قضاء رمضان تحت الحجر في أميركا

TT

قضاء رمضان تحت الحجر في أميركا

يعتبر رمضان لكثير من الأسر المسلمة واحداً من أكثر شهور العام من حيث اللقاءات الاجتماعية.
داخل الولايات المتحدة، تستضيف المساجد مآدب كبيرة تتولى إعدادها مطاعم محلية أو أفراد من أبناء المجتمع المسلم. داخل المنازل، يحتشد أفراد العائلات الكبيرة معاً حول طاولات كبيرة تجمعهم. ويجتمع الأصدقاء للصلاة والتشارك وتناول الطعام. إنه شهر يمتزج فيه تناول الطعام بالاحتفال والبهجة وينتهي بعيد الفطر المقرر أن يأتي هذا العام في 23 مايو (أيار).
إلا أنه خلال فترة تفشي الوباء، اتخذت وجبات السحور والإفطار شكلاً جديداً، ففي بعض الأحيان يجتمع الأقارب حول مائدة الطعام عبر مكالمات الفيديو. ويبدو الاحتفاء بأجواء رمضان أكثر حميمية وخصوصية، وتتحول الوجبات الثلاثين خلال الإفطار إلى فرص لتأمل مسائل دينية وتاريخية.
وعبر أرجاء البلاد، يبدو الطعام الذي يتشارك فيه الأفراد مصدراً للشعور بالارتياح والسكينة والاستمرارية في أوقات عاصفة. وقد تحدثنا إلى عدد من المسلمين القيمين في الولايات المتحدة حول الوجبات واللحظات التي شعروا أن لها قيمة خاصة في حياتهم خلال العام الحالي.

- نداء عباس في نيو هيفين (ولاية كونيتيكت)
عايشت نداء عباس شهورا رمضانية صعبة من قبل. وسبق لها الصوم خلال رمضان داخل مسقط رأسها، العاصمة العراقية بغداد، أثناء الاحتلال الأميركي. كما صامت خلال سنوات عصفت فيها الطائفية بالعراق.
وصامت سبع سنوات في سوريا، كمهاجرة تسعى لتعلم ثقافة جديدة. وبعد فرارها من الحرب الأهلية هناك، قضت أربعة شهور رمضان متتالية داخل معسكر لاجئين في تركيا، حيث اضطرت إلى الاعتماد على كميات قليلة من الطعام في إطعام أطفالها الستة. وعندما انتقلت إلى نيو هيفين عام 2014 كلاجئة، لم تكن تتحدث الإنجليزية.
ومع هذا، قالت عباس متحدثة بالعربية من خلال مترجم: «يبقى هذا رمضان الأصعب على الإطلاق، فرغم أن الطعام والجدول العام دونما تغيير، نجلس هنا ويغلب علينا القلق والخوف».
وأضافت: «حتى خلال أكثر الأوقات صعوبة، مثلما كان الحال عندما كنا بسوريا أو تركيا، كان باستطاعتنا دوماً الخروج من المنزل والتوجه إلى أحد المتنزهات. أما هذا العام، فيلازمنا الخوف أينما خرجنا. إننا نعيش في حالة من الرعب. وعندما أعود للمنزل، يبقى الرعب ملازماً لي».
ومع هذا، تحاول عباس، 44 عاماً، تقديم يد العون قدر الإمكان، ففي كل صباح تطهو طعاماً لحساب «هيفينلي تريتس»، منظمة غير هادفة للربح تعين اللاجئين الطهاة على بيع الطعام. واعتماداً على مخزون خبرتها من عملها كخبازة في العراق، تطهو عباس قرابة 200 وجبة إلى المحتاجين. وتعد فطائر بالجبن والزعتر وأطباق سلطة خيار بالتوابل وصوصا مصنوعا في المنزل.
وعن هذا الأمر، شرحت أنه: «نود أن نشعرهم أنهم جديرين بتناول وجبة لائقة كتلك. ولا أود أن أقدم لهم شيئا يقل عما أقدمه لأطفالي».
على امتداد فترة بعد الظهيرة، تتولى عباس إعداد طعام الإفطار لأسرتها، وتطهو لأبنائها السبعة وزوجها، طارق المشهدني. ورغم القلق الذي يعتمل بداخلها، تحاول ألا يظهر عليها منه شيئا. وقالت: «أسعى لأن أبث القوة في نفوس أولادي، لكن الوباء الحالي يجعلني أشعر أنني أصبحت عاجزة عن بث الشجاعة في نفوسهم».
ومع هذا، تستمر عباس في الطهي في كل الأحوال. وتعد قطع من البقلاوة الصغيرة من أجل أطفالها كي تعينهم على اجتياز ساعات النهار.

- الإمام عمر دبور في ساكرامنتو (ولاية كاليفورنيا)
خلال الأيام الأولى من تفشي الوباء، شرع دبور، مدير شؤون الخدمات الدينية والاجتماعية لدى مركز السلام الإسلامي، في بث فعاليات الصلاة عبر فيديوهات حية إلى أبناء المجتمع المحلي من المسلمين. وكان باستطاعة الناس حينها مشاركته الصلاة، بدلاً عن مجرد الإنصات إلى التلاوة.
وعن هذا الأمر، قال دبور بامتعاض: «بدأت في التحول اليوم من إمام إلى مبرمج وفني». وخلال دوره الجديد، يعمل دبور على ربط «فيسبوك» وتطبيق «زوم»، لكنه ما يزال بحاجة إلى تعلم كيفية تنفيذ بث مباشر عبر «يوتيوب».
ويدرك دبور، 40 عاماً، إلى أي مدى يفتقد المسلمون في المجتمع المحلي الجانب الاجتماعي من الصلاة، والتجمعات الودودة خلال رمضان. اليوم، لم يعد بمقدور الأطفال رؤية أصدقائهم، ولم يعد باستطاعة كبار السن مقابلة أقاربهم. لذلك، شعر بداخله إلى حاجة لإيجاد سبيل للتواصل.
في ظل الظروف التقليدية، تولى المركز تقديم الطعام إلى المحتاجين. هذا العام، تحول إلى موقع لجمع التبرعات، حيث يتولى المتطوعون ملء حقائب سيارات بعناصر غير قابلة للتلف.
وتولى دبور، المولود بمصر، وأفراد فريق العمل في مركز السلام تنظيم مآدب إفطار باستخدام السيارات خلال ليالي الجمعة. وتجري بعض المآدب تحت رعاية أفراد من المجتمع المسلم، وبعضها ترعاه حكومات محلية. وخلال تلك الليالي، تقود أسر سياراتها إلى نقطة متفق عليها ويتولى متطوعون ملء حقائب سياراتهم بطعام ساخن أعدته مطاعم محلية.

- د. ظافر شمون في ديربورن (ولاية ميشيغان)
خلال رمضان، يحرص شمون، رئيس الخدمات الطارئة في مستشفى بيمونت في ديربورن، على تفحص أفراد فريق العمل المعاون له أكثر عن المعتاد، وبعضهم يصوم بينما البعض الآخر مرضى. جدير بالذكر أن منطقة ديربورن تضم واحدة من أكبر التكتلات السكانية المسلمة على مستوى الولايات المتحدة، بجانب أنها تضم واحداً من أكبر المساجد على مستوى البلاد: المركز الإسلامي الأميركي.
وقال شمون، 45 عاماً، الذي هاجر والداه من باكستان عام 1973: «عندما أراهم يصومون بجانبي أشعر بقدر أكبر من التحفيز لأننا نخوض هذا الأمر معاً».
هذا العام على وجه التحديد، يبدي شمون اهتماماً أكبر بمتابعة الحالة البدنية والذهنية لفريق العمل المعاون له، خاصة أنه وزملائه استقبلوا أكثر عن الفي مصاب بفيروس «كورونا»، توفي منهم قرابة 140. حسبما ذكر. وعلى مدار ساعات اليوم، يرتدي شمون وزملاؤه معدات الوقاية الشخصية التي تتسم بثقل وزنها وتعيق الحركة وقد تكون خانقة أحياناً. وخلال ساعات النهار، لا يأكل ولا يشرب، ويشعر بافتقاد تناول القهوة أكثر عن أي شيء آخر.
وعن ذلك، قال: «أشعر بإرهاق أكثر عن أي وقت مضى ـ ليس إرهاقاً جسدياً رغم عملي 12 ساعة يومياً. ولا أعتقد أنه حتى ناجم عن الصيام، وإنما أعتقد أنه بسبب التداعيات الذهنية لما نخوضه منذ الشهر الماضي».
ويساعد بعض الأطباء غير المسلمين شمون وأفراد آخرين من فريق العمل من الصائمين، من خلال تغطية أماكنهم كي يتمكنوا من تناول الإفطار وإقامة الصلاة. وعند انتهاء نوبة عمله، يقود شمون سيارته عائداً إلى منزله كي يتمكن من الإفطار برفقة أسرته.
وفور وصوله منزله، يحرص على خلع ملابسه والاستحمام لحماية طفليه الصغيرين وزوجته الحامل، د. نادية يوسف، من أي رذاذ ملوث قد يكون قد علق بملابسه أو شعره خلال اليوم. كما يحرص على الاطمئنان على والدته التي تصوم هي الأخرى.
إحدى الليالي، أعدت ابنته البالغة 6 أعوام مائدة خاصة له وعلقت عليها لافتة تقول: رمضان كريم، وأحضرت له تمراً، الذي يعتبر من العناصر الأساسية على مائدة رمضان في دول الشرق الأوسط، وماء.
وقال شمون: «أشعر بالسعادة لأنني أتمكن من التخلص من كل التوتر لدى وصولي منزلي. كل ذلك التوتر الذي أتعرض له خلال اليوم ـ مريض يبلغ معدل نبضات قلبه 30 وثمانية مرضى بفيروس «كوفيد» ومرضى يعيشون على الأنابيب ـ يتلاشى في لحظة واحدة فقط كتلك وأنساه تماماً».

- مديرة منزل في مدينة نيويورك
عندما تفاقمت أزمة الوباء، أخذت أم لثلاثة أطفال تعيش في مانهاتن إجازة من أعمال التنظيف، لكن في أبريل (نيسان) طلب منها صاحب العمل العودة إلى عملها.
ومع أن مديري المنازل لا يعتبرون من العمالة الأساسية، فإنها تعين في إعالة زوجها وأطفالها الصغار في إندونيسيا. ورغم أن زوجها يعمل، يبقى خارج استطاعتها تحمل تبعات فقدان عملها. وطلبت عدم ذكر اسمها بهذا المقال خشية فقدان عملها.
في الوقت الحالي، تستقل الحافلة ثلاثة مرات أسبوعياً، من منزلها في ألفابيت سيتي لتنظيف شقة في لور إيست سايد. وقالت: «عندما تصبح الحافلة ممتلئة، أشعر بقلق بالغ. لا أريد الاقتراب بشدة من الناس».
ومع هذا، تبقى أسرتها قادرة على رسم الابتسامة على وجهها، حتى في الأيام الصعبة. وقد اعتادت على أن تصحو في الثالثة والنصف فجراً لإعداد الإفطار لأطفالها. وقالت ضاحكة: «أنا أم، لذا يجب علي دوماً أن أكون أول من ينهض من فراشه».
وبعد أن تصل إلى منزلها وتستحم، تحاول التخلص من توترها خلال إعداد وجبة إفطار رمضان. وتذكرها الأطباق التي تطهوها من بطاطا وصوص أحمر حار وسمك أصفر بإندونيسيا.
ومنذ سنوات كثيرة حتى اليوم، لم تقض رمضان مع عائلتها في إندونيسيا بسبب عدم توافق إجازات المدارس دائماً مع رمضان. وأحياناً يغلبها البكاء عندما تقرأ القرآن. وتأمل في أن يأتي عاماً يتمكن خلاله أطفالها قبل أن يكبرون من الاحتفال برمضان مع جدهم وجدتهم.

- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».