«كورونا» يعيد الاعتبار للريف السوري كملاذ صحي آمن

ارتفاع الأسعار والازدحام جعلا العيش في المدن جحيماً لا يطاق

طفلة تعرض رسماً أنجزته خلال فترة الحجر الصحي على شرفة شقة في دمشق (رويترز)
طفلة تعرض رسماً أنجزته خلال فترة الحجر الصحي على شرفة شقة في دمشق (رويترز)
TT

«كورونا» يعيد الاعتبار للريف السوري كملاذ صحي آمن

طفلة تعرض رسماً أنجزته خلال فترة الحجر الصحي على شرفة شقة في دمشق (رويترز)
طفلة تعرض رسماً أنجزته خلال فترة الحجر الصحي على شرفة شقة في دمشق (رويترز)

من المفارقات التي يعيشها السوريون في زمن «كورونا» الذي يتزامن حالياً مع شهر رمضان المبارك، أن الوباء «ردّ الاعتبار» لمناطق الريف. فمع استمرار فرض الإجراءات الاحترازية في سوريا لمنع تفشي الفيروس، فضّل كثيرون من أبناء الريف الذين استوطنوا مراكز المدن، لا سيما العاصمة دمشق، الفرار مجدداً إلى الريف، حيث إجراءات الحظر أخف وطأة وتكاليف الحياة المعيشية أرحم مما هي في المدن الكبرى.
فبعد أسبوع من بقائه في الحجر المنزلي، يقول عابد وهو من ريف حمص استقرّ في حي ركن الدين بدمشق بعد تخرجه في الجامعة قبل عشرين عاماً: «تحوّلت الشقة إلى عصفورية (مستشفى مجانين). زوجتي تصرخ لإسكات أولادنا، وأنا أصرخ كي تخفض صوتها وتكف عن إزعاجي، والأولاد يصرخون لأننا نعنّفهم... فكان الحل بتمضية فترة الحجر في الضيعة، فهناك الأجواء ربيعية لطيفة ويمكن للأولاد اللعب في باحة الدار مع أولاد عمومتهم». ويعتبر عابد أن الحجر في الريف تبيّن أنه أفضل من الحجر في المدينة ويوضح: «رغم أن الخدمات، كالكهرباء والماء، أسوأ (في الريف)، لكن ارتفاع الأسعار المتواصل في دمشق حوّل العيش فيها إلى جحيم. فهي أعلى بنسبة 50 في المائة عنها في الريف».
وقرر الفريق الحكومي الخاص بمواجهة انتشار فيروس «كورونا» في سوريا، الثلاثاء الماضي، السماح بتنقل المواطنين بين المحافظات اعتباراً من 30 أبريل (نيسان) ولغاية 2 مايو (أيار) - أي اليوم - ولمرة واحدة فقط ليتسنى للأهالي السفر بين المحافظات بعد تحديد موعد امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية وإلغاء حظر التجول المفروض بين المدن والأرياف ضمن المحافظة الواحدة، وذلك كي يتسنى لأهالي الطلاب العودة. وكانت السلطات قد سمحت سابقاً يومي 20 و21 أبريل الماضي بالتنقل بين المحافظات، وحينها قالت الحكومة إن نحو 25 ألف شخص غادروا دمشق بوسائط النقل العامة، فيما غادر المدن الأخرى ما يتراوح بين الألفين والأربعة آلاف شخص من كل مدينة.
سلمى، التي أمضت عشرة أيام مع أولادها في إحدى قرى ريف حماة، تستعد بكآبة للعودة إلى دمشق. تقول: «عائدون إلى الحبس (السجن)... كنت أتمنى البقاء في الضيعة إلى نهاية شهر رمضان، لكن تحديد موعد امتحانات الشهادة الإعدادية اضطرني للعودة كي يستعد ابني للامتحان». وتضيف: «خلال عشرة أيام ارتحنا من ازدحام دمشق وغلاء الأسعار فيها. شبعنا من أكل ألبان وأجبان وخضراوات نظيفة، بازلاء وفول وسلبين وخبيزة كلها من خيرات الأرض. في دمشق كنا سندفع ثمنها آلاف الليرات».
ويعاني الريف السوري الذي يشكل عدد سكانه أكثر من 52 في المائة من سكان سوريا، منذ عقود طويلة من الإهمال والتهميش، الأمر الذي زاده فقراً ودفع أبناءه للهجرة نحو المدن للتعلم والعمل. كما ساهم غياب التخطيط التنموي في تراجع قطاع الزراعة، بالإضافة إلى إقامة منشآت صناعية مدمرة للبيئة في أخصب المناطق، كمصفاتي النفط في حمص (وسط) وبانياس (على الساحل)، ومعامل الإسمنت والحديد والإطارات في حماة (وسط) التي دمرت أجزاء واسعة من الأراضي الزراعية لتأتي الحرب وتقضي على ما تبقى. ونال الريف نصيباً كبيراً من التدمير والتخريب والتهجير القسري خلال النزاع الدائر في البلد منذ عام 2011. وقدّر عدد النازحين داخلياً في سوريا خلال الحرب بسبعة ملايين نسمة معظمهم تركز في المدن.
ورغم تردي وضع الريف السوري، فإنه شكّل في «زمن كورونا» ملاذاً أفضل لأبنائه من بيوتهم الضيقة في المدن، التي صارت في نظر كثيرين «جحيماً لا يُطاق» نتيجة الازدحام وارتفاع الأسعار. وتقول سوزان، وهي طالبة في كلية الفنون الجميلة في دمشق، إنها غيّرت موضوع مشروع تخرجها بعد ظهور أزمة «كورونا». إذ كان موضوعها عن المرأة في البيت الدمشقي، لكن بعد تعليق الدوام في الجامعة واختيارها الحجر الصحي في بيت جدها في ريف اللاذقية، أصبح موضوع مشروعها عن الضيعة بعد الحرب «المكان الذي نسيناه وأجبرنا فيروس (كورونا) على إعادة اكتشاف جماله وأهميته في حياتنا».


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».