احتفل العالم أمس باليوم العالمي لحرية الصحافة، في تقليد استمر بلا انقطاع منذ عام 1993. حين أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الاحتفال، ليكون بمنزلة تكريس لدور الإعلام، وتذكير بضرورة الالتزام بمبادئه الأخلاقية، ودفاع عن حق الصحافيين في الاستقلالية والحماية أثناء القيام بواجبهم.
يتزامن الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام مع تحديات جسيمة تواجه المجال الإعلامي، وهي تحديات لا تقتصر فقط على دول الجنوب التي تعاني مشكلات هيكلية تتعلق بالحريات العامة، ولكنها تتسع لتشمل دول الشمال كذلك، وتلقي بعلامات استفهام خطيرة على مستقبل صناعة الإعلام.
بسبب جسامة التحديات التي تواجهها صناعة الإعلام في تلك الأثناء، يسود اعتقاد على نطاق واسع بأن العقد الحالي عقد حاسم في هذا الصدد؛ وهو أمر يفتح الباب أمام مخاوف كبيرة، لعل أبرزها ما ينذر بتفاقم الضغوط على حرية الصحافة.
يلقي «كورونا» بتحديات ضخمة على صناعة الإعلام، وينذر بتغيرات جوهرية ومستديمة تطالها، ومن بين تلك التحديات بطبيعة الحال ما يتعلق بإغراء الحكومات بفرض المزيد من القيود على الصناعة، في ظل تصاعد المخاوف من ممارسات إعلامية حادة وغير مسؤولة يمكن أن تضر بجهود احتواء الوباء.
لقد ظهرت إشارات عديدة إلى أن الأجواء التي خلفها «كورونا» ساهمت في فرض قوانين وممارسات جديدة تصب في خانة تقييد حرية الإعلام، في وقت ما زالت فيه صناعة الإعلام تعاني من قيود أصيلة وانتهاكات في أكثر من 100 دولة حول العالم.
أما التحدي الثاني، فيتعلق بتضرر نموذج الأعمال الراهن لصناعة الإعلام بشكل مؤثر جراء تداعيات الفيروس من جهة، وبسبب الآثار السلبية الناشئة عن ازدهار أنشطة مواقع التواصل الاجتماعي من جهة أخرى.
عندما تتراجع مداخيل الصناعة، وتتردى عوائد الإعلان، أو يذهب معظمها إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تنتج الأخبار ولا تتكبد نفقات إنتاجها، فإن المؤسسات الإعلامية الكبيرة تفقد مصدر دخلها الرئيس، ومن ثم تكون أقل قدرة على تأمين الاستدامة، أو الحفاظ على جودة الصحافة، أو صيانة استقلاليتها.
ويتمثل التحدي الثالث الذي يواجه حرية الصحافة في يوم الاحتفال العالمي بعيدها في مدى قدرة صناعة الإعلام على الحفاظ على قدر مناسب من ثقة الجمهور فيما تقدمه. ووفق النسخة الأخيرة من استقصاء «إيديلمان تراست بارومتر»، الذي يحلل مستوى ثقة الناس في المؤسسات على المستوى العالمي، أكد 57 في المائة من المستجوَبين أن وسائل الإعلام التي يعتبرونها مرجعهم الإخباري الرئيس يمكن أن تنشر معلومات كاذبة.
يتفق ذلك الاستخلاص مع نتائج مسوح موثوقة كثيرة أفادت بوضوح بأن أكثر من نصف المستطلعة آراؤهم في مناطق مختلفة من العالم أظهروا عدم ثقة في وسائل الإعلام عندما يتعلق الأمر بالأخبار؛ ما يلقي بظلال قاتمة على مستقبل الصناعة.
تلعب «السوشيال ميديا» دوراً إيجابياً فيما يتعلق بحرية الصحافة عندما توفر الهوامش غير الخاضعة للرقابة لنشر أخبار وتقارير يصعب تمريرها عبر وسائل الإعلام النظامية، كما أنها توفر ميداناً رحباً وأقل قابلية لتلقي الضغوط لمناقشة القضايا الحساسة والخاضعة للتعتيم، لكنها مع ذلك توفر أحد أكبر التحديات التي تواجه حرية الصحافة، عبر إتاحتها الفرص لنشر الأخبار الكاذبة والممارسات الحادة؛ مثل إثارة الكراهية، والتحريض على العنف، وإشاعة التمييز.
تفيد تقييمات المؤسسات الدولية المعنية بحرية الصحافة بأن الاحتفال بتلك الحرية هذا العام يتزامن مع تفاقم التحديات والضغوط على صناعة الإعلام وحريته بشكل عام، والأخطر من ذلك أن تلك التقييمات تتوقع عقداً حاسما في هذا الصدد، عبر تأثيرات ضارة تتجاوز مجال الحريات إلى مستقبل الصناعة، واقتصاداتها، ومعدلات الثقة بها، وقدرتها على صيانة الاستقلالية وضمان الجودة.
عقد حاسم لحرية الصحافة
عقد حاسم لحرية الصحافة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة