أجبر فيروس «كوفيد - 19» قطاعات عدة على إعادة التفكير في كيفية تقديم خدماتها لمئات الملايين من الناس، والتي شملت قطاعات التعليم والتجارة والترفيه وأعمال الشركات. وقد تعود الأمور إلى مجاريها الطبيعية بسرعة، ولكن قد نضطر للتعايش مع الفيروس الذي قد يعاود الظهور بشكل موجات دورية. فكيف سيتكيف العالم مع هذه الظروف الاستثنائية، وكيف يمكن للتقنيات أن تساهم في ذلك؟
التعليم عن بُعد
من الجوانب الإيجابية لتجربة التعليم عن بُعد توفير التعليم للطلاب وفقا لقدراتهم على التعلم، بحيث يستطيعون المضي في مناهجهم حسب الإيقاع الذي يناسبهم، وتكرار شرح المعلومة في حال عدم فهمها، أو سؤال المدرس عبر رسالة خاصة للحصول على الإجابة، ليصبح دور المدرس مرشدا وداعما في عملية التعلم. كما سيتعلم الطلاب مشاركة المعلومات مع بعضهم البعض في المشاريع الدراسية بشكل أكثر كفاءة عبر مكالمات الفيديو وخدمات مشاركة الملفات والعمل التعاوني الجماعي على وثائق الأبحاث الدراسية، الأمر الذي من شأنه المساهمة في إيجاد جيل جديد ذاتي التعلم.
ومن المتوقع انتشار الأجهزة المحمولة (الهواتف والأجهزة اللوحية والكومبيوترات المحمولة) ذات التكلفة المتوسطة أو المنخفضة خلال الفترة المقبلة، وذلك بسبب عدم قدرة مختلف العائلات على شراء أجهزة متقدمة لجميع أفرادها الطلاب. وقد تؤثر الحالة المادية على تحقيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص التعليمية، ولا سيما بالنسبة للطلاب الذين ينتمون إلى بيئات فقيرة ومحرومة، الأمر الذي قد يجعل الحكومات تعلن عن اشتراكات وكلمات سر مجانية للاتصال اللاسلكي بالإنترنت تسمح لهذه الفئة من الطلاب الدخول إلى الإنترنت والتعلم. ومن الجوانب الإيجابية لدور التقنية في التعليم عن بُعد إتاحة الفرصة للطلبة الذين يسكنون المناطق البعيدة من تلقي التعليم الجيد دون الاضطرار لتغيير مكان سكنهم.
ويجب على المدرسين تعلم كيفية إنشاء محتوى تعليمي تفاعلي يجعل الطلاب حاضرين ذهنيا ويتشاركون الخبرات وطرق حل المسائل، وليس الاكتفاء بوضع المحتوى بشكل نص أو عرض ممل على موقع إلكتروني ما. وبناء على ذلك، يُتوقع أن ينتعش قطاع إنتاج المحتوى التعليمي الرقمي الذي تقوم به مؤسسات وشركات إنتاج محتوى متخصص يتناسب مع العملية التعليمية الجديدة، آخذين بعين الاعتبار التحديات التقنية التي تواجه الطلاب من حيث سرعة اتصال الإنترنت وأنواع الأجهزة التي يتعلمون عبرها (لا يستطيع جميع الطلاب شراء كومبيوترات محمولة، بل سيستخدم الكثير منهم هواتف جوالة منخفضة التكلفة ذات شاشة صغيرة يصعب تمييز الأحرف والأرقام الصغيرة خلالها). ويجب أيضا حماية خصوصيا بيانات الطلاب وأمنها خلال عملية التعليم عن بُعد، وذلك لضمان عدم التسلل إلى أجهزة الطلاب أثناء تعلمهم، أو عدم اختراق أجهزة وخدمات المدرسة أو الجامعة بعد إكمال الاختبارات الرقمية وقبل تصحيحها.
التجارة الإلكترونية
ولاحظنا أن العديد من المتاجر في السعودية والمنطقة العربية أصبحت تقدم خدماتها عبر الإنترنت، والتي تشمل المكتبات ومتاجر الإلكترونيات والأثاث والأجهزة المنزلية، وغيرها، وذلك باستخدام شركات إيصال الطرود لتحقيق ذلك، رغم عدم جاهزية هذه المتاجر بشكل كامل لاستيعاب الضغط المرتفع من الطلبات وما يرتبط بذلك من أمور لوجيستية. ولا يمكن الحكم سلبا على أداء المتاجر في مرحلة صعبة على الجميع، ولكن إن كانت الحالة ستستمر، فيجب على المتاجر الرقمية العربية رفع مستويات كفاءتها وخدمة العملاء إن أرادت أن تزدهر وتُنافس. ويجب أن تطور هذه المتاجر من أداء سلاسل التوريد الخاصة بها لتحقيق تطلعات المستخدمين ونيل ثقتهم لشراء المزيد من منتجاتهم في المستقبل.
ومن الأمور اللافتة دعم عدة متاجر محلية لنظام الدفع عبر البطاقات المصرفية عوضا عن البطاقات الائتمانية، الأمر الذي من شأنه رفع أعداد المشترين. ولكن يجب على هذه المتاجر استخدام تقنيات ترميز آمنة HTTPS ونظام التحقق عبر خطوتين 2 Step Authentication الذي يرسل رسالة نصية إلى هاتف المستخدم المسجل لدى المصرف الذي أصدر بطاقته، وخصوصا في ظل ازدياد أعداد الهجمات التصيدية العالمية خلال فترة البقاء في المنازل.
وفي دراسة عالمية جديدة أجرتها شركة «ماستركارد» حول تغير سلوك المستهلكين، تم تسليط الضوء على إقبال المستهلكين المتزايد على استخدام تقنيات الدفع اللاتلامسية، حيث أكد 65 في المائة من المشاركين في هذه الدراسة في المملكة العربية السعودية أنهم يستخدمون حلول الدفع اللاتلامسية لأسباب تتعلق بالأمان والنظافة خلال فترة تفشي الفيروس. ومن المتوقع أن يستمر هذا السلوك خلال الفترة المقبلة، واعتماد المستخدمين وسائل دفع لا تلامسية أخرى على صعيد واسع، مثل «سامسونغ باي» و«غوغل باي» و«آبل باي» الإلكترونية عبر الهواتف الجوالة والساعات الذكية.
وتُعتبر هذه الفترة بيئة خصبة لرواد الأعمال، حيث يمكنهم تطوير تطبيقات جديدة محلية تلبي احتياجات المستخدمين في شتى القطاعات، وتربطهم بمزودي الخدمات وفقا للشروط الصحية المفروضة. ولوحظ تحويل خدمات بعض التطبيقات من إيصال المنتجات إلى تعقيم المنازل والمكاتب والسيارات.
الترفيه الرقمي
ولوحظ نشر العديد من الأفلام مباشرة على شكل أقراص ليزرية أو عبر خدمات البث الرقمي مباشرة، في ظل إقفال دور السينما أبوابها، إلى جانب مشاهدة العائلات والأفراد للعديد من البرامج عبر خدمات البث الرقمي في أوقات الفراغ، الأمر الذي يشكل ضغطا متزايدا على البنية التحتية وسرعة الاتصال بالإنترنت. وليس من المستبعد أن تبدأ دور السينما بتقديم المحتوى الجديد عبر خدمات بث رقمية خاصة بها (وإيصال الوجبات الخفيفة التي تقدمها إلى منازل المستخدمين ليحضروها بالطعم نفسه أثناء مشاهدة تلك العروض).
ولوحظ خلال فترة شهر رمضان الكريم عدم بث المسلسلات العربية بكمياتها القياسية في كل عام، وذلك بسبب إيقاف تصوير الحلقات في فترة الحجر الصحي، الأمر الذي دفع المستخدمين إلى البحث عن بدائل ترفيهية عبر خدمات بث المسلسلات والعروض عبر الإنترنت، سواء كانت عالمية أم محلية. ولكن بعض خدمات البث العربية عبر الإنترنت عانت من انقطاع البث، بينما لم تعاني خدمات البث العالمية من هذه المشكلة في الوقت نفسه. ويدل هذا الأمر على وجود ضغط مرتفع على الأجهزة الخادمة للشركة المزودة، واضطرارها لإيقاف إمداد الخدمة مؤقتا إلى حين زوال الضغط عنها. ونعاود التأكيد بأن هذه الخدمات لم تتوقع هذه الظروف الاستثنائية ومن المقبول تَقَطُّع خدماتها لمرحلة ما إلى حين ترقية قدرات الأجهزة الخادمة لملاقاة الطلب المرتفع عليها، وخصوصا في مرحلة الإجازات المدرسية التي ستكون شهية الأطفال والمراهقين فيها كبيرة نحو استهلاك المحتوى الترفيهي الرقمي.
ومن المتوقع ازدياد الطلب على السرعة وعدد المستخدمين المتصلين بالأجهزة الخادمة لمزودي المحتوى الترفيهي مع بدء الفنانين بتقديم حفلات موسيقية «منزلية» لمعجبيهم، وتدريب أعضاء الفرقة على الأغاني الجديدة مع بعضهم البعض عبر الإنترنت، ومشاركة الملفات الصوتية ضخمة الأحجام لآلاتهم وأصواتهم بين مهندسي الصوتيات الذي يعملون من منازلهم على إعداد الألبومات الجديدة للفنانين. وسرعان ما ستلحق البرامج الحوارية التلفزيونية هذه النزعة، لتبدأ بالبث المباشر من منازل المحاورين الذين يستضيفون الأفراد والمشاهير عبر الإنترنت، والأمر نفسه ينطبق بالنسبة لمذيعي قنوات الراديو، ولكن حدة الأمر ستكون أقل نسبيا نظرا لعدم ضرورة بث الصورة في برامجهم، ولكن هذه القنوات ستعمل على مدار الساعة، وقد تؤثر جماعيا على سرعات الاتصال على المدى البعيد إن لم يتم استخدام (أو تطوير) تقنيات ضغط بيانات مناسبة.
قطاع الأعمال
وبالنسبة للموظفين، فإن العائق التقني الأكبر الذي يواجههم هو وجود اتصال بالإنترنت آمن وسريع وغير محدود فيما يتعلق بكمية استهلاك البيانات، حيث ما تزال العديد من الشركات المزودة للخدمة في العديد من الدول العربية تقدم باقات ذات كميات استهلاك محدودة، إلى جانب عدم وجود اتصال آمن بين كومبيوتراتهم والموجهات المنزلية.
ويحتاج الموظفون إلى عقد مؤتمرات مرئية مع الزملاء والمديرين والعملاء بشكل مستمر،
وبدأت بعض شركات بيع المركبات بتقديم جولات افتراضية لسياراتها. ويُتوقع أن تبدأ الصالات الرياضية بتقديم جلسات تدريبية فردية وجماعية للمشتركين عبر الإنترنت مع المدربين المحترفين وفي حال عودة الموظفين إلى مكاتبهم قريبا، فقد تفرض الحكومات عليهم تحميل تطبيق على الهواتف الجوالة يتخصص بتعقب أماكن تواجدهم ويخبر السلطات الصحية بتلك الأماكن في حال تشخيص إصابة المستخدم بفيروس «كوفيد - 19»، وذلك لإجراء الفحوصات الوقائية في الأماكن ذات الكثافة العالية التي تواجد فيها المستخدم، ومنها تطبيق «ترايس كوفيد» TraceCovid التابع لدائرة الصحة الإماراتية.
خدمات الإنترنت تتوسع للتعايش مع «كوفيد ـ 19»
تسهل التعليم والترفيه والتجارة وقطاع الأعمال... وفرص وتحديات مقبلة
خدمات الإنترنت تتوسع للتعايش مع «كوفيد ـ 19»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة