منافسة دراميّة تونسية وبرمجة رمضانية «ضعيفة»

دليلة المفتاحي في «قلب الذيب»
دليلة المفتاحي في «قلب الذيب»
TT

منافسة دراميّة تونسية وبرمجة رمضانية «ضعيفة»

دليلة المفتاحي في «قلب الذيب»
دليلة المفتاحي في «قلب الذيب»

شرعت قنوات التلفزة الحكومية والخاصة في بث البرمجة الرمضانية الحالية في ظل الحجر الصّحي، وهو ما تطلب رؤية مختلفة للأعمال الدرامية حتى تتمكن من شدّ انتباه الساهرين.
وعند بث الحلقات الأولى، بدت البرمجة «ضعيفة»، من تصريحات، ولم يقدر الكثير منها على شد المتفرج إذ إنّ معظمها ركز على العنف الأسري والخلافات العائلية، ومواجهة المستعمر الطّاغي بمشاهد قوية وصادمة، وهي مواضيع باتت معلومة خاصة في المسلسلات التي خيرت إنجاز أجزاء جديدة من أعمالها القديمة، وانحصرت المنافسة بين مسلسلات «دنيا أخرى» و«أولاد مفيدة» «قلب الذيب». فمسلسل «دنيا أخرى» الذي يلعب أدوار البطولة فيه، كريم الغربي وبسام الحمراوي ونعيمة الجاني ضمن برمجة قناة «الحوار» الخاصة، بثّ لقطات فكاهية في محاولة لإضفاء الابتسامة على شفاه العائلة التونسية، غير أنّ اعتماده على أسلوب فكاهي كلاسيكي بسيط جعل العمل مباشراً ولم يستسغ التونسيين «البلاهة» التي كان عليها بعض الممثلين الذي حولوا خلال الحلقة الأولى من المسلسل موكب عزاء إلى حفل راقص نتيجة اشتمام كل الحاضرين في المأتم رائحة المخدرات.
أمّا مسلسل «قلب الذيب»، الذي كان محل نزاع قانوني بين قناتي الحوار الخاصة والوطنية الأولى الحكومية، فقد كان من نصيب الوطنية الأولى التي ربحت المعركة وبثت حلقته الأولى في اليوم الأول من شهر رمضان، وعرضت خلاله مشاهد شائكة عن الاستعمار الفرنسي واستهداف المناضلين، فقد سيطرت المشاهد العنيفة مثل رفع السلاح بين الممثلين الذين أدوا أدوار البطولة على غرار فتحي الهداوي وعيسى الحراث ودليلة المفتاحي، وهو ما جعل الكثير من المشاهدين يطالبون بضرورة منع مشاهدته من قبل من تقل أعمارهم عن 14 سنة، فمشاهد العنف والدماء وتنفيذ أحكام الرمي بالرصاص، من غير الممكن أن تمر في رمضان دون أن تترك تأثيراتها النفسية على المشاهد المرهق بطبعه نتيجة الحجر الصحي الشامل نهاراً وحظر التجول ليلاً.
وكانت نسبة المشاهدة مرتفعة لمسلسل «أولاد مفيدة» غير أنّ اللقطات التي بثت خلال الحلقات الأولى كانت مفزعة، فالدماء كانت تكسو وجه أحد الممثلين وقد قربها المخرج إلى درجة جعلت المشاهدين يفزعون منها في شهر رمضان، فهل أخفقت هذه الأعمال في شد المشاهد الباحث عن هدوء نفسي بعيداً عن العنف والدماء؟
«قلب الذيب» هو العمل الوحيد الذي أُنتج العام الحالي، و«أولاد مفيدة» في جزئه الخامس و«دنيا أخرى» في جزئه الرابع، هذه المسلسلات خلقت تفاعلاً كبيراً على منصات التواصل الاجتماعي في تونس، غير أنّ كثرة متابعيها وتفاعلهم معها لا تعكس حسب النقاد جودة تلك الأعمال، بل إن ندرة الأعمال الدّرامية الجديدة خلال هذا الموسم على القنوات التونسية، هي التي أجبرت الكثير من المشاهدين على متابعتها.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».