«كورونا» يزداد ضراوة في اليمن وسط تعتيم حوثي وتدابير تعسفية

يمني يرتدي كمامة في سوق وسط صنعاء (إ.ب.أ)
يمني يرتدي كمامة في سوق وسط صنعاء (إ.ب.أ)
TT

«كورونا» يزداد ضراوة في اليمن وسط تعتيم حوثي وتدابير تعسفية

يمني يرتدي كمامة في سوق وسط صنعاء (إ.ب.أ)
يمني يرتدي كمامة في سوق وسط صنعاء (إ.ب.أ)

رغم تدني الأرقام الرسمية المعلنة حول الإصابات المؤكدة بفيروس «كورونا» المستجد في اليمن، فإن هناك إجماعا في الأوساط الطبية والشارع اليمني على دخول الوضع مرحلة الانفجار بالاستناد إلى عدد الوفيات غير المسبوق في عدن والتسريبات حول الأعداد الفعلية في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية التي تجابه الوباء بالتكتم والتدابير التعسفية.
وفي حين بلغت الحالات المعلنة من قبل السلطات الرسمية في الحكومة الشرعية حتى يوم الأربعاء الماضي 70 حالة مؤكدة، ذكرت مصادر حكومية في العاصمة المؤقتة عدن تسجيل أكثر من 600 حالة وفاة منذ بداية مايو (أيار) الحالي.
وأكد رئيس مصلحة الأحوال المدنية اللواء سند جميل، في إحصائية رسمية، أن عدد الوفيات في مدينة عدن يوم الأربعاء الماضي بلغ 70 حالة وفاة، وهو ما رفع عدد الحالات إلى 623 حالة خلال أسبوعين وهو معدل يفوق المعتاد بمقدار الضعفين.
وفي ظل الإمكانيات الطبية الشحيحة في عدن وعدم إجراء الفحص الخاص بفيروس كورونا على نطاق واسع ترجح المصادر الطبية أن كثيرا من حالات الوفاة نجمت بسبب الإصابة بالفيروس التاجي، وبخاصة مع وجود الأعراض نفسها لدى أغلب الحالات.
وفيما لم تجزم السلطات الرسمية بالسبب الفعلي لحالات الوفاة رجحت في تصريحات سابقة أن يكون بسبب مرضي «المكرفس» و «الحميّات» الناجمين عن آثار السيول والأمطار التي ضربت المدينة مؤخرا.

- جنازات سرية في إب
أما في صنعاء وبقية المناطق الخاضعة للميليشيات الحوثية، فيبدو أن الأوضاع أسوأ بكثير، بحسب ما يتداوله الناشطون وما يسربه العاملون في القطاع الصحي عن حجم الإصابات والوفيات، إلى جانب التدابير التعسفية التي تقوم بها الجماعة في حق المصابين والمخالطين لهم.
وترجح التقديرات وجود أكثر من 100 حالة إصابة مؤكدة في صنعاء وحدها في مستشفى الكويت الجامعي ومستشفى الشيخ زايد، رغم عدم اعتراف الجماعة الحوثية إلا بحالتي إصابة فقط، ورفضها مشاركة نتائج الفحوص للحالات المشتبهة مع منظمة الصحة العالمية.
في السياق نفسه، أفادت مصادر محلية وشهود في محافظة إب (170كلم جنوب صنعاء) بأن الجماعة الحوثية تتكتم على حالات الإصابة بالمرض وعلى الوفيات، فضلا عن تعاملها مع المشتبه في إصابتهم وكأنهم مجرمون لا مرضى يحتاجون للمساندة.
وذكرت المصادر أن مسلحي الجماعة أقاموا جنازات سرية في المدينة يرجح أنها لمصابين توفوا جراء المرض، حيث تم نقل الجثامين فجرا من مستشفى جبلة ودفنهم في مقبرتي «غفران» و«جرافة» وسط تشديد أمني.
وأكدت مصادر طبية في مدينة إب أن مستشفى جبلة الذي خصصته الجماعة الحوثية لعزل المصابين يستقبل يوميا العديد من الحالات المشتبه في إصابتها بالفيروس التاجي، غير أن قادة الجماعة هددوا الأطباء والممرضين بإنزال العقوبة عليهم في حال أفشوا أي معلومات عن حقيقة الأوضاع.

إغلاق حي في الحديدة

في غضون ذلك، أغلق مسلحو الجماعة فجر الأربعاء شارع زايد في المنطقة الصناعية جوار مصنع صلاح الدين في مدينة الحديدة (غرب) في أعقاب الكشف عن وفاة شاب يرجح أنه أصيب بفيروس كورونا.
أكد شهود لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة أغلقت جميع المنافذ والشوارع المؤدية للحي الذي يقبع فيه منزل المتوفى البالغ من العمر 19 عاما ويدعى عبد الملك، والذي كان يعاني من مضاعفات في الصدر، قبل أن يفارق الحياة في مستشفى «السلخانة».
وأوضح أحد جيران المتوفى، رمز لاسمه بـ«م. ع»، أنه «بعد مرور أسبوع من إدخال المريض الحجر تفاجأت أسرته الثلاثاء، بخبر وفاته؛ الأمر الذي استدعى استدعاء والده، الذي يعمل في القطاع التربوي، لتسلم جثة نجله لكنه صدم بمنع الحوثيين تسليم الجثمان وإبلاغه أنه مصاب بكورونا وسيتم التحفظ على جثته».
في السياق نفسه، اتهم سكان الحي المعزول جماعة الحوثي بالتسبب في معاناتهم، وقال بعضهم لـ«الشرق الأوسط» «الحجر الصحي المفروض على الحي تسبب بتوقف وصول الثلج للأهالي في ظل ارتفاع الحرارة وعدم وجود الكهرباء، كما توقف أرباب الأسر ممن يعملون بالأجر اليومي عن إطعام أطفالهم بسبب حجزهم إجباريا في منازلهم دون تقديم أي مساعدات لهم من الجماعة وبخاصة أن الوضع المعيشي لدى المواطنين منهار لكون غالبية أصحاب الحي هم من أصحاب الدخل اليومي».
وكان مدير عام مكتب الصحة العامة والسكان بمحافظة الحديدة، الدكتور علي الأهدل، اتهم في وقت سابق جماعة الحوثي «باحتكار الخدمات الطبية في مناطق سيطرتهم من المحافظة لأتباعهم، وبتضليل الرأي العام».
وقال الأهدل لـ«الشرق الأوسط»: «رغم أن الحوثيين يُحاصرون الآن بعض الحارات في الحديدة، وقد خصصوا أكثر من مستشفى لاستقبال حالات (كورونا)، فإنهم يكذبون فيما يتعلق بعدد الحالات المصابة بالمرض المستجد». ويضيف: «في مستشفيات الحديدة مثل مستشفى الثورة والسلخانة يرفض الحوثيون إدخال المرضى في الحالات الحرجة ويخصصون الخدمة لهم ولمقاتليهم، حتى وإن كانت حالة المريض منهم لا تستحق، مِن خلال الضغط على الطواقم الطبية».
كما اتهم المسؤول الحكومي «الميليشيات الحوثية بالتكتم الشديد على العدد الفعلي لحالات الإصابة بـ(كورونا) في المحافظة، في الوقت الذي كشف فيه عن وجود استعدادات على جميع الأصعدة لمواجهة الوباء في المناطق المحررة من محافظة الحديدة».
وفي سياق متصل بالإدانات الحقوقية لخطاب الحوثيين العنصري والتمييزي ضد المصابين بالمرض، حذر مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، وهو منظمة مجتمع مدني غير حكومية مقرها الرئيسي في مدينة تعز، من خطورة خطاب الجماعة الانقلابية تجاه المهاجرين الأفارقة ووصمهم بأنهم «ناقلو المرض».
وكانت وسائل إعلام تابعة للانقلابيين أطلقت حملة ممنهجة زعمت خلالها أن المرض دخل اليمن عبر مهاجرين أفارقة تم إرسالهم، وهي رواية إلى كونها مختلقة وغير منطقية فإنها «تنشر سموم التمييز العنصري وتحرض على الانتقام من فئة ضعيفة بالمجتمع»، بحسب بيان المركز.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يسوقون وقوداً مغشوشاً وسط تحذيرات من أزمة جديدة

شوائب غريبة تكشف غش الوقود المنتشر في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية (إكس)

الحوثيون يسوقون وقوداً مغشوشاً وسط تحذيرات من أزمة جديدة

تسبب وقود مغشوش يباع بمناطق سيطرة الحوثيين بأعطال وتلف السيارات في حين تنصلت الجماعة الحوثية من المسؤولية ولم تقدم تفسيرات للسكان

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي اتهامات للجماعة الحوثية باستخدام المساعدات في استقطاب المقاتلين خصوصاً من الأطفال (رويترز)

تعسف الانقلابيين يضرب التكافل الاجتماعي في اليمن

تتسبب ممارسات الجماعة الحوثية في تراجع التكافل الاجتماعي بين اليمنيين، بالتزامن مع مساعيها لحرمان السكان من المساعدات المقدمة من فاعلي الخير وتجييرها لصالحها

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي النساء اليمنيات يواجهن صعوبات حياتية كبيرة بسبب الحرب وممارسات الجماعة الحوثية (إ.ب.أ)

تستّر حوثي على عصابات تختطف النساء

بسبب جهود عائلة يمنية أجرت بحثاً واسعاً عن إحدى نسائها المختطفات في محافظة إب، أمكن الكشف عن عصابتين تختطفان 16 امرأة في ظل تستر الجماعة الحوثية على هذه الجرائم

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي وزير الدفاع اليمني الفريق ركن محسن الداعري (الشرق الأوسط) play-circle

وزير الدفاع اليمني لـ«الشرق الأوسط»: سنتعامل بحزم مع أي مغامرة حوثية

أكد وزير الدفاع اليمني أن القوات المسلّحة اليمنية وجميع التشكيلات العسكرية في جهوزية عالية للتعامل بصلابة وحزم مع أي اعتداءات أو مغامرات حوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يمنيان ينظفان الزجاج الذي تسببت الغارات الأميركية في تحطيمه أمام متجرهما بصنعاء (أ.ف.ب)

سكان صنعاء يتخوفون من مواجهة طويلة بين واشنطن والحوثيين

أعادت الضربات الأميركية الأخيرة في اليمن تجديد مخاوف السكان من مواجهة طويلة تؤثر على معيشتهم، في ظل إصرار الحوثيين على التصعيد وعدم اكتراثهم بتبعات ممارساتهم.

وضاح الجليل (عدن)

غارات واشنطن تجبر الحوثيين على التخفي وإعادة التموضع

ألسنة لهب ودخان تتصاعد من موقع في صنعاء إثر غارة أميركية (أ.ف.ب)
ألسنة لهب ودخان تتصاعد من موقع في صنعاء إثر غارة أميركية (أ.ف.ب)
TT

غارات واشنطن تجبر الحوثيين على التخفي وإعادة التموضع

ألسنة لهب ودخان تتصاعد من موقع في صنعاء إثر غارة أميركية (أ.ف.ب)
ألسنة لهب ودخان تتصاعد من موقع في صنعاء إثر غارة أميركية (أ.ف.ب)

للأسبوع الثاني على التوالي، تواصل المقاتلات الأميركية شن ضرباتها الجوية على مواقع للحوثيين في اليمن، مستهدفة بشكل مكثف محافظة صعدة؛ المعقل الأبرز للجماعة، وسط تقارير عن عمليات إعادة تموضع للقيادات الحوثية ونقل معدات عسكرية إلى مواقع أعلى تحصيناً.

ووفق مصادر يمنية مطلعة تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن واشنطن باتت تركز هجماتها على المواقع التي يُعتقد أن عبد الملك الحوثي، زعيم الجماعة، يختبئ فيها، إلى جانب مستودعات الأسلحة ومراكز القيادة والسيطرة.

وأكدت المصادر أن الحوثيين عمدوا منذ أشهر إلى نقل كميات ضخمة من الأسلحة وورشات التصنيع العسكري من صنعاء وعمران إلى مناطق وعرة في صعدة، خشية تعرضها للقصف.

وأفادت المعلومات بأن قيادات بارزة من الجماعة؛ بمن فيهم خبراء إيرانيون ومن «حزب الله» اللبناني، غادروا صنعاء ومدناً أخرى إلى معاقل الجماعة في صعدة، حيث توفر التضاريس الجبلية ملاذاً أفضل أماناً لهم.

أنصار للحوثيين يحملون صاروخاً وهمياً ويهتفون بشعارات خلال مظاهرة لهم (أ.ب)

وتؤكد المصادر أن الحوثيين حفروا شبكة واسعة من الأنفاق والمخابئ داخل الجبال، تُستخدم مراكز قيادة ومستودعات أسلحة ومخابئ محصنة ضد الضربات الجوية.

إلى ذلك، كشفت مصادر مطلعة في صنعاء عن أن قيادات حوثية بارزة اختفت عن الأنظار منذ بدء الضربات، ومن بينهم مهدي المشاط، رئيس ما يسمى «المجلس السياسي الأعلى». كما رصدت المصادر تحركات لقيادات أخرى نقلوا عائلاتهم إلى صعدة تحسباً لتصعيد أكبر.

ووفق المصادر، فقد فرضت الجماعة إجراءات أمنية غير مسبوقة، حيث قلّص القادة والمشرفون الحوثيون، خصوصاً القادمون من صعدة، من ظهورهم العلني وتحركاتهم، وتجنبوا حضور الاجتماعات الرسمية، بل لجأ بعضهم إلى مغادرة منازلهم والانتقال إلى شقق سرية أو مناطق نائية.

ومع استمرار الضربات الأميركية واتساع نطاقها، يرجح مراقبون عسكريون أن الحوثيين سيلجأون إلى استراتيجيات بديلة، مثل استخدام أنفاق تحت الأرض لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة، أو إعادة نشر منظوماتهم الهجومية في مناطق أعلى تحصيناً.

وتبقى تساؤلات كثيرة مفتوحة بشأن مدى قدرة الجماعة على الصمود أمام الضربات المكثفة، وكيف ستؤثر هذه العمليات على خططها في استهداف الملاحة الدولية واستمرار تصعيدها العسكري في المنطقة.

نزوح من صعدة

وخلال الأسبوع الأخير، شنت المقاتلات الأميركية عشرات الغارات التي استهدفت مخازن أسلحة، وأنفاقاً محصنة، ومواقع عسكرية في مديريات: الصفراء، وساقين، وكتاف، وسحار، ومجز، ومدينة صعدة نفسها، ضمن حملة ترمب لتقويض قدرات الحوثيين على شن هجمات بحرية وتهديد الملاحة الدولية.

وتسببت الضربات المكثفة في نزوح واسع النطاق من مدينة صعدة ومديرياتها، وقد أفادت مصادر محلية بأن مئات العائلات غادرت منازلها خلال الأيام الأخيرة متجهة إلى محافظات حجة وعمران والجوف.

من آثار قصف أميركي استهدف الحوثيين في صعدة حيث معقل الجماعة (رويترز)

وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن كثيراً من العائلات اضطرت إلى مغادرة مناطقها خشية الغارات، لكنها لم تتمكن من حمل أي ممتلكات معها بسبب ضيق الوقت، فيما لا تزال عائلات أخرى عالقة، غير قادرة على النزوح بسبب ظروفها الاقتصادية المتدهورة.

وكان الحوثيون نقلوا مطلع العام الحالي مركز الصواريخ والطائرات المسيّرة من عمران ومناطق أخرى، إلى كهوف ومواقع سرية في صعدة، وجرت العملية تحت إشراف كوادر مختصة من «سلاح المهندسين والصيانة العسكرية»، وذلك بهدف تأمين ما تبقى من ترسانتهم بعد الضربات الغربية.

وأكدت المصادر حينها أن عملية النقل جرت بسرية تامة، عبر شاحنات مدنية مموهة، وعلى دفعات متعددة، تجنباً لرصدها من قبل الطائرات الأميركية.