«كورونا» يزداد ضراوة في اليمن وسط تعتيم حوثي وتدابير تعسفية

يمني يرتدي كمامة في سوق وسط صنعاء (إ.ب.أ)
يمني يرتدي كمامة في سوق وسط صنعاء (إ.ب.أ)
TT
20

«كورونا» يزداد ضراوة في اليمن وسط تعتيم حوثي وتدابير تعسفية

يمني يرتدي كمامة في سوق وسط صنعاء (إ.ب.أ)
يمني يرتدي كمامة في سوق وسط صنعاء (إ.ب.أ)

رغم تدني الأرقام الرسمية المعلنة حول الإصابات المؤكدة بفيروس «كورونا» المستجد في اليمن، فإن هناك إجماعا في الأوساط الطبية والشارع اليمني على دخول الوضع مرحلة الانفجار بالاستناد إلى عدد الوفيات غير المسبوق في عدن والتسريبات حول الأعداد الفعلية في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية التي تجابه الوباء بالتكتم والتدابير التعسفية.
وفي حين بلغت الحالات المعلنة من قبل السلطات الرسمية في الحكومة الشرعية حتى يوم الأربعاء الماضي 70 حالة مؤكدة، ذكرت مصادر حكومية في العاصمة المؤقتة عدن تسجيل أكثر من 600 حالة وفاة منذ بداية مايو (أيار) الحالي.
وأكد رئيس مصلحة الأحوال المدنية اللواء سند جميل، في إحصائية رسمية، أن عدد الوفيات في مدينة عدن يوم الأربعاء الماضي بلغ 70 حالة وفاة، وهو ما رفع عدد الحالات إلى 623 حالة خلال أسبوعين وهو معدل يفوق المعتاد بمقدار الضعفين.
وفي ظل الإمكانيات الطبية الشحيحة في عدن وعدم إجراء الفحص الخاص بفيروس كورونا على نطاق واسع ترجح المصادر الطبية أن كثيرا من حالات الوفاة نجمت بسبب الإصابة بالفيروس التاجي، وبخاصة مع وجود الأعراض نفسها لدى أغلب الحالات.
وفيما لم تجزم السلطات الرسمية بالسبب الفعلي لحالات الوفاة رجحت في تصريحات سابقة أن يكون بسبب مرضي «المكرفس» و «الحميّات» الناجمين عن آثار السيول والأمطار التي ضربت المدينة مؤخرا.

- جنازات سرية في إب
أما في صنعاء وبقية المناطق الخاضعة للميليشيات الحوثية، فيبدو أن الأوضاع أسوأ بكثير، بحسب ما يتداوله الناشطون وما يسربه العاملون في القطاع الصحي عن حجم الإصابات والوفيات، إلى جانب التدابير التعسفية التي تقوم بها الجماعة في حق المصابين والمخالطين لهم.
وترجح التقديرات وجود أكثر من 100 حالة إصابة مؤكدة في صنعاء وحدها في مستشفى الكويت الجامعي ومستشفى الشيخ زايد، رغم عدم اعتراف الجماعة الحوثية إلا بحالتي إصابة فقط، ورفضها مشاركة نتائج الفحوص للحالات المشتبهة مع منظمة الصحة العالمية.
في السياق نفسه، أفادت مصادر محلية وشهود في محافظة إب (170كلم جنوب صنعاء) بأن الجماعة الحوثية تتكتم على حالات الإصابة بالمرض وعلى الوفيات، فضلا عن تعاملها مع المشتبه في إصابتهم وكأنهم مجرمون لا مرضى يحتاجون للمساندة.
وذكرت المصادر أن مسلحي الجماعة أقاموا جنازات سرية في المدينة يرجح أنها لمصابين توفوا جراء المرض، حيث تم نقل الجثامين فجرا من مستشفى جبلة ودفنهم في مقبرتي «غفران» و«جرافة» وسط تشديد أمني.
وأكدت مصادر طبية في مدينة إب أن مستشفى جبلة الذي خصصته الجماعة الحوثية لعزل المصابين يستقبل يوميا العديد من الحالات المشتبه في إصابتها بالفيروس التاجي، غير أن قادة الجماعة هددوا الأطباء والممرضين بإنزال العقوبة عليهم في حال أفشوا أي معلومات عن حقيقة الأوضاع.

إغلاق حي في الحديدة

في غضون ذلك، أغلق مسلحو الجماعة فجر الأربعاء شارع زايد في المنطقة الصناعية جوار مصنع صلاح الدين في مدينة الحديدة (غرب) في أعقاب الكشف عن وفاة شاب يرجح أنه أصيب بفيروس كورونا.
أكد شهود لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة أغلقت جميع المنافذ والشوارع المؤدية للحي الذي يقبع فيه منزل المتوفى البالغ من العمر 19 عاما ويدعى عبد الملك، والذي كان يعاني من مضاعفات في الصدر، قبل أن يفارق الحياة في مستشفى «السلخانة».
وأوضح أحد جيران المتوفى، رمز لاسمه بـ«م. ع»، أنه «بعد مرور أسبوع من إدخال المريض الحجر تفاجأت أسرته الثلاثاء، بخبر وفاته؛ الأمر الذي استدعى استدعاء والده، الذي يعمل في القطاع التربوي، لتسلم جثة نجله لكنه صدم بمنع الحوثيين تسليم الجثمان وإبلاغه أنه مصاب بكورونا وسيتم التحفظ على جثته».
في السياق نفسه، اتهم سكان الحي المعزول جماعة الحوثي بالتسبب في معاناتهم، وقال بعضهم لـ«الشرق الأوسط» «الحجر الصحي المفروض على الحي تسبب بتوقف وصول الثلج للأهالي في ظل ارتفاع الحرارة وعدم وجود الكهرباء، كما توقف أرباب الأسر ممن يعملون بالأجر اليومي عن إطعام أطفالهم بسبب حجزهم إجباريا في منازلهم دون تقديم أي مساعدات لهم من الجماعة وبخاصة أن الوضع المعيشي لدى المواطنين منهار لكون غالبية أصحاب الحي هم من أصحاب الدخل اليومي».
وكان مدير عام مكتب الصحة العامة والسكان بمحافظة الحديدة، الدكتور علي الأهدل، اتهم في وقت سابق جماعة الحوثي «باحتكار الخدمات الطبية في مناطق سيطرتهم من المحافظة لأتباعهم، وبتضليل الرأي العام».
وقال الأهدل لـ«الشرق الأوسط»: «رغم أن الحوثيين يُحاصرون الآن بعض الحارات في الحديدة، وقد خصصوا أكثر من مستشفى لاستقبال حالات (كورونا)، فإنهم يكذبون فيما يتعلق بعدد الحالات المصابة بالمرض المستجد». ويضيف: «في مستشفيات الحديدة مثل مستشفى الثورة والسلخانة يرفض الحوثيون إدخال المرضى في الحالات الحرجة ويخصصون الخدمة لهم ولمقاتليهم، حتى وإن كانت حالة المريض منهم لا تستحق، مِن خلال الضغط على الطواقم الطبية».
كما اتهم المسؤول الحكومي «الميليشيات الحوثية بالتكتم الشديد على العدد الفعلي لحالات الإصابة بـ(كورونا) في المحافظة، في الوقت الذي كشف فيه عن وجود استعدادات على جميع الأصعدة لمواجهة الوباء في المناطق المحررة من محافظة الحديدة».
وفي سياق متصل بالإدانات الحقوقية لخطاب الحوثيين العنصري والتمييزي ضد المصابين بالمرض، حذر مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، وهو منظمة مجتمع مدني غير حكومية مقرها الرئيسي في مدينة تعز، من خطورة خطاب الجماعة الانقلابية تجاه المهاجرين الأفارقة ووصمهم بأنهم «ناقلو المرض».
وكانت وسائل إعلام تابعة للانقلابيين أطلقت حملة ممنهجة زعمت خلالها أن المرض دخل اليمن عبر مهاجرين أفارقة تم إرسالهم، وهي رواية إلى كونها مختلقة وغير منطقية فإنها «تنشر سموم التمييز العنصري وتحرض على الانتقام من فئة ضعيفة بالمجتمع»، بحسب بيان المركز.


مقالات ذات صلة

استهداف أميركي للحوثيين في خطوط التماس مع الجيش اليمني

العالم العربي 4- أسلحة متطورة تستخدم في ضرب مخابئ الحوثيين (سنتكوم)

استهداف أميركي للحوثيين في خطوط التماس مع الجيش اليمني

كثّف الجيش الأميركي غاراته على مواقع الحوثيين في خطوط التماس مع الجيش الحكومي في حين عاودت الجماعة زراعة الألغام في محافظة الحديدة تحسباً لهجوم بري.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي تمثال للسيناتور السابق ألبرت غاليتين أمام وزارة الخزانة في واشنطن (رويترز)

عقوبات أميركية جديدة تطول بنكاً موالياً للحوثيين

أقرّت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات مالية جديدة على الحوثيين طالت بنكاً يعمل في مناطق سيطرتهم ضمن إجراءات خنقهم اقتصادياً، وسط تصاعد الضربات الجوية على مواقعهم

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي ضربات أميركية عنيفة أضاءت الأفق غرب صنعاء (إ.ب.أ)

احتجاجات قبلية ضد الحوثيين رفضاً لاتهامات الخيانة

نفّذ عدد من القبائل اليمنية فعاليات احتجاجية رفضاً لحملات الاختطاف والتخوين الحوثية ضد وجهائها ورفضاً للانفلات الأمني والتغاضي عن أعمال قتل وتجاهل مطالب مختلفة.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي طائرة المراقبة «هوك آي» تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري ترومان» (الجيش الأميركي)

واشنطن: نستهدف الحوثيين وقدراتهم العسكرية وعرقلة تدفق الأسلحة من إيران ودول أخرى

أكد السفير الأميركي لدى اليمن أن الضربات الجوية التي تشنها واشنطن على مواقع الحوثيين، تستهدف مستودعات الأسلحة، ومرافق التصنيع، ومراكز القيادة والسيطرة.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي آثار قصف أميركي على مبنى تابع للجماعة الحوثية في صنعاء (أ.ب)

الحوثيون يعتقلون عسكريين بتهمة التخابر والتخطيط لتحركات ميدانية

بسبب مخاوفها من أي تحركات ميدانية تستغل ارتباكها بفعل الضربات الأميركية؛ لجأت الجماعة الحوثية إلى اختطاف الضباط والجنود العائدين من مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

استهداف أميركي للحوثيين في خطوط التماس مع الجيش اليمني

3- دخان تسببت به غارة أميركية في العاصمة صنعاء (رويترز)
3- دخان تسببت به غارة أميركية في العاصمة صنعاء (رويترز)
TT
20

استهداف أميركي للحوثيين في خطوط التماس مع الجيش اليمني

3- دخان تسببت به غارة أميركية في العاصمة صنعاء (رويترز)
3- دخان تسببت به غارة أميركية في العاصمة صنعاء (رويترز)

يضاعف الطيران العسكري الأميركي غاراته على تحصينات الحوثيين وتجمعاتهم في خطوط التماس مع القوات الحكومية، بالتزامن مع تكثيف الجماعة لزراعة الألغام في مدينة الحديدة ووسط التجمعات السكانية ترقباً لعملية عسكرية برية تتوقع أن تخطط القوات الحكومية لتنفيذها بالتنسيق مع الجيش الأميركي.

وعلى مدى 3 أيام استهدفت المقاتلات الأميركية بسلسلة من الغارات تحصينات الجماعة الحوثية وتجمعاتها على خطوط التماس في مناطق البقعة والسقف والغويرق جنوب وغرب مديرية التحيتا جنوبي محافظة الحديدة الساحلية الغربية، وسُمِع دوي انفجارات ضخمة عقب الغارات، في الوقت الذي كانت ترسل فيه الجماعة تعزيزات إضافية إلى خطوط التماس، وفق مصادر حكومية.

واستهدفت الغارات مراكز قيادة وسيطرة ومخازن أسلحة ومنصات لإطلاق الصواريخ واجتماعات لقيادات الجماعة في مديرية العبدية جنوبي محافظة مأرب (شرق العاصمة صنعاء)، إلى جانب استهداف مواقع تمركزها وتحصيناتها.

1- صورة نشرها الجيش الأميركي لاستهداف موقع حوثي في مجزر بمحافظة مأرب (سنتكوم)
1- صورة نشرها الجيش الأميركي لاستهداف موقع حوثي في مجزر بمحافظة مأرب (سنتكوم)

في الأطراف الشمالية للمحافظة بالقرب من محافظة الجوف (شمال شرقي صنعاء)، ومخازن الأسلحة ومنصات إطلاق الصواريخ والمسيرات في مركز الجوف ومنطقة اليتمة.

‏وذكرت مصادر يمنية أن الجماعة الحوثية نشرت أسلحة وذخائر متطورة في مديرية مجزر شمالي غرب محافظة مأرب وامتداداتها القريبة، واستطاعت منذ بدء سريان الهدنة الأممية، قبل 3 أعوام، تطوير شبكة أنفاق وتحصينات وإنشاء مخابئ لتخزين ونشر صواريخ باليستية وذخائر دفاع جوي وطائرات مسيرة.

كما عملت الجماعة على تأمين تموضع منصات ثابتة ومُتنقلة لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة، أسفل الجبال والمرتفعات وفي الوديان، ونشرت أنظمة توجيه وتقنية مراقبة ومحطات اتصالات ورادارات.

2- لقطة من مقطع فيديو نشره ترمب لتجمع حوثي قبل استهدافه في محافظة الحديدة (إكس)
2- لقطة من مقطع فيديو نشره ترمب لتجمع حوثي قبل استهدافه في محافظة الحديدة (إكس)

أوردت منصة «ديفانس لاين» المعنية بالشؤون الأمنية والعسكرية في اليمن، عن مصادر، أن الحوثيين نقلوا خلال الفترة الماضية قطعاً حربية وأسلحة ثقيلة، تضم دبابات ومدفعية، ومعدات أشغال عسكرية إلى خطوط التماس، ضمن استعداداتهم لجولات جديدة من الحرب، والسعي للسيطرة على مدينة مأرب، مركز ثقل الحكومة الشرعية وتمركز القوات، والوصول إلى مناطق إنتاج الغاز والنفط شرق المدينة.

وبحسب هذه المصادر، استخدمت الجماعة مديرية مجزر ومناطق قريبة منها لإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة بعيدة المدى باتجاه البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، واستفادت من المساحات الصحراوية والوديان في تنفيذ مثل هذه العمليات، وتحصنت في المغارات والكهوف وعبثت بالمواقع الأثرية الواسعة في منطقة براقش، أثناء تخزين الأسلحة والذخائر فيها.

ألغام ورقابة

يأتي هذا التحول في طبيعة الأهداف التي اختارها الجيش الأميركي متزامناً مع تأكيد مصادر حكومية أن الجماعة الحوثية شرعت في زراعة الألغام في مدينة الحديدة وفي محيط موانئها، مبررة ذلك بوجود خطة حكومية لمهاجمة المدينة وانتزاعها من سيطرتهم باستغلال الضربات الأميركية.

4- أسلحة متطورة تستخدم في ضرب مخابئ الحوثيين (سنتكوم)
4- أسلحة متطورة تستخدم في ضرب مخابئ الحوثيين (سنتكوم)

وبينت المصادر أن إعادة زراعة الألغام وسط التجمعات السكانية وبالقرب من المنشآت الاقتصادية المدنية يجري تحت علم بعثة المراقبة الأممية في المحافظة، وبعد جهود كبيرة بذلت طوال السنوات الماضية لانتزاع الألغام التي تمت زراعتها في السابق.

وعلى الرغم من مرور 3 أعوام على الهدنة وانحسار العمليات القتالية الكبرى؛ فإنها أخفقت في وضع حدّ للخسائر البشرية بالألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة التي زرعها الحوثيون بكثافة وعشوائية في أغلب المناطق التي وصلوا إليها أو سيطروا عليها، بما في ذلك المنازل والمزارع؛ خصوصاً في محافظة الحديدة التي وصلت القوات الحكومية إلى قرب مينائها الرئيسي في عام 2018.

وطبقاً لمركز التعامل مع الألغام في اليمن، يحتل هذا البلد المرتبة الثالثة عالمياً من حيث أعداد ضحايا الألغام، التي بلغت 9500 ضحية من المدنيين منذ مارس (آذار) 2015م، جُلهم من النساء والأطفال، بينما يعاني أغلب الناجين من الألغام من إعاقات مختلفة، خاصة بتر الأطراف، ويحتاجون إلى رعاية شاملة ومستدامة.

5- أحد ضحايا الألغام الحوثية في محافظة الحديدة (إعلام محلي)
5- أحد ضحايا الألغام الحوثية في محافظة الحديدة (إعلام محلي)

وأصدرت الجماعة الحوثية تعميماً يحظر على المحال التجارية في العاصمة صنعاء، ربط كاميرات المراقبة بالأجهزة المتصلة بالإنترنت، مثل الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب، ووجهت أقسام الشرطة بتحذير أصحاب المحال من خرق هذا القرار، وتوعدت بمعاقبة مَن يخالف ذلك.

ويأتي هذا الإجراء بعد منع السكان من الحديث عبر الهاتف أو الرسائل النصية أو عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي عن المواقع التي استهدفتها الضربات الأميركية، أو أعداد الضحايا، زاعمة أن ذلك يوفر للجانب الأميركي معلومات تساعده على ملاحقة المطلوبين ومعرفة أقاربهم وتتبع تحركاتهم.