الاستخبارات الأميركية علمت بمقر بن لادن قبل مقتله بـ10 شهور

مجسم لمنزل بن لادن بعد تحديد موقعه في أبوت آباد (سي آي إيه)
مجسم لمنزل بن لادن بعد تحديد موقعه في أبوت آباد (سي آي إيه)
TT

الاستخبارات الأميركية علمت بمقر بن لادن قبل مقتله بـ10 شهور

مجسم لمنزل بن لادن بعد تحديد موقعه في أبوت آباد (سي آي إيه)
مجسم لمنزل بن لادن بعد تحديد موقعه في أبوت آباد (سي آي إيه)

في هذه الأيام التي تحتفل بها وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) بمرور 9 أعوام على مقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي، تداولت الوكالة بعضاً من تفاصيل عملياتها الاستخبارية التي كان لها الفضل في الكشف عن مقر اختباء بن لادن بمجمع سكني في باكستان، وأدّت إلى مقتله في مايو (أيار) 2011.
العملية التي أطلقت عليها الاستخبارات الأميركية مسمى «جيرونيمو»، ظلّت تستعد لها قرابة 10 شهور منذ أغسطس (آب) 2010 منذ أن علمت بمقر اختباء أسامة بن لادن، إلا أن أمر بمقتله وتنفيذ المهمة، صدر بأمرٍ سري من الرئيس السابق باراك أوباما في 29 أبريل (نيسان) 2011. وتم تنفيذها بعد 4 أيام على أيدي فرقة خاصة من قوات البحرية الأميركية تسمى «سيلز» يوم 2 مايو (أيار) 2011.
وبحسب المعلومات التي نشرتها الـ«سي آي إيه» على موقعها بهذه المناسبة، فإن المجمع السكني الذي كان يختبئ به أسامة بن لادن واثنان من مرافقيه وزوجتيه، كان يقع في الشمال الغربي من محافظة أبوت آباد الباكستانية في مقاطعة خيبر باختونخوا (35 ميلاً شمال العاصمة إسلام أباد)، ويقع على مقربة من قاعدة عسكرية باكستانية.
الاحترازات الأمنية والأنظمة التي فرضتها إدارة المجمع على ساكنيه كانت صارمة بدرجة كبيرة، إذ كان يتميز بجدران عالية تصل ارتفاعها أكثر من 12 قدماً وتعلوها أسلاك شائكة، وبوابات دخول مزدوجة ونوافذ غير شفافة، كما لا يوجد به خدمات اتصال إنترنت أو هاتف واضحة، كما كان ساكنو المجمع يحرقون نفاياتهم الخاصة بهم داخل المجمع، وقدّرت الوكالة قيمة تكاليف السكن في المجمع بمليون دولار.
واعتبرت أن نجاح المهمة الاستخباراتية كان تتويجاً لسنوات عديدة من العمليات والتحليلات الاستخباراتية المعقدة والشاملة، وكذلك «المتقدمة للغاية» بحسب وصفهم، فمتابعة أسامة بن لادن أخذت منهم 10 أعوام، والتخطيط لمقتله بعد معرفة موقعه استغرق نحو 10 أشهر.
وكانت أول فرقة لوكالة المخابرات المركزية تدخل إلى أفغانستان في 26 سبتمبر (أيلول) 2001 قبل 19عاماً، أي بعد 15 يوماً بالتحديد على تفجير برجي التجارة العالميين في نيويورك 11 سبتمبر (أيلول) 2001 ومقتل أكثر من 3 آلاف شخص بعد تبني القاعدة ذلك الهجوم.
وفي منتصف أكتوبر (تشرين الأول) مدّت الـ«سي آي إيه» فرقتها الخاصة هناك بأفغانستان بعدد آخر من العملاء، وبحلول نوفمبر (تشرين الثاني) كان هناك ما يقرب من 100 ضابط من وكالة المخابرات المركزية و300 من القوات الخاصة الأميركية موجودين في أفغانستان.
وتضيف معلومات «سي آي إيه»: «بقيادة وكالة المخابرات المركزية وبدعم من الشركاء عبر مجتمع الاستخبارات (لم تذكر معلوماتهم)، كانت الوكالات الأميركية تجمع معلومات استخبارية عن المجمع الذي كان يختبئ فيه أسامة بن لادن منذ اكتشافه في أغسطس (آب) 2010. وأدت تدفقات معلوماتية استخباراتية متعددة إلى تقييم أن بن لادن كان مختبئاً هناك، محمياً من قبل اثنين من أقرب مساعديه، وقد تم تصميم الغارة عليه لقتله حتى تقلل الأضرار الجانبية إلى الحد الأدنى، وبأقل قدر ممكن من المخاطر حتى لا يتأثر بها غير المقاتلين في المجمع أو المدنيين الباكستانيين في الحي».
ويعد مقتل أسامة بن لادن من أكبر انتصارات الولايات المتحدة الأميركية في حملتها التي تقودها على محاربة الإرهاب حول العالم، ومقتله أدّى إلى تعطيل وتفكيك «القاعدة»، بل إنها خطوة رئيسية وأساسية لتحقيق التفكك النهائي للمنظمة الإرهابية.
وكانت تقارير أخرى قد نشرت سابقاً، تفيد بأن الاستخبارات الأميركية ظلت تعمل وتلاحق بن لادن منذ بداية فراره بين جبال تورا بورا بأفغانستان حتى اكتشاف هوية شخصية مندوبه أبو أحمد الكويتي وسيارته رباعية الدفع عام 2010 في مدينة بيشاور الباكستانية.
وفي رواياتٍ أخرى أيضاً، فإن أهم الحيل التي استخدمتها الـ«سي آي إيه» هو استخدام خطة طبية لتوفير لقاح (تطعيمات) طبية ضد فيروس الكبد الوبائي لسكان مدينة أبوت آباد، والهدف الخفي من ذلك هو الحصول على عينة من دم الأطفال في تلك البلدة لاختبار الحمض النووي الخاص بأسرة أسامة بن لادن.
وبسبب ذلك قبضت السلطات الباكستانية على الطبيب شكيل أفريدي الذي لا يزال في السجن حتى هذه الأيام، وكان يعد كبير الأطباء في مقاطعة خيبر التي تتبع لها مدينة أبوت آباد، والذي كانت مهمته الإشراف على عدد من برامج التطعيمات التي تمولها الولايات المتحدة.
وتثبت الأدلة زيارة أحد معاوني أفريدي للمجمع السكني في البلدة وجمع عينات من الدم، لكن لم يثبت ما إذا كانت هذه المعلومة لعبت دوراً حاسماً في تمكين المخابرات الأميركية على تحديد مكان بن لادن أم لا. وفي يناير (كانون الثاني) عام 2012، أعلنت الولايات المتحدة رسمياً أن أفريدي كان يتعاون مع المخابرات الأميركية، لكن من غير المعروف ما إذا كان أفريدي كان على علم بطبيعة دوره لدى المخابرات المركزية الأميركية. ولم يقل أفريدي أي شيء عن الدور الذي لعبه خلال المرحلة التي سبقت عملية قتل بن لادن خلال التحقيق معه.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟