في فبراير (شباط) 2019، احتفل مارك زوكربيرغ بمرور 15 عاماً على إنشاء شركته العملاقة، وقد كان محقاً في الاحتفال والشعور القوي بالفخر؛ ففي تلك الأثناء كان عدد مستخدمي الموقع الأشهر يقارب 2.5 مليار نسمة، بأرباح سنوية تتعدى 20 مليار دولار أميركي، وبقيمة سوقية تناهز 540 ملياراً.
كتب زوكربيرغ مقالاً آنذاك، ونشره تقريباً في معظم دول العالم، مؤكداً أن «المليارات من البشر وجدوا أن أنموذج أعمالنا مفيد»، ومتعهداً بالمضي قدماً في «خدمة الناس، في عالم يحصل فيه الجميع على فرص متساوية للاستماع إلى أصواتهم».
منذ انطلق «فيسبوك» في عالم التواصل الاجتماعي لم يتوقف يوماً عن التوسع، والازدهار، وتحقيق الأرباح، والاستحواذ على الشركات، لكن منذ عام 2016 بدأت الاتهامات والانتقادات تلاحقه؛ وهي اتهامات استند بعضها إلى تحقيقات رسمية، وأدلة دامغة، حتى إن الشركة نفسها لم تنفِ عدداً منها.
لم يقتصر مقال زوكربيرغ المشار إليه على الاحتفال والتعهد بتعزيز خدمات شركته وتطوير أنموذج أعمالها، لكنه سعى أيضاً إلى الدفاع عنها عبر دحض الاتهامات الموجهة إليها؛ ومن ذلك أنه سأل نفسه: «هل نترك محتوى ضاراً أو مثيراً للانقسام لأنه يؤدي إلى التفاعل؟»، وأجاب: «لا». ولأنه يعرف أن تلك الإجابة لا تعني أنه بصدد اتخاذ التدابير اللازمة والممكنة لضمان عدم وجود هذا المحتوى المسيء على شبكته، وبخاصة فيما يتعلق بالأخبار المضللة، والخطابات المحرضة على العنف، والمثيرة للكراهية والتمييز، فقد راح يدافع عن شركته محاولاً التذرع بقلة الحيلة.
يشرح زوكربيرغ موقفه من هذا التحدي، محاولاً تبرئة شركته، بالقول: «السبب الوحيد وراء بقاء المحتوى السيئ هو أن الأشخاص، وأنظمة الذكاء الصناعي، التي نعتمد عليها لمراجعة المنشورات، لا يزالون في طور التحسن، وليس لأن لدينا حافزاً لتجاهل المحتوى السيئ».
حسناً، سيمكن للبعض أن يقبل هذا الطرح من أحد أغنى الرجال وأكثرهم نفوذاً في العالم، وبقليل من حسن الظن، سيتوقع أن تكون الشهور الـ15 اللاحقة كافية لتحقيق هذا «التحسن»، بحيث تقل المنشورات المسيئة على الموقع، وتتراجع التداعيات الحادة لبعض أنماط التلاعب والتفاعلات السلبية التي تجري عبره.
سيكون من الصعب حقاً التحلي بحسن الظن بعد مرور هذه الشهور؛ فما زال «فيسبوك» يكبر، ويستحوذ، ويربح، ويتيح الفرص لمنشورات التضليل والتلاعب عبره. في الربع الثالث من عام 2019، بلغ إجمالي إيرادات «فيسبوك» 17.625 مليار دولار أميركي، فيما لم تتجاوز نفقاته 10.467 مليار دولار، ليحقق ربحاً خالصاً يفوق ستة مليارات دولار، ما يعني أنه لا توجد مشكلة مالية يمكن أن تعوق خططه للمضي قدماً في «طور التحسن» المزعوم.
فهل يمكن أن تكون تجليات الذكاء الصناعي، التي وطّدت له المجال لتحقيق هذه الأرباح، عجزت فقط عندما أراد أن يطوّعها للحد من الإساءات والأضرار؟ من جانبي أجيب: لا.
يوم الأربعاء الماضي، فاجأتنا «فيسبوك» و«إنستغرام» بإعلان تشكيل «مجلس إشراف عالمي» على المحتوى المنشور عبرهما؛ ليكون بمنزلة «محكمة عليا» تتخذ قرارات بشأن المحتوى الذي يُسمح به أو يقتضي الحذف؛ وهي خطوة كان من الممكن أن نفهم منها أن زوكربيرغ يُظهر جدية في التجاوب مع المطالب الملحّة لتقليل الممارسات المسيئة والضارة عبر شبكته، لكنها -مع الأسف- عمّقت الشكوك وأجّجت الاتهامات.
لقد تم اختيار الناشطة الحقوقية اليمنية المثيرة للجدل توكل كرمان، إلى جانب 19 شخصية أخرى من دول مختلفة في تلك التشكيلة؛ وهو أمر أثار عاصفة من الانتقادات والاتهامات في منطقة الشرق الأوسط، بالنظر إلى أن كرمان سياسية، ومعروفة بالقرب من دوائر جماعة «محظورة ومُصنفة إرهابية» في عدد من دول العالم المعتبرة، ولديها نمط تفاعل «حاد وأحادي وإقصائي» على «السوشيال ميديا»، كما يقول منتقدوها.
لا يعطينا زوكربيرغ الفرصة الكافية لنصدق أنه جاد ومسؤول.
«فيسبوك» يتمادى في أخطائه
«فيسبوك» يتمادى في أخطائه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة