كيف يتعامل مشاهير الهند مع الحجر المنزلي

الممثل الهندي شاه روخ خان بثّ مقطعاً غنائياً على فيسبوك (أ.ف.ب)  -   كاترينا كيف على «إنستغرام»
الممثل الهندي شاه روخ خان بثّ مقطعاً غنائياً على فيسبوك (أ.ف.ب) - كاترينا كيف على «إنستغرام»
TT

كيف يتعامل مشاهير الهند مع الحجر المنزلي

الممثل الهندي شاه روخ خان بثّ مقطعاً غنائياً على فيسبوك (أ.ف.ب)  -   كاترينا كيف على «إنستغرام»
الممثل الهندي شاه روخ خان بثّ مقطعاً غنائياً على فيسبوك (أ.ف.ب) - كاترينا كيف على «إنستغرام»

مع دخول الهند إلى الأسبوع الثامن من الإغلاق العام، ربما يتساءل كثير من الناس عما يفعله مشاهير «بوليوود»، والذين يملكون قاعدة واسعة من المعجبين حول العالم، خلال فترة الحجر الصحي الإلزامية، لا سيما عندما تكون الهند بأكملها تقريباً قابعة داخل المنازل في انتظار زوال الوباء.
وتمكن نجوم الفن الهنود من التوصل إلى طرق مختلفة للاستفادة من أوقات فراغهم الطويلة في المنازل، من لعبة «مونوبولي»، إلى قضاء الأوقات مع العائلة، إلى الانشغال في الأعمال المنزلية مثل التنظيف، والطهي... وما إلى ذلك، فضلاً عن متابعة اهتماماتهم الأخرى، أو الهوايات المفضلة، أو إجراء المقابلات المرئية عبر تطبيق «زووم». وبطبيعة الحال، ينشر كثير منهم الفيديوهات التي تصور ممارسة الرياضة داخل المنزل، سيما مع إغلاق صالات الألعاب الرياضية كافة، وحتى الحدائق العامة حتى الآن.
- التنظيف والطهي في المنزل
ظلت النجمة الهندية المحبوبة كاترينا كايف تنشر مختلف مقاطع الفيديو للطهي، وتنظيف الأرضيات، وغسل الصحون، وغسل الملابس.
أما الممثلة شيلبا شيتي، فقد شاركت أيضاً بمقاطع الفيديو التي تصور تنظيف حديقة منزلها، حيث يمكن رؤيتها وهي تستخدم المكنسة في التنظيف، ثم سقاية النباتات في وقت لاحق.
وهناك فيديو يصور الممثلة شيلبا مع ابنها فيان، 7 سنوات، وهما يعدان الخبز معاً. ومن خبز الكعك الصحي إلى إعداد الغداء بالخضراوات العضوية المحلية، يشارك الطفل فيان والدته في كل شيء. وقالت الممثلة شيلبا في تعليقها على مقطع الفيديو الخاص بإعداد الخبز: «إن قضاء الوقت مع فيان غالباً ما يعني الخبز والطهي معاً مرة في الأسبوع على الأقل»، وقالت معلقة على فيديو آخر تظهر فيه برفقة ابنها وهما يلتقطان الخضراوات من حديقة المنزل: «كان الباذنجان العضوي الذي زرعناه هنا مذاقه لذيذاً للغاية في وجبة الغداء».
وكانت الممثلة السينمائية ديبكا بادوكون تحاول أن تقوم بوظيفة الشيف في أحد مقاطع الفيديو، حيث قامت بإعداد الأطباق التايلاندية الشهيرة، مثل سلطة تايلاند المفرومة مع صلصة الثوم، وحساء توم يوم، والكاري التايلاندي الأخضر.
- الهوايات والموسيقى
يواصل نجم «بوليوود» سلمان خان، القابع في مزرعته الخاصة منذ بدء حالة الإغلاق، متابعة شغفه بالرسم. ولقد نشر الفنان فيديو يظهر فيه نظرة سريعة على هوايته في الرسم.
كما نشر خان أيضاً أغنيتين جديدتين: «بيار كارونا» و«تيري بينا»، من مزرعته الخاصة. وكان سلمان خان قد صور الأغاني بمشاركة النجمة جاكلين فرنانديز، التي كانت تزوره في مزرعته وتقضي وقتاً مع عائلته أثناء الإغلاق.
يقول سلمان خان متحدثاً عما يريد القيام به في مزرعته، إنه إذا جرى رفع حالة الإغلاق فسوف ينطلق إلى العيش في منزله. وإذا استمر الإغلاق، فسوف ينبغي عليه ابتكار ما يشغل به وقته. ثم كشف النجم الهندي عن أنه بدأ العمل منذ أن كان يبلغ 15 عاماً من العمر، وأن الفترة الراهنة هي من أطول الفترات التي قضاها عاطلاً عن العمل.
كما تحدث نجم «بوليوود» أيضاً عن مساعدة العائلات الأخرى أثناء أزمة الوباء الراهنة، وقال إن هناك ما بين 9 و10 قرى بالقرب من مزرعته الريفية. وقال إنه يحاول أن يفعل ما يستطيع في مساعدة العائلات في هذه القرى.
وكان الممثل الهندي آجاي ديفغن قد نشر فيديو موسيقياً تحت عنوان «ثاهار جا»، يظهر فيه نجله يوغ، في حين أن المطربين جون أبراهام وأكشاي كومار قد أطلقا الأغاني الجديدة التي تحض على الشجاعة وتقدم التحية للعمال والموظفين في خطوط المواجهة الأمامية مع الفيروس الفتاك.
عكف كثير من الممثلين الهنود، ومن بينهم: ريشا تشادا، وكالكي كوشلين، وأميرة داستور، ومليكة دوا، وبولكيت سامرات، وعادل حسين، وآخرين، على نشر رسائل السلام والمساواة بين الجنسين حال بقاء الناس داخل منازلهم. ومع ذيوع انتشار الفيديوهات التي تصور المشاهير وهم يغسلون الصحون، ويطهون الطعام خلال الأشهر القليلة الماضية، هناك عدد منهم يتحدثون عن كيفية تقسيم الأعمال المنزلية بينهم وبين شركائهم. على سبيل المثال، يمكن رؤية الممثلة كالكي كوشلين وهي تتحدث عن كيفية إعداد وجبة الإفطار بينما يخرج شريكها لاصطحاب الكلب في نزهة قصيرة. ويتحدث الممثل عادل حسين عن كيفية استمتاعه بطهي الطعام.
في الآونة الأخيرة، كشفت الممثلة الموهوبة للغاية بهومي بيدنيكار، عن حالة الشغف الجديدة التي تنتابها، وهي الزراعة المائية (أو الزراعة من دون تربة طينية). وقالت الممثلة بهومي إنها، مثل كثير من الممثلين الآخرين، تحاول الانشغال ببعض أنشطة العزل الذاتي الصديقة للبيئة، لدرجة أنها قامت ببناء حديقة مستدامة للنباتات في المنزل بمساعدة والدتها.
وتحاول الممثلة ديبكا بادكون تعلم العزف على البيانو أثناء فترة الإغلاق. ونشر زوجها رانفير سينغ صورة لها على منصة «إنستغرام» تصور نشاطها الخاص أثناء فترة العزل الذاتي. كما تحاول الممثلة الهندية علياء بهات أيضاً تعلم الكتابة الإبداعية، كما كشفت عن ذلك عبر المنصة الاجتماعية نفسها.
في غضون ذلك، كان الممثل المخضرم دهارمندرا منشغلاً للغاية على مختلف منصات التواصل الاجتماعي. ولقد قدم في الآونة الأخيرة لمحة إلى معجبيه عن حياته اليومية وهو يسقي حديقته الخضراء المورقة، ويستمتع بالإفطار الصحي في منزله الريفي. ونشر على صفحته في «تويتر» يقول: «أحبكم جميعاً، كونوا سعداء، وأصحاء، وأقوياء، وحافظوا على المسافة الاجتماعية الآمنة، حتى يزول عنا وباء (كورونا) قريباً وسريعاً، أرجوكم، أرجوكم، أرجوكم».
- تعزيز المواهب
وتبنى بعض مشاهير «بوليوود» تشجيع الأفراد الطامحين في الإبداع عبر المشاركة في المسابقات القصيرة من المنزل.
وقام 5 من أكبر منتجي الأفلام السينمائية البارزين، وهم: ساجد ناديادوالا، وأناند إل. راي، وإيتكا كابور، ونيتيش تيواري، ودينيش فيجان، بطرح مسابقة تحت عنوان «دعونا نصنع فيلماً هندياً قصيراً»، ويطلب فيها من الناس إنتاج فيلم مصور لمدة دقيقة واحدة حول موضوعات على شاكلة الجانب الإيجابي من العزل الذاتي، وكيفية تجاوز الأزمة الراهنة، والالتزام بمعايير السلامة، والمساعدة والرعاية والاهتمام أثناء فترة الإغلاق، وتوجيه الشكر والامتنان إلى أبطال الخطوط الأمامية في مواجهة الفيروس من الأطباء ورجال الأمن، أو حول الحكايات الشخصية المثيرة للاهتمام التي وقعت أثناء فترة الإغلاق العام.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)