جمعية المصارف اللبنانية تطالب النواب برد الخطة الاقتصادية

مسؤول مالي يستبعد تجاوب صندوق النقد إذا لم يسبقه توافق وطني

رئيس الحكومة حسان دياب ووزير المال غازي وزني خلال توقيع طلب المساعدة من صندوق النقد (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة حسان دياب ووزير المال غازي وزني خلال توقيع طلب المساعدة من صندوق النقد (دالاتي ونهرا)
TT

جمعية المصارف اللبنانية تطالب النواب برد الخطة الاقتصادية

رئيس الحكومة حسان دياب ووزير المال غازي وزني خلال توقيع طلب المساعدة من صندوق النقد (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة حسان دياب ووزير المال غازي وزني خلال توقيع طلب المساعدة من صندوق النقد (دالاتي ونهرا)

خففت الاعتراضات الداخلية الفورية من وهج حسم الحكومة اللبنانية لخيارها بطلب برنامج دعم مالي من صندوق النقد الدولي، مستندا إلى إقرار الخطة الاقتصادية، وتتجه إلى طلب قرض من الصندوق يصل 10 مليارات دولار موزع على 5 سنوات، ومعزز برهان لاحق على استجابة المانحين لإحياء التزامات مؤتمر «سيدر» البالغة نحو 11.6 مليار دولار.
وجاء أبرز الاعتراضات من جمعية المصارف التي أملت من النواب رد الخطة الاقتصادية إلى الحكومة، «ومحاسبة من تجـرّأ على صياغتها لتعدّيه على الأسس القانونية والدستورية التي قامت عليها الدولة اللبنانية». ونبهت إلى أن «الكثير مما ورد في الخطة يمسّ بالملكية الفردية التي ينص الدستور اللبناني على حمايتها».
ويقر مسؤول مالي لـ«الشرق الأوسط» بأن مضمون الخطة يحفل بمطبات على قدر ما يظهر من إيجابيات لجهة المبادرة غير المسبوقة لإجراء تدقيق واسع يستهدف تحديد حجم الفجوة المالية أو «الثقب الأسود». لكن لا يمكن عزل تأثير المناخات المحلية المعاكسة التي ولدتها وطريقة إقرارها، وهذا لا يتلاءم مع رغبة الحكومة وتوجهاتها بتسريع الانخراط بما تقترحه لورشة الإصلاحات المنشودة وتوزيع الخسائر المحققة والاستعانة بدعم مالي خارجي.
وفي الملاحظات الأولية، بدت مشكلة التعويم الرسمي لسعر صرف الليرة مستعصية لجهة تأمين إجماع وزاري لحسمها، رغم بناء الخطة على قاعدة سعرية تبلغ 3500 ليرة للدولار، أي ما يفوق ضعفي السعر المعتمد عند 1520 ليرة حاليا.
وليس سوياً، وفقاً للمسؤول المالي، أن يتم رمي الكرة النقدية إلى حاكم البنك المركزي رياض سلامة الذي يعجز منفرداً، في ظل الشغور في مؤسسات السلطة النقدية، عن اتخاذ قرار بهذه الأهمية. علما بأنه لم تمض سوى أيام قليلة على توجيه الحكومة ورئيسها اتهامات «الغموض المريب» لأداء الحاكم وكادت تقيله أو تدفعه للاستقالة.
ويلفت المسؤول إلى أن الاستجابة الموعودة من صندوق النقد تكون تقليدياً مشروطة بتعويم سعر الصرف وبإعادة هيكلة القطاع العام، والذي يشكل في الحالة اللبنانية مركز الثقل النوعي في اختلال المالية العامة، إلى جانب النواة الصلبة لديون الدولة الممول جلها من البنك المركزي والجهاز المصرفي والبالغة رسميا نحو 93 مليار دولار. فيما تزيد توظيفات المصارف لدى المركزي بالعملات الصعبة عن 70 مليار دولار.
واقعيا، يقول المسؤول: «يصعب ترقب استجابة دولية منشودة، ما لم يتم تحضير الميدان المحلي جيدا واستباقها بتوافق وطني داخلي ضامن للتعهدات والالتزامات الإصلاحية المطلوبة بدءا من المقاربة الجدية لملفات النقد وإعادة هيكلة القطاع العام والتوزيع العادل للخسائر، بعيدا عن «تنصّل» الدولة من ديونها القائمة. كما أن «تحييد» البنك المركزي والمصارف عن صوغ ما يعنيهما من اقتراحات المعالجة، يفقد الخطة ركنين من ثلاثة إلى جانب الدولة. ومن الصعب ترقب معالجات صائبة لا يتعاون فيها الثلاثي المالي والنقدي».
ووصفت جمعية المصارف الخطة الحكومية بـ«الانفرادية». واستغربت عدم استشارتها أو إشراكها، مشددة على أنها جزء أساسي من أي حل، «إذ يتطلّب الاقتصاد وجود قطاع مصرفي قوي قادر على تأدية دوره كوسيلة للإدماج الاجتماعي والنمو من خلال منح الائتمان للأفراد والشركات».
ورأى المصرفيون «أن التوجه إلى محاكمة اللبنانيين على أفعال غير موجودة في القوانين ثم إعطاء هذه الأحكام مفعولاً رجعياً خلافاً لكل القوانين والأعراف، ثم إدراجها في مسارات غريبة عن الممارسات المتعارف عليها والتي تعطي الناس حق المراجعة لدى الإدارات المختصة ولدى مجلس شورى الدولة، «هي كلها توجّهات تصب للأسف في تشريع دولة اللاقانون».
وأوضح بيان الجمعية «أن إعادة الهيكلة المحلية، كما وردت في الخطة، من شأنها الإمعان في تقويض الثقة بلبنان محلياً ودولياً»، مشيرة إلى «أن الخطة غير مموَّلة، فهي تفترض الدعم المالي الدولي، ولا سيّما من صندوق النقد الدولي و- أو مؤتمر «سيدر». وبحسب علمنا، فإن المناقشات الرسمية مع الصندوق حول هذه المسألة على وشك أن تبدأ في حين أن مدفوعات «سيدر» هي رهن تنفيذ الإصلاحات اللازمة». وإذ أكدت الجمعية أن الإجراءات المتعلقة بالإيرادات والنفقات، والضرورية لنيل دعم صندوق النقد الدولي، تبقى غامضة وغير مدعمة بجدول زمني دقيق للتنفيذ، أوضحت أن بعض فرضيات الخطة، بما في ذلك فرضيات النمو وضبط أوضاع المالية العامة، قد تكون عرضة للانتقاد نظراً إلى التأثير المحدود الذي قد يعزى لإعادة هيكلة الدين المحلي كما ورد في الخطة، والأثر غير المعروف حتى الآن للأزمة العالمية، ومن شأن تقييم تلك الآثار أن يؤدّي إلى توقّعات في المالية العامة وإلى أرقام ونسب مختلفة.
وخلصت الجمعية إلى أن الوضع الراهن في لبنان يستدعي إقامة حوار بناء عاجل والإعراب عن الوحدة والتضامن، مشددة على دور المصارف في «دعم البلاد خلال هذه المرحلة الصعبة، مع الالتزام بواجباتنا الائتمانية كما فعلنا في الماضي. ومن الملح الآن اتخاذ إجراءات ملموسة والتوصل إلى توافق في الآراء بين جميع المعنيين، علما بأن كلّ يوم يمرّ من دون إصلاح يزيد من تفاقم الوضع».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».