تأملات في «أحلام» نجيب محفوظ الأخيرة

استغرقت كتابتها 10 سنوات واختزلت فلسفته في الحياة

تأملات في «أحلام» نجيب محفوظ الأخيرة
TT

تأملات في «أحلام» نجيب محفوظ الأخيرة

تأملات في «أحلام» نجيب محفوظ الأخيرة

حول مجموعة «الأحلام» التي اكتشفتها أسرة نجيب محفوظ، عام 2015، وأثارت ضجة كبيرة، وقتها، وصلت إلى حدود تشكيك البعض في كونها لمحفوظ أصلاً، يدور كتاب «خواطر وتأملات حول الأحلام الأخيرة لنجيب محفوظ»، الذي صدر حديثاً عن «دار صفصافة» للنشر بالقاهرة، وقسمه مؤلفه الدكتور زكي سالم إلى 30 «صفحة» كل واحدة منها تضم 9 أحلام، بدأت من رقم 200، وانتهت عند الصفحة الثلاثين من الكتاب، وضمت على خلاف غيرها 7 أحلام فقط، حيث بدأت من الحلم رقم 490 وانتهت عند الحلم رقم 497، وقد وصف سالم نصوصها بأنها «مقطوعات معجزة، تراوح بين النثر والشعر».
وحلل سالم الأحلام نصاً تلو الآخر، مشيراً إلى أن كل واحد منها يختزل حكمة بالغة، أو فكرة مدهشة، أو نظرة فلسفية، أو تأملاً عميقاً، أو خبرة روحية، أو شعوراً إنسانياً، أو إحساساً عاماً، أو طلة على الواقع، أو رجوعاً إلى أحداث التاريخ، أو تداخلاً مدهشاً بين عنصري الزمان والمكان، أو تعانقاً مثمراً بين الموت والحياة، أو لمحة خاطفة من لمحات الحياة الإنسانية في هذا العصر، وفي كل العصور.
لكن التساؤل الأهم، يدور حول أرقام الأحلام، إذ لا يوجد عنوان، ولا اسم لكل حلم، وإنما مجرد رقم مسلسل، وحين جُمعت «أحلام فترة النقاهة»، وصدرت في كتابين، كُتب فوق كل حلم الرقم المسلسل الخاص به، بالضبط كما كانت تُنشر مرقمة في مجلة «نصف الدنيا». وهذا الترقيم المسلسل تسبب في مشكلة حين نُشرت 6 أحلام في جريدة «الأهرام»، بمناسبة عيد ميلاد محفوظ الرابع والتسعين، في عام 2005، وقد جُمعت في الكتاب بأرقام: 1 و2 و3 و4 و5 و6، ثم نُشرت 3 أحلام أخرى في مجلة «ضاد»، وجُمعت في الكتاب تحت أرقام: 1 و2 و3، وهكذا حدث تكرار للأرقام المستخدمة في ترقيم الأحلام، وإذا جمعنا هذه الأحلام المنشورة في الجزء الأول، سنجد لدينا 239 حلماً، لكن الجزء الثاني يبدأ بالحلم رقم 200 مما سبب خلطاً لدى القارئ، فثمة أرقام مكررة لأحلام مختلفة.
والخلط هنا كان سببه، حسب سالم، أن محفوظ لم يكن يُرقم الأحلام حين يكتبها، بل كان يحتفظ بها من دون أن يضع لها أرقاماً، وهذا في المرحلة الأولى من كتابة النصوص بقلمه، وفي المرحلة الأخيرة، حين اضطر إلى أن يمليها لم يكن يرقمها أيضاً، وإنما كان الترقيم يتم قبل أن يُرسلها للنشر مباشرة، إذ كان يُعيد النظر في بعض الأحلام المكتوبة، أو تُقرأ عليه، ثم يختار منها ثلاثة أحلام للنشر في مجلة «نصف الدنيا»، ويضع عليها أرقاماً مسلسلة، بحيث تلي في الترتيب ما سبق نشره من أحلام.
هكذا جرت عملية الترقيم بشكل متسلسل فيما يخص ما تم نشره من «أحلام فترة النقاهة» في مجلة «نصف الدنيا»، أما ما نُشر من أحلام في صحيفة «الأهرام»، أو في مجلة «ضاد»، فهذه الأحلام لم ترقم، ومن ثم وضعت لها أرقام مسلسلة خاصة بها.
بدأت محاولة إحصاء عدد الأحلام التي لم تُنشر، حسب سالم، بكتابة رقم 200 على أول حلم، ثم توالي تسلسل الأحلام الأخيرة باستثناء أرقام 402 و403 و404 و414 و415 و416 حتى رقم 497، مع ملاحظة أن مجلة «نصف الدنيا» نشرت 3 أحلام في عددها الصادر في 3 ديسمبر (كانون الأول) 2006، تحت أرقام «213 (و) 214 (و) 215»، وقد حدث ذلك بعد رحيل محفوظ، ومن ثم كان الأصوب أن يبدأ كتاب الأحلام الأخيرة بحلم رقم 240 مع تفادي سقوط أرقام تسلسل الأحلام، التي لم تلق ما تستحقه من نقد، رغم أنها جديرة بالبحث والدرس والتأمل.
استمر محفوظ في كتابة «الأحلام» بقلمه حسب ما قال سالم في مقدمته للكتاب «حتى مرَّ عليه يوماً ليذهبا معاً إلى ندوته، وبمجرد ما جلس إلى جواره في السيارة، قال له: اليوم حدث أمر مؤسف للغاية، سأل سالم ماذا حدث؟ فقال إن سناء البيسي، رئيس تحرير مجلة (نصف الدنيا)، أعادت له ثلاثة أحلام؛ لأنهم لم يتمكنوا من قراءتها! فطلبت منه أن يسمح لي بفك شفرتها، فأحضرها معه في اليوم التالي، فإذا بها أشبه ما تكون بالكلمات المتقاطعة، بل أكثر تعقيداً، إذ كلمات قليلة تبدو واضحة، أو يمكن قراءتها، بينما باقي الكلمات غير واضحة على الإطلاق».
وبعد ما حدث بشأن هذه الأحلام الثلاثة، قرر محفوظ أن يُملي الأحلام، بعد أن يحفظها في ذهنه. وبرر لجوءه إلى كتابة الأحلام بضعف الحواس، وساعات الوحدة الطويلة التي دفعته إلى التأمل أكثر من ذي قبل في عالمه الداخلي.
كانت ثمة تجارب روحية، وخبرات صوفية ميتافيزيقية، حسب تعبير سالم، تتخلق بداخل محفوظ منذ سنوات طويلة جداً، وكانت رؤيته المتجاوزة للواقع تبحث لنفسها عن وسيلة أدبية مناسبة للخروج من أسر عالم مادي فيزيقي محدود، وهذا الشكل الفني المنفتح على المطلق يسمح للخيال الخصب بالانطلاق بلا حدود، وقد أجاب عن سؤال من أحدهم: وماذا بعد الأحلام؟ بقوله «لما تبقى تنتهي الأول»، فالأحلام تتوالى بلا توقف، ومعالجاته الفنية تهذبها وتحورها وتشكلها كما يشاء.
استغرقت كتابة الأحلام 10 سنوات متصلة، من بعد محاولة اغتياله وحتى رحيله في أغسطس (آب) 2006، أي أكثر من ضعف عدد السنوات التي قضاها في كتابة روايته «بين القصرين» التي اضطر إلى تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء عند النشر، دون أن يغير فيها كلمة واحدة.
ويذكر سالم أن محفوظ في هذه الفترة كان يكتب من أجل الكتابة ذاتها، وقد ترك تقديرها لغيره. أما الأحلام فقد كانت بالنسبة له «أهم ما في حياته».


مقالات ذات صلة

كتب شركة ناشئة تخطط لنشر ما يصل إلى 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي (أرشيفية)

وسط اعتراض كتّاب ودور نشر… شركة ناشئة تسعى لإنتاج 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي

ينتقد كتّاب وناشرون إحدى الشركات الأميركية الناشئة التي تخطط لنشر ما يصل إلى 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

معرض إيطالي لعشرات اللوحات الفنية المصادرة من المافيا (صور)

امرأة تلتقط صوراً لرسوم توضيحية لـ«روميو وجولييت» لسلفادور دالي في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (أ.ف.ب)
امرأة تلتقط صوراً لرسوم توضيحية لـ«روميو وجولييت» لسلفادور دالي في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (أ.ف.ب)
TT

معرض إيطالي لعشرات اللوحات الفنية المصادرة من المافيا (صور)

امرأة تلتقط صوراً لرسوم توضيحية لـ«روميو وجولييت» لسلفادور دالي في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (أ.ف.ب)
امرأة تلتقط صوراً لرسوم توضيحية لـ«روميو وجولييت» لسلفادور دالي في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (أ.ف.ب)

ينطلق في القصر الملكي في ميلانو «بالاتزو رياله»، يوم الثلاثاء، معرض فني يضم أكثر من 80 لوحة، بينها روائع تحمل توقيع سلفادور دالي، وآندي وارهول، وكريستو، وجورجيو دي شيريكو؛ كلها مصادرة من المافيا جرى إنقاذها على يد محققين متمرسين في تعقّب «الأموال القذرة».

وأوضحت المسؤولة المحلية في المنطقة ماريا روزاريا لاغانا، أن «الأعمال التي كان من المفترض أن تظل مدفونة في دوائر الجريمة المنظمة أُعيدت أخيراً إلى المجتمع لتلعب دوراً رمزياً في مقاومة الجريمة».

منذ سبتمبر (أيلول)، تدير لاغانا الوكالة الوطنية لإدارة الممتلكات المصادرة من عصابات الجريمة المنظمة التي توفّر منصة تتيح للمشترين توجيه أنظارهم إلى الممتلكات المصادرة، بما يشمل سيارات «فيراري» أو دراجات نارية من طراز «هارلي ديفيدسون».

وبينما تُباع هذه السلع بمزادات علنية وباتت في متناول الجميع، يُخصص جزء منها؛ مثل: الشقق، والمنازل، والأراضي الزراعية، مجاناً لمنظمات عامة وأخرى غير حكومية.

أما بالنسبة للأعمال المعروضة في ميلانو، «فهذه سلع كان من الممكن بيعها، لكن تم اختيار الاحتفاظ بها في المتاحف، لأن لها قيمة مهمة»، حسبما أوضحت لاغانا لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

«ولادة جديدة»

وقالت لاغانا: «إنها ولادة جديدة لهذه الأعمال، ويبدو الأمر كما لو كنا نُخرجها من الأرض، مثل علماء الآثار، لعرضها في أماكن يمكن للجميع رؤيتها فيها».

يحتوي المعرض الذي يحمل عنوان «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» على أكثر من عشرين عملاً تمت مصادرتها في عام 2016 من زعيم في مافيا «ندرانغيتا» النافذة في كالابريا.

امرأة تقف بجوار لوحتَي «بيازا دي إيطاليا» لجورجيو دي كيريكو و«كابانو سولا ريفا» لكارلو كارا في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (رويترز)

في الغرفة الصغيرة المخصصة للأعمال التي صادرتها محكمة ريجيو كالابريا، مطبوعة حجرية بالحبر الهندي لـ«روميو وجولييت»، بتوقيع الرسام السريالي الإسباني سلفادور دالي (1904 - 1989)، بجانب لوحة «ساحة إيطاليا» الزيتية اللافتة المرسومة على قماش بتوقيع المعلم الإيطالي جيورجيو دي شيريكو (1888 - 1978).

كما أن جدران الموقع مغطاة بقصاصات من صحف تشهد على هذه المضبوطات المذهلة، في حين مقاطع فيديو من الشرطة المالية في ريجيو كالابريا تُعرض بشكل متواصل عند مدخل المعرض.

ويأتي نحو ستين لوحة أخرى من عملية مصادرة أمرت بها محكمة روما في عام 2013 بصفتها جزءاً من عملية احتيال ضخمة مرتبطة بشبكة دولية لغسل الأموال.

ومن بين هذه الأعمال شاشة حريرية لنجم الفن الشعبي الأميركي آندي وارهول (1928 - 1987) بعنوان: «فنون الصيف في الحدائق»، وطباعة حجرية لـ«فينوس مغلفة» بتوقيع الفنان كريستو (1935 - 2020) لفيلا بورغيزي في روما.

امرأة تسير أمام تمثال «قرص به كرة» لأرنالدو بومودورو في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (رويترز)

وقالت لاغانا: «إبداع وجمال (الفن المتحرر) من الأيدي الإجرامية يتم تقديمه للرؤية الجماعية لتعزيز الثقافة، مع تحفيز الوعي بالطبيعة الخبيثة لآفة المافيا».

وتستخدم المافيا الأعمال الفنية المسروقة بوصفها عملة في تهريب المخدرات والأسلحة. ومن بين أبرز السرقات كانت لوحة «الميلاد مع القديسَيْن فرنسيس ولورانس»، وهي لوحة رسمها كارافاجيو، وسُرقت من كنيسة سان لورينزو في باليرمو عام 1969 وبقيت موضع عمليات بحث مذاك.

ويستمر المعرض الذي يمكن دخوله مجاناً حتى 26 يناير (كانون الثاني) في قصر «رياله» في ميلانو، قبل أن ينتقل إلى قصر الثقافة في ريجيو كالابريا، في الفترة من 8 فبراير (شباط) إلى 27 أبريل (نيسان).