«حزب الله» في ألمانيا... هيكل غامض وتداخل مع الجريمة المنظمة

نشاطه يمتد إلى تجارة المخدرات وتبييض الأموال... وقرار الحظر سيصعّب حركته رغم علاقاته الوثيقة بعصابات

عناصر من الشرطة الألمانية خلال مداهمة جمعية الإرشاد التابعة لـ«حزب الله» (أ.ف.ب)
عناصر من الشرطة الألمانية خلال مداهمة جمعية الإرشاد التابعة لـ«حزب الله» (أ.ف.ب)
TT

«حزب الله» في ألمانيا... هيكل غامض وتداخل مع الجريمة المنظمة

عناصر من الشرطة الألمانية خلال مداهمة جمعية الإرشاد التابعة لـ«حزب الله» (أ.ف.ب)
عناصر من الشرطة الألمانية خلال مداهمة جمعية الإرشاد التابعة لـ«حزب الله» (أ.ف.ب)

في الساعة السادسة صباحا من 30 أبريل (نيسان) الماضي، دخل قرابة الـ50 عنصراً من شرطة التحقيقات الفيدرالية الألمانية والشرطة التابعة لحكومة برلين، إلى مقر جمعية الإرشاد في منطقة نويكولن في العاصمة الألمانية. وكانت بيدهم مذكرة بحث وتحر لتفتيش المكان، بحثا عن أدلة تثبت تورّط القائمين على الجمعية مع «حزب الله» اللبناني، تمويلاً أو نشراً للبروباغاندا الخاصة به.
في اليوم الذي سبق، كان وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر قد أصدر قراراً بحظر نشاطات «الحزب» داخل ألمانيا بعدما صنفه «تنظيماً إرهابياً»، من دون التمييز بين جناح عسكري وسياسي. وفي السادسة والنصف مساء من اليوم نفسه، نشرت صفحة الجمعية على «فيسبوك» عظة مدتها قرابة الـ40 دقيقة للشيخ اللبناني شفيق الجرادي، خريج حوزة قُم، في إيران، وأحد مؤيدي «حزب الله» بحسب اعترافه.

الشيخ شفيق الجرادي، مدير معهد المعارف الحكمية، كان اعترف بحسب عدد صحيفة «الأخبار» اللبنانية (القريبة من «حزب الله») الصادر يوم 13 فبراير (شباط) 2015. بعد محاضرة ألقاها أمام طلاب من جامعة القديس يوسف في بيروت، بأنه من مؤيدي «الحزب» ما تسبب بمفاجأة للطلاب بحسب الصحيفة. والجرادي نفسه لا يخفي تأييده هذا. فقبل أسابيع قليلة، في 25 مارس (آذار)، امتدح الميليشيا المدعومة من إيران في تغريدة كتبها على صفحته في «تويتر» يقول فيها «مستوى اللياقة لدى حزب الله في مواجهات الأزمات المدنية يرقى لمستوى دولة متطورة. هذه خلاصة ما تستفيده من كلام سماحة السيد هاشم صفي الدين».
ولكن، رغم هذا، فإن الجمعية نفسها تنفي ارتباطها بـ«منظمة إرهابية». على أي حال، فإن تحديد الإرهاب قد يكون مختلفا لدى الحكومة الألمانية وجمعية الإرشاد. فالشيخ الجرادي نفسه كان قال في محاضرته أمام طلاب جامعة الروح القدس في الكسليك (شمال شرقي بيروت) إن «الإرهاب صفة تستخدم في غير موضعها أحياناً»، أيضا بحسب صحيفة «الأخبار». وفي اليوم التالي للمداهمة، نشرت الجمعية بياناً على موقعها على «فيسبوك» تتعهد فيه بمواجهة ما سمتها «الحملة الإعلامية السياسية الظالمة بحقها عبر المسار القضائي والقانوني» في ألمانيا، من دون أن تأتي على ذكر «حزب الله» أو حتى تنفي دعمها له.

- جمعية الإرشاد
كانت جمعية الإرشاد هذه واحدة من 4 مراكز دينية داهمتها الشرطة في برلين، وفي الوقت نفسه شهدت 4 مدن أخرى مداهمات تستهدف كذلك مراكز يشتبه بأنها تابعة لـ«حزب الله»، ومع أن هذه المداهمات لم يتبعها بعد أي اعتقالات، فهذا لا يعني أن مذكرات التوقيف ليست قادمة، إذ قال وزير الخارجية هايكو ماس إن هذه ليست «إلا البداية». ولكن رغم تصنيف الميليشيا «تنظيماً إرهابياً» في ألمانيا، فإن هذا لا ينعكس على الحزب في لبنان ولا على سياسة برلين مع بيروت، كما يقول دبلوماسيون ألمان لـ«الشرق الأوسط». فألمانيا ما زالت تعتبر «حزب الله مكوّناً أساسيا في المجتمع اللبناني»، ومشاركا في البرلمان والحكومات المتعاقبة، ما يحتم عليها التعاطي معه، رغم تصنيفها إياه «إرهابيا» في ألمانيا، وهذا لم يتغير.
شرح هذا المنطق ماريان فاندت، النائب في مجلس النواب الفيدرالي (البوندستاغ) عن حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الحاكم، وهو يروج مند سنوات لحظر الحزب. وقال في لقاء مع «الشرق الأوسط» إن ألمانيا تقيّم المشهد السياسي «بواقعية». وأضاف: «نعلم أن حزب الله مهم في لبنان، وهو شريك في الحكم وعلينا التعاون معه هناك إذا أردنا دعم الشعب اللبناني، ولكن هذا لا يتناقض مع قولنا إنه حزب إرهابي». وأعطى مثالا على ذلك مقاربة ألمانيا لحركة طالبان الأفغانية «التي تعتبرها برلين منظمة إرهابية كذلك، لكنها تتعاون معها هناك لعجزها عن تخطيها في المساعدات التي تقدمها لأفغانستان».
يذكر أن قرار وزير الداخلية حظر نشاطات «حزب الله» في ألمانيا استند إلى تفويض من البوندستاغ في نهاية العام الماضي، صوّت فيه على اعتبار الحزب إرهابياً، ودعا الحكومة للتحرك لحظر نشاطاته.

- تمويل الإرهاب
فاندت قال إن حزبه يحاول منذ مدة الدفع باتجاه حظر «حزب الله» في ألمانيا بهدف تجفيف أحد منابعه المالية المهمة، مشيراً إلى أن نشاطات الحزب المتعددة في ألمانيا معروفة جيداً للسلطات، وأردف: «نعرف أن حزب الله يستخدم ألمانيا كخلفية لجمع التبرعات لتمويل الإرهاب في لبنان. ونعرف أيضاً نشاطاتهم في الجريمة المنظمة وتبييض الأموال».
والهدف بالنسبة له ولحزبه كما يقول، هو «العمل على تخفيف نفوذ حزب الله وإيران في المنطقة».
ومع أن ألمانيا تُعرف بقربها النسبي من إيران، ولقد لعبت في الماضي دور الوسيط بين «حزب الله» وإسرائيل في صفقات تبادل أسرى، فإن الخطوة التي اتخذتها بحظر الحزب داخلياً، قد يكون لها تبعات سلبية تعرقل دورها هذا. لكن النائب فاندت لا يرى ذلك. ومع أن لبنان استدعى السفير الألماني لسؤاله عن الحظر، فإن فاندت يصف لبنان بأنه «شريك مهم لألمانيا»، مستبعدا أن يكون لهذا القرار أي تأثير على هذه الشراكة بين البلدين. بل هو يرمي الكرة في ملعب اللبنانيين حاثاً إياهم على رفض أن يكون «حزب إرهابي» عضوا مؤثرا في الحكومة.

- العلاقة مع إيران
وعن التأثير على العلاقة مع إيران، التي لم تقدم أي اعتراض رسمي لألمانيا حسب تأكيد الخارجية الألمانية لـ«الشرق الأوسط» رغم تهديدها بأن برلين «ستدفع الثمن»، فإن فاندت يجيب ضاحكا: «ما الذي ستفعله إيران؟ تفرض عقوبات على شركات ألمانية؟» ليكمل بأن إيران «ليست في وضع يسمح لها بالاعتراض أو القول لنا ما علينا أن نفعله أو لا نفعله، بل عليها العودة لطاولة المفاوضات والتوقف عن التضييق على السفن في مضيق هرمز وإشعال الصراعات» في المنطقة.
وللعلم، قبل بضعة أسابيع، استخدمت الدول الأوروبية، في طليعتها ألمانيا، آلية «انستكس» التي وضعتها بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، لتحويل مساعدات طبية إلى طهران تحتاج إليها في جهود مكافحة وباء «كوفيد - 19»، وكانت المرة الأولى التي تستخدم فيها هذه الآلية. ومنذ توقيع الاتفاق النووي عام 2015، كانت أعداد كبيرة من الشركات الألمانية منها شركات ضخمة مثل سيمنز ومرسيدس بنز، قد بدأت مشاريع في طهران. لكنها انسحبت خوفا من عقوبات أميركية بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي. والواقع أن برلين غير متخوفة راهناً من «إزعاج» إيران التي تتمسك بأي دعم غربي يمكنها أن تحظى به، في وجه إدارة أميركية مصممة على تركيعها.

- «ازدواجية» السياسة الخارجية
على أي حال، تعتمد ألمانيا «الازدواجية» السياسية نفسها مع إيران، كالتي تعتمدها مع طالبان و«حزب الله». فهي من جهة، تحافظ على العلاقة السياسية الجيدة مع النظام في طهران، ومن جهة أخرى تعتقل جواسيسه في ألمانيا وتحاكمهم، وتكشف عن عمليات اغتيال يحضر لها الحرس الثوري في أوروبا. فهي ألقت القبض عام 2018 على دبلوماسي في سفارة إيران بالنمسا عندما كان في زيارة إلى ألمانيا، واتهمته بالإعداد لعمليات اغتيال معارضين إيرانيين في أوروبا. ورأى المحلل السياسي ناجح العبيدي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن ألمانيا «تعتمد مقاربة مزدوجة من خلال منع النفوذ الإيراني داخل ألمانيا ومراقبته، ولكن في الوقت ذاته تبقي العلاقة مع إيران قائمة ومستمرة وليست سيئة».

- حظر «المنار» وجمعية أيتام
والواقع أن ألمانيا تعي فعلا منذ سنوات نفوذ «حزب الله» لديها، ولقد اتخذت خطوات صغيرة في الماضي لمواجهة هذا النفوذ. ففي العام 2009. أعلنت حظر قناة «المنار» التلفزيونية التابعة لـ«الحزب». وعام 2014 أعلن وزير الداخلية آنذاك توماس دي ميزيير حظر وحل جمعية «مشروع أيتام لبنان» لالتصاقه بـ«مؤسسة الشهيد» التابعة لـ«حزب الله» وجمعها تبرعات مالية تذهب إليها. وقال يومذاك هانس يورغ ماسن، رئيس «هيئة حماية الدستور» (أي المخابرات الداخلية الألمانية) آنذاك: «لقد أثبتت تحقيقاتنا أن كل الأموال تقريبا التي جمعتها «مشروع أيتام لبنان» حوّلت لحسابات «مؤسسة الشهيد» التي هي جزء لا يتجزأ من منظومة «حزب الله»...»... ولكن قبل حلها، عملت هذه الجمعية 17 سنة في ألمانيا من دون مساءلة، جامعة تبرعات باسم الأيتام، لإرسالها إلى «الحزب» في لبنان ليشتري بها أسلحة وصواريخ يستخدمها لتهديد اللبنانيين وضد المدنيين في سوريا.
هذا البطء أو التلكؤ الألماني في مواجهة نشاطات «حزب الله» في الداخل، فسره المحلل السياسي العبيدي بأنه «حذر» خوفاً من أن تكون للحظر نتائج عكسية. وتابع «يعتقدون أن الحظر أحيانا قد يدفع المنظمات للتخفي تحت الأرض والعمل بسرّية، ما يؤثر على مراقبتها، وبالتالي، فهم يوازنون بين فوائد المنع ومساوئه».

- تركيبة غامضة
أمر آخر يؤثر هو أنه ليس لـ«حزب الله» تركيبة واضحة في ألمانيا. فالاستخبارات الداخلية اعترفت بأنه «لا يوجد هيكل لحزب الله في ألمانيا»، وفق جاسم محمد، الخبير في الشؤون الإرهابية في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات. وبحسب محمد، «حزب الله ليس لديه تنظيم بمعنى التنظيم الهرمي والحزبي، بل هناك واجهات ينشط خلفها كالتي استهدفتها المداهمات».
ثم إن نشاطات الميليشيا في ألمانيا لا تقتصر فقط على جمع التبرعات ونشر البروباغندا الحزبية، بل هي أوسع من ذلك بكثير، إذ تمتد إلى الاتجار بالمخدرات وتبييض الأموال عبر وسطاء كثيرين يعملون بشكل أساسي في تجارة السيارات.

- نشاط عمره 15 سنة
وتعلم ألمانيا بهذه النشاطات على أراضيها منذ 15 سنة، على الأقل، فعام 2008 اعتقل في مطار فرانكفورت أربعة شبان لبنانيون بعدما عثر في سبع حقائب سفر كانت معهم على مبالغ مالية نقدية قاربت قيمتها 9 ملايين يورو، كانوا يحاولون نقلها إلى مطار بيروت ومنه كانت ستسلم - حسب الشبهات، حينها رغم أنها لم تثبت قضائياً - إلى وسيط مقرّب شخصيا من أمين عام «الحزب» حسن نصر الله.
العملية كانت نتيجة أكثر من سنتين من التحقيقات قادتها الشرطة في ولاية بلاتينية الراين (غرب ألمانيا)، وقادت بعد ذلك إلى شابين لبنانيين يعيشان في منطقة شبراير، اتهما وأدينا بتشكيل عصابة لتبييض أموال جُنيت من تجارة الكوكايين عبر القارات، ونقلها إلى بيروت. الشابان كانا يعملان في ألمانيا بتجارة السيارات. وكان يشتبه بأنهما خضعا لتدريبات عسكرية مع «حزب الله» رغم أن هذا لم يثبت في المحكمة.

- «عصابة الأرز»
مع هذا، مهد اعتقالهما لإطلاق ما بات يعرف في ألمانيا بـ«عملية الأرز» التي كشفت عام 2016 أمر عصابة تهريب مخدرات وتبييض أموال موزعة بين ست دول أوروبية، عدد أفرادها 14 شخصا منهم أربعة في ألمانيا، كلهم من اللبنانيين أو أصولهم لبنانية.
كانت «عصابة الأرز» تنقل أموالا من تجارة المخدرات في أميركا اللاتينية، كشفت عنها وكالة مكافحة المخدرات الأميركية، إلى أوروبا وأفريقيا، حيث تشتري بها نقدا سيارات وساعات ومجوهرات باهظة الثمن، لترسلها إلى لبنان لاحقا حيث تباع في السوق السوداء وتستعاد قيمة الأموال. وكان المحققون حينها يحاولون جمع إثباتات بأن الأموال كانت تذهب إلى «حزب الله» في لبنان وأن العمليات كانت تتم بأوامر من الحزب، ما يعني كانوا يشتبهون بتبييض الأموال بهدف تمويل الإرهاب، ولكنهم لم يتمكنوا من إثبات ذلك.
ويعتقد أن أعضاء العصابة الأربعة الذين كانوا مقيمين في ألمانيا تمكنوا فعلاً من تبييض نحو 20 مليون يورو بين العامين 2011 و2015.

- تبييض الأموال
مع اعتقال العصابة، تورط عدد من بائعي المجوهرات الألمان بالجرائم كونهم لم يبلغوا عن «نشاطات مشبوهة» بعدما باعوا كمية كبيرة من المجوهرات نقداً للأشخاص أنفسهم. هذا، وينص قانون مكافحة تبييض الأموال في ألمانيا على أن التجار أو وسطاء العقارات عليهم التبليغ عن عمليات مشبوهة من الزبائن، لكن قلة تفعل ذلك خوفاً من خسارة صفقات العمل.
ويقول أندرياس فرانك، الخبير في تبييض الأموال الذي يقدم المشورة للبوندستاغ والبرلمان الأوروبي في هذا الشأن، أن ألمانيا تعتمد على المواطنين في مكافحة تبييض الأموال، والمواطنون «لن يعملوا عكس مصالحهم». ثم يصف لـ«الشرق الأوسط»، قوانين مكافحة تبييض الأموال في ألمانيا وأوروبا بأنها «ضعيفة وبحاجة إلى التطوير كي تصبح فاعلة».
ويشير إلى أنه رغم تأسيس «مجموعة العمل المالي» (فاتف) عام 1989 ومقرها باريس، فإنها لم تحقق الكثير في جهود مكافحة الأموال، بل على العكس «ثمة عمليات تبييض أموال أكثر الآن».

- التعاون الأوروبي ضعيف
ألمانيا تعرف هذا الأمر، وهي تحاول منذ مدة إدخال تعديلات على قوانين مكافحة تبييض الأموال. ولقد نجحت بالفعل مطلع هذا العام.
ليزا بوس، النائبة عن حزب «الخضر» في البوندستاغ والمتحدثة في الشؤون المالية والسياسة الضريبية عن الحزب، تقول إن التوجيهات الأوروبية حول مكافحة تبييض الأموال كان يجب أن تنقل لتتلاءم مع القانون الألماني، وهذا ما تحقق مطلع هذا العام. وأضافت قائلة لـ«الشرق الأوسط» إن «ثمة تغييرات كبيرة في قوانين مكافحة تبييض الأموال في ألمانيا وتمويل الإرهاب». ولكنها تشير إلى أن تعديل القانون لا يكفي وحده لمكافحة تبييض الأموال بشك فعال، «بل هناك عراقيل أخرى يجب تخطيها». وتتحدث عن ضرورة أن يكون هناك تعاون دولي أفضل بين الدول، قائلة «كي نكافح عمليات تبييض الأموال المحترفة، نحن بحاجة إلى تعاون عبر الحدود وتبادل معلومات، وهذا أساسي. وفيما يتحول تبييض الأموال لعمليات دولية علينا أن نتأكد من أن القوانين وتطبيقها يتماشى مع هذا الأمر».

- الدفع نقدا
وما يزيد من انكشاف ألمانيا أكثر من غيرها من الدول الأوروبية على جرائم تبييض الأموال، أن الدفع نقدا وبمبالغ ضخمة لشراء عقارات مثلا، ما زال مقبولاً. وهو ما تعترف به بوس معلقة «لدى ألمانيا مشكلة خاصة هي استخدام النقد أكثر من غيرها من دول الاتحاد الأوروبي. وأيضا لا يزال هناك شعور بالريبة تجاه الدولة في كل العمليات المالية». وتضيف «لعقود ظلت ألمانيا تستقطب الأموال القذرة دولياً بسبب اقتصادها القوي ودرجة السرّية الكبيرة. ولسنوات كثيرة أبقى السياسيون ورجال الأعمال أعينهم مغلقة للنتائج السلبية لذلك. هذا بدأ يتغير الآن ولكن ببطء».
مؤشر آخر قد يدل على جدية ألمانيا الآن في ملاحقة عصابات تبييض على أراضيها، من بينها التي تمول «حزب الله» والإرهاب، سعيها الحثيث منذ قرابة العامين للتضييق على ما يُعرف في ألمانيا بـ«العشائر العربية»، وهي عائلات كردية جاءت من لبنان، وقبلها من تركيا إلى لبنان. وتحولت لاحقاً إلى أكبر العصابات في ألمانيا، متاجرة بالمخدرات ومسؤولة عن أكبر السرقات في ألمانيا، ولديها عقارات ضخمة في عموم البلاد. ومنتصف عام 2018، صادرت السلطات قرابة الـ80 عقارا لإحدى هذه العائلات قيمتها عشرة ملايين يورو، للاشتباه بأنها اشتريت بأموال جريمة.


مقالات ذات صلة

إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

العالم إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

قضت محكمة إسبانية، الجمعة، بالسجن 10 سنوات على زعيم خلية «إرهابية» نشطت في برشلونة، و8 سنوات على 3 آخرين بتهمة التخطيط لهجمات ضد أهداف روسية في المدينة، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». وذكرت «المحكمة الوطنية» في مدريد، في بيان، أنها أدانت «4 أعضاء في خلية إرهابية متطرفة مقرُّها برشلونة، حدّدوا أهدافاً روسية لتنفيذ هجمات ضدَّها في عاصمة كاتالونيا بشمال شرقي إسبانيا. وأضافت المحكمة، المسؤولة خصيصاً عن قضايا «الإرهاب»، أنها برّأت شخصين آخرين. وجاء، في البيان، أن زعيم الخلية «بدأ تحديد الأهداف المحتملة، ولا سيما المصالح الروسية في عاصمة كاتالونيا، وأنه كان في انتظار الحصول على موادّ حربية». وأوض

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم اعتقال سوري بتهمة التخطيط لهجمات في ألمانيا

اعتقال سوري بتهمة التخطيط لهجمات في ألمانيا

أعلنت السلطات الألمانية، الثلاثاء، القبض على سوري، 28 عاماً، في هامبورغ للاشتباه في تخطيطه شن هجوم ارهابي. وأعلن المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية، والمكتب الإقليمي للشرطة الجنائية في ولاية هامبورغ، ومكتب المدعي العام في الولاية أنه يُشتبه أيضاً في أن شقيق المتهم الذي يصغره بأربع سنوات، ويعيش في مدينة كمبتن ساعده في التخطيط. ووفق البيانات، فقد خطط الشقيقان لشن هجوم على أهداف مدنية بحزام ناسف قاما بصنعه.

«الشرق الأوسط» (هامبورغ)
العالم هولندا تُدين أربع نساء أعادتهن من سوريا بتهمة الإرهاب

هولندا تُدين أربع نساء أعادتهن من سوريا بتهمة الإرهاب

حكمت محكمة هولندية، اليوم (الخميس)، على أربع نساء، أعادتهنّ الحكومة العام الماضي من مخيّم للاجئين في سوريا، بالسجن لفترات تصل إلى ثلاث سنوات بعد إدانتهنّ بتهم تتعلق بالإرهاب. وفي فبراير (شباط) 2022 وصلت خمس نساء و11 طفلاً إلى هولندا، بعدما أعادتهنّ الحكومة من مخيّم «الروج» في شمال شرقي سوريا حيث تُحتجز عائلات مقاتلين. وبُعيد عودتهنّ، مثلت النساء الخمس أمام محكمة في روتردام، وفقاً لما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية، حيث وجّهت إليهن تهمة الانضمام إلى مقاتلين في تنظيم «داعش» في ذروة الحرب في سوريا، والتخطيط لأعمال إرهابية. وقالت محكمة روتردام، في بيان اليوم (الخميس)، إنّ النساء الخمس «قصدن ساحات ل

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
العالم قتيلان بإطلاق نار في هامبورغ

قتيلان بإطلاق نار في هامبورغ

أفادت صحيفة «بيلد» الألمانية بسقوط قتيلين عقب إطلاق نار بمدينة هامبورغ اليوم (الأحد). وأوضحت الصحيفة أنه تم استدعاء الشرطة قبيل منتصف الليل، وهرعت سياراتها إلى موقع الحادث. ولم ترد مزيد من التفاصيل عن هوية مطلق النار ودوافعه.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم الادعاء الألماني يحرّك دعوى ضد شابين بتهمة التخطيط لشن هجوم باسم «داعش»

الادعاء الألماني يحرّك دعوى ضد شابين بتهمة التخطيط لشن هجوم باسم «داعش»

أعلن الادعاء العام الألماني في مدينة كارلسروه، اليوم (الخميس)، تحريك دعوى قضائية ضد شابين إسلاميين بتهمة الإعداد لشن هجوم في ألمانيا باسم تنظيم «داعش». وأوضح الادعاء أنه من المنتظر أن تجري وقائع المحاكمة في المحكمة العليا في هامبورغ وفقاً لقانون الأحداث. وتم القبض على المتهمَين بشكل منفصل في سبتمبر (أيلول) الماضي وأودعا منذ ذلك الحين الحبس الاحتياطي. ويُعْتَقَد أن أحد المتهمين، وهو كوسوفي - ألماني، كان ينوي القيام بهجوم بنفسه، وسأل لهذا الغرض عن سبل صنع عبوة ناسفة عن طريق عضو في فرع التنظيم بأفغانستان. وحسب المحققين، فإن المتهم تخوف بعد ذلك من احتمال إفشال خططه ومن ثم عزم بدلاً من ذلك على مهاج

«الشرق الأوسط» (كارلسروه)

إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
TT

إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»

بعد أكثر من 420 يوماً على أطول حرب مدمرة عرفها الفلسطينيون، لا يزال الغزيون الذين فقدوا بلدهم وحياتهم وبيوتهم وأحباءهم، لا يفهمون ماذا حدث وماذا أرادت حركة «حماس» حقاً من هجومها المباغت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، الهجوم الذي غير شكل المنطقة وفتح أبواب الحروب والتغييرات.

الشيء الوحيد الواضح حتى الآن هو أن غزة تحولت إلى منطقة غير قابلة للحياة، ولا شيء يمكن أن يصف ألم الباقين على قيد الحياة الذين فقدوا نحو 50 ألفاً في الحرب المستمرة، وأكثر من 100 ألف جريح.

وإذا كان السكان في قطاع غزة، وآخرون في الضفة الغربية وربما أيضا في لبنان ومناطق أخرى لم يفهموا ماذا أرادت «حماس»، فإنهم على الأقل يأملون في أن تأتي النتائج ولو متأخرة بحجم الخسارة، ولا شيء يمكن أن يعوض ذلك سوى إقامة الدولة. لكن هل أرادت «حماس» إقامة الدولة فعلاً؟

هاجس الأسرى الذي تحول طوفاناً

في الأسباب التي ساقتها، تتحدث حركة «حماس» عن بداية معركة التحرير، لكنها تركز أكثر على «تحريك المياه الراكدة في ملف الأسرى الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم الحركة قبيل الحرب»، و «الاعتداءات المتكررة من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين»، إلى جانب تصاعد العدوان باتجاه المسجد الأقصى والقدس وزيادة وتيرة الاستيطان.

ولا تغفل الحركة عن أنها أرادت توجيه ضربة استباقية تهدف لحرمان تل أبيب من مباغتة غزة، وإعادة القضية إلى الواجهة.

وقالت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأسباب كانت صحيحة وكافية بالنسبة للحركة لاتخاذ قرار شن الهجوم، لكن خرج المخطط عن السيطرة».

لافتات في القدس تنادي بعقد صفقة لإطلاق الأسرى الإسرائيليين في غزة بجانب صورة لزعيم «حماس» يحيى السنوار وأخرى لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله اللذين قتلتهما إسرائيل في سبتمبر وأكتوبر الماضيين (أ.ف.ب)

وأضاف: «الهدف الرئيسي كان أسر جنود إسرائيليين وعقد صفقة تاريخية. ثم تأتي الأسباب الأخرى. لكن لم يتوقع أحد حتى المخططون الرئيسيون، أن تنهار قوات الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة، ما سمح بالدفع بمزيد من المقاومين للدخول لمناطق أخرى في وقت وجيز، قبل أن يتسع نطاق الهجوم بهذا الشكل».

ويعد تحرير الأسرى الفلسطينيين بالقوة، هاجس «حماس» منذ نشأت نهاية الثمانينات.

ونجحت الحركة بداية التسعينات أي بعد تأسيسها فوراً باختطاف جنود في الضفة وغزة والقدس وقتلتهم دون تفاوض. وفي عام 1994 خطف عناصر «حماس» جندياً وأخذوه إلى قرية في رام الله وبَثُّوا صوراً له ورسائل، وطلبوا إجراء صفقة تبادل، قبل أن يداهم الجنود المكان ويقتلوا كل من فيه.

وخلال العقود القليلة الماضية، لم تكل «حماس» أو تمل حتى نجحت عام 2006 في أسر الجندي جلعاد شاليط على حدود قطاع غزة، محتفظة به حتى عام 2011 عندما عقدت صفقة كبيرة مع إسرائيل تم بموجبها تحرير شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني، بينهم يحيى السنوار الذي فجر فيما بعد معركة السابع من أكتوبر من أجل الإفراج عمن تبقى من رفاقه في السجن.

وتعد الحركة، الوحيدة التي نجحت في خطف إسرائيليين داخل الأراضي الفلسطينية، فيما نجح الآخرون قبل ذلك خارج فلسطين.

وقال مصدر في «حماس»: «قيادة الحركة وخاصةً رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، كانت تولي اهتماماً كبيراً بملف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وظلت تبحث عن كل فرصة لإخراج أكبر عدد ممكن منهم».

وأضاف: «السنوار وعد رفاقه عندما خرج في صفقة شاليط بالإفراج عنهم».

انفجار ضخم بعد قصف إسرائيلي لمخيم البريج جنوب غزة (إ.ب.أ)

وفعلاً حاول السنوار التوصل إلى صفقة من خلال مفاوضات على 4 أسرى لدى الحركة، وهم الجنود: هدار غولدن، وآرون شاؤول، اللذان تم أسرهما عام 2014، وأفراهام منغستو بعدما دخل الحدود بين عسقلان وغزة في العام نفسه، وهشام السيد بعد تسلله هو الآخر من الحدود.

تكتيكات «حماس» قبل وبعد

منذ 2014 حتى 2023 جربت «حماس» كل الطرق. عرضت صفقة شاملة وصفقة إنسانية، وضغطت على إسرائيل عبر نشر فيديوهات، آخرها فيديو قبل الحرب لمنغتسو، قال فيه: «أنا أفيرا منغيستو الأسير. إلى متى سأبقى في الأسر مع أصدقائي»، متسائلاً: «أين دولة إسرائيل وشعبها من مصيرهم».

ونشْر الفيديوهات من قبل «حماس» ميَّز سياسة اتبعتها منذ نشأتها من أجل الضغط على إسرائيل لعقد صفقات تبادل أسرى، وهو نهج تعزز كثيراً مع الحرب الحالية.

وخلال أكثر من عام نشرت «حماس» مقاطع فيديو لأسرى إسرائيليين بهدف الضغط على الحكومة الاسرائيلية، وعوائل أولئك الأسرى من جانب آخر، وكان آخر هذه المقاطع لأسير أميركي - إسرائيلي مزدوج الجنسية يدعى إيدان ألكسندر.

وظهر ألكسندر قبل أسبوع وهو يتحدث بالإنجليزية متوجهاً إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وبالعبرية متوجهاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطالباً إياهم بالعمل على الإفراج عنه وعن الأسرى ضمن صفقة تبادل، مؤكداً أن حراسه من عناصر «حماس» أخبروه بأنهم تلقوا تعليمات جديدة إذا وصل الجيش الإسرائيلي إليهم، في إشارة لإمكانية قتله، داعياً الإسرائيليين للخروج والتظاهر يومياً للضغط على الحكومة للقبول بصفقة تبادل ووقف إطلاق النار في غزة. مضيفاً: «حان الوقت لوضع حد لهذا الكابوس».

وكثيراً ما استخدمت «حماس» هذا التكتيك، لتظهر أنها ما زالت تحافظ على حياة العديد منهم وأنهم في خطر حقيقي، وللتأكيد على موقفها المتصلب بأنه لا صفقة دون وقف إطلاق نار.

وفي الأيام القليلة الماضية، نشرت «حماس» فيديو جديداً عبر منصاتها أكدت فيه أن 33 أسيراً قتلوا وفقدت آثار بعضهم بسبب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجيشه، وأنه باستمرار الحرب قد تفقد إسرائيل أسراها إلى الأبد.

إذن من أجل كل هذا وبعدما فشلت «حماس» في الوصول إلى صفقة، هاجمت في السابع من أكتوبر.

وقال مصدر مطلع: «لم تجد قيادة (حماس) أمامها سوى الخيار العسكري لتحريك هذا الملف، بعدما أهملت إسرائيل الملف ومطالبات الحركة بإتمام صفقة».

لكن النتائج جاءت عكس ما اشتهت السفن.

وأغلب الظن أن حركة «حماس» كانت تخطط لأسر عدد محدود من الإسرائيليين، تدخل بعدها في معركة قصيرة مع إسرائيل تجبر فيها الأخيرة على الإذعان لصفقة تبادل، على غرار ما جرى بعد اختطاف شاليط.

فالطوفان الذي خططت له «حماس»، جلب طوفانات على الفلسطينيين، وتحديداً في غزة التي تدمرت ودفعت ثمناً لا يتناسب مطلقاً مع الهدف المنوي جبايته.

خارج التوقعات

بدأت أصوات الغزيين ترتفع ويجاهر كثيرون بأن إطلاق سراح الأسرى لا يستحق كل هذا الدمار، ويقولون إن عدد الضحايا أصبح أضعاف أضعاف أعداد الأسرى، الذين بلغ عددهم قبل الحرب نحو 6 الآف.

وقال فريد أبو حبل وهو فلسطيني من سكان جباليا نازح إلى خان يونس جنوب القطاع: «كل ما نريده أن تتوقف هذه الحرب، لا شيء يمكن أن يكفر عن الثمن الباهظ جداً الذي دفعناه ولا حتى تبييض السجون بأكملها يمكن أن يعيد لنا جزءاً من كرامتنا المهدورة ونحن في الخيام ولا نجد ما نسد به رمق أطفالنا».

وتساءل أبو حبل: «من المسؤول عما وصلنا إليه؟! لو سئل الأسرى أنفسهم عن هذه التضحيات لربما كانوا تخلوا عن حريتهم مقابل أن يتوقف هدر الدماء بهذا الشكل».

لكن منال ياسين، ترى أن من يتحمل مسؤولية استمرار هذه الحرب هو الاحتلال الإسرائيلي وخاصةً نتنياهو الذي يرفض كل الحلول، معربةً عن اعتقادها أن «حماس» قدمت ما عليها، وحاولت تقديم كثير من المرونة، لكن من ترفض الحلول هي إسرائيل.

وتؤكد ياسين أن جميع سكان غزة يريدون وقف هذه الحرب.

ولا يقتصر هذا الجدل على آراء الناس في الشارع، بل امتد لشبكات التواصل الاجتماعي. وكتب الكاتب محمود جودة على صفحته على «فيسبوك»: «الموضوع صار خارج منطق أي شيء، مطر وجوع وقتل وخوف، أهل غزة الآن بيتعذبوا بشكل حقير وسادي، مقابل اللاشيء حرفياً. الجرحى بينزفوا دم، والمطر مغرقهم، والخيام طارت، والطين دفن وجوه الناس، ليش كل هذا بيصير فينا، ليش وعشان شو بيتم استنزافنا هيك بشكل مهين».

وقال الطبيب فضل عاشور، إن «كل محاولات حماس للحفاظ على البقاء محكومة بالفشل، والعناد اليائس ثمنه دمنا ولحم أطفالنا». فيما كتب الناشط الشبابي أيمن بكر: «ما هذا الخرب يا حماس؟ هل كل هذا يستاهل ما نحن فيه؟ نحن نموت جوعاً وقتلاً».

جوع وأزمة غذاء وتدافع على حصص المساعدات الغذائية في خان يونس (رويترز)

جدل عام وتهم جاهزة

هذا الجدل سرعان ما انتقل إلى السياسيين ورجال الدين.

فقد أثار الشيخ سليمان الداية عميد كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية التابعة لـ«حماس»، وأبرز الشخصيات المعروفة مجتمعياً ومن القيادات المؤثرة دينياً داخل الحركة، وجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، جدلاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد نشره حلقات متتالية حول ما آلت إليه الحرب من نتائج صعبة على واقع الغزيين سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً.

وكان الداية بالأساس يرد على تساؤلات دفعته لنشر هذه الحلقات، حول تصريحات للقيادي في «حماس» أسامة حمدان، حين قال إن ما يعيشه سكان غزة واقع عاشه كثيرون في العالم على مر التاريخ، مدافعاً عن هجوم 7 أكتوبر، ومبرراً حاجة حركته للتمسك بمواقفها رغم العدد الكبير من الضحايا والدمار الذي لحق بغزة.

ودفع كلام الداية، الكثيرين من المؤيدين لفكرة إنهاء الحرب أو رفضها من الأساس، بينما هاجمه كثيرون من عناصر «حماس» ووصفوه بأنه أحد «المتخاذلين أو المستسلمين».

وكتب الأسير المحرر والمختص بالشؤون الإسرائيلية عصمت منصور على صفحته في «فيسبوك» معلقاً على هذا الجدل: «لا تتهموا كل من يختلف أو يجتهد أو يحاول إثارة نقاش بجمل مسبقة وجاهزة ووضعه في خانة معادية للمقاومة وتحويل المقاومة إلى سيف مسلط على ألسن الناس».

ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن هذا الخلاف، طبيعي في ظل الظروف التي تحكم الفلسطينيين، لكنه يعتقد أنه كان من الصواب لو اعترفت «حماس» بأنها ربما قد تكون أخطأت التقدير في ظروف ردة الفعل الإسرائيلية على مثل الهجوم الذي شنته، وكان من الممكن أن يكون بشكل مغاير يخفف من مثل ما يجري على الأرض من مجازر ترتكب يومياً.

وأضاف: «الفلسطينيون بحاجة لنقاش جدي حول كثير من القضايا خاصةً فيما يتعلق بما وصلت إليه القضية الفلسطينية على جميع المستويات».

وتجمع غالبية من الفلسطينيين على أن حركة «حماس» كانت قادرة على أن يكون الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر 2023، أكثر حكمةً وأقل ضرراً بالنسبة للغزيين في ردة فعلهم.

أطفال فلسطينيون يحضرون صفاً أقامته معلمة سابقة وأم من رفح لتعليم الأولاد في مركز نزوحهم بإحدى مدارس خان يونس (أ.ف.ب)

ويستدل الفلسطينيون خاصةً في غزة، على العديد من الهجمات التي كانت تنفذها «حماس» لمحاولة خطف إسرائيليين، بشكل يظهر حكمتها، كما جرى في عملية أسر جلعاد شاليط عام 2006.

وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن ما جرى كان خارج التوقعات، ولم يشمل المخطط الحقيقي للعملية، على الأقل أسر هذا العدد الكبير من الإسرائيليين.

وتعتقد مصادر أخرى أن القائمين على مخطط الهجوم، لو كانوا يدركون أنه سيسير بهذا الشكل، وتحديداً فيما يتعلق بردة الفعل الإسرائيلية، لصرفوا النظر أو أوقفوا الهجوم أو غيروا من تكتيكاته.

وإذا كان ثمة نقاش حول الثمن المدفوع الذي أرادت «حماس» أن تجبيه فإنها حتى الآن لم تُجبِه.

ويبدو أن التوصل لصفقة بين «حماس» وإسرائيل، أعقد مما تخيلت الحركة، في ظل رفض الأخيرة لكثير من الشروط التي وضعتها الأولى، خاصةً فيما يتعلق بالانسحاب من قطاع غزة بشكل كامل، وعودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، والأزمة المتعلقة بشكل أساسي باليوم التالي للحرب.

وينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى الآن، المضي في حربه، من أجل مصالح سياسية وشخصية بشكل أساسي، وهو الأمر الذي تؤكده عوائل الأسرى الإسرائيليين وغيرهم وحتى جهات من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، التي تشير إلى أن نتنياهو هو من يعرقل أي اتفاق مع «حماس».

وأكد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن «نتنياهو يفضل استمرار الحرب في غزة من أجل كسب الوقت للحفاظ على حكمه سياسياً ومنع تفكك ائتلافه الحكومي من جهة، ومنع مقاضاته من جهة أخرى، ولذلك طلب مؤخراً عدة مرات تأجيل شهادته في قضايا الفساد المتهم بها، كما أنه يسعى لسن قوانين تسمح له بعدم الوجود في أماكن معينة لوقت طويل خشيةً من استهدافه بالطائرات المسيّرة، بهدف المماطلة في جلسات المحاكمة».

ويعتقد إبراهيم أنه كان من الممكن سابقاً التوصل لاتفاق جزئي يضمن في نهايته انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، إلا أن المشهد المعقد أيضاً في عملية اتخاذ القرار الفلسطيني داخل حركة «حماس» بشكل خاص، كان له أثر سلبي على ذلك، ما أضاع العديد من الفرص للتوصل لصفقة.

ويتفق إبراهيم مع الآراء التي تؤكد أن التوصل لصفقة يصبح أكثر تعقيداً وصعوبةً مع مرور الوقت.

وبانتظار أن ترى صفقة «حماس» النور أو لا... لم تكن «حماس» مخترعة العجلة في هذا الأمر.

صفقات تبادل سابقة

ونجح الفلسطينيون عبر تاريخ طويل في عقد عدة صفقات تبادل أسرى.

وكانت صفقة الجندي جلعاد شاليط هي الأولى بالنسبة لحركة «حماس»، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كانت الصفقة الثانية بالنسبة لـ«حماس» خلال الحرب الحالية، بإطلاق سراح نحو 50 إسرائيلياً مقابل 150 فلسطينياً.

ويعود التاريخ الفلسطيني في صفقات التبادل، إلى يوليو (تموز) 1968، وهي الصفقة الأولى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، حين نجح عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إحدى فصائل المنظمة، باختطاف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة العال، التي كانت متجهة من روما إلى تل أبيب وأجبرت على التوجه إلى الجزائر وبداخلها أكثر من مائة راكب، وتم إبرام الصفقة من خلال «الصليب الأحمر الدولي» وأفرج عن الركاب مقابل 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون كانوا قد أسروا قبل عام 1967.

وفي يناير (كانون الثاني) 1971، جرت عملية تبادل أسير مقابل أسير ما بين حكومة إسرائيل وحركة «فتح»، وأطلق بموجبها سراح الأسير محمود بكر حجازي، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي اختطف في أواخر عام 1969.

وفي مارس (آذار) 1979، جرت عملية تبادل أخرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، سراح جندي إسرائيلي كانت قد أسرته بتاريخ 5 أبريل (نيسان) 1978، في كمين قرب صور، وقتلت حينها 4 جنود آخرين، وأفرجت إسرائيل مقابل الجندي عن 76 معتقلاً فلسطينياً من بينهم 12 سيدة.

وفي منتصف فبراير (شباط) 1980 أطلقت حكومة إسرائيل سراح الأسير مهدي بسيسو، مقابل إطلاق سراح مواطنة عملت جاسوسة لصالح إسرائيل كانت محتجزة لدى حركة «فتح»، وتمت عملية التبادل في قبرص وبإشراف اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر».

وفي 23 نوفمبر 1983، جرت عملية تبادل جديدة ما بين الحكومة الإسرائيلية، وحركة «فتح»، أفرج بموجبها عن جميع أسرى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم (4700) أسير فلسطيني ولبناني، و (65) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين أسروا في منطقة بحمدون في لبنان، فيما أسرت الجبهة الشعبية – القيادة العامة، جنديين آخرين.

وفي 20 مايو (أيار) 1985، أجرت إسرائيل عملية تبادل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، أطلق بموجبها سراح 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها المختلفة، مقابل ثلاثة جنود أسروا في عمليتين منفصلتين.

لكن ليس كل الصفقات تمت بمبادلة.

ولعل أبرز صفقة حصلت عليها «حماس» لم تشارك فيها بشكل مباشر، وكانت عام 1997، حين جرت اتفاقية تبادل ما بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأردنية وأطلقت بموجبها الحكومة الأخيرة سراح عملاء الموساد الإسرائيلي الذين حاولوا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» حينها خالد مشعل، فيما أطلقت حكومة إسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، الذي كان معتقلاً في سجونها منذ عام 1989 وكان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، وكان لهذا الإفراج دور مهم في ارتفاع شعبية الحركة على مدار سنوات تلت ذلك، وخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.