الغنوشي لـ («الشرق الأوسط»): تونس تحتاج إلى التوافق لا التصادم.. ولا عودة للديكتاتورية

قال إن حزبه لا يمانع العمل مع الحكومة الجديدة المقبلة

راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسي (أ.ف.ب)
راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسي (أ.ف.ب)
TT

الغنوشي لـ («الشرق الأوسط»): تونس تحتاج إلى التوافق لا التصادم.. ولا عودة للديكتاتورية

راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسي (أ.ف.ب)
راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسي (أ.ف.ب)

أكد راشد الغنوشي، زعيم حركة «النهضة» التونسي، أن الديكتاتورية لن تعود إلى تونس، وأن الحريات ستكون مضمونة في البلاد، مما لا يجعل هناك أي مبرر للثورة الجامحة ولا لعودة الماضي.
وشدد على أن تونس تحتاج في هذه المرحلة إلى منطق التوافق وليس إلى منطق الصراع، وقال في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في تونس إن حزبه الذي فاز بالمرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية مستعد للعمل مع الحكومة الجديدة المقبلة في تونس.
وحول الوضع السياسي في تونس بعد الانتخابات وإمكانية عمل حزبه مع حركة «نداء تونس»، التي فازت في الانتخابات التشريعية التي شهدتها تونس الشهر الماضي، قال الغنوشي إنه إذا عرض على حركته التعاون والمشاركة في الحكومة فإنهم سيدرسون الوضع، وقد يشاركون في حكومة توافقية، وإن لم يتم ذلك فسيكون في صف المعارضة.
وبخصوص الجدل القائم في تونس من خشية «التغول»، وانفراد «نداء تونس» بالحكم إذا فاز الباجي قائد السبسي بالرئاسة، قال الغنوشي إنه لا يخشى ذلك، وإنه لا مجال لتحقيقه لأن الشعب لن يمنحه فرصة التفرد بكل السلطات، ولأن المواطن التونسي يخشى من عودة الحزب الواحد ولو شكليا، وفيما يلي نص الحوار.
* ما تقييمكم للحملة الانتخابية الرئاسية التي انتهت أمس؟
- الجو كان مناسبا ويمكن اعتباره جيدا، فلأول مرة في تاريخ تونس تجري انتخابات رئاسية فيها تنافس حر، ولم يقع فيه إقصاء أي طرف. اليوم، بعدما عاشت البلاد انتخابات تشريعية مستقلة شارك فيها الجميع وقبلوا بنتائجها، تقوم معركة تاريخية في اتجاه مرحلة انتخابات رئاسية، شارك فيها أكثر من 20 مترشحا، لكن على العموم فإنه تم احترام القانون الانتخابي.
* تحدثنا للكثير من المترشحين للرئاسة، وكان همهم محصورا في 3 قضايا أساسية، أهمها المال السياسي، والاستقطاب الثنائي، والتصويت المفيد.. هل بالفعل وجدت هذه الظواهر بقوة في هذه الحملة أم أن هناك تضخيما للمسألة؟
- المال السياسي يحتاج إلى إثبات، وقد يكون موجودا، أما بالنسبة للاستقطاب فهناك إعلام لا يبدو حياديا، بل انحاز لبعض المرشحين، ولم يكن عادلا، حيث أظهر بعض المترشحين بشكل جيد وبعضهم بشكل منفر، وعلى كل حال فهذه التجربة تعتبر ناشئة.
* رغم أجواء الحرية التي يتمتع بها الإعلام في تونس، فإنه تعرض للنقد على مستوى المهنية والحياد، فما خطر ذلك على المواطن الذي يعيش تجربة سياسية جديدة ويحتاج إلى التوجيه الصحيح؟
- مثلما أثرت وسائل الإعلام على الناخبين في الانتخابات التشريعية، كان لها التأثير نفسه في الانتخابات الرئاسية، فالإعلاميون يتمتعون بالحرية في تونس، لكن تبقى مسألة مستوى شعورهم بالمسؤولية وبقوة الكلمة قضية مطروحة.
* أعلنت «النهضة» أنها لا تدعم أيا من المرشحين للرئاسة، وهذا الموقف أثار جدلا في الأوساط السياسية والإعلامية، وتحدث البعض عن وجود صفقة خفية مع جهة ما، كيف تردون على ذلك؟
- التأثير التآمري أصبح شائعا، وكذلك الحديث عن اتفاقات من وراء الستار، لكن نحن اتخذنا موقفنا من أجل مصلحة الديمقراطية وإنجاح هذه التجربة الناشئة كان هو هدفنا الأسمى.
* حسب بعض المتتبعين للحملة فإنه لا يبدو أن خياركم عدم دعم أي مرشح نابع من تأثيرات داخلية فحسب، حيث يقال بأن حركة النهضة تعلمت من الدرس المصري.. فبماذا تردون؟
- من أجل مصلحة تونس أخذنا بكل تجارب الانتقال الديمقراطي في البلاد العربية وغير العربية، ورأينا أن كل حالات الاستقطاب تمثل خطرا على الانتقال الديمقراطي. ولذلك اخترنا التوافق على الاقتراع، فحكم الأغلبية بنسبة 50 في المائة من الحكم تكفي لأنظمة مستقرة. أما في الأنظمة الانتقالية فإن منطق الأغلبية فيها غير منطقي في صيانة التجربة، لقد تعلمنا من تجربتنا والتجارب الأخرى الحوار، ونحن نقدم مصلحة البلاد، وهمنا الأكبر تجنب خطر العودة إلى الديكتاتورية، وانهيار الدولة أو التورط في حرب أهلية، وبلادنا تحتاج إلى منطق التوافق وليس إلى منطق الصراع.
* ألا تخشون من أن وصول الباجي قائد السبسي زعيم نداء تونس إلى الرئاسة بعد فوز حزبه في الانتخابات البرلمانية قد يقصيكم بسرعة، أو بشكل تدريجي؟
- تقديرنا أن الأصنام قد سقطت ولن تعود أصنام الحزب الواحد، الإعلام الخشبي والانتخابات المزيفة ونجاح الرئيس بنسبة 99.99 في المائة، والمال المحتكر عند العائلة الحاكمة، هذه السلبيات أسقطتها الثورة ولن تعود، ولذلك ليس هناك تخوف من أن يأخذ الرئيس كل السلطات. المهم أن يبقى الإعلام حرا وعملية الديمقراطية قائمة، وحتى إن فاز هذا الحزب (في إشارة لنداء تونس) فأنا أظن أن الشعب لن يمنحه فرصة للتفرد بكل السلطات؛ لأن التونسي يخشى من عودة الحزب الواحد ولو شكليا، وحتى لو افترضنا أن نداء تونس نال 51 في المائة، فإن الشعب التونسي لن يسمح له بالتفرد بالحكم، لأنه يرفض عودة نظام الحزب الواحد، ورسالة الانتخابات هي الشراكة في الحكم وليس الانفراد به، ولذلك لا خوف من عودة الديكتاتورية.
* فزتم بالمرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية التي شهدتها تونس الشهر الماضي، هل هذا يعني أننا سنرى صداما في البرلمان التونسي بسبب اختلاف الآيديولوجيات بينكم وبين الفائز الأول؟ أو أن هناك حسن نية لوضع اليد في اليد من أجل العمل المشترك لمصلحة بلدكم؟
- التوفيق بين حزبين أساسيين أو عدة أحزاب يمثل نضجا ديمقراطيا في البلاد. لقد اختار الشعب التونسي حزبين كبيرين، وهذا كان واضحا حتى قبل الانتخابات، وذلك عندما كان أحدهما يحكم والآخر يعارض، وهذه هي الديمقراطية العادلة، ونحن سنكون في المعارضة المسؤولة لكي لا نمثل عائقا مثل الذي واجهناه. ولكن هذا الموضوع ليس مطروحا علينا، بل على الحزب الذي لديه كتلة أكبر في البرلمان، والمدعو إلى أن يشكل حكومة. فإذا دعينا إلى النظر في هذا الأمر، فليس لدينا أي مانع، وإذا توافقنا حول برنامج مشترك للحكم فنحن نرحب بهذا.
* بعض القياديين في «نداء تونس» دعوا إلى إقصاء شخصيات، كما رأينا الكثير من المظاهر التي ارتبطت بالإسلاميين. كيف سيكون رد فعلكم لو عاد منع الحجاب في المؤسسات العمومية مثلا وغير ذلك من المظاهر الأخرى؟ هل ستقبلون بالأمر؟
- لقد انتهى هذا العصر. نحن في دولة القانون، وأي تجاوز للقانون سوف يتم التصدي له، هناك مجتمع مدني قوي في تونس، وقضاء مستقل، وإعلام، ولذلك لا مجال للتغول والاستبداد؛ لأن الشعب الذي أطاح بالمستبدين ما زال موجودا، وتذوق الحرية وعرف واكتشف قدراته، وأدرك أن الحاكم ضعيف، ولذلك فإن هذا الشعب الذي خرج للشوارع من أجل اكتساب الحرية لن يعود إلى القمقم، ولن يقبل بنظام الحزب الواحد والاعتقالات بالجملة.
* عبر احتكاكي المباشر بالتونسيين في الأيام الأخيرة لاحظت غياب كلمة «ثورة»، ويبدو أن المواطنين نسوا ذلك.. وعندما عاد سليم شيبوب، صهر الرئيس السابق زين العابدين بن علي، إلى تونس لم يحركوا ساكنا، ألا يفسر هذا أن الناس قد تعبوا ويريدون فقط الاستقرار والعيش بسلام؟
- سليم شيبوب عاد ونقل مباشرة إلى المحكمة، وتم النظر في قضيته وصدر الحكم، وهذا الأمر لا يحتاج إلى مظاهرات ولا حملة إعلامية مضادة، والقرار يعود إلى المحكمة.
* منذ وصول حكومة الترويكا بقيادتكم لم يخل الشارع التونسي من الاحتجاجات التي كان المحرك والحاشد الرئيس لها هو «الاتحاد التونسي للشغل» بقيادة حسين العباسي، لكن منذ فوز «نداء تونس» أصبح الاتحاد يقول إن الشارع تعب. ألا ترون أنكم كنتم مستهدفين؟
- قد يكون هناك من يرى أنه قد أخطأ، والآن تراجع عن خطئه.
* بلغ عدد التونسيين الذين التحقوا بصفوف المقاتلين في سوريا 3 آلاف مقاتل، وهم يتصدرون عدد المقاتلين الأجانب، فما الدوافع الرئيسة وراء هذه الظاهرة؟ وما حجم خطر الإرهاب في تونس؟
- هذا أمر مؤسف حقا، وليس الإرهاب ثمرة من ثمرات الثورة، لكنه من مخلفات الاستبداد في عهد النظام السابق الذي زج بالكثيرين في السجون، بمعنى أن الإرهاب لم يأت مع الثورة، بل من مخلفات ما قبل الثورة. وأنا أشك في أن عدد المقاتلين التونسيين في «داعش»، وسوريا والعراق يصل إلى 3 آلاف، فلا جهة رسمية أعطت رقما محددا، ونأمل أن يتوقف الخزان التونسي عن إنتاج الإرهاب.
* هل يعكس احتفالكم بنتائج الانتخابات التشريعية، رغم أنكم لم تفوزا بها، خطة لاحتواء غضب أنصاركم، أو أنكم فعلا كنتم راضين عن النتائج؟
- نحن احتفلنا بالنتائج وهذا تدعيم لخطتنا التي كان لها هدفان؛ الأول هو انتصار العملية الديمقراطية في تونس، وقد كان هدفنا هو أن تكون النهضة في المقام الأول، كما احتفلنا بالمرتبة الثانية. الشعب التونسي قسم الأحزاب لتشترك في مصلحة واحدة هي إنقاذ البلاد، واستراتيجية النهضة تكمن في الجمع بين الديمقراطية والإسلام والتأليف بين العلمانيين والإسلاميين.
* مع نهاية حكومة الترويكا. كيف تقيمون هذه التجربة؟
- تجربة الترويكا فريدة من نوعها في البلاد العربية، فقد برهنت تونس على أن التيارين العلماني والإسلامي يمكن أن يتعاملا دون إقصاء، وتجربة الترويكا تضمنت بعض الأخطاء لكن حققت أهدافا ونجاحات لتونس. الترويكا أنتجت دستورا عظيما، وهذه التجربة أوصلت البلاد إلى الانتخابات وإلى هيئة انتخابية وإعلامية مستقلة بقانون المحكمة الدستورية، صحيح أن هناك صعوبات على المستوى الاقتصادي، لكن حققنا نجاحات.
* هل يمكن أن تتدخل النهضة وتعلن عن دعم مرشحها الرئاسي إذا تطلب الأمر دورة ثانية؟
- نأمل أن يحسم الأمر من الدور الأول.
* بالنسبة للأوضاع في ليبيا، هل ترون أن المشكل هو قضية وجود السلاح أو أن الأمر أعمق من ذلك بكثير؟
- مصانع الأسلحة لن تتوقف عن إنتاجها بالتأكيد، لكن على الأطراف المتصارعة في ليبيا أن تفهم أن المشكل سياسي، وأن الخلاف هو بالأساس حول السلطة ومن يحكم أو كيف يحكم، ولكن ينبغي أن يحتكموا إلى التفاوض أو الحوار الذي يجب أن لا يقصي أي طرف، أو أن يلجأ أحد عن طريق القوة لأن يصل على حساب الآخرين، المشكل في ليبيا هو أن يعتقد طرف أنه قادر بالقوة على أن ينفرد بالبلد، وأن يقصي المعارضين له، لأن هذا سيؤدي إلى طريق مظلم ومسدود.
* حسب بعض المتتبعين فإن الصراع في ليبيا ليس بسبب خلافات داخلية، بل بسبب تدخل أطراف دولية، وأهداف أوسع في منطقة شمال أفريقيا، وخلق توازنات جديدة، هل تتفقون مع هذا الطرح؟
- يجب على المتدخلين في ليبيا أن يقتنعوا بأن هذا التدخل في شؤون الغير والتشجيع على التقاتل جريمة، وأرى أن يتوجهوا إلى المساعدة على إيقاف شلال الدم.
* هل تلعب تونس دورا في المسألة الليبية؟
- حتى الآن لها دور ضعيف.
* رأينا تحركات كبيرة في الجزائر، سواء من الطرف الجزائري، أو الوسطاء الأجانب الذين كثفوا زياراتهم للجزائر واجتماعاتهم بخصوص الشأن الليبي.
- نعم بالفعل، الجزائر الآن في تواصل مع الطرفين المتقاتلين، وقد تفاوضوا معهم من أجل إقامة حوار وطني يجمع المختلفين للوصول إلى حل ووفاقات لحكم يشترك فيه المتنازعان، وتمهيدا لإقامة حكم مؤقت، ونحن نأمل أن توفق الجزائر في هذا المسعى.



«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
TT

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)

رحبت حركة «حماس»، اليوم (الخميس)، بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، معتبرة أنه خطوة «تاريخية مهمة».

وقالت الحركة في بيان إنها «خطوة ... تشكل سابقة تاريخيّة مهمة، وتصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا»، من دون الإشارة إلى مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بحق محمد الضيف، قائد الجناح المسلح لـ«حماس».

ودعت الحركة في بيان «محكمة الجنايات الدولية إلى توسيع دائرة استهدافها بالمحاسبة، لكل قادة الاحتلال».

وعدّت «حماس» القرار «سابقة تاريخية مهمة»، وقالت إن هذه الخطوة تمثل «تصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا، وحالة التغاضي المريب عن انتهاكات بشعة يتعرض لها طيلة 46 عاماً من الاحتلال».

كما حثت الحركة الفلسطينية كل دول العالم على التعاون مع المحكمة الجنائية في جلب نتنياهو وغالانت، «والعمل فوراً لوقف جرائم الإبادة بحق المدنيين العزل في قطاع غزة».

وفي وقت سابق اليوم، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت؛ لتورطهما في «جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب»، منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وقال القيادي بحركة «حماس»، عزت الرشق، لوكالة «رويترز» للأنباء، إن أمر الجنائية الدولية يصب في المصلحة الفلسطينية.

وعدّ أن أمر «الجنائية الدولية» باعتقال نتنياهو وغالانت يكشف عن «أن العدالة الدولية معنا، وأنها ضد الكيان الصهيوني».

من الجانب الإسرائيلي، قال رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، إن قرار المحكمة بإصدار أمري اعتقال بحق نتنياهو وغالانت «وصمة عار» للمحكمة. وندد زعيم المعارضة في إسرائيل، يائير لابيد، أيضاً بخطوة المحكمة، ووصفها بأنها «مكافأة للإرهاب».

ونفى المسؤولان الإسرائيليان الاتهامات بارتكاب جرائم حرب. ولا تمتلك المحكمة قوة شرطة خاصة بها لتنفيذ أوامر الاعتقال، وتعتمد في ذلك على الدول الأعضاء بها.