سباق أبحاث ونتائج متضاربة تزيد الوضع تعقيداً

أربك «الصحة العالمية» ولجنة مكافحة الوباء في البيت الأبيض

منسقة لجنة مكافحة «كوفيد- 19» في البيت الأبيض، ديبورا بيركس
منسقة لجنة مكافحة «كوفيد- 19» في البيت الأبيض، ديبورا بيركس
TT

سباق أبحاث ونتائج متضاربة تزيد الوضع تعقيداً

منسقة لجنة مكافحة «كوفيد- 19» في البيت الأبيض، ديبورا بيركس
منسقة لجنة مكافحة «كوفيد- 19» في البيت الأبيض، ديبورا بيركس

خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض يوم 17 مارس (آذار) الماضي، سأل أحد المراسلين: لماذا لم تستعن الولايات المتحدة الأميركية بالاختبارات التشخيصية من «منظمة الصحة العالمية» في بدايات انتشار فيروس «كورونا» المستجد؟
تدخلت حينها منسقة لجنة مكافحة «كوفيد- 19» في البيت الأبيض، ديبورا بيركس، للإجابة مستشهدة بدراسة نشرت في مجلة صينية عن المعدل الإيجابي الكاذب المرتفع لاختبار تشخيص صيني، تستخدمه منظمة الصحة العالمية، وقالت إن الدراسة تشير إلى نسبة تتراوح بين 47 و50 في المائة.
وعلى الرغم من أن هذه الدراسة تم سحبها بعد خمسة أيام من نشرها في 5 مارس الماضي، ربما لأسباب تتعلق بعدم دقتها، فإنها لا تزال متداولة بسبب احتفاظ المكتبة الأميركية الوطنية بملخص لها، وسيكون من الخطأ أن تبنى سياسة صحية عليها.
ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الدراسة لعبت دوراً في الإخفاق الأميركي في الاستجابة للفيروس، ولكن المثير للقلق هو تكرار ما جاء فيها كحقيقة من قبل الأشخاص الذين يديرون الملف الصحي الأميركي خلال الوباء، وفق تقرير نشره موقع الإذاعة الوطنية العامة بأميركا يوم 26 مارس الماضي.
ويضيف التقرير أن الخطأ ليس خطأ بيركس بالكامل، فمعلوماتها استندت إلى دراسة نشرت في مجلة علمية وخضعت قبل النشر لمراجعة الأقران، ولم يتم وضع علامة عليها في المكتبة الأميركية الوطنية على أنها سُحبت، حتى بعد مرور أسابيع من سحبها.
المشكلة الحقيقية هي أن هذه الدراسة، وغيرها من الدراسات التي يتم إجراؤها بشكل سريع في إطار سباق الباحثين لتقديم نتائج، وسباق المجلات الأكاديمية للنشر، مثل الفيروس، تبدأ في شكل صغير بالانتشار، وإذا تمت مشاركتها مرات كافية فيمكن أن تسبب اضطراباً عالمياً، وتُبنى عليها سياسات غير صحيحة.
وتسببت دراسات من هذه النوعية في إرباك منظمة الصحة العالمية مرتين: الأولى عندما أوصى متحدث باسم منظمة الصحة العالمية في 17 مارس الماضي بعدم استخدام دواء «الإيبوبروفين» في علاج فيروس «كوفيد– 19»، وكان ذلك بعد نحو أسبوع من نشر مجلة «لانسيت» لأمراض الجهاز التنفسي، وهي مجلة علمية مرموقة، رسالة من 400 كلمة لمجموعة من الباحثين الأوروبيين أثاروا خلالها بعض المخاوف المتعلقة بالسلامة بشأن الدواء.
وبعد يومين تراجعت منظمة الصحة العالمية، قائلة إنها «لم توصِ بعدم استخدام (الإيبوبروفين)»، في خطوة أثارت ارتباكاً واسع النطاق، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمؤسسة نعتمد عليها جميعاً للحصول على معلومات موثوقة.
وتكررت المشكلة نفسها عندما قالت المنظمة في تغريدة عبر حسابها الرسمي بموقع «تويتر» يوم 25 أبريل (نيسان) الماضي، إنه لا يوجد دليل علمي على أن المتعافين من فيروس «كوفيد- 19» وكوَّنوا أجساماً حيوية مضادة، محصنون من الإصابة مجدداً، لتتراجع المنظمة في اليوم نفسه، وتكتب تغريدة أخرى تقول فيها إن الإصابة بمرض «كوفيد- 19» تمنح المصاب مناعة ضد الفيروس مستقبلاً.
وربما استند الرأي القديم للمنظمة على نتائج دراسة صينية، نشر تفاصيلها موقع «dailystar» في 28 فبراير (شباط) الماضي؛ حيث أشارت إلى أن ما يقرب من 14 في المائة من المرضى الذين تعافوا من اختبار فيروس «كورونا» ظهرت عليهم نتائج إيجابية للمرض مرة أخرى، وربما جاء التغير في موقف المنظمة؛ لأن الرأي القديم جاء بعد أيام من إعلان أكثر من دولة حول العالم نتائج دراسات سريرية لعلاج مرضى الفيروس بالأجسام المضادة المعزولة من المرضى الذين تم شفاؤهم منه.
ويبدو هذا الأمر مخيفاً ومثيراً للقلق، فإذا كان إجراء البحوث وإيصالها بسرعة أثناء الوباء هو أمر إيجابي، فإن هناك فرقاً بين السرعة والاندفاع، كما يقول الدكتور محمود شحاتة، باحث الفيروسات بالمركز القومي للبحوث بمصر. والذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «ما ألحظه هو أن هناك طوفاناً من الأبحاث التي تضطر الدوريات العلمية إلى نشرها، دون مراعاة الضوابط التي تتخذها عادة في الأوقات الطبيعية».
وعادة ما تستغرق الدراسة عدة أسابيع أو شهور، حتى تمر بعملية مراجعة الأقران، ولكن من الواضح أن هذا لا يحدث بالدقة نفسها لما قبل الوباء، كما يشير الدكتور شحاتة.
تؤكد إحصائيات شركة «بريمر» - وهي شركة ذكاء آلي مقرها سان فرنسيسكو في أميركا - على ما ذهب إليه شحاتة. فوفقاً لتقرير خاص بالشركة نشره موقع «ذا بوليتين» في 1 مايو (أيار) الجاري، فقد تم نشر أكثر من 8 آلاف وخمسمائة ورقة بحثية ذات صلة بالفيروس على مدار فترة التفشي، وتم نشر ما يزيد قليلاً عن نصف تلك الدراسات على قواعد البيانات المعروفة باسم «خوادم ما قبل الطباعة»، مما يعني أنها لم تخضع للمراجعة الرسمية بعد.
ويؤكد شحاتة أن «الخطورة في أن وسائل الإعلام تلتقط عديداً من هذه الدراسات قبل الفحص الشامل، وتبني بعض الدول سياسات خاطئة استناداً لما جاء بها».
ويشير هوارد باوكنر، رئيس تحرير مجلة الجمعية الطبية الأميركية (JAMA) للمشكلة نفسها، وقال في التقرير الذي نشره موقع «ذا بوليتين»: «أهم تحدٍّ يومي يواجهنا مع الفيروس التاجي هو العدد الهائل من الأبحاث التي تستقبلها المجلة».
وتلقت المجلة حتى وقت نشر الموقع للتقرير نحو 2000 بحث، وتم نشر 100 منها حتى الآن، وقال باوكنر: «إذا سمحت لكم بسماع صوت الرسالة التي تنبهني لاستقبال بريد إلكتروني، فقد تتخيلون كم الأبحاث التي نستقبلها».
وعبر الدكتور إيفان أورانسكي، نائب رئيس تحرير موقع الأخبار الطبية والمراجع الطبية (Medscape)، عن مخاوفه بشأن التزام هذه الأبحاث بالقواعد العلمية، وأشار إلى خطأ فادح وقعت فيه مجلة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين»، انتهكت خلاله القواعد العلمية.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.