غضب في تركيا من {استغلال} إردوغان مساعدات مرسلة إلى أميركا

الحكومة تدرس رفع الإغلاق تدريجياً... وإسطنبول ستبقى تحت تدابير مشددة

غضب في تركيا من {استغلال} إردوغان مساعدات مرسلة إلى أميركا
TT

غضب في تركيا من {استغلال} إردوغان مساعدات مرسلة إلى أميركا

غضب في تركيا من {استغلال} إردوغان مساعدات مرسلة إلى أميركا

أرسلت تركيا أمس (الثلاثاء) طائرة شحن عسكرية محملة بمستلزمات طبية إلى الولايات المتحدة في إطار دعم جهود مكافحة فيروس «كورونا» المستجد، وسط انتقادات واسعة لحكومة الرئيس رجب طيب إردوغان باستغلال مسألة المساعدات الطبية التي ترسل إلى الخارج في الدعاية لنفسها بينما يواجه المواطنون الأتراك صعوبات حادة في الحصول على أبسط مستلزمات مواجهة الفيروس مثل الكمامات أو مواد التعقيم، فضلاً عن تأمين احتياجاتهم اليومية من الطعام.
وأكدت الرئاسة التركية تضامنها الكامل مع الولايات المتحدة في كفاحها ضد فيروس «كورونا» المستجد. وقال رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، في تغريدة على «تويتر» إن تركيا تواصل إرسال المساعدات الطبية إلى أصدقائها وحلفائها لمواجهة الوباء العالمي الذي شل العالم.
وأضاف أن «تركيا أرسلت 500 ألف كمامة طبية وآلاف التجهيزات الوقائية إلى قاعدة أندروز الجوية الأميركية... نتضامن مع الولايات المتحدة، حليفتنا في حلف شمال الأطلسي (ناتو) في مكافحة (كورونا)».
وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أعلن مساء أول من أمس، أن بلاده سترسل مساعدات طبية إلى الولايات المتحدة لدعمها في مكافحة «كورونا».
وقوبل الحديث المتكرر لمسؤولي حكومة إردوغان عن إرسال مساعدات طبية إلى الخارج بانتقادات واسعة. وقال نائب رئيس حزب «المستقبل» المعارض، سلجوق أوزداغ، إن الحكومة تمارس نوعا من الدعاية لنفسها بالإعلان عن تقديم مساعدات لـ55 دولة، بينها دول كبرى مثل الولايات المتحدة، بينما الشعب التركي لا يجد حتى الكمامات التي عجزت الحكومة عن توفيرها للمواطنين، ولن نتحدث عن معاناة ملايين المواطنين من الجوع حاليا بعد أن ألزموا بالبقاء في المنازل وقطعت عنهم رواتبهم أو الذين فقدوا وظائفهم ولا يجدون قوت يومهم.
وأضاف أنه بينما تمنح الدول الأوروبية مثل إيطاليا وبريطانيا، التي تصنع السياسات والصواريخ والطائرات، العاملين في قطاع النسيج منحا ومساعدات من أجل البقاء في منازلهم، يضغط إردوغان على قطاع النسيج في تركيا، الذي يعتبر من أهم قطاعات الإنتاج في البلاد، من أجل إنتاج الكمامات وإرسالها إلى هذه الدول في صورة مساعدات عن طريق الشركات التابعة لرجال الأعمال المقربين منه.
وتابع أن المواطنين الأتراك يحتاجون إلى القيام بإجراءات محددة للحصول على الكمامات التي أعلن إردوغان أنها ستوزع مجانا، بينما يوهمهم بأن تركيا قوية لدرجة أنها تساعد العالم أجمع للسيطرة على الفيروس.
وذكر الكاتب فاتح يورتسافار أن إردوغان وحزبه يوهمون الرأي العام التركي بأن النظام القوي في البلاد لا يكافح فيروس «كورونا» في تركيا فقط وإنما في العالم أجمع من خلال تقديم المساعدات، لإقناع المواطنين بأن كل شيء يسير على ما يرام في تركيا وأنه لا يوجد انهيار داخلي، مشيرا إلى أن ظهور أي إشارات ولو قليلة عن بدء انهيار النظام قد يؤدي إلى تدخل من عناصر داخلية وخارجية وظهور وجوه بديلة، وأن ما يجعل نظام إردوغان على قمة الحكم حتى الآن هو أنه يقوم بشن حرب نفسية ودعاية من أجل خلق تصور لدى الرأي العام في الداخل والخارج بأن الأمور تحت سيطرته.
في سياق متصل، بدأت الحكومة التركية إجراءات لإعادة الحياة تدريجيا إلى الولايات التي لا تسجل أي إصابة بفيروس «كورونا» خمسة أيام متتالية. ووجهت الرئاسة التركية الحكومة ومختلف المؤسسات للتنسيق واتخاذ قرارات تدريجية في هذا الشأن، في مقدمتها وزارات الداخلية والسياحة والزراعة.
وتقع مهمة تحديد سياسات تخفيف الحظر على عاتق خبراء الصحة العامة التابعين للمجلس العلمي لمكافحة فيروس «كورونا» في وزارة الصحة. وشكلت وزارة الصحة فريقا من هؤلاء الخبراء، لتحديد التدابير الرئيسية الواجب اتباعها في الأماكن المغلقة، والأماكن التي تستدعي إلزامية «الكمامات»، وأماكن العمل التي سيعاد افتتاحها، والقواعد الواجب اتباعها في تلك الأماكن.
وستبقى ولاية إسطنبول خارج خطة إعادة التطبيع حاليا، وستخضع للرقابة الصارمة مدة أطول من الولايات الأخرى، لأنها الولاية التي تسجل أعلى معدل إصابات يومي منذ بداية ظهور حالات الإصابة بالفيروس وحتى الآن.
وقال إردوغان خلال اجتماع عبر الفيديو كونفرس للجنة المركزية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، أمس، إن عجلة الاقتصاد في البلاد ستعود مجددا لسرعتها الكاملة مع رفع تدابير «كورونا» تدريجيا وفق المخطط له، داعيا الشعب إلى الصبر لمدة أخرى.
وتدرس الحكومة إمكانية إعادة فتح اقتصادها باستئناف بعض رحلات الطيران الداخلية بداية من منتصف مايو (أيار) المقبل، واستئناف حركة النقل بالسكك الحديدية وإعادة فتح المدارس من أجل تخفيف العبء على الاقتصاد، إذ تتعرض الليرة التركية واحتياطيات النقد الأجنبي للضغط منذ أكثر من شهر بعد أن اتخذت تدابير بعيدة المدى لمكافحة فيروس «كورونا».
وتميل الحكومة إلى استئناف الرحلات الجوية في عطلة عيد الفطر التي تستمر ثلاثة أيام والتي تبدأ في 24 مايو (أيار) مع تقييد عدد الركاب المسموح لهم في الطائرات والقطارات.
وطلبت مراكز التسوق التي أغلقت أبوابها في مارس (آذار)، إذنا من الحكومة بإعادة فتحها قبل أسبوع من عيد الفطر.

وقال حسين ألطاش، رئيس جمعية مراكز التسوق والمستثمرين، إنه يمكننا إعادة النشاط عن طريق اتخاذ الاحتياطات اللازمة، لكن دور السينما والمطاعم وملاعب الأطفال داخل مراكز التسوق ستظل مغلقة في المرحلة الأولى.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟