وقف الطفل حسن لطفي (13 سنة)، برفقة ابنة عمه لُبنى، التي توافقه في العمر، يحمل كل منهم وعاءً، وينتظران بكلّ شوق انتهاء السيد وليد الحطّاب، من طهي شوربة «الجريشة»، التي تعودوا على تناولها من تحت يديه خلال أيام شهر رمضان المبارك.
ومنذ عام 2018، بدأ الرجل المُكنى بأبي يوسف، العمل في «تكيته الخيرية» المتواضعة، والمختصة في توزيع «الجريشة» على عدد من العائلات القاطنة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، حيث صار الأمر مع الوقت بالنسبة له، عادة، يُساند من خلالها سكان حيّه وجيرانه الفقراء، ببعض الطعام.
في وعاءٍ كبير، يحمل في داخله أكثر من 25 كيلو غراماً من «القمح المحمص»، تكفي لإطعام أكثر من 100 عائلة، يبدأ أبو يوسف بطهي وجبة «الجريشة»، بعد أن يوقد ناراً من قطع خشبٍ كبيرة، يجمعها طوال أيام العام لأجل هذا الغرض.
ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «أشعر أنّ هذا الأمر صار عادة لدي، ولا أستطيع التخلي عنه، وفي هذه السنة، وبسبب الأحداث المرتبطة بفيروس كورونا، فكرت كثيراً قبل البدء بالمبادرة، خصوصاً وأنّ سلامة الناس لدي مهمة جداً».
ويوضح أنّه وبعد استشارته لأهل الخبرة ومراقبته للوضع، رأى أنّه لا مشكلة من العمل في «تكيته الخيرية»، وذلك كون الإصابات الموجودة بغزة، هي من بين المسافرين العائدين، ولم تخالط سكان القطاع بصورة مباشرة.
تتكون وجبة «الجريشة» من «لحم الخروف، والبهارات، والقمح البلدي المحمص، والملح»، وتعتبر من بين الأكلات المشهورة جداً، خلال شهر رمضان المبارك، التي تحرص كثيراً من الأسر الفلسطينية على وجودها على موائد إفطارهم، لا سيما أنّها تحتوي على نسبة عالية من الدسم، الذي يساهم في إسناد الجسم خلال فترة الصيام، ويتم طهوها من خلال خلط المكونات، في وعاء، ومن ثمّ البدء بتحريكه على نارٍ هادئة، حتّى يتماسك قوام «الشوربة»، وتنضج بشكلها النهائي.
ويتجمع الفقراء، الذين يقطنون حي الشجاعية، حول أبي يوسف (58 سنة)، قبل موعد الإفطار بدقائق، ويكون كلّ منهم، قد أحضر وعاءه، ثمّ يصطفون في طابورٍ، ويبدأ أبو يوسف بسكب «الجريشة» لهم، ويعاونه في ذلك مجموعة من أبنائه ومن شباب الحي، حتّى يتمكن من إنهاء ذلك، قبل انطلاق موعد الإفطار والأذان.
ويلفت أبو يوسف إلى أنّه يُمول عمل «تكيته الخيرية» بنفسه، ويرجو من ذلك فقط الأجر والثواب من الله، منبهاً إلى أنّه لا يحدّد الكمية التي يضعها في الوعاء لكلّ عائلة، ويعتمد في ذلك على «البركة»، مع أنّه يراعي الزيادة، لأبناء وذوي العائلات التي يعرف أنّ عدد أفرادها كثيراً، وذلك كون جميع من يقصدونه هم من أبناء منطقته ويعرفهم جميعاً.
وبدأ أبو يوسف العمل في تكيته الخيرية، بكمية قليلة لا تتجاوز الثلاثة كيلوات من القمح يومياً، وكان يطعم حينذاك 10 أسر فقط، ومع الوقت، عمل على تطوير المبادرة من خلال زيادة الكمية التي يطبخها.
ويشير إلى أنّ لديه تسعة من الأبناء، بعضهم يساعده في شغله، فتُنقّي الفتيات القمح داخل المنزل، فيما يعمل الشباب على نقل الحطب وإيقاد النار، ويساعدونه في تحريك «الجريشة» على النار، موضحاً أنّه تعلّم الطبخ منذ سنوات طويلة، حين كان يعمل في أحد المطاعم، وكان عمال قطاع غزة يتدفقون قبل نحو عشرين عاماً، بسهولة للعمل في المناطق المحتلة. ويتابع: «بسمة من طفل صغير يطلقها بحبّ، بعد أن أملأ له وعاءه، تكفي لإطفاء نار وشقاء كلّ تعبي، وتزيل كلّ العرق المتراكم على وجهي بسبب شدّة الحرارة في المكان، وشهر رمضان بالنسبة لي فرصة للحصول على كثير من تلك الابتسامات والضحكات».
ويؤكد أنّه سيعمل خلال السنوات المقبلة على الاستمرار بمبادرته الخيرية، وذلك كون الناس تعودت عليها، ولا يستطيع هو أن يخذلهم في أي وقت، كما أنّه سيعمل على توسيعها، لكنّه يبيّن أنّ ذلك سيتطلب منه مالاً إضافياً، ويخشى ألا يكون قادراً على توفيره مستقبلاً، لأنّ الوضع الاقتصادي في القطاع المحاصر، يزداد سوءاً يوماً عن يوم، وفق قوله.
في رمضان... فقراء غزة ينتظرون «جريشة» أبي يوسف
في رمضان... فقراء غزة ينتظرون «جريشة» أبي يوسف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة