994 (رويترز)

حذّر باحثان أميركيان لهما باع طويلة في عالم الاستخبارات من وجود «أدلة متزايدة» على أن إيران و«حزب الله» تمكنا من إنشاء «شبكة نائمة» تأتمر بأمرهما في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، ويمكن تشغيلها للقيام بهجمات إرهابية ثأراً لمقتل قائد «فيلق القدس» لدى «الحرس الثوري» الإيراني، قاسم سليماني، بغارة أميركية في مطار بغداد مطلع السنة الحالية. ونبها إلى أن طهران ربما تكون «أقل تردداً في السماح بضربة انتقامية» داخل الأراضي الأميركية، على غرار المحاولة الفاشلة لاغتيال السفير السعودي لدى واشنطن، عادل الجبير، عام 2011.
ونشرت الورقة التي أعدها الباحثان آيوان بوب وميتشل سيبلر بعنوان «الجهوزية العملانية لإيران وحزب الله في الغرب» في مجلة متخصصة في الدراسات عن النزاعات والإرهاب. واستهل الباحثان الورقة بالإشارة إلى أن «التوترات ازدادت بين الولايات المتحدة من جهة، وإيران - (حزب الله) من جهة أخرى، منذ عام 2018، عندما انسحبت الإدارة الأميركية من الاتفاق النووي لعام 2015». ولاحظا أن هذه التوترات «تصاعدت في يناير (كانون الثاني) 2020، عندما قتل قائد (فيلق القدس) لدى (الحرس الثوري) الإيراني، قاسم سليماني، بغارات أميركية». ووجدا علاوة على ذلك أن «هناك أدلة متزايدة على أنه في السنوات الأخيرة، سعت إيران و(حزب الله) إلى إنشاء شبكة نائمة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية يمكن تشغيلها لشن هجمات، كجزء من هجوم انتقامي».
وتعتمد الدراسة على وثائق من المحاكم وتقارير مفتوحة المصدر عن توقيفات حصلت أخيراً لعملاء من «حزب الله» وإيران في الولايات المتحدة وخارجها، بغية تقييم للجهوزية العملانية عند إيران و«حزب الله». وهي تسلط الأضواء على تجنيد هؤلاء العملاء وتدريبهم وتموضعهم وتعقيدات عملياتهم السابقة. وإذ توضح أنه يستحيل التكهن بالزمان أو المكان أو كيف يمكن أن تنتقم إيران و«حزب الله» لمقتل سليماني، تجادل بأن «هناك عدداً متزايداً من المؤشرات والعلامات التحذيرية إلى احتمال وقوع هجوم في الولايات المتحدة أو ضد المصالح الأميركية في الخارج».
وعد الباحثان أن التوترات بين الولايات المتحدة وإيران «ازدادت منذ عام 2018»، حين انسحبت إدارة الرئيس دونالد ترمب من الاتفاق النووي لعام 2015، وأعادت فرض عقوبات شاملة على إيران. وأضافا أنه «رداً على ذلك، لجأت إيران ووكلائها إلى سلسلة من التصعيد الإقليمي غير المتكافئ بغية الضغط على الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين». وأوردت الورقة أنه «من المحتمل أن تكون الغارة الأميركية في 3 يناير (كانون الثاني) 2020 التي قتل فيها قائد (فيلق القدس) في (الحرس الثوري) الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، خطوة كبيرة في سلم التصعيد من قبل الولايات المتحدة، مما يحفز على انتقام إيراني هائل ضد المصالح الأميركية».
- ترجيح بـ«درجة عالية»
وبنى الباحثان استنتاجاتهما بناء على تجاربهما، بصفتهما ضابطين استخباريين سابقين في دائرة شرطة نيويورك، ويعملان حالياً لدى شركة «كي 2» الخاصة في مجال الاستخبارات، وكذلك استناداً إلى تقييم لطفرة استمرت طوال عقد من الزمن في إيران ونشاطات «حزب الله» اللبناني ما قبل العمليات في كل من أوروبا الغربية والولايات المتحدة، ليرجحا «بدرجة عالية» إمكان تنفيذ هجوم كبير في المستقبل ضد المصالح الأميركية في الخارج، مع احتمال تنفيذ هجوم في الأراضي الأميركية.
وتقدم الورقة 7 مبادئ في شأن جهوزية التخطيط لدى كل من إيران و«حزب الله» قبل القيام بهجوم إرهابي محتمل، تراوح من المراقبة والتخطيط اللوجيستي والعمليات الأمامية لتمويه الناشطين إلى التسلل والتجنيد واختيار الهدف. واستشهدا بما قاله القائد الجديد لـ«فيلق القدس» لدى «الحرس الثوري» الإيراني، إسماعيل قاآني، بعد مقتل سلفه بغارة نفذتها طائرة من دون طيار أميركية في مطار بغداد الدولي في 3 يناير (كانون الثاني) 2020: «اغتالوه بطريقة جبانة، ولكن بفضل الله، ومن خلال همم الباحثين عن الحرية في كل أرجاء العالم الذين يريدون الثأر لدمه، سنضرب عدوه برجولة».
ولفتا إلى أن المرشد الإيراني علي خامنئي دعا إلى «ثأر قوي» انتقاماً لمقتل سليماني. ودعا الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، عناصره في العالم إلى إنزال «عقوبة مناسبة»، مشيراً إلى أن هذه «ستكون مسؤولية ومهمة جميع مقاتلي المقاومة في كل أنحاء العالم».
- الغرب معرض لخطر
وخلال فترة عمل المؤلفين في قسم الاستخبارات في شرطة نيويورك بين عامي 2005 و2015 «كان التهديد من إيران و(حزب الله) قريباً دائماً، وأحياناً في قمة التهديدات بالنسبة إلى مدينة نيويورك، استناداً إلى اليد الطولى لإيران و(حزب الله) على المستوى العالمي، وتعقيدها وفتكها، بالإضافة إلى السمات الخاصة التي جعلت المدينة هدفاً جذاباً بشكل فريد في الولايات المتحدة». وقدّر المؤلفان أن «الغرب معرض لخطر مرتفع للثأر الإيراني، أو لـ(حزب الله)». وأضافا أنه «لذلك، من المهم تحليل وتقييم جهوزية إيران و(حزب الله) قبل ارتكاب هجمات إرهابية في الغرب». واستناداً إلى التاريخ الحديث، هناك اعتقاد أنه «يمكن أن يؤدي مقتل سليماني إلى رد فعل ثأري، أو ردود أفعال، من إيران و(حزب الله)، على غرار رد الفعل على اغتيال قادة (حزب الله)، مثل الأمين العام السابق عباس الموسوي عام 1992، والمسؤول العسكري لتنظيم (الجهاد الإسلامي) عماد مغنية عام 2008».
وعلى غرار الثأر لهذين المسؤولين، ترجح الورقة أن يكون الانتقام «دقيقاً، بما يكفي لتوجيه رسالة، ولكن ليس متطرفاً إلى درجة تهدد بقاء النظام الإيراني». وتستدرك أنه «في وقت يمكن أن تؤدي المعدلات الواسعة لانتشار (كوفيد-19) في إيران إلى تأخير خطط الثأر الإيرانية، فإن التاريخ الإيراني يدل على أن النظام لاعب صبور، ومن غير المرجح أن يكتفي (الحرس الثوري) بأي رد أقل من ثأر ذي مغزى، مهما تأخر». وأفاد الباحثان بأنه «إذا كان الماضي مقدمة، يمكن أن ينظر المحللون إلى تفجير السفارة الإسرائيلية عام 1992 في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، طبقاً لمسؤولين أرجنتينيين، بصفته رداً جزئياً من إيران و(حزب الله) على اغتيال إسرائيل للأمين العام لـ(حزب الله) عباس الموسوي». كما أن الحوادث التي وقعت بعد اغتيال إسرائيل والولايات المتحدة قائد عمليات «حزب الله» عماد مغنية في فبراير (شباط) 2008 «يمكن أن تكون مفيدة أيضاً». وأكدا أنه «بعد مقتله في دمشق، خطط (حزب الله) ثأراً لموته هجمات عدة في أذربيجان وبلغاريا وقبرص والهند والكويت وتركيا». ولكن بخلاف الهجوم الانتحاري الذي وقع عام 2012 على حافلة تقل سياحاً إسرائيليين في بلدة بورغاس البلغارية، مما أدى إلى مقتل 6 سياح إسرائيليين، وإصابة 42، أحبطت كل خطط (حزب الله)».
وإذ تذكر الورقة بأن «إيران هي الحليف الأقرب والراعي لـ(حزب الله)، بتقديم الأموال والأسلحة للجماعة المصنفة إرهابية»، فإن هذا التنظيم «يوصف في كثير من الأحيان بأنه حاملة طائرات إيرانية راسية في شمال إسرائيل». وبالإضافة إلى صلاتهما العقائدية والسياسية والعسكرية، يفاد بأن إيران «تمول (حزب الله) بما بين 200 و700 مليون سنوياً». ولدى «حزب الله» وأجهزة المخابرات الإيرانية «تاريخ من الهجمات الإرهابية المشتركة على مستوى العالم، وعلى الأخص هجمات بوينس آيرس التي استهدفت السفارة الإسرائيلية عام 1992، والجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية عام 1994». وعلاوة على ذلك «أدت مهمتهما المشتركة طوال العقد الماضي لإبقاء (الرئيس السوري بشار) الأسد في السلطة إلى زيادة كبيرة في تعاونهما. وهذا يجعل من المحتمل أن تنطوي أي عمليات خارجية مستقبلية على تخطيط وتنفيذ تشغيليين مشتركين». وتحدث الباحثان عن «أدلة تشير إلى أن إيران و(حزب الله) سعيا في السنوات الأخيرة إلى إنشاء شبكة نائمة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، يمكن تفعيلها لشن هجمات».
- محاولة اغتيال الجبير
وقالا إن «المؤامرة الفاشلة التي قادتها إيران عام 2011 لاستهداف السفير السعودي في واشنطن (عامذاك عادل الجبير) توضح أن الهجوم داخل الولايات المتحدة ليس أمراً لا يمكن تصوره»، فضلاً عن أن «ما قاله عضو (حزب الله) علي محمد كوراني لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) خلال المقابلات التي أجريت معه في عامي 2016-2017 أنه: في حالة خوض الولايات المتحدة وإيران الحرب، فإنه يتوقع استدعاء الخلية الأميركية النائمة للعمل». وأوضح المسؤولون الأميركيون أن «إيران و(حزب الله) لا يزالان يشكلان تهديداً محتملاً لأراضي الولايات المتحدة». ففي عام 2012، صرح مدير الاستخبارات الوطنية، جيمس كلابر، بأن المسؤولين الإيرانيين «أصبحوا الآن أكثر استعداداً لشن هجوم في الولايات المتحدة، رداً على الإجراءات الأميركية الحقيقية أو المتصورة التي تهدد النظام». وكذلك أشار مدير المركز الوطني الأميركي لمكافحة الإرهاب، نيك راسموسن، في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، إلى «أننا نقدر أن (حزب الله) مصمم على منح نفسه خيار استهداف الأراضي الأميركية المحتمل كعنصر حاسم في دليله الإرهابي».
وخلص الكاتبان إلى أنه «على الرغم من أن صناع القرار في طهران سيظلون يفكرون بتأنٍ شديد قبل أن يضربوا الولايات المتحدة ثأراً لمقتل سليماني، فمن المهم بالنسبة لمحللي السياسات ومجتمع صناع السياسات أن يفهموا جهود إيران و(حزب الله) لإنشاء بنية تحتية للهجمات المحتملة في الغرب». واستنتجا أيضاً أنه «في ضوء ذلك، معطوفاً على السجل الحديث لنشاط إيران و(حزب الله) الإرهابي خارج الولايات المتحدة، يحدد المقال أيضاً أنه بعد مقتل سليماني، يمكن أن تكون إيران أقل تردداً في السماح بضربة انتقامية».



إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
TT

إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»

بعد أكثر من 420 يوماً على أطول حرب مدمرة عرفها الفلسطينيون، لا يزال الغزيون الذين فقدوا بلدهم وحياتهم وبيوتهم وأحباءهم، لا يفهمون ماذا حدث وماذا أرادت حركة «حماس» حقاً من هجومها المباغت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، الهجوم الذي غير شكل المنطقة وفتح أبواب الحروب والتغييرات.

الشيء الوحيد الواضح حتى الآن هو أن غزة تحولت إلى منطقة غير قابلة للحياة، ولا شيء يمكن أن يصف ألم الباقين على قيد الحياة الذين فقدوا نحو 50 ألفاً في الحرب المستمرة، وأكثر من 100 ألف جريح.

وإذا كان السكان في قطاع غزة، وآخرون في الضفة الغربية وربما أيضا في لبنان ومناطق أخرى لم يفهموا ماذا أرادت «حماس»، فإنهم على الأقل يأملون في أن تأتي النتائج ولو متأخرة بحجم الخسارة، ولا شيء يمكن أن يعوض ذلك سوى إقامة الدولة. لكن هل أرادت «حماس» إقامة الدولة فعلاً؟

هاجس الأسرى الذي تحول طوفاناً

في الأسباب التي ساقتها، تتحدث حركة «حماس» عن بداية معركة التحرير، لكنها تركز أكثر على «تحريك المياه الراكدة في ملف الأسرى الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم الحركة قبيل الحرب»، و «الاعتداءات المتكررة من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين»، إلى جانب تصاعد العدوان باتجاه المسجد الأقصى والقدس وزيادة وتيرة الاستيطان.

ولا تغفل الحركة عن أنها أرادت توجيه ضربة استباقية تهدف لحرمان تل أبيب من مباغتة غزة، وإعادة القضية إلى الواجهة.

وقالت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأسباب كانت صحيحة وكافية بالنسبة للحركة لاتخاذ قرار شن الهجوم، لكن خرج المخطط عن السيطرة».

لافتات في القدس تنادي بعقد صفقة لإطلاق الأسرى الإسرائيليين في غزة بجانب صورة لزعيم «حماس» يحيى السنوار وأخرى لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله اللذين قتلتهما إسرائيل في سبتمبر وأكتوبر الماضيين (أ.ف.ب)

وأضاف: «الهدف الرئيسي كان أسر جنود إسرائيليين وعقد صفقة تاريخية. ثم تأتي الأسباب الأخرى. لكن لم يتوقع أحد حتى المخططون الرئيسيون، أن تنهار قوات الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة، ما سمح بالدفع بمزيد من المقاومين للدخول لمناطق أخرى في وقت وجيز، قبل أن يتسع نطاق الهجوم بهذا الشكل».

ويعد تحرير الأسرى الفلسطينيين بالقوة، هاجس «حماس» منذ نشأت نهاية الثمانينات.

ونجحت الحركة بداية التسعينات أي بعد تأسيسها فوراً باختطاف جنود في الضفة وغزة والقدس وقتلتهم دون تفاوض. وفي عام 1994 خطف عناصر «حماس» جندياً وأخذوه إلى قرية في رام الله وبَثُّوا صوراً له ورسائل، وطلبوا إجراء صفقة تبادل، قبل أن يداهم الجنود المكان ويقتلوا كل من فيه.

وخلال العقود القليلة الماضية، لم تكل «حماس» أو تمل حتى نجحت عام 2006 في أسر الجندي جلعاد شاليط على حدود قطاع غزة، محتفظة به حتى عام 2011 عندما عقدت صفقة كبيرة مع إسرائيل تم بموجبها تحرير شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني، بينهم يحيى السنوار الذي فجر فيما بعد معركة السابع من أكتوبر من أجل الإفراج عمن تبقى من رفاقه في السجن.

وتعد الحركة، الوحيدة التي نجحت في خطف إسرائيليين داخل الأراضي الفلسطينية، فيما نجح الآخرون قبل ذلك خارج فلسطين.

وقال مصدر في «حماس»: «قيادة الحركة وخاصةً رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، كانت تولي اهتماماً كبيراً بملف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وظلت تبحث عن كل فرصة لإخراج أكبر عدد ممكن منهم».

وأضاف: «السنوار وعد رفاقه عندما خرج في صفقة شاليط بالإفراج عنهم».

انفجار ضخم بعد قصف إسرائيلي لمخيم البريج جنوب غزة (إ.ب.أ)

وفعلاً حاول السنوار التوصل إلى صفقة من خلال مفاوضات على 4 أسرى لدى الحركة، وهم الجنود: هدار غولدن، وآرون شاؤول، اللذان تم أسرهما عام 2014، وأفراهام منغستو بعدما دخل الحدود بين عسقلان وغزة في العام نفسه، وهشام السيد بعد تسلله هو الآخر من الحدود.

تكتيكات «حماس» قبل وبعد

منذ 2014 حتى 2023 جربت «حماس» كل الطرق. عرضت صفقة شاملة وصفقة إنسانية، وضغطت على إسرائيل عبر نشر فيديوهات، آخرها فيديو قبل الحرب لمنغتسو، قال فيه: «أنا أفيرا منغيستو الأسير. إلى متى سأبقى في الأسر مع أصدقائي»، متسائلاً: «أين دولة إسرائيل وشعبها من مصيرهم».

ونشْر الفيديوهات من قبل «حماس» ميَّز سياسة اتبعتها منذ نشأتها من أجل الضغط على إسرائيل لعقد صفقات تبادل أسرى، وهو نهج تعزز كثيراً مع الحرب الحالية.

وخلال أكثر من عام نشرت «حماس» مقاطع فيديو لأسرى إسرائيليين بهدف الضغط على الحكومة الاسرائيلية، وعوائل أولئك الأسرى من جانب آخر، وكان آخر هذه المقاطع لأسير أميركي - إسرائيلي مزدوج الجنسية يدعى إيدان ألكسندر.

وظهر ألكسندر قبل أسبوع وهو يتحدث بالإنجليزية متوجهاً إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وبالعبرية متوجهاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطالباً إياهم بالعمل على الإفراج عنه وعن الأسرى ضمن صفقة تبادل، مؤكداً أن حراسه من عناصر «حماس» أخبروه بأنهم تلقوا تعليمات جديدة إذا وصل الجيش الإسرائيلي إليهم، في إشارة لإمكانية قتله، داعياً الإسرائيليين للخروج والتظاهر يومياً للضغط على الحكومة للقبول بصفقة تبادل ووقف إطلاق النار في غزة. مضيفاً: «حان الوقت لوضع حد لهذا الكابوس».

وكثيراً ما استخدمت «حماس» هذا التكتيك، لتظهر أنها ما زالت تحافظ على حياة العديد منهم وأنهم في خطر حقيقي، وللتأكيد على موقفها المتصلب بأنه لا صفقة دون وقف إطلاق نار.

وفي الأيام القليلة الماضية، نشرت «حماس» فيديو جديداً عبر منصاتها أكدت فيه أن 33 أسيراً قتلوا وفقدت آثار بعضهم بسبب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجيشه، وأنه باستمرار الحرب قد تفقد إسرائيل أسراها إلى الأبد.

إذن من أجل كل هذا وبعدما فشلت «حماس» في الوصول إلى صفقة، هاجمت في السابع من أكتوبر.

وقال مصدر مطلع: «لم تجد قيادة (حماس) أمامها سوى الخيار العسكري لتحريك هذا الملف، بعدما أهملت إسرائيل الملف ومطالبات الحركة بإتمام صفقة».

لكن النتائج جاءت عكس ما اشتهت السفن.

وأغلب الظن أن حركة «حماس» كانت تخطط لأسر عدد محدود من الإسرائيليين، تدخل بعدها في معركة قصيرة مع إسرائيل تجبر فيها الأخيرة على الإذعان لصفقة تبادل، على غرار ما جرى بعد اختطاف شاليط.

فالطوفان الذي خططت له «حماس»، جلب طوفانات على الفلسطينيين، وتحديداً في غزة التي تدمرت ودفعت ثمناً لا يتناسب مطلقاً مع الهدف المنوي جبايته.

خارج التوقعات

بدأت أصوات الغزيين ترتفع ويجاهر كثيرون بأن إطلاق سراح الأسرى لا يستحق كل هذا الدمار، ويقولون إن عدد الضحايا أصبح أضعاف أضعاف أعداد الأسرى، الذين بلغ عددهم قبل الحرب نحو 6 الآف.

وقال فريد أبو حبل وهو فلسطيني من سكان جباليا نازح إلى خان يونس جنوب القطاع: «كل ما نريده أن تتوقف هذه الحرب، لا شيء يمكن أن يكفر عن الثمن الباهظ جداً الذي دفعناه ولا حتى تبييض السجون بأكملها يمكن أن يعيد لنا جزءاً من كرامتنا المهدورة ونحن في الخيام ولا نجد ما نسد به رمق أطفالنا».

وتساءل أبو حبل: «من المسؤول عما وصلنا إليه؟! لو سئل الأسرى أنفسهم عن هذه التضحيات لربما كانوا تخلوا عن حريتهم مقابل أن يتوقف هدر الدماء بهذا الشكل».

لكن منال ياسين، ترى أن من يتحمل مسؤولية استمرار هذه الحرب هو الاحتلال الإسرائيلي وخاصةً نتنياهو الذي يرفض كل الحلول، معربةً عن اعتقادها أن «حماس» قدمت ما عليها، وحاولت تقديم كثير من المرونة، لكن من ترفض الحلول هي إسرائيل.

وتؤكد ياسين أن جميع سكان غزة يريدون وقف هذه الحرب.

ولا يقتصر هذا الجدل على آراء الناس في الشارع، بل امتد لشبكات التواصل الاجتماعي. وكتب الكاتب محمود جودة على صفحته على «فيسبوك»: «الموضوع صار خارج منطق أي شيء، مطر وجوع وقتل وخوف، أهل غزة الآن بيتعذبوا بشكل حقير وسادي، مقابل اللاشيء حرفياً. الجرحى بينزفوا دم، والمطر مغرقهم، والخيام طارت، والطين دفن وجوه الناس، ليش كل هذا بيصير فينا، ليش وعشان شو بيتم استنزافنا هيك بشكل مهين».

وقال الطبيب فضل عاشور، إن «كل محاولات حماس للحفاظ على البقاء محكومة بالفشل، والعناد اليائس ثمنه دمنا ولحم أطفالنا». فيما كتب الناشط الشبابي أيمن بكر: «ما هذا الخرب يا حماس؟ هل كل هذا يستاهل ما نحن فيه؟ نحن نموت جوعاً وقتلاً».

جوع وأزمة غذاء وتدافع على حصص المساعدات الغذائية في خان يونس (رويترز)

جدل عام وتهم جاهزة

هذا الجدل سرعان ما انتقل إلى السياسيين ورجال الدين.

فقد أثار الشيخ سليمان الداية عميد كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية التابعة لـ«حماس»، وأبرز الشخصيات المعروفة مجتمعياً ومن القيادات المؤثرة دينياً داخل الحركة، وجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، جدلاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد نشره حلقات متتالية حول ما آلت إليه الحرب من نتائج صعبة على واقع الغزيين سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً.

وكان الداية بالأساس يرد على تساؤلات دفعته لنشر هذه الحلقات، حول تصريحات للقيادي في «حماس» أسامة حمدان، حين قال إن ما يعيشه سكان غزة واقع عاشه كثيرون في العالم على مر التاريخ، مدافعاً عن هجوم 7 أكتوبر، ومبرراً حاجة حركته للتمسك بمواقفها رغم العدد الكبير من الضحايا والدمار الذي لحق بغزة.

ودفع كلام الداية، الكثيرين من المؤيدين لفكرة إنهاء الحرب أو رفضها من الأساس، بينما هاجمه كثيرون من عناصر «حماس» ووصفوه بأنه أحد «المتخاذلين أو المستسلمين».

وكتب الأسير المحرر والمختص بالشؤون الإسرائيلية عصمت منصور على صفحته في «فيسبوك» معلقاً على هذا الجدل: «لا تتهموا كل من يختلف أو يجتهد أو يحاول إثارة نقاش بجمل مسبقة وجاهزة ووضعه في خانة معادية للمقاومة وتحويل المقاومة إلى سيف مسلط على ألسن الناس».

ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن هذا الخلاف، طبيعي في ظل الظروف التي تحكم الفلسطينيين، لكنه يعتقد أنه كان من الصواب لو اعترفت «حماس» بأنها ربما قد تكون أخطأت التقدير في ظروف ردة الفعل الإسرائيلية على مثل الهجوم الذي شنته، وكان من الممكن أن يكون بشكل مغاير يخفف من مثل ما يجري على الأرض من مجازر ترتكب يومياً.

وأضاف: «الفلسطينيون بحاجة لنقاش جدي حول كثير من القضايا خاصةً فيما يتعلق بما وصلت إليه القضية الفلسطينية على جميع المستويات».

وتجمع غالبية من الفلسطينيين على أن حركة «حماس» كانت قادرة على أن يكون الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر 2023، أكثر حكمةً وأقل ضرراً بالنسبة للغزيين في ردة فعلهم.

أطفال فلسطينيون يحضرون صفاً أقامته معلمة سابقة وأم من رفح لتعليم الأولاد في مركز نزوحهم بإحدى مدارس خان يونس (أ.ف.ب)

ويستدل الفلسطينيون خاصةً في غزة، على العديد من الهجمات التي كانت تنفذها «حماس» لمحاولة خطف إسرائيليين، بشكل يظهر حكمتها، كما جرى في عملية أسر جلعاد شاليط عام 2006.

وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن ما جرى كان خارج التوقعات، ولم يشمل المخطط الحقيقي للعملية، على الأقل أسر هذا العدد الكبير من الإسرائيليين.

وتعتقد مصادر أخرى أن القائمين على مخطط الهجوم، لو كانوا يدركون أنه سيسير بهذا الشكل، وتحديداً فيما يتعلق بردة الفعل الإسرائيلية، لصرفوا النظر أو أوقفوا الهجوم أو غيروا من تكتيكاته.

وإذا كان ثمة نقاش حول الثمن المدفوع الذي أرادت «حماس» أن تجبيه فإنها حتى الآن لم تُجبِه.

ويبدو أن التوصل لصفقة بين «حماس» وإسرائيل، أعقد مما تخيلت الحركة، في ظل رفض الأخيرة لكثير من الشروط التي وضعتها الأولى، خاصةً فيما يتعلق بالانسحاب من قطاع غزة بشكل كامل، وعودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، والأزمة المتعلقة بشكل أساسي باليوم التالي للحرب.

وينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى الآن، المضي في حربه، من أجل مصالح سياسية وشخصية بشكل أساسي، وهو الأمر الذي تؤكده عوائل الأسرى الإسرائيليين وغيرهم وحتى جهات من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، التي تشير إلى أن نتنياهو هو من يعرقل أي اتفاق مع «حماس».

وأكد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن «نتنياهو يفضل استمرار الحرب في غزة من أجل كسب الوقت للحفاظ على حكمه سياسياً ومنع تفكك ائتلافه الحكومي من جهة، ومنع مقاضاته من جهة أخرى، ولذلك طلب مؤخراً عدة مرات تأجيل شهادته في قضايا الفساد المتهم بها، كما أنه يسعى لسن قوانين تسمح له بعدم الوجود في أماكن معينة لوقت طويل خشيةً من استهدافه بالطائرات المسيّرة، بهدف المماطلة في جلسات المحاكمة».

ويعتقد إبراهيم أنه كان من الممكن سابقاً التوصل لاتفاق جزئي يضمن في نهايته انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، إلا أن المشهد المعقد أيضاً في عملية اتخاذ القرار الفلسطيني داخل حركة «حماس» بشكل خاص، كان له أثر سلبي على ذلك، ما أضاع العديد من الفرص للتوصل لصفقة.

ويتفق إبراهيم مع الآراء التي تؤكد أن التوصل لصفقة يصبح أكثر تعقيداً وصعوبةً مع مرور الوقت.

وبانتظار أن ترى صفقة «حماس» النور أو لا... لم تكن «حماس» مخترعة العجلة في هذا الأمر.

صفقات تبادل سابقة

ونجح الفلسطينيون عبر تاريخ طويل في عقد عدة صفقات تبادل أسرى.

وكانت صفقة الجندي جلعاد شاليط هي الأولى بالنسبة لحركة «حماس»، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كانت الصفقة الثانية بالنسبة لـ«حماس» خلال الحرب الحالية، بإطلاق سراح نحو 50 إسرائيلياً مقابل 150 فلسطينياً.

ويعود التاريخ الفلسطيني في صفقات التبادل، إلى يوليو (تموز) 1968، وهي الصفقة الأولى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، حين نجح عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إحدى فصائل المنظمة، باختطاف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة العال، التي كانت متجهة من روما إلى تل أبيب وأجبرت على التوجه إلى الجزائر وبداخلها أكثر من مائة راكب، وتم إبرام الصفقة من خلال «الصليب الأحمر الدولي» وأفرج عن الركاب مقابل 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون كانوا قد أسروا قبل عام 1967.

وفي يناير (كانون الثاني) 1971، جرت عملية تبادل أسير مقابل أسير ما بين حكومة إسرائيل وحركة «فتح»، وأطلق بموجبها سراح الأسير محمود بكر حجازي، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي اختطف في أواخر عام 1969.

وفي مارس (آذار) 1979، جرت عملية تبادل أخرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، سراح جندي إسرائيلي كانت قد أسرته بتاريخ 5 أبريل (نيسان) 1978، في كمين قرب صور، وقتلت حينها 4 جنود آخرين، وأفرجت إسرائيل مقابل الجندي عن 76 معتقلاً فلسطينياً من بينهم 12 سيدة.

وفي منتصف فبراير (شباط) 1980 أطلقت حكومة إسرائيل سراح الأسير مهدي بسيسو، مقابل إطلاق سراح مواطنة عملت جاسوسة لصالح إسرائيل كانت محتجزة لدى حركة «فتح»، وتمت عملية التبادل في قبرص وبإشراف اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر».

وفي 23 نوفمبر 1983، جرت عملية تبادل جديدة ما بين الحكومة الإسرائيلية، وحركة «فتح»، أفرج بموجبها عن جميع أسرى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم (4700) أسير فلسطيني ولبناني، و (65) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين أسروا في منطقة بحمدون في لبنان، فيما أسرت الجبهة الشعبية – القيادة العامة، جنديين آخرين.

وفي 20 مايو (أيار) 1985، أجرت إسرائيل عملية تبادل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، أطلق بموجبها سراح 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها المختلفة، مقابل ثلاثة جنود أسروا في عمليتين منفصلتين.

لكن ليس كل الصفقات تمت بمبادلة.

ولعل أبرز صفقة حصلت عليها «حماس» لم تشارك فيها بشكل مباشر، وكانت عام 1997، حين جرت اتفاقية تبادل ما بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأردنية وأطلقت بموجبها الحكومة الأخيرة سراح عملاء الموساد الإسرائيلي الذين حاولوا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» حينها خالد مشعل، فيما أطلقت حكومة إسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، الذي كان معتقلاً في سجونها منذ عام 1989 وكان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، وكان لهذا الإفراج دور مهم في ارتفاع شعبية الحركة على مدار سنوات تلت ذلك، وخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.