قصة رامي مخلوف من الصعود إلى السيطرة... والاختبار

خبراء سوريون يقارنون ظهوره بقصة رفعت الأسد في الثمانينات

مكتب تابع لشركة «سيريتل» في سوريا (رويترز)
مكتب تابع لشركة «سيريتل» في سوريا (رويترز)
TT

قصة رامي مخلوف من الصعود إلى السيطرة... والاختبار

مكتب تابع لشركة «سيريتل» في سوريا (رويترز)
مكتب تابع لشركة «سيريتل» في سوريا (رويترز)

تحمل الإطلالة التلفزيونية لرامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، الكثير من الرمزية المبطنة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، من حيث الشكل والمضمون والتوقيت... والسياق التاريخي القريب والبعيد.
الظهور في تسجيلين مدتهما 25 دقيقة، لا يحيد عن سياق الدور المعلن والمضمر خلال 25 سنة. قاعدة الانطلاق كانت أنه ابن محمد مخلوف «أبو رامي»، شقيق أنيسة زوجة الرئيس الراحل حافظ الأسد. ثم، دخل في مرحلة «المهندس رامي» بعد تخرجه في الجامعة. أما الصعود الاقتصادي، فبدأ نهاية التسعينات. وخلال العقد الماضي، عُرف بـ«الاستاذ رامي». كان رجل الظل والصفقات الكبرى. لم يكن مغرماً بالشاشة والواجهات العلنية.
ما الذي استدعى أن يغيّر رامي طقوسه ليطلّ تلفزيونياً «نصيراً للفقراء» ويناشد «سيادة الرئيس» التدخل لإنصاف «الذين كانوا موالين... وما زالوا»، منتقداً «الآخرين»؟

- الصعود
كان لمحمد مخلوف، شقيق أنيسة زوجة الرئيس الراحل حافظ الأسد، دور محوري غير مرئي في الاقتصاد السوري. انطلق من «مؤسسة التبغ - ريجي» الحكومية ليتجذر في رعاية صفقات اقتصادية كبرى خصوصاً في قطاع النفط من الإنتاج والتصدير في منتصف الثمانينات. كان «العرّاب الخفي» للاقتصاد وغيره، فيما ركز الأسد على البعدين العسكري والسياسي الأمني في بنية النظام.
مع التغير البيولوجي - الجيلي في الأسرة والنخبة الحاكمة، انتقل دور الجيل الجديد لأبناء المسؤولين من «الشراكات» في الشركات إلى قيادة قطاع الأعمال الخاص في النصف الثاني. كان أبرزهم «المهندس رامي»، فبدأ في «راماك» المختصة في «السوق الحرة» على البوابات الحدودية البرية والجوية.
بالتزامن مع وفاة الرئيس الأسد وانتقال الحكم إلى الرئيس بشار الأسد، اتجه رامي إلى قطاع الاتصالات الواعد. وبعد مفاوضات ومحاكمات واختبارات، حازت «سيريتل» وشركة أخرى منافسة هي «إم تي إن» من الحكومة السورية، على ترخيص «بي أو تي» في 2001، وباتت الشركتان تحتكران قطاع الاتصالات وعائداته. وقتذاك، تعرض باحثون ونواب سابقون، بينهم رياض سيف، لضغوط يعتقد معارضون أنها بسبب إثارة هذا العقد والاقتراب من «الخط الأحمر». كان عقد «سيريتل»، القاعدة التي اتسعت منها مجالات عمل واهتمام شركات مخلوف، لتشمل معظم قطاعات النفط والمال والمصارف والسياحة والتجارة، في مواكبة لمرحلة الانفتاح الاقتصادي الانتقائي في البلاد في بداية الألفية. الانفتاح، الذي يعتقد خبراء أنه ضَيّق حجم الطبقة الوسطى وركّز الثروة لدى عدد قليل وخصوصاً شركات مخلوف، كأنه أكل من القاعدة الشعبية التقليدية للنظام وأربك «العقد الاجتماعي» القائم خلال ثلاثة عقود من حكم الرئيس الأسد. ويذهب بعضهم إلى اعتبار هذا سبباً رئيسياً في احتجاجات 2011.

- أول اختبار
أطلق عليه منافسوه ومعارضون سياسيون «الوكيل الحصري لسوريا». حسده من أراد «حصة في الكعكة». انتقده من أراد طريقاً آخر للبلاد، سياسياً واقتصادياً. وكان أبرز المعارضين للمفاوضات التي كانت تجريها الحكومة مع الاتحاد الأوروبي لتوقيع «اتفاق شراكة» تضع قيوداً لمنع «الاحتكار الاقتصادي». تراكمت انتقادات وملاحظات وتحذيرات إزاء اتساع دوره، من قطاعات عائلية وطبقية وسياسية واقتصادية، فكان أول اختبار يحصل معه. وفي 2004 غادر إلى الإمارات وبقي هناك بضعة أشهر. وقال مسؤول اقتصادي سابق: «تلك السنة كانت الأفضل على صعيد تدفق الاستثمارات الخارجية إلى سوريا».
رامي قابل الاختبار بالصمت. حاول الاستثمار في الإمارات من دون ضجة. حصلت موجة أخرى من الضغوط الاقتصادية ودخلت سوريا في عزلة بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، في 2005. توفرت شروط، داخلية وخارجية، استدعت عودته إلى البلاد وتوسيع دوره الاقتصادي. الهدف، كان نسخ «التجربة اللبنانية» في سوريا بما فيها المصارف التي كانت رئة الاقتصاد السوري. وبرز مصطلح «بيرتة (بيروت) دمشق». أي، لدى خروج الجيش من لبنان، سعى البعض إلى صنع «لبنان سوريا» في سوريا لتعويض ما فقد جراء الانسحاب خصوصاً في القطاع الاقتصادي - المالي. أسس رامي مع «شركاء» آخرين شركة «شام القابضة» في 2006 للإشراف على إدارة التوسع الهائل للدور الاقتصادي. ويوضح المسؤول: «كان مخلوف يسيطر على نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي الذي كان نحو 62 مليار دولار أميركي. لكنّ دوره في القرار الاقتصادي كان أكبر من هذه النسبة بكثير».

- «اعتزال الغرام»
لدى اندلاع الاحتجاجات في 2011، ظهرت لافتات وشعارات ضد دور رامي، الاقتصادي وشركة «سيريتل»، ومطالبات للرئيس الأسد بتقييد ذلك أو محاسبته. ترددت روايات عدة من معارضين أو منشقين، حول دور بيت مخلوف في اختيار النظام «الحل الأمني» وخطاب الرئيس الأسد في نهاية مارس (آذار) من ذلك العام، فيما تحدث مسؤولون أن الاحتجاجات كانت منذ البداية «جزءاً من مؤامرة خارجية».
كانت هناك لقاءات غير علنية لمخلوف مع مسؤولين غربيين، منهم السفير الأميركي الأسبق روبرت فورد، وسفراء أوروبيون بينهم الفرنسي إريك شوفاليه. كان رامي ووالده قد استضافا جون كيري عندما كان رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس. وفجأة، في منتصف ذاك العام وعلى غير عادته، كانت لرامي إطلالتان: الأولى، في مقابلة مع الصحافي الراحل أنطوني شديد في «نيويورك تايمز»، قال فيها: «لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا»، أي ربط أمن إسرائيل باستقرار سوريا. الأخرى، إعلانه «اعتزال الغرام» والتنازل عن ممتلكاته لـ«أعمال خيرية»، في إطار استيعاب الاحتجاجات السلمية بعد تسميته في المظاهرات. لكن نشطاء ومعارضين تحدثوا عن استمرار دوره ومساهمته في دعم قوات الحكومة عبر وسائل عدة، بينها «جمعية البستان» برئاسة سامر درويش وتنظيمات قاتلت إلى جانب قوات الحكومة.

- الأخ الأصغر
لعب الشقيق الأصغر لرامي، العقيد حافظ مخلوف رئيس فرع أمن دمشق التابع لإدارة المخابرات العامة، دوراً محورياً في مواجهة الاحتجاجات والاعتقالات وترجيح «الخيار الأمني». هناك من اعتقد أنه كان من «الحلقة الضيقة» وأنه دفع مرات عدة ضد وجهات نظر مسؤولين في النظام، كانت تقترح حلاً سياسياً للأزمة. وفي 2014، أُعفي العقيد حافظ من منصبه. غادر بعد ذلك إلى روسيا لفترة ثم عاد «بعد سماح» إلى دمشق، لكنه بقي هو ووالده محمد يقضيان وقتاً واسعاً بين موسكو وكييف بفضل علاقات أمنية وسياسية واقتصادية مع متنفذين في روسيا. هناك من يعتقد بوجود صلة مع يفغيني بريغوزين المعروف بـ«طباخ بوتين»، المعروف بتأسيس مجموعة «فاغنر» التي قاتل عناصرها في أماكن الصراع والتدخل الروسي لتجنب انخراط الجيش مباشرة وتكرار تجربة أفغانستان. لم تُعرف الأسباب الحقيقية للانزعاج من حافظ مخلوف وعزله. تحدث معارضون عن سعيه للعب دور سياسي ما في دمشق بتنسيق مع أطراف روسية وقبول قوى غربية، ضمن «محاصصة طائفية» برعاية خارجية تتضمن توسيع صلاحيات رئيس الوزراء السُّني وتقليص صلاحيات الرئيس العلوي.

- لاعبون جدد
في 2015، نقل رامي مخلوف ترخيص «سيريتل» من «بي أو تي» إلى رخصة بالتعاقد مع «الهيئة العامة للاتصالات» الحكومية. ونقل موقع «روسيا اليوم» قبل أيام عن باحثة اقتصادية سورية أن تعديل صيغة العقود المبرمة مع شركتي الهاتف النقال في البلاد «فوّتت على الخزينة أكثر من 338 مليار ليرة (نحو 482 مليون دولار)».
وبين عامي 2015 و2020، ظهرت عوامل جديدة. من جهة، واصل مخلوف دوره الاقتصادي الخلفي ودعمه لـ«جمعية البستان» بتوفير رواتب مساعدات لمصابين في الحرب وأسر عائلات في الجيش والأمن وفقراء في الساحل السوري و«أحزمة الفقر» حول دمشق والمدن الأخرى التي تضم عائلات موظفي مؤسسات الدولة من جيش وأمن وغيرها وتقديم امتيازات مالية لرجال متنفذين، إضافة إلى تمويل تنظيمات عسكرية قاتلت إلى جانب قوات الحكومة. كما واصل دعمه لـ«الحزب السوري القومي الاجتماعي» الذي بات ممثلاً في الحكومة.
في الوقت نفسه، بدأ بروز دور لرجال أعمال جدد خصوصاً من لبّوا الحاجات الجديدة للنظام مع تراجع الدور المرئي لمخلوف. كان بين الصاعدين مجموعة قاطرجي ووسيم قطان وسامر الفوز الذي اشترى حصص فندق «فورسيزونز» من مخلوف وآخرين. وتركزت أعمال هؤلاء في استيراد مواد غذائية ومشتقات نفطية بتسهيلات إيرانية، وصفقات نقل النفط من مناطق سيطرة حلفاء أميركا شرق سوريا ومناطق الحكومة. كما برز دور رجال أعمال شباب، بينهم محيي الدين مهند دباغ ويسار إبراهيم، في عقود لعل أبرزها واحد لتشغيل الهاتف النقال في سوريا مع شركة إيرانية تابعة لـ«الحرس الثوري»، وعقد آخر يتعلق بـ«البطاقة الذكية» التي تضبط مشتريات المواطنين.
عندما تحدث رامي في إطلالته التلفزيونية الثانية عن «الآخرين»، ربما كان يشير إلى هؤلاء. وأمام بروز «أمراء الحرب»، أدرج الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مخلوف والفوز وآخرين على قائمة العقوبات. وبعد غياب عن الضوء لسنوات، عاد مخلوف لعقد اجتماعات شركة «شام القابضة» في العام الماضي.

- تفكيك شبكات
في أغسطس (آب) الماضي، اتخذ الرئيس الأسد إجراءات صارمة ضد شبكات مخلوف وشركاته. شمل ذلك، «جمعية البستان» وحل جناحها العسكري، حيث كانت تعطي المقاتل راتباً يصل إلى 350 دولاراً، ما يعني أضعاف راتب الجندي النظامي. وقيل وقتذاك، إن «جمعية البستان» تستطيع الاستمرار في «العمل الخيري»، فيما أعلنت «الجمعية» أنها «كانت وما زالت وستبقى جزءاً من الشعب، في تقديم يد العون لكل محتاج ومريض، رديفةً للجهات الحكومية. فالجمعية نهضت بدعم ورعاية قائد الوطن السيد الرئيس، واشتد عودها فمدّت يد العون للآلاف من الأحبة وساعدتهم في محنهم».
إجراءات التفكيك، شملت الذراع السياسية. تبلغ عناصر في «الحزب السوري القومي الاجتماعي» تعليمات بفقدان مميزات كانت قد مُنحت لهم في الفترة الأخيرة، بسبب الدور البارز لآل مخلوف المعروف تاريخياً بتأييده أفكار الحزب ما أسهم في تمدده في مفاصل رئيسية وتكوين ميليشيات قاتلت إلى جانب قوات الحكومة، ذلك بعدما كان الحزب شبه محظور في السنوات السابقة، بسبب معارضة «البعث» الحاكم. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أصدرت محكمة الاستئناف قراراً بحل «الحزب السوري - جناح الأمانة»، الذي كان قد أسسه رامي في 2011، وخاض انتخابات مجلس الشعب في 2012 بدعم من «جمعية البستان» وحصل على مقاعد في البرلمان.
في نهاية العام الماضي، أمام تراجع سعر الصرف جرى توجيه انتقادات إلى رامي لـ«عدم المساهمة في وقف التدهور» وسط اتهاماته له بتصريف مبالغ طائلة من عائدات «سيريتل» وغيرها في لبنان يومياً. طلب «المصرف المركزي» من رجال الأعمال تقديم دعم لإنقاذ الليرة، لكن المبالغ المحصلة كانت قليلة جداً لم تصل إلى طموح «التوجيه» بجمع نصف مليار دولار. فاستمر انخفاض سعر الصرف وزاد الانهيار بسبب العقوبات والأزمة المالية في لبنان.
عادت حملة مكافحة الفساد وملاحقة رجال أعمال. وتم فتح ملفات ضد رجال أعمال ومسؤولين سابقين وحاليين. وتحدّث الرئيس الأسد في مقابلة مع التلفزيون الرسمي في نهاية أكتوبر عن مكافحة الفساد في المؤسسات الرسمية والقطاع الخاص. وقال: «في القطاع الخاص، طلب من كل من هدر أموال الدولة أن يعيد الأموال (...) نريد أموال الدولة أولاً قبل أن نلاحق ونحوّل إلى القضاء». وفي 23 ديسمبر (كانون الأول)، صدرت سلسلة قرارات بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لعدد من كبار رجال الأعمال بينهم مخلوف وزوجته وشركاته. ووجهت لهم تهم التهرّب الضريبي والحصول على أرباح غير قانونية خلال سنوات الحرب. وأصدرت مديرية الجمارك قراراً بالحجز الاحتياطي على أموال مخلوف. وفي بداية العام، فتحت ملفات تتعلق بالفساد في شركة للنقل الجوي. وفي 17 مارس 2020 أصدرت وزارة المال قراراً بتجميد أمواله بسبب علاقته بشركة مختصة بالنفط.

- «رسائل فاغنر»
هبّت في منتصف أبريل (نيسان) رياح إعلامية قاسية من موسكو، حيث لكل كلمة معنى، على دمشق والرئيس الأسد. تضمنت مقالات واستبيان رأي جاءت من طرف مؤسسات تابعة لـ«مجموعة فاغنر» الذي يملك مقاتلين واستثمارات في سوريا ومعروف قربه من الرئيس فلاديمير بوتين، وجرى «تطعيمها» لاحقاً بمقالات حادة في صحيفة «برافدا» وعلى مواقع فكرية رصينة. الحملة جاءت بعد زيارة خاطفة لوزير الدفاع سيرغي شويغو، تضمنت نقل «رسائل قاسية» من الرئيس بوتين، تتعلق بضرورة التزام دمشق بالاتفاقات العسكرية الموقعة بين بوتين ورجب طيب إردوغان حول إدلب وألا تستجيب دمشق لتشجيع من دول عربية على فتح معركة مع الأتراك وفصائل موالية لهم في شمال غربي سوريا.
كما جاءت الحملة وسط انتقادات روسية لعدم التزام دمشق بالتفاهمات الروسية - الإسرائيلية - الأميركية، ورغبة موسكو بتقييد دور إيران في سوريا وتحديد ملامحه وسط استمرار الغارات الإسرائيلية وانتقال تل أبيب من «مرحلة احتواء إيران إلى إخراجها من سوريا». كما سربت وسائل إعلام روسية معلومات عن صراع اقتصادي في سوريا بين شركات روسية وأخرى تدعمها إيران واعتراض شركات روسية وتنظيمات بعضها تابع لـ«فاغنر»، بسبب عدم توفر عائدات مالية موازية للتدخل العسكري، خصوصاً في قطاعات حصص النفط والغاز والصفقات الاقتصادية.
وفي مقابل تمسك مواقع بحثية روسية وخبراء محسوبين على الخارجية ومؤسسات أخرى، بالحديث عن الأسد بوصفه «الرئيس الشرعي للبلاد وأسهم في الحفاظ على استقرار الدولة»، استمرت مراكز أخرى قريبة من «فاغنر» في توجيه انتقادات إلى الأسد.

- حملة وإطلالة
في منتصف أبريل، اتخذت الحملة على رامي بعداً جديداً. إذ إنه حصل حدث يتعلق بـشركة «ميلك مان» التابعة له، لدى إعلان السلطات المصرية أنها ضبطت شحنة حليب محملة على باخرة سورية متجهة إلى ليبيا وعلى متنها 4 أطنان من الحشيش المخدر. من جهته، أعلن رامي أنها «مؤامرة لتشويه السمعة». وكان لافتاً، عدم حصول تأثير على دور «سيريتل» الإعلاني خلال شهر رمضان وخدماتها التي تصل إلى نحو 11 مليون شخص.
وفي 27 أبريل الماضي، أعلنت «الهيئة الناظمة للاتصالات» مطالبة شركتي الهاتف النقال بدفع مبلغ 233 مليار ليرة سورية (منها 120 من «سيريتل») قبل 5 مايو (أيار) 2020. (334 مليون دولار بينها 178,5 مليون مطلوبة من شركة مخلوف).
في نهاية أبريل، أسس رامي صفحة على «فيسبوك» بهيئة جديدة، برزت فيها لحيته. بدايةً، أصدر بياناً خطياً تمسك فيه بـ«العمل الخيري» في «جمعية البستان» لمساعدة الفقراء. لكن في اليوم الثاني، رمى مفاجأة أخرى بأنه قام بخطوة غير متعارف عليها في دمشق ومن شخصيات نافذة، إذ إنه بث فيديو على صفحته في «فيسبوك»، ناشد فيه الأسد، التدخل لإنقاذ شركة الهاتف النقال.
وفي الفيديو، ومدته 15 دقيقة، قال: «لا نتهرّب من الضريبة ولا نتلاعب على البلد (...) ندفع ضرائبنا وندفع تقاسم العائدات» للحكومة. ورغم اعتباره أن «مطالب الدولة غير محقة» وأن «المبلغ ليس موجوداً تحت البلاطة»، توجّه إلى الأسد، قائلاً: «سألتزم بما وجهت به (...) أحترم أمرك وواجب عليّ أن أنفّذه. أرجوك ومن أجل استمرارية الشركة، ومن أجل استمرارية عملها ومن أجل المشتركين، لئلا تتأثر الخدمة من خلال قصّ المبلغ بطريقة مجحفة، أرجو أن تكون توجيهاتك وتعليماتك لجدولة (السداد) بطريقة مُرضية، بحيث لا تنهار الشركة مع هذا المبلغ». لكنه قال: «تعبت كثيراً من الطاقم الموجود الذي يضعني دائماً في دائرة الاتهام ويعتبرني أنا المخطئ وأنا السيئ».
في 1 مايو، ردت «الهيئة الناظمة للاتصالات» على رامي في بيان أصدرته في الساعة 11:30 ليلاً، قالت فيه إنها ترفض محاولات «التشويش» من رامي ومتمسكة بمطالبته بأن يسدد «مستحقات الدولة»، في وقت قامت أجهزة الأمن في اليوم التالي باعتقالات شخصيات مفتاحية في شركاته.

- «رسائل الحطب»
بعد ساعة من حملة اعتقالات انتقائية صباح الأحد، ظهر مخلوف ثانيةً في فيديو ثانٍ، تضمن خطوات دبلوماسية محسوبة بالشكل والمضمون. وإن كانت لغته الدينية ليست جديدة، فإنه كما في الفيديو الأول، حرص على الظهور كرجل عادي سواء من حيث اللباس أو تموضع الكاميرا والخلفية الخشبية وقطع الحطب. كما حرص على انتقاء كلماته بدقة لجهة مناشدة الرئيس الأسد ووصفه بأنه «صمام الأمان»، لكن مع تحذيرات مبطنة لدى حديثه عن «مرحلة مفصلية» تمر فيها البلاد وعن «آخرين» في البلاد، وأنه يدرك «حجم المخاطرة»، لكن «لن يتنازل» أمام «ظلم» أجهزة الأمن التي «رعاها ودعمها».
قال في الفيديو، ومدته عشر دقائق: «بدأت اليوم الضغوطات بطريقة غير مقبولة (...) وبدأت الأجهزة الأمنية تعتقل الموظفين الذين يعملون لديّ»، متسائلاً: «هل يتوقع أحد أن تأتي الأجهزة الأمنية على شركات رامي مخلوف، الذي كان أكبر داعم لهذه الأجهزة وأكبر راعٍ لها خلال الحرب؟». وأضاف رامي ويُعتقد أنه في يعفور قرب دمشق: «طُلب مني اليوم أن أبتعد عن الشركات وأن أنفذ تعليمات... وبدأت الضغوطات بسحب الموظفين والمديرين»، مشيراً إلى أنه تلقى تهديدات «إما أن تتنازل وإما أن نسجن كل جماعتك».
«رسائل الحطب» التي بعث بها، تضمنت التحدث باسم «الفقراء» و«الموالين» ضد «الآخرين». رد السلطات، كان بتوسيع دائرة الاعتقالات بما في ذلك مناطق الساحل. مالياً, ردة «هيئة الاتصالات» بالتمسك بسداد المبلغ.

- الحل... مالي أم سياسي؟
منذ ظهور رامي الثنائي، ظهرت سيناريوهات كثيرة في محاولة لتفسير ما حصل واستقرار الممكن. الواضح، هناك مستويان:
الأول، مالي، يتعلق بشركات مخلوف ومستحقات على «سيريتل» والإجراءات المتخذة ضد شبكاته بفعل المتغيرات في التوازنات الاقتصادية في دمشق. بالتالي، فإن حل هذا الملف، سيكون على أساس مالي، إما بتسوية ما وإما أن يسدد المستحقات ويسهم في تقديم كشف دعم كبير من أموال الخارج مع الاستمرار في تفكيك شبكاته. حصل هذا في السنوات السابقة مع رجال أعمال آخرين، وإن كان مخلوف في موقع مختلف تماماً. ويذهب بعض المحللين، إلى اعتبار حادثة رامي «مسرحية متفقاً عليها هدفها ترتيب البيت»... كأن شيئاً لم يكن.
الثاني، سياسي، سواء كان رامي «شُجع من أطراف خارجية» أن «أطرافاً خارجية تستغل رامي» لممارسة ضغوط على الأسد، أو أن رامي نفسه «ركب الموجة الروسية» في وقت تصل إلى دمشق رسائل ضغط من موسكو تخص أموراً مالية واقتصادية أكثر مما هي سياسية، خصوصاً أن والده وشقيقه هما في موسكو، ذات السلطة المركزية الدقيقة. هنا، قارن خبراء بين هذه الحادثة وقصص أخرى في العقود السابقة، صراع رفعت الأسد مع شقيقه الرئيس حافظ الأسد في الثمانينات الذي امتد عسكرياً واقتصادياً من دمشق إلى اللاذقية. وقتذاك، حرص رفعت على استعمال لغة اللباقة الدبلوماسية والأصول العسكرية في تعاطيه العلني مع شقيقه - الرئيس. حُسم الصراع برعاية سوفياتية ودعم أوروبي إقليمي. هناك من قارن «رسائل رامي» بمحاولات أخرى واغتيالات وانشقاقات جرت في السنوات الأخيرة و«انتهت بحسم من النظام لصالح الرئيس».
الرئيس الأسد، اختار إلى الآن التجاهل العلني لظهور رامي وترك الملف في الإطار الحكومي - الأمني - المالي. لم تكن صدفة إطلالته التلفزيونية لدى ترؤسه فريق التعاطي مع «كورونا» وإرساله إشارات غير مباشرة، محذراً من «كارثة حقيقية» تتجاوز إمكانيات سوريا في حال حصول ارتفاع كبير ومفاجئ بإصابات الوباء. وقال: «تسع سنوات من الحرب لا توازي إلا القليل من الأسابيع القليلة الماضية».
لموسكو، هذه المرة أيضاً، كلمة في دمشق. موسكو تغيرت. فالبعد المالي - الاقتصادي بات مهماً أكثر من الآيديولوجيا. ودمشق الراهنة، ليست ذاتها التي كانت في الثمانينات. شخصيات النظام تغيرت كثيراً، لكن بنيته لم تتغير في العمق. ظهرت مراكز تأثير في الأمن والجيش والاقتصاد و«أمراء الحرب»، لكن القرار لا يزال مركزياً.
سوريا أيضاً، ليست ذاتها. إيران موجودة في مناطق الحكومة، إلى جانب روسيا التي تتعرض لضغوط عسكرية وسياسية لتقييد - إخراج إيران. تركيا موجودة ومستقرة في منطقة نفوذها وفي توسع برضا روسي. أميركا، مقيمة في مناطق شرق الفرات حيث تضع مجموعة «فاغنر» عيونها على النفط والغاز والثروات التي فيها.
ربما، أعاد ظهور رامي، طرح الأسئلة وفتح باب البحث عن الإجابات في دمشق والعواصم الخارجية، المنخرطة في سوريا.



السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
TT

السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)

حين أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه سيتوّجه إلى غزة في خضّم الحرب المسعورة التي تشنها إسرائيل، كان يعرف أكثر من غيره أنها خطوة شبه مستحيلة، لكنه أراد إطلاق رسائله الخاصة، وأهمها على الإطلاق أن السلطة الفلسطينية «موجودة»، وهي «صاحبة الولاية» على الأراضي الفلسطينية،

سواء في غزة التي تئن تحت وطأة حرب مدمّرة، وتضع لها إسرائيل خططاً شتى لما تسميه «اليوم التالي»، من غير أن تأخذ السلطة بالحسبان، أو الضفة الغربية التي ترزح تحت وطأة حرب أخرى، تستهدف من بين ما تستهدف تفكيك السلطة.

وبعد عام على الحرب الأكثر مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، تخوض السلطة أصعب معركة عرفتها يوماً، وهي معركة «البقاء».

ولم تقتصر رسائل عباس على إسرائيل وحدها، بل شملت أولاً الولايات المتحدة التي انخرطت في نقاشات واسعة مع إسرائيل حول احتمالات انهيار السلطة، وراحت تتحدث عن سلطة متجددة، وثانياً، دولاً إقليمية وعربية تناقش مستقبل السلطة وشكل الهيئة التي يفترض أن تحكم قطاع غزة بعد الحرب، وأخيراً الفصائل الفلسطينية التي تهاجم و«تزايد» على السلطة، وترى أنها غير جديرة بحكم غزة، وتدفع باتجاه حلها.

الأيام الأصعب منذ 30 عاماً

تعيش السلطة الفلسطينية، اليوم، واحدة من أسوأ مراحلها على الإطلاق منذ تأسست قبل 30 عاماً.

فبعدما تقلصت المساحات التي تسيطر عليها في الأراضي الفلسطينية، وفيما هي تكابد بلا انتخابات رئاسية، وبلا مجلس تشريعي، أو أفق سياسي واقتصادي، وبالتزامن مع أزمة مالية خانقة، وأخرى أمنية، ومشاكل داخلية لا تحصى، وجدت هذه السلطة نفسها في مواجهة «طوفان» جديد؛ طوفان تغذيه أكثر حكومة يمينية تشن هجوماً منظماً وممنهجاً ضدها، وضد شعبها، وفيه كثير من المس بهيبتها وبرنامجها السياسي ووظيفتها، إلى الحد الذي يرتفع فيه السؤال حول إمكانية نجاتها أصلاً في الضفة، قبل أن تعود لتحكم غزة ثانية.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال كلمته في الأمم المتحدة بنيويورك (إ.ب.أ)

وبين الفينة والأخرى يتردد سؤال معقد بعض الشيء، ويبدو منطقياً أحياناً، وغير بريء أحياناً أخرى، وهو: لماذا لا تحل السلطة نفسها؟

هذا سؤال يبرز اليوم مجدداً، مع توسيع إسرائيل حربها ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة، وإن كان في صيغة مختلفة كالقول: لماذا لا تسلم السلطة المفاتيح لإسرائيل، وتزيد عليها الضغوط؟

الأكيد أن السلطة لا تُخطط لحل نفسها، وهذا ينطلق من «قناعة وطنية» بأنها وجدت لنقل الفلسطينيين من المرحلة الانتقالية إلى إقامة الدولة، وأنها لا تعمل وكيلاً لدى لاحتلال.

ويعرف المسؤولون الفلسطينيون أنه لطالما أرادت إسرائيل أن تجعل السلطة وكيلاً أمنياً لها، لكنهم يقولون في العلن والسر، إنهم ليسوا قوات «لحد» اللبنانية، وإنما هم في مواجهة مفتوحة لإنهاء الاحتلال، وهذا سبب الحرب التي تشنّها تل أبيب على السلطة سياسياً وأمنياً ومالياً.

وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، قال توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول جهاز المخابرات السابق: «إن السلطة لا تنهار لأنها نتاج طبيعي لنضال طويل للثورة الفلسطينية، وستبقى حتى إقامة الدولة».

هل هو قرار فلسطيني وحسب؟

ربما يرتبط ذلك أكثر بما ستؤول إليه الحرب الحالية الآخذة في الاتساع، وهي حرب يتضح أنها غيّرت في عقلية الإسرائيليين قبل الفلسطينيين، وفي نهج وسلوك وتطلعات الطرفين، وماضية نحو تغيير وجه الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمتنع حتى الآن عن وضع خطة واضحة لما بعد الحرب، لا في الضفة ولا في غزة، يجاهر أركان حكومته وحلفاؤه بما سيأتي، وهي خطة على الأقل واضحة جداً في الضفة الغربية، وتقوم على تغيير الواقع والتخلُّص من السلطة وإجهاض فكرة إقامة الدولة.

وقد بدأ الانقلاب على السلطة بوضوح بعد شهرين فقط من بدء الحرب على القطاع، نهاية العام الماضي، عندما خرج نتنياهو ليقول إن جيشه يستعد لقتال محتمل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي تصريحات فهمتها الرئاسة الفلسطينية فوراً، قائلة إنها تعبر عن نياته المبيتة لاستكمال الحرب على الفلسطينيين من خلال السلطة بعد «حماس»، وفي الضفة بعد غزة.

تصريحات نتنياهو التي جاءت في جلسة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أعقبها توضيح بالغ الأهمية من نتنياهو ومفاده أن «الفارق بين السلطة و(حماس) هو أن الأخيرة تريد إبادتنا حالاً، أما السلطة فتخطط لتنفيذ ذلك على مراحل».

فلسطينيون في وقفة احتجاجية في مدينة رام الله بالضفة الغربية الثلاثاء طالبوا بالإفراج عن جثامين أسراهم في سجون إسرائيل (أ.ف.ب)

ويفسر هذا الفهم لماذا عَدّ نتنياهو أن اتفاق «أوسلو» كان خطأ إسرائيل الكبير، موضحاً أن «السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و(حماس) في غزة يريدان تدمير إسرائيل... طرف يقول ذلك صراحة، والآخر يفعل ذلك من خلال التعليم والمحكمة الجنائية الدولية».

وهجوم نتنياهو على السلطة ليس جديداً، لكنه الأوضح الذي يكشف جزءاً من خطته القائمة على تقويض السلطة. ومنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تتعامل إسرائيل مع السلطة كأنها غير موجودة.

الضفة مثل غزة ولبنان

وصعّدت إسرائيل في الضفة الغربية منذ بدء الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، وقتلت أكثر من 720 فلسطينياً، في هجمات متفرقة، تميّزت بإعادة استخدام الطائرات في عمليات اغتيال، وتنفيذ عمليات واسعة.

وكان لافتاً أن التصعيد في الضفة كان مبادرة إسرائيلية، إذ هاجم الجيش مدناً ومخيمات وبلدات، وراح يقتل الفلسطينيين قصفاً بالطائرات ويعتقلهم، كما يدمر البنى التحتية، مستثيراً الجبهة الضفَّاوية، بحجة ردع جبهة ثالثة محتملة.

اليوم لا تكتفي إسرائيل بالمبادرة، بل تريد أن تجعل الضفة أحد أهداف الحرب، مثل غزة ولبنان. ولم يتردد وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، بالقول إن الحرب التي تخوضها إسرائيل «ليست فقط ضد غزة وضد (حزب الله) اللبناني، بل هي أيضاً في الضفة»، مؤكداً أنه طلب من رئيس الوزراء أن يدرج ضمن أهداف الحرب تحقيق النصر في الضفة أيضاً.

لكن لماذا تخشى إسرائيل الضفة إلى هذه الدرجة؟ يقول مسؤول فلسطيني -فضّل عدم الكشف عن اسمه- لـ«الشرق الأوسط»: «إنهم يستهدفون الضفة لضرب المشروع الوطني الفلسطيني، ويسعون إلى تقويض السلطة».

وأضاف: «يصعّدون هنا حتى يثبتوا للفلسطينيين أن السلطة ضعيفة وواهنة ولا تحميهم، ويجب أن ترحل، لأنها غير جديرة بهم».

قوات إسرائيلية خلال عملية اقتحام لمخيم فلسطيني قرب رام الله بالضفة مارس الماضي (أ.ف.ب)

وخلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، حذّرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن الوضع الأمني في الضفة قد يتطور إلى انتفاضة؛ ولذلك دفع الجيش بـ3 كتائب احتياط إلى الضفة، لأهداف «تشغيلية ودفاعية» على ما قال، وللقيام بمهام «عملياتية».

وجاء القرار الذي تحدّث عن تعزيز الدفاع، وسط تصاعد الصراع في المنطقة وقبيل ذكرى السابع من أكتوبر، لكن إذا كانت هذه خطة الحكومة الإسرائيلية، فيبقى من السابق لأوانه معرفة إن كانت نجحت في مهمتها أم لا.

يكفي لجولة صغيرة على مواقع التواصل الاجتماعي أن تشير إلى أن السلطة في وضع لا تحسد عليه. فهي عاجزة عن خلق أفق سياسي وأفق اقتصادي وتوفير الأمن، وأساسيات أخرى من بينها رواتب الموظفين للعام الثاني على التوالي.

واليوم، الجميع على المحك في مواجهة حرب ممنهجة، تسعى إلى تغيير الواقع مرة وإلى الأبد.

خطة قديمة جديدة

كان الوزير الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموترتيش، واضحاً عندما قال إنه لا يفعل شيئاً سرياً، وهو يعمل ضد السلطة في الضفة، ويسعى لمنع إقامة دولة.

وتعهد سموتريتش نهاية الشهر الماضي، بأن تكون «مهمة حياته» إحباط قيام دولة فلسطينية، وكتب في منشور على منصة «إكس»: «أخذت على عاتقي، إضافة إلى منصب وزير المالية، مسؤولية القضايا المدنية في يهودا والسامرة (الضفة)».

وأضاف: «سأواصل العمل بكل قوتي حتى يتمتع نصف مليون مستوطن موجودين في الضفة بحقوق كل مواطن في إسرائيل وإثبات الحقائق على الأرض، التي تمنع قيام دولة إرهابية فلسطينية يمكن أن تكون قاعدة إيرانية أمامية للمجزرة المقبلة».

فلسطينيون يحتفلون فوق صاروخ إيراني صقط في رام الله (أ.ف.ب)

وكان تسجيل مسرب لسموتريتش قبل شهرين فضح خطة حكومية رسمية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية، قال خلاله الوزير المسؤول عن الإدارة المدنية الإسرائيلية، إن الحكومة منخرطة في جهود سرية لتغيير الطريقة التي تحكم فيها إسرائيل الضفة الغربية.

وخطة سموترتيش الماضية، ستعني حتماً تفكيك السلطة، لكن المحلل السياسي محمد هواش يرى أن العالم لن يسمح بذلك.

وقال هواش لـ«الشرق الأوسط»: «إن السلطة مرتبطة بالمشروع القائم على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وهذا جزء من تسوية دولية. مشروع دولي بالأساس، وهناك حتى الآن رعاية دولية له، ومن الصعب التراجع عنه».

وأضاف هواش: «التراجع يعني إعادة الاحتلال، وهذا غير مقبول فلسطينياً ودولياً، وإسرائيل لن تقبل، لأنها ستذهب إلى دولة واحدة ونظام (أبرتهايد)».

وتابع هواش: «لا توجد مصلحة لإسرائيل بإنهاء السلطة بالكامل، بل في إضعافها حتى تتوقف مطالبها بإنهاء الاحتلال، وتغير العلاقة مع إسرائيل». وحذر من أن «إسرائيل ستتحمل العبء الأكبر من غياب عنوان سياسي للشعب الفلسطيني».

الثابت الوحيد اليوم أنه لا أحد يملك وصفة سحرية، سواء أذهبت السلطة أم بقيت، قويت «حماس» أم ضعفت، امتدت الحرب أم انتهت، تطرفت إسرائيل أكثر أم تعقّلت، سيظل يوم السابع من أكتوبر شاهداً على أن الطريق الأقصر للأمن والاستقرار هو بصنع السلام، وليس بطائرات حربية ومدافع ورشاشات.