روسيا تتقرب من «الأخ الأكبر» الصيني وتصفّي حسابها مع الخصوم

روسيا تتقرب من «الأخ الأكبر» الصيني  وتصفّي حسابها مع الخصوم
TT

روسيا تتقرب من «الأخ الأكبر» الصيني وتصفّي حسابها مع الخصوم

روسيا تتقرب من «الأخ الأكبر» الصيني  وتصفّي حسابها مع الخصوم

لم يكن مشهد هبوط طائرة الشحن العسكري العملاقة من طراز «أنطونوف» في أحد مطارات نيويورك عادياً، فهي أول طائرة عسكرية روسية تحط على الأراضي الأميركية.
وكونها جاءت محملة بالمساعدات الطبية والإنسانية، بعد مرور أيام قصيرة على «إبلاغ الرئيس دونالد ترمب نظيره الروسي فلاديمير بوتين بمدى صعوبة الوضع في مواجهة الفيروس» ما عنى، وفقا للصحافة الروسية، أنه وجّه «نداء استغاثة» لبَّته موسكو، ليتضح لاحقاً أن واشنطن دفعت نصف ثمن الحمولة، وتكفّل بالباقي صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي، هو استعراض وفّر مادة دسمة للحديث عن ملامح أولية لـ«عالم ما بعد (كورونا)».
لم يقف التوظيف السياسي لأزمة تفشي الوباء هنا. وطائرات وزارة الدفاع والطواقم العسكرية الطبية الروسية، ظهرت في إيطاليا وأقامت معسكرات فيها. والخبراء الروس اتجهوا إلى فنزويلا وإيران وسوريا وبلدان أخرى، ووضعوا لائحة طويلة من «البلدان التي تطلب المساعدة، وغالبيتها في منطقة الشرق الأوسط». وردَّت موسكو بعنف على حملات غربية اتهمتها باستخدام المساعدات لتحقيق أهداف سياسية، وأن «المساعدات الروسية لم تكن في حقيقة الأمر ذات جدوى».
مشهد يوحي بحجم التغيرات على صعيد العلاقات الدولية والإقليمية التي تتطلع بلدان كثيرة إلى تكريسها بعد جائحة «كورونا».
وفي مقابل الدعوات الكثيرة لتعزيز التضامن الدولي في مواجهة الوباء، والاتجاه نحو عقد قمة نادرة لخماسي مجلس الأمن لبحث هدنة عالمية، بدا أن «الحرب الإعلامية» على أشدها في زمن «كورونا». روسيا واجهت الاتهامات ضدها بالتنبيه إلى تعرضها لـ«وباء الأخبار الكاذبة» التي تنشرها وسائل الإعلام الغربية. وقالت الناطقة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا: «لاحظنا خلال الأسبوعين الأخيرين موجة جديدة من التضليل ووباء الأخبار الكاذبة» حول روسيا. ونددت بأن «بعض زملائنا في الغرب لا يتعبون أنفسهم بتحليل الأسباب الجذرية لصعوباتهم، وكالعادة يحاولون إيجاد المذنبين في الخارج ويحاولون البحث عن قوى خارجية خبيثة». وليس بعيداً كثيراً، بدا استعراض العضلات الصاروخية والنووية بين موسكو من جانب و«حلف شمال الأطلسي» (ناتو) من الجانب الآخر، أحد تجليات العلاقات الدولية في مرحلة الأزمة.

- الصين
اللافت أنه في سياق كل هذا، غاب الملف الخلافي الرئيسي بين موسكو والغرب عن جدول الأعمال، إذ لم تبرز تداعيات للوضع الحالي مع الوباء على العلاقة الروسية - الأوكرانية. وباستثناء استمرار الاتصالات الرباعية في إطار «مجموعة مينسك» (روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا) بدا أن موسكو ليست راغبة في تنشيط الحديث عن هذا الملف، بما في ذلك تأكيد «الكرملين» على رفض طرح الموضوع الأوكراني خلال القمة الخماسية المنتَظَرة.
عموماً، ثمة إجماع تقريباً على أن أول تداعيات الوباء تعزيز التقارب الروسي - الصيني، وهذا برز منذ اللحظة الأولى مع ارتفاع صوت روسيا عالياً في الدفاع عن الصين في مواجهة الاتهامات الأميركية، التي وصفها الوزير سيرغي لافروف بأنها «غير مقبولة»، مشدداً على أنه لا يمكن السماح بفتح تحقيق حول مسؤولية الصين عن انتشار الفيروس.
لكن التأثيرات على العلاقة بين موسكو وبكين لا تقتصر على ذلك، ولا على تنشيط «المساعدات المتبادلة»، وتبادل الخبرات الذي شهد نشاطاً متسارعاً.
وهناك مَن يسارع للحديث عن ملامح جديدة في العلاقات الثنائية، والدولية لاحقاً، لكن المهم الآن، أن كل التقديرات تتحدث عن تسريع تعزيز التقارب في ملفات ثنائية وإزاء بلورة الرؤية المشتركة للملفات الإقليمية والدولية، التي تبدو مواقف الطرفين حيالها قريبة أصلاً.
يقول خبراء مركز «كارنيغي» في موسكو إن أزمة «كورونا» سوف تدفع إلى مرتبة متأخرة بعض نزعات التنافس أو فقدان الثقة بين موسكو وبكين في ملفات معينة، وستدفع على المدى القصير إلى تقارب واسع جداً. وفقاً لتوقعات الخبراء، فإن اعتماد اقتصاد روسيا وحاجات التطور التكنولوجي سوف يعتمد بشكل متزايد على الصين، مما سيؤثر على مجالات التعاون الأخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن التقارب الروسي - الصيني ليس مرتبطاً فقط بالأزمات، رغم أنه في ظروف الأزمات تزداد حاجة البلدين إلى توسيع أنماط التعاون وتعميقه. وخلال السنوات القليلة الماضية، كان اعتماد الاقتصاد الروسي على الصينيين ينمو باطراد. وقام البنك المركزي الروسي بزيادة حصة اليوان الصيني في احتياطات النقد الأجنبي.
وبسبب الوباء، ستتسارع هذه العملية؛ لأن تداعيات العزل والإغلاق، والانخفاض غير مسبوق في صادرات النفط، وانخفاض الطلب على الغاز في أوروبا، كل هذا سيوجه ضربة خطيرة للناتج المحلي الإجمالي الروسي.أيضاً، سيتعزز اعتماد موسكو على واردات التكنولوجيا الصينية.
لكن هذا كله، مع تعزيز التنسيق في السياسات العالمية، لا يخفي حقيقة أن روسيا تتحول أكثر إلى «الاخ الأصغر» للصين، من خلال الاعتماد أكثر عليها شيئاً فشيئاً. لقد كتب أندريه كورتونوف، أحد أبرز خبراء السياسة الخارجية الروسية على موقع «مركز كارنيغي» في موسكو: «إن وباء الفيروس التاجي سيسرع بشكل كبير عملية إعادة الهيكلة المستمرة للعلاقات الدولية في اتجاه النظام الأميركي الصيني ثنائي القطب... موسكو وبروكسل سوف تخرجان من الاضطرابات الحالية أكثر ضعفاً بشكل ملحوظ من اللاعبين الآخرين في السياسة العالمية». ولفت إلى أن «واشنطن وبكين، تدركان ذلك جيداً وتحاولان مسبقاً اتخاذ المواقف الأكثر فائدة تحسباً لحقبة ما بعد الفيروس».


مقالات ذات صلة

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.