مع سكان هم الأكبر سناً في العالم ومدن مكتظة للغاية، كانت اليابان تُعتبر كفريسة مؤكدة لفيروس «كورونا» المستجدّ؛ لكن يبدو أنها تجنّبت الأسوأ حتى الآن، لأسباب لا تزال غامضة.
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فقد أحصت البلاد التي يبلغ تعداد سكانها 126 مليون نسمة، حوالى 16 ألف إصابة بـ«كوفيد- 19» على أراضيها منذ بدء الأزمة الصحية، من بينهم 687 وفاة، في أرقام أقلّ بكثير من الأعداد المسجّلة في أوروبا والولايات المتحدة.
وتمّ تقديم فرضيات عدة لمحاولة تفسير هذه الظاهرة، مثل ثقافة ارتداء الأقنعة الواقية وهي شائعة جداً في اليابان حتى قبل ظهور «كوفيد- 19»، ومعدّل البدانة المنخفض، أو حتى طريقة إلقاء التحية عن بعد من دون قبلات ولا مصافحة باليد.
وفي فرضيات أكثر غرابة، تمّ التحدث عن عادات غذائية مثل تناول الأسماك بشكل كبير وهي غنية بفيتامين «د»، أو تناول الـ«ناتو» وهو فول الصويا الياباني المخمَّر الذي يقوّي الجهاز المناعي.
ومقابل التراجع الواضح في عدد الإصابات في الأسابيع الأخيرة، أعلن رئيس الوزراء شينزو آبي اليوم (الخميس) رفع حال الطوارئ في معظم مناطق البلاد، قبل أسبوعين من الموعد الأولي لرفعها.
وعلى الرغم من ذلك فإن بعض الخبراء يقولون إن الأرقام الرسمية أقلّ بكثير من الأعداد في الواقع، بسبب إجراء عدد محدود من الفحوص، وتخصيصها للأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض حادة.
وحتى 11 مايو (أيار)، لم تُجرِ اليابان إلا 218200 فحص منذ بداية الأزمة، وفق وزارة الصحة، مسجّلة أدنى مستوى للفحوص بالنسبة لعدد السكان من بين دول مجموعة السبع، وفق موقع «وورلدوميترز» للإحصاءات.
وأقرّ أحد المستشارين الطبيين للحكومة، شيغيرو أومي، بأن «أحداً لا يعرف» ما إذا كان العدد الحقيقي للإصابات في اليابان «أكبر بـ10 أو 12 أو 20 مرة» من الأرقام الرسمية.
وأشار أستاذ السياسات العامة في جامعة هوكايدو (شمال) كازوتو سوزوكي إلى أن «إجراء فحوص بشكل مكثَّف ليس سياسة اليابان» معتبراً أن مع معدّل 7.5 في المائة من الفحوص إيجابية، فإن ما تقوم به السلطات غير كافٍ.
وقال مساعد مدير مركز استشفائي كبير في طوكيو، ريوجي كويكي، إن المعطيات الرسمية «لا تعني بالضرورة أننا ندير (الوضع) بشكل جيّد». وأوضح أن انخفاض عدد الإصابات الجديدة «لا يعود إلى ما تفعله الحكومة»؛ لكن إلى عوامل «لا يمكن قياسها»، مرتبطة بعادات اليابانيين، مثل النظافة الصحية، والتباعد الاجتماعي الموجود أصلاً في الثقافة المحلية.
وتعرّضت اليابان في وقت مبكر جداً للأزمة الصحية مع وصول سفينة «دايموند برنسيس» السياحية إلى مياهها في مطلع شهر فبراير (شباط)، وقد كانت هذه السفينة آنذاك أكبر بؤرة للإصابات خارج الصين، منشأ الفيروس.
وبعدما تعرّضت لانتقادات جراء إدارتها لأزمة «دايموند برنسيس»، ضربت الحكومة بعدها بيدٍ من حديد اعتباراً من فبراير، عبر طلب إغلاق المؤسسات التعليمية في كافة أنحاء البلاد.
ورغم ذلك، ارتفع عدد الإصابات في اليابان في أواخر مارس (آذار)، وأُغلقت حدود البلاد أمام عدد متزايد من الأجانب. وأعلنت الحكومة حال الطوارئ في مطلع أبريل (نيسان).
لكن هذا النظام أكثر مرونة من التدابير المتخذة في دول أخرى، إذ إنه يسمح للسلطات الإقليمية بدعوة السكان إلى البقاء في منازلهم لأكبر قدر ممكن من الوقت، ولبعض المتاجر غير الضرورية بالإغلاق موقتاً؛ لكن من دون فرض عقوبات على المخالفين.
وأقرّت الحكومة أيضاً خطة مساعدات هائلة بقيمة 117 ألف مليار ين (أكثر من ألف مليار يورو) لدعم الشركات والسكان، مع تقديم إعانة موحدة بقيمة مائة ألف ين (حوالى 860 يورو) لكل مواطن في البلاد.
إلا أن رئيس الوزراء راكم الأخطاء. فقد تعرّض للسخرية جراء قراره القاضي بتوزيع كمامتين من قماش قابل للغسل على كل أسرة؛ لكن لاقت نوعيتها انتقادات.
ورأى خبير السياسة اليابانية في شركة «تينيو» الاستشارية، توبياس هاريس، أن خطوة شينزو آبي كانت «غير عادلة». وأضاف في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية: «أعتقد أنه واجه صعوبة في استباق الأحداث منذ البداية. لم يتواصل بشكل فعّال بما فيه الكفاية، وأضرّ به مساعدوه».
ووفق استطلاع للرأي حديث، أجرته وكالة «كيودو نيوز» للأنباء، فإن 57.5 في المائة من الأشخاص الذين شاركوا في الاستطلاع غير راضين عن عمل الحكومة في مواجهة الوباء العالمي، مع 34.1 في المائة فقط من الآراء المؤيدة لها.
هل تمكنت اليابان من تجنّب الأسوأ خلال أزمة فيروس «كورونا»؟
هل تمكنت اليابان من تجنّب الأسوأ خلال أزمة فيروس «كورونا»؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة